مصر لاتزال عفية تعرف طريقها، ولن تسمح بزيادة «الإنتروبيا» فالدولة أبداً لاتصنع الفوضي.
في هذا الكون الذي نعيشه، قانون الطبيعة حتم، قانون الحياة اختيار، ومابين الحتم والاختيار يعيش الإنسان وتنمو أو تضمحل الدول، ويزدهر العالم أو يهدد بعضه بعضاً، فالكون لايعرف إلا التراتب والسببية والانتظام لهذا هو مستقر ومستمر وقائم بما يحكمه من قانون حاسم قاطع يطبق علي كل مكوناته ولا مناص لأحد منها الهروب من شروطه وقواطعه، كون ثابت لايعرف الفوضي ولايسمح بها، ومايمكن أن نتصوره من فوضي هنا أو هناك، إن هو إلا بسبب قصور الرؤية ومحدودية العلم لدينا، فما تتصوره أنت فوضي في ظاهرة هنا أو حدث هناك فإنما يحكمه قانون الطبيعة الذي يسمح بقدر محدود مما يمكن اعتباره في تصورنا القاصر فوضي، سميناه طبقاً لقانون العلم «إنتروبيا» التي جاءت الكلمة العامية «إستروبيا» تحويراً لها. وإذا ما زادت معدلات الإنتروبيا في أي نظام فهذا إيذان بالخلل والتحلل والمرض وغوائل الطبيعة وتقلبات الأحوال.
أما آفة البشر والمجتمعات والمؤسسات وحتي الدول والعالم تقع بسبب سوء الاختيار وما يمكن أن تسببه من فوضي وشواش. ولعلي حادثتك مرات في هذا وأفضنا في الشرح والتحليل، لكن ماذا نفعل في بلادنا التي تخاصم فيها قوانا الفاعلة في المجال العام قواعد العلم ومقتضيات الوعي، فتضيق لديهم زوايا الرؤية ويعاقرون الفشل الدائم المحبط بسوء الاختيار، فيؤسسون للفوضي أينما ولوا وجوههم ويشاغلون المجتمع ويشغلونه بتوافه الأمور ويزيدون كل يوم من معاملات الخلل والتسرب «الإنتروبيا» فتضيع طاقتنا فيما لاطائل من ورائه إلا الندم علي الوقت المهدر والفرص الضائعة. إنها الغفلة والحمق، ولعله من سوء الطالع أن تشارك حكوماتنا ومسئولونا في هذا بقدر غير قليل. فقد وسدوا الأمر لغير أهله، فطمع الذي في قلبه مرض، وتطلع الرويبضة « الجهلاء من العامة يتحدثون في أمر الأمة» إلي آفاق ومراتب ماكانوا بالغيها. عندما رخصت الدولة الوظيفة العامة ونزلت بمستواها، فقد تجرأ عليها وعلينا الحمقي والمغفلون، يفتون فيما لاعلم لهم به، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذبا. وراحوا يملئون الدنيا ضجيجاً وسفهاً ويشغلون الناس ويحرجون الدولة ويروجون للأباطيل بادعاء المعرفة ويتطاولون في البنيان ويمارسون الابتزاز وقلة الأدب علنا ولانعلم كيف تسمح الدولة بمثل هذا الهراء الذي جعل الناس يتشككون في صحة منطلقات أحدهم من الحمقي والمأفونين، الذي راح يستقوي بالعدو ويروج له ويتبجح ويمارس «لاهوت القوة» بأن يرد مواقفه المشبوهة للكتب السماوية ويستقوي بالأساطير التلمودية والصهيونية. أين الدولة من هذا الهراء؟ الذي وصل حداً أخطر من السكوت عليه. إنه يورط الدولة كلها، أجهزتها وإعلامها ومجلس نوابها، ويلعب في عقول البسطاء ويدعي مافوق طاقته بكل الحمق ويسوق» العبط علي الشيطنة» يبلبل الناس ويلبس عليهم أمورهم، وصل حد السفه إلي طلبه انتخابات رئاسية مبكرة وحل مجلس النواب، ومقابلة سفير العدو وتوريط أجهزة الدولة ومؤسساتها ولي ذراع النظام كله في تحد غير مقبول. وأنا لا أستعدي عليه الدولة التي نصب نفسه رئيساً مناوباً لها، لكني أتساءل كيف تسمح دولتنا السنية بمثل هذا الهراء والسخف والمصغرة؟ حتي صار السؤال علي ألسنة الخاصة قبل العامة: هل صحيح هو يفعل مايفعله بإس أجهزة الدولة وبالاتفاق معها؟ وإذ أستبعد هذا التخريج صعب التصديق، إلا أن صمت الدولة الذي نعرف ما أوقعها فيه من حرج، وما ادعاه بأنه أبلغ المخابرات العامة قبل مقابلة سفير العدو بأسبوع وأبلغ الأمن الوطني قبلها بأربعة أيام، ووافقوا له وزاره السفير في حراسة الداخلية، وأقسم علي كتاب الله بأنه مطلوب منه أن يدمر فلانا وفلانا من الإعلاميين والصحفيين، إذا صح ذلك فهو أخطر من السكوت عليه، ومع تسليمنا بأن لمثل هذه الأجهزة رفيعة المستوي، خصوصاً المخابرات العامة، حسابات دقيقة لانعرفها، إلا أن من وافقه علي ذلك وسمح له ينبغي أن تحاسبه الدولة، فقد سمح بمهزلة تخصم من قدر الدولة وتقزمها بل تجعلها أضحوكة إن سكتت، ويضعها في مشكلة ومأزق إن تحركت. إنها الغفلة والحماقة، فالدول لاتصنع الفوضي، ولايمكن لمصر وأجهزتها أن تفعل هذا تحت أي اعتبار أوتبرير. إن الرجال الذين فكوا الحصار الدولي عن مصر، وحموا الحدود، وأمننا القومي ضد إرهاب الداخل والخارج، لايمكن أن يتصرفوا أبداً برعونة وخفة فهم لايهزلون في مواقع الجد، وعليهم أن يعيدوا إثبات ذلك لكثيرين من الشعب بدأوا في التشكك والذهول، فنحن في كل الأحوال لانرتضي الظلم لصقور تحمي مصر وأمنها القومي، كذا لانحتمل ان يتشكك أحد فيهم أو يتقول غيره بأن المخابرات تستخدم هذا الذي يحدث كبالونة اختبار لتبدأ في موجة تطبيع مع إسرائيل، فلو صح ذلك السيناريو وكانت مصر بالفعل في حاجة لبالونة اختبار، لما تم التنفيذ بكل هذا الهطل والعبط واللامسئولية. تحدثوا ياسادة وانقذوا جبهتنا الداخلية مما يتناوشها من حزن وخوف وأسي. فكيف تسمحون لمأفون أحمق أن يختطف الدولة والأجهزة والإعلام ومجلس النواب إلي هذا المنحدر الغريب، وتروج أبواقه الإعلامية لمخاطر قادمة وعطش لن يرحم وزراعة تبور ودولة تحاصر، ورموز تشوه وتاريخ يستباح ومستقبل يغتال. ولا تكتفوا بما فعله النائب المناضل كمال أحمد، فالتأديب بالأحذية ليس من مسئوليات الدول والمؤسسات. وبالتأكيد هو ليس مما يردع الحمقي والمغفلين. وفي ذلك قال جعفر بن محمد من حكماء العرب: «الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل كلما ازداد رياً زاد مرارة». وقال المأمون لهارون الرشيد عندما عاتبه علي مقاطعة مجلسه: «لقد قلت لي يا أحمق، ولو قلت لي يا أرعن كان أسهل علي، فقال وما الفرق بينهما، قلت له الرعونة تتولد عن النساء فتلحق الرجل من طول صحبتهن فإذا فارقهن وصاحب فحول الرجال زالت عنه، وأما الحمق فإنه غريزة»، وأنشد بعض الحكماء: «وعلاج الأبدان أيسر خطباً حين تعتل من علاج العقول».
ياسادة المشهد لايسر إلا عدوا، وصورته رغم مافيها من الأسي والأسف، لاتزال واعدة بكل الخير والنصر القريب، وأري في الصورة كما قال الفاجومي الكبير أحمد فؤاد نجم:
رفاق مسيرة عسيرة وصورة حشد ومواكب
ف عيون صبية بهية عليها الكلمة والمعني
والليل جزاير جزاير
يمد البحر يفنيها والفجر شعلة ح تعلا وعمر الموج ما يطويها
والشط باين مداين عليها الشمس طوافة
ايدك في ايدنا ساعدنا دي مهما الموجة تتعافي
بالعزم ساعة جماعة وبالإنصاف نخطيها
مصر يا امّة يا سفينة مهما كان البحر عاتي
فلاحينك ملاحينك يزعقوا للريح يواتي
اللي ع الدفة صنايعي واللي ع المجداف زناتي
و اللي فوق الصاري كاشف كل ماضي وكل آتي
عقدتين والتالته تابتة تركبي الموجة العفية
توصلي بر السلامة معجبانية وصبية.. يا بهية
مصر لاتزال عفية تعرف طريقها، ولن تسمح بزيادة «الإنتروبيا» فالدولة أبداً لاتصنع الفوضي.