مدارات

النقاب والحياة !

رجائى عطية
رجائى عطية

أكد أهل الفقه والإفتاء، أن «النقاب» ليس فريضة وليس واجبًا فى الإسلام، وأن نسبته للإسلام لا أصل لها، ومع ذلك لا زلنا نرى النقاب فلماذا؟ وما سند ارتدائه إذا كان أهل العلم قد نفوا استناده للإسلام؟! نعم نفى فرضه لا يعنى فرض عدم ارتدائه. هو إذن حرية شخصية، ولكن ماذا إذا كان ارتداء النقاب، وهو يخفى الهوية، فى أماكن لا بد فيها من الإفصاح عن الهوية؟ وما الذى يحكم دخول الأماكن المخصصة لحواء، وماذا عند استخدام جوازات سفر أو تراخيص مرور أو قيادة السيارات، وغير ذلك من الصور العديدة التى يجب فيها الإفصاح عن الهوية والتأكد من أن حامل بطاقتها هو ذاته صاحبها؟ من وقت لآخر يضبط رجلا يتخفى بالنقاب، وقد يكون التخفى هروبًا من مطاردة أو ملاحقة أو جريمة، هل يمكن فى مثل هذه الحالات اعتبار النقاب حرية شخصية بينما تكمن فى استعماله محاذير ومخاطر قد تصل إلى ارتكاب الجرائم أو الاعتداء على الحرمات؟!.. ماذا عن ارتداء النقاب إذا ما خرج ارتداؤه عن الحيز الشخصى كالبيوت وملحقاتها، والأماكن الشخصية، إلى المنتديات العامة التى تحكمها نظم وحقوق للغير فى الاستيثاق من «الهوية» : الشخصية ونوعها أو جنسها ؟! ماذا يحدث لو أبيح النقاب فى المستشفيات، وما هو الضمان ألاّ يتنقب رجل فى شخص ممرضة يروح ويجىء ويسترق النظر إلى المريضات فى غرف الكشف والغيار والعمليات أو عبر النوافذ الزجاجية المطلة عليها؟! هل يملك «نقاب» ـ ولم أقل منتقبة فمن يدرى ؟! ـ  الدخول إلى دورات مياه السيدات أو غيرها من الأماكن الخاصة بحواء حيث تتخفف فيها مما توجبه المبادئ الدينية أو التقاليد والعادات الاجتماعية، وإذا تراجع النظام العام أمام حقه بل واجبه فى الاستيثاق من جنس ونوع وهوية الشخصية المنتقبة حين يكون ذلك ضروريًّا أو لازمًا، فكيف يطمئن الناس إلى أمانهم وحرماتهم إزاء المنتقبين، نساءً فعلاً أو رجالاً متخفين =؟! ظنى أن نظام وواقع الحياة فى زماننا، لا يسمح بالتخفى وراء نقاب . تستطيع من تشاء أو يشاء شد النقاب بحيزه الخاص، أو فى البوادى والفيافى والقفار، فإذا جاوزه إلى مجالات الحياة والاحتكاك بعموم الناس صار محكومًا بقواعد عامة لا يمكن لأى مجتمع له نظام أن يغضى عنها أو يترخص فيها!
 ترك النقاب يتحرك بمن وراءه إلى حيث يشاء، إفلاس وخطر.. إفلاس فى العقل وآليات الضبط والربط، وخطر على المجتمع كله.. وعلى العقل أيضًا!!
لم تعد المجتمعات تتحمل فى القرن الواحد والعشرين هذا الإفلاس وخواء العقل، والتعصب الضرير والانغلاق الجهول والجمود والانعزال المريض. العالم يموج بالحركة والمنافسات فى شتى ميادين العلم والثقافة والمعرفة، والتواصل الفاهم النشط مع العالم، لعقول متفتحة تحرص نعم على الفضيلة، ولكنها لا تفسرها على أن التزامها يقابله عجز لا سبيل إلى مواجهته إلاَّ بسجن العقل وكافة أعضاء وأجهزة الجسم، حتى الوجه والذراعين والكفين، تصور أن الإنسان بغير ذلك عاجزٌ عن أن يكون فاضلاً، هو العجز نفسه وقلة الحيلة فى التزام الفضيلة والأخلاق الحسنة والسلوك القويم . إن الالتفاف برداء محيط بالبدن كله ـ ومعه العقل ـ كامل الإغلاق ـ ولا يصل المرء إلى هذه الدرجة من الجمود والانسحاب، إلاَّ إذا أفلس العقل وأفلست الثقة فى أن الإنسان قادر على الاحتفاظ بفضيلته وهو يضرب فى الآفاق ليكون قوة فاعلة لنفسه ولأسرته ولوطنه، وللإنسانية جمعاء فى صورتها المثلى.