خواطر الإمام الشعراوي

ملك اليمين.. حكم معطل

الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يقول الحق فى سورة المومنون:"إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" أي: يحفظون فروجهم إلا على أزواجهم؛ لأن الله أحلها " أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ.."

مِلْك اليمين حلال لم يَعُد له موضع، ولم يَعُد له وجود الآن، وقد حرم هذا القانون البشرى الدولي، فلم يعد هناك إماء كما كان قبل الإسلام، فهذا حكم مُعطّل لم يَعُدْ له مدلول، وفرق بين أن يُعطّل الحكم لعدم وجود موضوعه وبين أن يُلْغى الحكم، فمِلْك اليمين حكم لم يُلْغ، الحكم قائم إنما لا يوجد له موضوع.

ولتوضيح هذه المسألة: هَبْ أنك فى مجتمع كله أغنياء، ليس فيهم فقير ولا مستحق للزكاة عندها تقول: حكم الزكاة مُعطّل، فهى كفريضة موجودة، لكن ليس لها موضوع.

وبعض السطحيين يقولون: لقد ألغى عمر بن الخطاب− رضى الله عنه− سهام المؤلفة قلوبهم، والحقيقة أنه ما ألغى ولا يملك أن يُلغى حكماً من أحكام الله، إنما لم يجد أحداً من المؤلّفة قلوبهم ليعطيه، فالحكم قائم لكن ليس له موضوع، بدليل أن حكم تأليف القلوب قائم ومعمول به حتى الآن فى بلاد المسلمين، وكثيراً ما نحاول تأليف قلوب بعض الكُتّاب وبعض الجماعات لنعطفها نحو الإسلام، خاصة وغيرنا يبذلون قصارى جهودهم فى ذلك. إذن: فسَهْم المؤلفة قلوبهم ما زال موجوداً ويُعمل به.

كما نسمع مَنْ يقول: إن عمر− رضى الله عنه− عطَّل حَدَّ السرقة فى عام الرمادة، وهذا ادعاء مخالف للحقيقة؛ لأنه ما عطّل هذا الحد إنما عطَّل نصاً وأحيا نصاً؛ لأن القاعدة الشرعية تقول: ادرأوا الحدود بالشبهات. وما دام قد سرق ليسُدَّ جَوْعته فلم يصل إلى نصاب السرقة، فالسرقة تكون بعد قدر يكفى الضرورة.

ولقائل أن يقول: إذا دارت حرب بين المؤمنين والكافرين وأسروا منا وأسرنا منهم، ألا يوجد حينئذ مِلْك اليمينِ؟ نقول: نعم يوجد مِلْك اليمين، لكن ستواجهك قوانين دولية ألزمتَ نفسك بها وارتضيتها تقول بمنع الرقِّ وعليك الالتزام بها، لكن إنْ وُجِد الرقُّ فمِلْك اليمين قائم وموجود. وهذه المسألة يأخذونها سُبّة فى الإسلام، وكيف أنه يبيح للسيد كذا وكذا من مِلْك يمينه.

وهذا المأخذ ناشئ عن عدم فهم هؤلاء للحكمة من مِلْك اليمين، وأن كرامة المملوكة ارتفعت بهذه الإباحة، فالمملوكة أُخِذت فى حرب أو خلافه، وكان فى إمكان مَنْ يأخذها أن يقتلها، لكن الحق سبحانه حمى دمها، ونمَّى فى النفس مسألة النفعية، فأباح لمَنْ يأسرها أن ينتفع بها وأحلّها له أيضاً.

ولك أن تتصور هذه الأَمَة أو الأسيرة فى بيت سيدها ومعه زوجة أو أكثر وهى تشاهد هذه العلاقات الزوجية فى المجتمع من حولها، إن من حكمة الله أن أباح لسيدها معاشرتها؛ لأنها لن ترى لربة البيت بعد ذلك مزيّة عليها؛ لأنهما أصبحا سواء، فإذا ما حملتْ من سيدها فقد أصبحتْ حُرَّة بولدها، وكأن الحق سبحانه يُسيِّر الأمور تجاه العِتْق والحرية. ألاَ تراه بعد هذا يفتح باب العتق ويُعدِّد أسبابه، فجعله أحد مصارف الزكاة وباباً من أبواب الصدقة وكفَّارة لبعض التجاوزات التى يرتكبها الإنسان.

ثم يقول سبحانه: " فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" يعني: لا نمدحهم ولا نذمُّهم، وكأن المسألة هذه فى أضيق نطاق.