نبيل فهمي في حوار لـ«الأخبار»: 30 يونيو أعادت الهوية وتنتظرنا مهام بالداخل والخارج

 نبيل فهمى خلال حواره مع «الأحبار»
نبيل فهمى خلال حواره مع «الأحبار»

- لا نملك رفاهية الخيار بين العمل الداخلى أو الخارجى.. وموقعنا يفرض تداخلاً بين الأمرين

- المحور العربى بدايته ونهايته مصر.. والمنطقة قادرة على تجاوز الأزمات
- الأجندة السياسية المصرية فى ليبيا تحقق الاستقرار.. وخروج القوات الأجنبية أهم البنود


فى قائمة الوزراء الذين تخرجوا فى كليات علمية، يبرز اسم السفير نبيل فهمى، كشخصية فريدة تخصصت فى العمل الدبلوماسى، الذى ربما يبدو بعيدًا من الناحية النظرية عن مجال دراسته فى كلية العلوم والهندسة بالجامعة الأمريكية، ولكن من الناحية العملية، فإن هذه الدراسة أثقلت قدراته على التفكير بشكل علمى وهادئ ومنظم، لتضيف كثيرًا إلى شخصيته الدبلوماسية التى تشكلت فى بيت والده إسماعيل فهمى، وزير الخارجية المصرى خلال الفترة من 1973 حتى 1977.

وكما تقلد الوزير الأب إسماعيل فهمى، الذى عرف عنه قدرته على التفاوض، مسئولية الوزارة فى فترة شديدة الحساسية من التاريخ المصرى، عقب حرب أكتوبر، فإن الابن تقلد المسئولية فى فترة لا تقل صعوبة بل تزيد، حيث كانت مصر تواجه أعداء من الداخل والخارج.. وتقلد الابن المسئولية بعد 16 يومًا من ثورة 30 يونيو، واستمر فى مهمة قيادة الدبلوماسية المصرية حتى 8 يونيو من عام 2014، حيث كانت مصر وقتها تواجه جماعة الشر والإرهاب بالداخل، وافتراءات وشائعات بالخارج تحاول أذرع تلك الجماعة تصديرها لرسم صورة مغايرة للواقع الذى يحدث على الأرض المصرية.. وتحمل مهندس الدبلوماسية المصرية الوزير نبيل فهمى خلال هذا العام عبء تصحيح الصورة بالخارج، ليكون أحد الجنود الذين خاضوا حرب العبور بمصر إلى بر الأمان بعد ثورة 30 يونيو.

ومع الاحتفال بالذكرى الثامنة لهذه الثورة المجيدة، أكد فهمى فى حوار مع الأخبار، أنها استطاعت تحقيق نجاحات عديدة ليس على المستوى المصرى فقط، وإنما أيضا على المستوى الإقليمى، واستعادت الهوية الوطنية، التى كانت تسعى الجماعة لتغييرها، ولايزال أمامها الكثير.. وتطرقنا فى حوارنا معه إلى أزمة سد النهضة، حيث شدد على أن القاهرة لا تقف ضد مصالح أديس أبابا فى إحداث التنمية، وإنما كل ما تسعى إليه التوصل لاتفاق ملزم لكل الأطراف، .. وإلى نص الحوار:

نعيش هذه الأيام الاحتفال بالذكرى الثامنة لثورة 30 يونيو.. كيف نجحت تلك الثورة فى استعادة التوازن بالمنطقة فى ظل ما شهدته دولها من اضطرابات تسبب فيها ما أطلق عليه «الربيع العربي»؟

نقيم ونقدر حجم ثورة 30 يونيو يجب أن ننظر إلى ما حدث منذ بداية العقد الثانى من هذا القرن، حيث كانت المنطقة تشهد اضطرابًا مجتمعيًا فى عدد من الدول العربية، اضطرابات تمخضت عنها ثورة يناير 2011، تعبيرًا عن رغبة شعبية فى بناء المستقبل، وهو ما تكرر فى عدد من الدول العربية، ومع سعى الجماعة لاستغلال تلك الثورة لتغيير الهوية المصرية، جاءت ثورة 30 يونيو 2013 لحماية تلك الهوية و لاستكمال مسيرة التطلعات والأمانى الشعبية فى المشاركة فى بناء مستقبل افضل

وما أبرز الإنجازات التى حققتها ثورة يونيو؟

أول تلك الإنجازات التى حققتها ثورة 30 يونيو، هى استعادة الهوية المصرية، كما نجحت فى احياء العزيمة الوطنية والتوجه فى إعادة البناء المؤسسى داخل مصر، ودفع المصريين للتعامل مع قضاياهم بواقعية أكثر وبشكل عملى، وذلك بقدر كبير من الإنجاز والمحاسبة، وساهم ذلك فى تغيير التوجهات السياسية، ليس فى مصر فقط، وإنما فى منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، حيث تم توجيه الدفة مرة أخرى نحو الهوية الوطنية بدلًا من الهوية الإيدلوجية، فضلا عن تنشيط الدور المصرى والعربى والإقليمى بما يحافظ على الاستقرار ويحمى الحقوق.

هل حققت 30 يونيو كل أهدافها؟

هناك عمل وطنى داخلى لإعادة البناء، وجهد يحفظ الامن والاستقرار الوطنى والاقليمى، فضلا عن برنامج وطنى إقليمى لاستعادة الدور الإقليمى، خاصة أنك لا تستطيع لعب الدور الإقليمى دون البناء الداخلى، أو البناء الداخلى فى غياب الدور الإقليمى، خاصة أنه عندما تكون الهوية المصرية مستقرة تستطيع التصدى للتحديات الخارجية، كما ان ثورة 30 يونيو أعطت ثقلًا جديدًا للدول العربية، وهذا يحمل جيل 30 يونيو المسئولية، حيث عليه الاستجابة لتطلعات ثورة 2011 وهى المشاركة المجتمعية، والاستجابة لتطلعات ثورة 2013 باستعادة مكانة مصر إقليميًا ودوليًا، كما أنه على هذا الجيل أيضا القيام بدور البناء لشرق أوسط جديد، خاصة أن الشرق الأوسط مفتت ومضطرب، ومن ثم فالإنجاز كبير ومشهود ومقدر، وكذلك مشوار البناء المجتمعى بما فى ذلك المنظومة السياسية المنفتحة والمتنورة والمبتكرة، والتى تعتبر الركيزة الاساسية للقوة الناعمة المصرية، التى حققت لنا الريادة الشرق اوسطية فى الماضى.

مازلنا نشعر أن بعض الدول العربية تدفع فاتورة ما يسمى بالربيع العربى.. هل هذا صحيحًا؟

لا أميل الى استخدام هذا التعبير لأن التغيرات المجتمعية والتى تشكل ثورات مكتملة تستغرق وقتا طويلا ومن الطبيعى أن تمر بكبوات، لنتذكر الثورة الفرنسية على سبيل المثال، إنما يهمنى التسجيل أننى أتفهم تماما دوافع المصريين الوطنيين الذين شاركوا فى ثورة 2011، حيث كانت هناك بوادر متعددة لدينا وفى دول عربية عديدة تعكس أن هناك حاجة لوقفة وعملية اصلاح، وحاجة لتغيير المناخ العربى، والدليل على ذلك حدوثه فى أكثر من منطقة وبأكثر من طريقة، دولة مثل مصر ذات جذور عميقة تحملت اضطرابات الربيع العربى وعبرت بحر أزماته، ولكن مازلنا فى مرحلة البناء وتحقيق تطلعات المواطنين، خاصة أن التحدى الاكبر يتمثل فى البناء المجتمعى وتغيير الثقافة السياسية.. كما أن مصر من الدول الفريدة فى الشرق الأوسط التى ليس لديها رفاهية الخيار بين العمل الدولى والإقليمى والعمل الوطنى، فنعتمد على مصادر خارجية للغذاء والماء والسلاح والاستثمار ونعيش على قارتين وبحرين، ومن ثم من الطبيعى أن يحدث تداخل بين الداخل والخارج ليس بين الحين والآخر، وإنما بين اللحظة والأخرى، وهذا الأمر يحتاج إلى الحفاظ على الاستقرار الداخلى، وقوة الاتصال بالخارج فى آن واحد، فليس لدينا رفاهية الاختيار بين العمل الوطنى أو الإقليمى والدولى.

أزمة سد النهضة

ما الحل الأمثل للخروج من أزمة سد النهضة الاثيوبي؟

أزمة سد النهضة تفاقمت نتيجة لغياب التفكير الاستراتيجى طويل الأجل من بعض الأطراف، ومحاولة فرض الأمر الواقع وقرارات أحادية على الغير، وإذا نظرنا لحقيقة الأمر، فلا يوجد تعارض بين احتياجات الدول الثلاث، فأثيوبيا تريد المزيد من التنمية ولديها رصيد من المياه والأمطار يفوق بكثير ما تحتاجه، والسودان لا يريد المزيد من المياه، وإنما الانضباط فى معدلات التدفق، بينما مصر تحتاج لمزيد من المياه نتيجة لزيادة النمو السكانى، وهناك وفرة فى المياه لدى دول المصدر، ولكن الأزمة تتمثل فى ان الدول الثلاث منذ ما يزيد على 30 عامًا لم تنظر إلى تلك الأبعاد والعناصر نظرة استراتيجية تحقق التنمية لاثيوبيا والانضباط فى التدفقات للمياه للسودان واحتياجات مصر من المياه، والآن أثيوبيا تكرر نفس الخطأ بالمناورة تكتيكيا للحصول على مزايا على حساب الغير وفرض الامر الواقع، علما بأن الحلول الاستراتيجية هى الأوقع والأفضل فى القضايا الوجودية.

وكيف ترى التعنت الأثيوبى وفشل التفاوض لحل الأزمة؟

نواجه الآن استغلال إثيوبى لظروف معينة ورغبتها فى بناء سد يفوق كثيرًا احتياجاتها التنموية الحقيقية، كما أن إثيوبيا تريد ان يكون لها اليد العليا والطولى فى اتخاذ قرارات معدلات مرور المياه، وهذا يتناقض مع كل قواعد القانون الدولى، وإذا أرادت الاستمرار فى هذا الامر سيكون الصدام قادما.

أى نوع من الصدام محتمل حدوثه؟

الوضع خطير للغاية، لأنه فى حال استمرار رغبة أديس أبابا فى فرض سياسة الأمر الواقع والتحكم فى إدارة الأمور وحدها لن تكون المفاوضات مجدية، بل سيشكل الأمر سابقة خطيرة تتجاوز سد النهضة مع خطورته، خاصة أنك لا تضمن تغييرات المستقبل، فى ظل التصريحات الإثيوبية ورغبتها فى بناء المزيد من السدود، ومن ثم لا محالة من أن تنتهى هذه الممارسات إلى صدام سياسى وقانونى، وغير ذلك ايضا، لأنها قضية وجودية لذلك يجب أن تكون هناك ترتيبات ثلاثية حول معدلات مرور المياه، خاصة أن مصر لا تقف أمام رغبة إثيوبيا فى بناء السد للتنمية ولكن كل ما تريده مصر وجود اتفاق ملزم لجميع الاطراف كى لا تتغير الأمور مستقبلا حال تغير الحكومات.

وهل من الممكن الوصول لاتفاق وشيك بين الدول الثلاث؟

الأزمة كما ذكرت سابقًا تتمثل فى رغبة أثيوبيا فى فرض سياسة الأمر الواقع والملء الثانى على الأبواب، لذلك استبعد كثيرًا الوصول لاتفاق وشيك وأتمنى أن أكون مخطئًا خاصة ان أديس أبابا تتعامل بمبدأ صاحب اليد العليا وترفض الوصول لصيغة اتفاق ملزم، ومن ثم الوصول لاتفاق وشيك خلال الأيام المقبلة صعب، وإنما يمكن الوصول الى ترتيبات مستمرة طوال فترة المفاوضات حول اتفاق شامل، بشرط أن تكون ملزمة إلى ذلك الحين، والتخلى عن القرارات الأحادية المهمة، وتكون هناك آلية سريعة لفض الخلافات ضمانا لحسن إدارة السد، بمعنى تترك لإثيوبيا اتخاذ قرارات شفافة حول بعض القضايا غير الجوهرية التى لا تمس مصالح الغير، على ان تكون القرارات ثلاثية فى القضايا المهمة مثل معدلات مرور المياه، ويتم إنشاء آلية تحكيم صغيرة وسريعة تتعامل مع النقاط الخلافية وتتخذ قرارات ملزمة للجميع.

وهل تتوقع استجابة إثيوبية لمثل هذا الطرح؟

أشعر بقلق عام إزاء الموقف الإثيوبى فى هذه القضية، خاصة ان الظروف الداخلية الإثيوبية ستجعل الوصول إلى مثل تلك القرارات أمراً صعباً، ولا تتوافر إرادة دولية لاتخاذ مواقف قوية لحل النزاع، والتركيز يقع اساسًا على إدارة الازمة وتجنب الاشتباكات العسكرية وإنما ليس على الحل ذاته، ومرة اخرى المشكلة تتمثل فى محاولة إثيوبيا فرض سياسة الأمر الواقع، وهذا سيجعل الصدام حتميا.

وماذا عن الموقف الأمريكى إزاء تلك القضية؟

لايمكن الاعتماد على الدول الكبرى فى حل قضية سد النهضة، خاصة أن حساباتها واحتياجاتها معقدة للغاية.

المحور العربى

كيف يمكن لمصر والدول العربية أن تشكل محورًا قويًا يستطيع التصدى لأزمات المنطقة؟

المنطقة العربية تشهد أوضاعًا غير مستقرة واضطرابًا، فالأوضاع فى سوريا مشتعلة، والعراق لايزال غير مستقر، وكلنا نرى ونتابع ما يحدث فى اليمن، بالإضافة إلى تنازع إيران مع الدول الخليجية، وتعنت إسرائيل فى القضية الفلسطينية، وكل ذلك لا يقابله صوت عربى واحد، لأن الكل مشغول فى مشاكله الداخلية، لذلك كان الوضع مقلقا ومخزيا والفراغ العربى مقلق، ولكن فى الآونة الاخيرة بدأنا نرى بوادر لنشاط عربى، وإن كان متقطعًا ولا يعكس توافقًا كاملًا، وانما بداية، فكلنا رأينا ما فعلته مصر فى الصيف الماضى عندما وضعت خطًا أحمر فى ليبيا حفاظًا على الامن القومى المصرى، ومصر هى نقطة الارتكاز العربى والقادرة على قيادة محور عربى قوى، خاصة أنها أكثر دولة لها ريادة فى المنطقة، واستعادة المحور العربى بدايته وعصبه مصر، فنرى التعاون المصرى العراقى الأردنى، وكذلك التعاون المصرى الخليجى، فهناك فراغ عربى رهيب، وبدأ يحدث قدر من التعاون لمواجهة المخاطر، والمطلوب مزيد من التعاون والعمل المشترك الجاد مع البعد عن التصريحات والتعبيرات الانشائية وان تتطابق المواقف والثوابت والمنطقة العربية قادرة على عبور تلك الأزمات وتجاوزها.

استقرار ليبيا

مصر تبذل مساعى عديدة من أجل عودة الاستقرار فى ليبيا.. كيف ترى تلك التحركات والمساعى؟

النظام السابق فى ليبيا قضى على كل مؤسسات الدولة، ولم تعد هناك مؤسسات فى ليبيا بعد رحيل القذافى، لذلك إعادة بناء المؤسسات تعد على رأس الأولويات، والقوات المسلحة الليبية تلعب دورًا كبيرًا فى حماية الموارد الليبية، خاصة أن ليبيا دولة لها موارد عديدة تجعلها مطمعًا لدى البعض، ولكن لكى يعود الاستقرار للأراضى الليبية يجب أن تخرج القوات الاجنبية من أراضيها، وهذا ما تطالب به مصر وتؤكد عليه بصفة مستمرة، وتبذل كافة المساعى فى هذا الإطار من أجل أن تستعيد ليبيا استقرارها وتوازنها وتعود لها مؤسساتها، كما أن استقرار ليبيا يعد أولوية للاستراتيجية المصرية فالأجندة السياسية المصرية فى ليبيا تتمثل فى عودة الاستقرار وتأمين الحدود وزيادة الاستثمارات المصرية فى ليبيا.

المصالحة مع قطر

كيف ترى التقارب العربى القطرى فى الفترة الأخيرة؟

أنا عروبى الهوية، وأميل للمصالحات «العربية العربية»، ومن ثم أؤيد أى جهد على هذا النحو، بما فى ذلك مع قطر، ولكن يجب أن تنتقل المصالحة من الأقوال إلى الأفعال، والبيان العربى الأخير الصادر من اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجى «بيان العلا» جيد لأنه يكشف عن توافق عربى، ولكن الأهم من البيان الأفعال على الأرض، خاصة ان مصر لم يكن لها موقف عدائى مع قطر، والاستثمار القطرى مفيد للجانبين، وانما لم يكن سبب الاختلافات ولن يكون حلا للتغلب عليها، الاختلاف فى بعض المواقف لا يقلق الجانب المصرى، ولكن ما ترفضه مصر جملة وتفصيلًا هو التدخل فى الشأن الداخلى المصرى فهذا الامر غير مقبول على الإطلاق، على العموم أتطلع خيرا وسأزداد ثقة عندما ارى أفعالًا تترجم الاقوال الى مواقف ومصالح مشتركة واستقرار للمصالحة.

وما الأسباب التى أدت لتغيير الموقف القطرى مؤخرًا؟

العالم فى مرحلة تحول من القضايا السياسية العالمية الكبرى إلى إقليمية القضايا والتعامل معها فى اطار اقليمى، وأسباب تغير الدور القطرى فى السابق والحالى يعود إلى حسابات وجهد للمحافظة على مكانة فى المنطقة، خاصة أن المنطقة تشهد تغيرات كثيرة، ومجتمع دولى لم يعد يعطى للشرق الاوسط نفس الاهتمام، مما يفرض التركيز بمعدلات اعلى على العلاقات الاقليمية وتوازناتها على حساب التوازنات والاعتماد على الدول الكبرى.

القضية الفلسطينية

مصر نجحت فى إيقاف العدوان الإسرائيلى على الأراضى المحتلة.. وأعقب ذلك إعلان الرئيس السيسى عن مبادرة لإعادة الإعمار ..هل تتوقع استمرار وقف اطلاق النار؟

التحرك المصرى لوقف إطلاق النار فى فلسطين كان تحركا منطقيًا وإنسانيًا، وذلك للحفاظ على الأمن القومى الخاص بالحدود المصرية، والتزام مصر تجاه الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية، كما أن تحرك مصر يأتى من دورها الإقليمى والوطنى الكبير، حيث تعلم مصر بأن كافة الأطراف ليسوا متعاونين، ولكنها نجحت فى وقف إطلاق النار وتثبيت أسس عملية السلام لإعادة الإعمار، فالمبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة إيجابية ولكن ما نخشاه ألا يستمر وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل، حيث يجب أن تكون هناك نية صافية فى التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث إن وقف إطلاق النار كان خطوة وليس الحل، والخطوة لن تدوم اذا لم تصدق النوايا .

هل تغيير الحكومة الإسرائيلية يزيد من استقرار الأوضاع أم يزيدها تعقيدًا؟

الحكومة الإسرائيلية ائتلافية، وتضم تيارات سياسية غير ثابتة على قرار واحد، وما جمعهم هو رفضهم لاستمرار رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى منصبه كرئيس مجلس الوزراء، وما يجب ان يفعله الفلسطينيون والعرب هو تحريك المسار الانسانى والقانونى الاقليمى والدولى فضلا عن المسار السياسى لتثبيت اسس عملية السلام والحق العربى حتى لا تتآكل ازاء المتبنيين لسياسة فرض الامر الواقع وفلسفة القوة على حساب الحق والقانون، ولا يجوز الاستمرار على نفس المناهج الماضية، حيث إن ما جدّ هو رفض دولى عام ضد الممارسات الإسرائيلية بالقدس وتهجير وقتل المواطنين الأبرياء، كما يجب على المجتمع الدولى وبشكل خاص المجتمع العربى دعم المواطنين الفلسطينيين بقطاع غزة أو الضفة الغربية.

العلاقات المصرية الأمريكية

أخيرًا.. كيف ترى العلاقات المصرية الامريكية فى ظل الإدارة الديمقراطية بقيادة جو بايدن؟

سياسة أمريكا هى التركيز أولا وأخيرا على مصالحها والاهتمام بالاطراف الفاعلة فى كل منطقة، والرئيس الامريكى بايدن يتحدث كثيرا عن الحق والباطل والقانون والديمقراطية وانما لا يترجم افعاله الى اقوال لانه سياسى مخضرم واقعى الطباع، التقى مع الرئيس بوتين فى اول جولة له بالخارج، ويعمل الآن على ترتيب لقاء مع الرئيس الصينى رغم انه اعتبرهما أخطر التحديات الدولية لبلاده.

وتحدث خلال حملته الانتخابية عن رغبته فى تجنب الانغماس فى المشاكل الشرق أوسطية، .. وتأخر فى الاتصال بقادتها ، إلا انه عندما انفجرت احداث القدس وغزة، أجرى الرئيس الامريكى بايدن اتصالين بالرئيس السيسى خلال أربعة أيام فقط، واشاد بجهده والدور المصرى فى المنطقة، خاصة أن الدور المصرى فى المنطقة أكبر مما أنجز لوقف إطلاق النار بغزة، فالعلاقة المصرية الامريكية ضرورية وستستمر، لأن واشنطن والقاهرة تقدران اهمية تلك العلاقة فى حماية مصالحهما، فإذا أرادت أمريكا أن تحافظ على الدور الإقليمى يجب أن تحافظ على علاقتها بمصر، كما أن مصر لا تستطيع بأى شكل من الأشكال أن تقطع علاقتها بأمريكا، باعتبار اننا دولة اقليمية مهمة ونشطة ومن الطبيعى ان تتقاطع العلاقات والمصالح مع اقوى دولة فى العالم، ستستمر العلاقات وإنما ستمر بين الحين والآخر بمراحل وتجارب غير مريحة لاختلاف الرؤى والاولويات، فالعلاقات علاقات مصالح دون قطيعة أو محبة.