محمود الوردانى
لأسباب تتعلق على الأغلب بالسن والظروف الصحية، وربما الضجر، وغياب القدرة على احتمال الضجيج والزحام، توقفتُ منذ سنوات عن الذهاب إلى معرض الكتاب واعتذرت عن عدم المشاركة فيما دعيت إليه من الندوات بل لم أر المقر الجديد للمعرض بعد انتقاله من صلاح سالم إلى التجمع، ولاأنوي هذا.
ومع ذلك وعلى الرغم منه، أقر بصواب إقامة المعرض هذا العام حتى في غير موعده، وباقتصاره على ما انتهى إليه منظموه من إجراءات احترازية ضرورية.. باختصار لاضرورة هذا العام للأنشطة المعتادة مثل المقهى الثقافي أو الندوات وحفلات التوقيع ومهرجانات الشعر( لاأناقش هنا جدواها وأهميتها ونسبة حضورها.. إلخ) لكنني أرى صواب القرار بإلغائها واستبدالها بماهو ضروري من ندوات تعتمد على تقنيات لاتستلزم الحضور واللقاء المباشر.
لن أضيف جديدا ولا أبالغ عندما أقرر أن الكتاب مهدد وصناعة النشر ذاتها مهددة، وشأنها شأن أي صناعة يجب أن تبيع منتجها وتحقق ربحا معقولا يسمح باستمرارها. والمشكلة أن الصناعة اصطدمت بحائط خرساني صلد حقا، باعتمادها على المعارض العربية السنوية، بل وأصبح معروفا ومستقرا أن المعرض المقام في البلد الفلاني أو العاصمة الفلانية يحقق مبيعات نسبة أرباحها كذا، ومجموع المعارض يحقق كذا، واستقرت دور النشر العربية وليست المصرية فقط على هذه العُمد وبَنَت حساباتها على هذا الأساس. ولذلك وبعد عامين من تفشي كورونا وتوقف كثير من المعارض أو فرض إجراءات احترازية شديدة (وضرورية) على مايقام منها، ظهرت الآثار بالغة الخطورة والخسائر المهددة لاستمرار الصناعة وتقلصت أعداد العناوين الجديدة.
وهكذا فإن مجرد انعقاد المعرض بأي شكل حتى في غير موعده مع إلغاء الاحتفاليات والمهرجانات، ومع فرض إجراءات احترازية هو في صالح الكتاب واستمراره وفي صالح صناعة النشر، حتى لوكان مجرد إلقاء حجر في المياه الراكدة.
وهنا أود أن أضيف أن الواجب الأول المتعين على الناشرين، سواء كانوا من أصحاب دور النشر المختلفة، أو دور النشر التابعة لوزارة الثقافة مثل هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة او الدور التابعة للمؤسسات الصحف، واجبها أن تتوقف طويلا لدراسة الظاهرة والنقاش حولها والبحث عن حلول لها.
لاحل إلا البحث عن حلول جديدة إذن ، مادامت المعارض السنوية العربية ليست مأمونة الجانب، خصوصا بعد أن تحولت الأخيرة وباتت هي المنفذ الوحيد. لابد من تغيير هذا الوضع المهتز المعرّض لتقلبات لا نملك نحن البشر دفعا لها مثل الوباء الذي اجتاح العالم، وأدى إلى إجراءات ضرورية مثل تلك التى شاهدناها.
أفكر مثلا فى بناء شبكات توزيع مختلفة وقوية وخلق منافذ جديدة، وهناك ما يتجاوز خيالى المحدود والمتعلق بكيفية الاستفادة من الإنترنت وشبكات التواصل وماإلى ذلك مما بدأ بالفعل، وهناك نماذج محددة منه تعتمد على بيع الكتب أون لاين. أفكر فى التغيير الضرورى المتمثل في الاستغناء عن المعارض، أو على الأقل ألا تكون المعارض وحدها هي سوق الكتاب، على ألا يتم هذا دفعة واحدة، بل هي عملية طويلة تبدأ بانتشار شبكات توزيع فى مختلف العواصم العربية، تتولى هذا الأمر بشكل احترافى، وتبتدع الأساليب والطرق المناسبة لتوزيع الكتاب وخلق أسواق جديدة له.
وأخيرا أرجو ألا يكون ماكتبته هنا مجرد أحلام أوسطور يضيع تأثيرها بعد النشر، وأتمنى أن يتبنى هذه الأفكار البسيطة من يستطيع أن يبث فيها الروح.