القرد انتحر

القرد انتحر
القرد انتحر

وصل المحقق فى ذلك الصباح إلى مكتبه أغلق هواتفه المحمولة كلها، ليتفرغ لمتابعة ثلاث أجهزة لاسلكية أخرى عليه متابعتها بانتباه شديد، وهاتفين ثابتين على مكتبه من أبو سلك، بدأت الإشارات تتوالى على الأجهزة، فلانة قتلت زوجها فى المنطقة الفلانية وقطعته اربا اربا، وعلان ذبح شقيقته لانها كانت على علاقة بالواد حمادة ابن الست جارتهم، وفلانة وعلان ثبتت علاقتهما الغرامية ببعض، وأنهما اشتركا فى القضية موضوع الدعوى.. وما أن فرغ من تلقى «تمام» هذه البلاغ، حتى بدأت اشارة أخرى تناديه باسمه على جهاز مختلف..
بضرورة التصرف وتأمين منطقة أخرى شب بها حريق هائل وسكانه معرضون للخطورة الداهمة، والنار تلتهم الأخضر واليابس.. فى هذه اللحظة دخل عليه مساعده ليخبره ان السيدة شاه بان هانم بنت قلعاوى باشا الملط وهى بنت الحسب والنسب وإحدى ساكنات المنطقة الأكابر، أصابتها فجأة دوخة بسبب اول لما خرجت من باب شقتها بسبب منظف الأرضيات الذى يستخدمه «الزفت» أثناء تنظيف السلم.. ولابد من مقابلته لحل هذه المسألة، والا ستقع كارثة.
استقبل المحقق شاه بان هانم وواصل تلقى رسائله، إلى أن دق الهاتف الأرضى الثابت من شخص مهم جدا يبلغه بإشارة مهمة يجلب تلقيها، فوقف المحقق وبعدما قال: أوامر يافندم، سكت لحظة وسألة بإحباط: نعم.. قرد!
والله هذا حدث، الاشارة كانت تخطر جهات الأمن بالعاصمة بفقدان قرد شمبانزى من فصيلة نادرة كان ملك أحد سكان هذه الدائرة، وان عليه اصدار نشرة رسمية بالقرد المفقود وملامحه وأوصافه على الفور، لتبدأ جهات الأمن بجميع المحافظات بحثها عن القرد المطلوب والقبض عليه واحضاره فورا إلى دائرة صديقنا المفتش المندهش مما يسمع.. وهذا أمر هام وعاجل ومهم، فصاحب القرد ذو شأن مرموق.
انقلبت الدنيا رأسا على عقب، فلا بلاغ السيدة شاه بان هانم أصبح مهما، ولا قضية الواد حمادة مهمة، والحريق سيأخذ وقته وينطفئ، أما القرد فلابد من العثور عليه فى أسرع وقت.
بقى المفتش على هذه الحال يوميا لأسابيع تالية لا شيء أهم من استعادة القرد الهارب، أسابيع وهو يحلم بالعثور على هذا القرد الجبان الذى غادر صاحبه وسبب له الوش، حتى باتت هلاوس تلازمه فى أحلامه فيصرخ: عارفك وهاجيبك!
وفى نهار أخير لهذه المهزلة صحى على اشارة عبر إحدى الأجهزة تقول: لقينا قرد.. لقينا قرد!
سمع المفتش هذه الرسالة وكأن فرحة عمره وقت أخيرا، وراح يدندن بينما كان يحلق ذقنه، ويقود البوكس متجها لعمله، حتى عرف أن بالفعل السلطات المسئولة بمحاقظة أخرى عثر على قرد، وليس القرد، اذن هو مجرد قرد عادى لا يهم أحد ما لم يتعرف عليه صاحبه ويأخذه فى حضنه.
ولا يجب الآن الا أن تتم هذه الخطوة بحضور المفتش، المسئول عن توصيل صاحب البلاغ للقرد الذى عثر عليه ويطابق بصماته، فاستقل المفتش السيارة واصطحب الشخص المرموق صاحب القرد، وما ان غادرا العاصمة على الطريق السريع، وصلته اشارة جديدة تقول: لقينا القرد، لقينا القرد!
آااه.. اذن هذا ليس قردا مجهولا، هذا قرد مُعرف بالألف واللام، اذن هو القرد المطلوب، عاد بالرجل مرة أخرى إلى حيث أتى به، ليجد القرد يتدلى على الشجرة فوق بيت صاحبه مشنوق.
وقع الرجل صاحبه من طوله، ووقف المفتش يرسل اشارة جديدة عبر الجهاز اللاسلكي:
مين اللى قتل القرد!