«التسوق الآمن» أهم مظاهر النقلة الحضارية

الأسواق العشوائية.. من «باكيات» إلى «مولات»

سوق السمك فى بورسعيد بعد تطويره
سوق السمك فى بورسعيد بعد تطويره

بورسعيد: هبة بيومى    

من أجل تنمية التجارة الداخلية والحرف والصناعات المرتبطة بها وتوفير فرص العمل حدد الرئيس عبد الفتاح السيسى تكلفة تقديرية 44 مليار جنيه تنفيذا لاستكمال الخريطة القومية للأسواق العشوائية لإنشاء أسواق حديثة مطورة بديلة للأسواق العشوائية فى كافة أنحاء الجمهورية.

ويعد مشروع تطوير الأسواق العشوائية، من أهم المشروعات التى يتم تنفيذها خلال الفترة الحالية، استكمالا لمشروعات تطوير المناطق العشوائية وغير الآمنة، بتكلفة تقديرية 44 مليار جنيه، والمشروع يخص القطاع التجارى غير الرسمي، حيث يقصد بالأسواق العشوائية، تلك الأسواق أو القطاع التجارى غير الرسمى أى الأسواق التى لا تقع تحت رقابة من الدولة، ولا تدخل ضمن الناتج المحلي، لذا كان لزاما أن يتم تطويرها لما تشكله من أوجه فأغلبها مكون من الباكيات الضيقة والزوايا المقامة بالخشب والبوص ومقامة بشكل مخالف مع قيام بعض الباعة بسرقة التيار الكهربائى وعدم الرقابة على المنتجات المباعة أو غير مرخص ببيعها، بالإضافة إلى انتشار المخلفات فى الشوارع، إلى جانب الضجيج والازدحام وما قد يخلفه من خطورة على الصحة العامة، وكذلك انتشار البلطجة وفرض الإتاوات على البائعين من قبل الخارجين على القانون..الخ.

وفور التكليف بالمشروع تم عمل خريطة قومية، مثلما حدث فى مشروعات تطوير المناطق العشوائية وغير الآمنة، وذلك لتحديد حجم المشكلة من حيث «المكان، الموقع، التوزيع الجغرافى، عدد الأسواق، موقع كل سوق، نشاط كل سوق»، أى عمل حصر للأسواق العشوائية، وتصنيفها على مستوى الجمهورية.

وبدأت الخطوة الأولى لهذا المشروع بإعداد دراسة عن الإطار المؤسسى لهذه الأسواق - «العشوائية» وتحديد مختلف الجهات ذات الصلة بهذه الأسواق، من ناحية تطويرها وإدارتها وتنظيمها، مع حصر تلك الأسواق، والتى قدرت بنحو 1105 أسواق عشوائية على مستوى الجمهورية، تضم 306 آلاف و313 وحدة لتبدأ بعد ذلك عملية التطوير التى شملت حتى الآن تطوير 30 سوقا منها تضم نحو 5 آلاف وحدة، وجارى تطوير 20 سوقا أخرى، مع إعداد مخططات لتطوير 23 سوقا فى نحو 21 مدينة، بإجمالى منصرف نحو 800 مليون جنيه حتى الآن إلى أن  يتم إنهاء مصطلح الأسواق العشوائية على مدار الـ 10 سنوات القادمة.

وتم البدء بمشروعات إرشادية وذلك بتطوير 5 أسواق عشوائية بالمحافظات  أولها مشروع تطوير أسواق الموبيليا المستعملة ببورسعيد، ومشروعات تطوير 4 أسواق عشوائية بمحافظة القاهرة تم الانتهاء من تطويرها فى ديسمبر 2014، ومن ثم تباعا البدء فى تطوير مجموعة من الأسواق العشوائية فى المحافظات ضمن الخطة القومية المعتمدة.

المهندس إيهاب حنفى، المُنسق العام لصندوق تطوير العشوائيات، قال: إن هناك تحولًا لافتًا من ناحية التنظيم والنظافة وعوامل الأمن والسلامة داخل سوق الأسماك المطور ببورسعيد، لافتًا إلى أن ذلك جزء من خطة الدولة فى مواجهة العشوائية بكافة صورها، وضمن خطة التطوير الشاملة التى تشهدها مصر بعد 30 يونيو، مُضيفًا أن أسواق مصر بدأت تنفض عن نفسها مظاهر العشوائية والخطورة، انطلاقاً من خطة تطوير ممنهجة من بينها أسواق صُممت على طراز المولات الصغيرة وأخرى على البحر مباشرة، كما حدث فى بعض المحافظات الساحلية كبورسعيد، وهى أسواق مُراقبة بالكاميرات وبها أمن وبوابات لدخول الأفراد والسيارات، ونقطة شرطة وإطفاء، وغرف كهرباء، وجراجات، ومحولات كهربائية، موضحًا أن الأسواق الجديدة عبارة عن محال تجارية، أو على شكل مول مُصغر، على حسب طابع كل منطقة وظروفها، وبما يضمن الاستغلال الأمثل للمكان، وهى تخضع إلى تصنيفين، أولهما تصنيف زمنى «يومية أو أسبوعية أو سنوية أو موسمية»، والثانى من حيث الاستخدام فهناك أسواق مهنية وأخرى حرفية وثالثة غذائية ورابعة مختلطة، فيوجد فى محافظة القاهرة 136 سوقًا، وفى الجيزة 83 سوقًا، والإسكندرية 84 سوقًا، كما يوجد 6 أسواق سنوية على مستوى الجمهورية أبرزها فى كفر الشيخ والمنيا.

أضاف، حصرنا الأسواق على مستوى الجمهورية «1105 أسواق» وحددنا تكلفة تقديرية لتطويرها بـ44 مليار جنيه، وتم وضع آلية لكيفية التعامل مع تطويرها بالتعاون مع الاستشاريين لوضع الخطة، وتوفير التمويل للمحافظة التابع لها السوق، حيث تعتمد منهجية الخطة التنفيذية لتطوير الأسواق على مبدأ المشاركة من خلال إجراء مقابلات مع التجار الموجودين بالأسواق، وتحديد الطاقة الأشمل للسوق حتى نتجنب الامتداد العشوائى بعد ذلك، فنحن نقيم سوقا يخدم المنطقة ككل، وفق رؤية أشمل، وتحديد أسلوب التطوير الذى يمكن أن يصل لكل سوق، وكذلك معاينة موقع السوق، ورسم أكثر من تصميم تختار المحافظة الأمثل منها بما يتوافق مع التجار والنشاط، فمثلًا نشاط اللحوم والأسماك والدواجن يحتاج للمياه، وطريقة صرف معينة، وبالتالى لابد أن نُراعى هذه الجزئية فى التصميم، مُشيرًا إلى أن التطوير تم حتى الآن بـ30 سوقًا بتكلفة تقديرية 800 مليون جنيه فى عدة محافظات منها أسوان ومطروح والإسماعيلية ودمياط والجيزة وبورسعيد وجنوب سيناء والوادى الجديد والشرقية.

وقال المُنسق العام لصندوق تطوير العشوائيات، إنه تم افتتاح 4 أسواق فى مرسى مطروح، كما سيُفتتح قريبًا سوق الجمعة فى الإسماعيلية، وأيضًا فى دمياط سوق فراسكور، وسوق النيل، وهناك سوق 51 فى رأس البر، وهى أسواق فى أماكن لها طبيعة سياحية، ويراعى النسق المعمارى الموجود بها، كما يوجد 4 أسواق فى الوادى الجديد، و3 أسواق فى الشرقية وبورسعيد، لافتًا إلى أن البرنامج الزمنى لتطوير الأسواق العشوائية مُقسم على ثلاث خطط «قصيرة وطويلة ومتوسطة المدى»، ومن المُقرر الانتهــــاء من المرحلة «متوسطة المدى» بنهاية 2030، مُضيفًا أن الهدف الأساسى لهذه الأسواق هو توفير فرص عمل للمواطن والحفاظ على حقوق العاملين والعمل على تنمية الاقتصاد المحلى، لأن الباعة الجائلين يدخلون فى دائرة الاقتصاد غير الرسمى، وليس لهم قاعدة معلومات، ويصبحون جزءا من الاقتصاد الرسمى مع تطوير تلك الأسواق ودخولهم فيها، كما تستهدف تلك الأسواق المطورة المُحافظة على البيئة من خلال عمل برامج لإدارة المُخلفات فى الأسواق، وعمل برامج تسويقية وقاعدة بيانات للأسواق العشوائية لإنهاء مشكلة العشوائية تمامًا.

ويُعد سوق الأسماك الجديد فى بورسعيد، واحدا من تلك الأسواق العشوائية التى تم تطويرها، وهو أحد المشروعات الخدمية المتكاملة بالمحافظة، ويقع بجوار السجن العمومى فى نطاق حى العرب، أحد أقدم الأحياء وسط بورسعيد، فيما مضى كان هذا السوق عبارة عن أرض غير مستغلة تسكنها عشوائيات سوق منتجات الأخشاب المستعملة، وقد تمت إعادة تطويره بشكل حضارى وإنشائه على الطراز الأوروبى، لدعم دوره فى توفير الوجبة الأساسية الأولى لأكثر من 700 ألف بورسعيدى وضيوفهم.

السوق الجديد، أقيم على مساحة 20 ألف متر مربع، فيما يقع المبنى الإدارى على مساحة 760 م2، ويضم 82 محل تجزئة بمساحة 20 مترًا، و104 محلات «سريحة» بمساحة 10 أمتار، و30 محل جملة بمساحة 40 مترًا، ومطعمين على مساحة 100 متر، فضلًا عن عدة أفران للأسماك ومحال للتنظيف، وتم تزويد السوق بكل الإمكانات والخدمات اللوجيستية، إضافة لمنطقة انتظار أمام مداخل السوق الـ6، وكذا أحدث نظام إطفاء حريق، وشبكة صرف حديثة.

فى جولة ميدانية لـ«آخرساعة» داخل السوق استمعنا لآراء التجار والباعة والزبائن، حيث تقول هنية محمود، ربة منزل: «اعتدت الذهاب لسوق السمك بعد تطويره برفقة زوجى وأبنائنا الثلاثة كنزهة للتسوق والترفيه فى نفس الوقت حيث نتناول الغداء فى أحد المحلات التى تُخصص جزءا منها كمطعم للأسر، بعد الانتهاء من عملية شراء الأسماك بدلًا من المطاعم السياحية خارج السوق، كما أن جميع أنواع الأسماك متوافرة وبأسعار الجملة التى تقل من 3 لـ5 جنيهات عن السوق الخارجى.. أحمد محمد، أحد الباعة فى السوق، يقول: «يتميز السوق بالفخامة والحجم الكبير، ونحن نُطالب بنقل سوق البالة بجوار سوق السمك حتى نستغل تردد الناس على سوق البالة ونجلب حجما أكبر من الزبائن لسوق السمك»، بينما يقول عادل مجاور، تاجر سمك، إن القوة الشرائية بالسوق زادت بعد إلغاء الأسواق العشوائية فى السلام والنصر والروضة، لافتًا إلى أن السوق مُقام على مستوى حضارى، ويُعد وجهة مُشرفة لبورسعيد.. محمود عقل، أحد أفراد الأمن المنتشرين فى أرجاء السوق لتأمينه، قال: إن التطوير شمل إنشاء بوابات للطوارئ لتسهيل خروج المواطنين فى الحالات الطارئة، وتوفير دورات مياه للمواطنين داخل السوق لأنه يستقبل أكثر من 5000 مواطن يوميًاً، كما تم إنشاء محطات صرف وأحواض مياه داخل كل منفذ تجارى، إضافة لوجود غرفة رقابية تضم نقطة شرطة ومفتشى التموين والصحة.

ويؤكد الحاج عبد الرحمن أبوجبل، تاجر بالسوق، تم نقله من شارع النصر للسوق الجديد قبل عامين، أن التطوير الذى حدث بسوق السمك فى عهد الرئيس السيسى، لم يحدث فى بورسعيد على مدار 60 عامًا، حيث قضى على ظاهرة  الباعة الجائلين الذين كانوا ينتشرون على جميع النواصى فى بورسعيد، وكانت رائحة السمك تملأ الشوارع، وكنا فى أمس الحاجة لهذا السوق الجديد الذى يتمتع بالمواصفات الفنية العالية، حيث اعتمدت المحلات فى السوق على العمالة من الباعة الجائلين، مُشيرًا إلى أنه يعمل لديه فى المحل 3 شباب لديهم جميعًا أسر ينفقون عليها.. المهندسة أمل عمار، بمحافظة بورسعيد، أشارت إلى أن أنشطة التجارة المُختلفة تُسيطر على 70% من قوة العمل ببورسعيد، لذا شهدت بورسعيد على مدار 7 أعوام جهودًا كبيرة لإنجاز وتطوير الأسواق العشوائية، أبرزها سوق غرب الشادوف الذى يضم 108 محلات و12 مخزنا بديلًا لعشوائيات القنال الداخلى.

ويؤكد عادل عبد الفتاح، رئيس حى غرب بورسعيد، أن ما حدث فى سوق السمك إنجاز غير مسبوق، تمثل فى إيجاد سوق حضارى مُطور به محلات للجملة والقطاعى ومحلات للسريحة وأكشاك نموذجية لخدمة سوق السمك، وتم نقل أسواق الأسماك العشوائية الموجودة فى شارع 100 ونهضة مصر وأسوان.