عالم أزهري: التحرش اضطراب سلوكي وعلاجه الردع القانوني

التحرش جريمة دينية وأخلاقية
التحرش جريمة دينية وأخلاقية

تتجه مصر إلى تغليظ عقوبة الحبس والغرامة لمرتكبى التحرش، ليكون جناية بدلا من جنحة، وزيادة العقوبة عند التكرار أو استخدام السلطات المختلفة للضغط على المجنى عليه ومنها السلطة الوظيفية والأسرية وغيرها، وعدم التفريق بين التحرش الإلكترونى وبين التحرش المباشر وذلك لفظا وفعلا وإيحاء، وبمناسبة ذلك نقدم رؤية دينية مستنيرة للدكتور محمود الهوارى عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر والباحث الشرعى بهيئة كبار العلماء، حول أسباب التحرش وحكمه والعلاج الإيمانى والمجتمعى الموازى للقانون الرادع.

د. محمود الهوارى

يقول الهوارى: بعض ما يجرى فى الحياة من أحداث وسلوكيات أجراس تنذر بالخطر الداهم على المجتمعات ومنظومة القيم والأخلاق ومنها جرائم التحرش والتى لا تصدر إلا عن النفوس المريضة التى توجه همتها إلى التدنس بأوحال الشهوات بلا ضابط عقلى أو إنسانى فيهدد المتحرش الأمن المجتمعى وينشر الفاحشة فى الذين آمنوا ويسعى فى الأرض فسادا ويكون من المنافقين الذين وجه الله تعالى نظر الحاكم إليهم للحد من سوء أفعالهم وما يصدر عنها من أذى تخويفا أو تهديدا أو إنتهاكا أو اغتصابا يقول تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) وقد أعلن الإسلام الحرب على فاعل هذه الجرائم بالعقاب الشديد فى الدنيا والآخرة، ويستكمل : فى الوقت الذى نحيى فيه التشريع القانونى الذى يحافظ على الأعراض ويصون العورات والحرمات بتغليظ عقوبة الحبس والغرامة لمرتكبى التحرش ويكون جناية بدلا من جنحة،لابد أن نتذكر أن التحرش قبل أن يكون جريمة أخلاقية يعاقب عليها القانون فإنه مخالفة شرعية لاعتدائه على الفضيلة والبعد عن المنهج الربانى والأخلاقى الذى تتميز به شريعتنا السمحاء التى أولت كرامة الإنسان وما يتعلق بها من دين ونفس وعرض وعقل ومال عناية خاصة فجعلت التعدى على الحرمات والأعراض بأى صورة من كبائر المخالفات الشرعية فضلا عن كونها من الأمراض الأخلاقية والآفات الحضارية.

ويضيف: عظم النبى صلى الله عليه وسلم من حرمة الأعراض وأعلن هذا فى جمع كبير وزمان شريف ومناسبة شريفة فسأل الناس يوم النحر فقال: يا أيها الناس أى يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، قال: فأى بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال : فأى شهر هذا؟ قالوا : شهر حرام، قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا، فتأمل كيف جعل حرمة الأعراض كحرمة الشهر الحرام فى البلد الحرام، ويؤكد : الإسلام بجملة تشريعاته يحرص على تحقيق العفة العامة ولذا حرم الزنا وبغضه وبشعه فى نفوس الناس، ولم ينه عن الوقوع فيه فقط وإنما نهى عن القرب منه فقال الشارع الحكيم: «ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا»، وحرم الخلوة التى قد تؤدى إليه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )، وحرم الكلمة اللينة التى تطمع مرضى القلوب فقال تعالى :( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا)، وحرم النظرة التى تكون طريقا إلى الزنا فأمر الرجال بغض النظر وناداهم بوصف الإيمان الذى يوقظ قلوبهم ويدعوهم للاستجابة لأمره فقال تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون».

كما أمر المؤمنات فقال تعالى: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، ونشرا للطهارة والعفة فى المجتمع حرم الإسلام مجرد النظر بشهوة إلى المرأة أو مسها بشهوة.

ويوضح: معالجة التحرش ينبغى ألا تقف عند سن القوانين الرادعة وإنما يتزامن معها معرفة أسبابه لعلاجها ومنها ضعف دور الأسرة فى التربية، وأوقات الفراغ الكبيرة لدى الشباب وشغلها بمشاهد غير سوية تغزو أبصارهم وعقولهم، وتراجع المؤسسات التربوية عن إيجاد صيغ نافعة توجه طاقات الشباب، والاستهانة بالذنب لضعف الوازع الدينى وتحول نظرة المجتمع عن العفاف وأنه أساس الأخلاق، وعدم استغلال طاقة الزيادة السكانية لزيادة الإنتاج لتتحول عن زيادة الانحراف، وأن نضع فى الاعتبار أن القانون يعاقب على وقائع أما الشرع فيقى المجتمع قبل أن تكون هذه الوقائع ولذا من الضرورى رفع الوعى الدينى والمجتمعى بأشكال التحرش وخطورته المدمرة للأخلاق والحياء، وتنظيم برامج تربوية ودينية ورياضية تعمل بالموازاة مع القانون على تهذيب الأخلاق وتعريف الوالدين والشباب بواجباتهم ومسؤلياتهم فالتحرش إضطراب إيمانى وسلوكى يدعمه خلل مجتمعى يحتاج تنفيذ رادع للقانون مع العلاج النفسى للحالات المرضية، فمن أشد الأذى أذى العرض وما لا يرضاه المتحرش لأمه أو أخته أو زوجته أو ابنته لا يرضاه الناس لأهليهم، وليتذكر المتحرش أن الله معه فى خلواته يرى أفعاله وما توسوس به نفسه فبماذا سيجيب عندما يقف بين يدى الله يسأله؟ يقول سبحانه: «أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون».