كنوز الأميرة

معركة العين الثالثة بين الشاشة الفضية والسينما .. محطات التلفزيون تسافر إلى القمر

برنامج تليفزيون أمريكى عن رحلة إلى القمر
برنامج تليفزيون أمريكى عن رحلة إلى القمر

قراءة: أحمد الجمَّال

لا يختلف هذا التقرير عن نظيره السابق من حيث الأجواء المتفائلة التى تدور فى إطار علمى يخدم متعة البشر فى مشاهدة عمل ما على الشاشة، ولكن هذه المرة لم يكن الحديث عن السينما بل عن الشاشة الفضية أو التلفزيون الذى اعتبر فى ذلك الوقت "الخطر الذى يهدد السينما".. لأنه باختصار سيتحدث عن كل شيء بما فى ذلك إذاعة برامج عن الرشاقة وما يجرى فى قاع البحر أو على سطح القمر.. التقرير الذى احتضنته صفحات "آخرساعة" بعد أسبوع واحد من نشر تقرير السينما التفاعلية، نعيد استعراضه بتصرفٍ فى السطور التالية:

هناك فى بلاد فارس.. تبدأ قصة أغرب اختراع.. تبدأ بأسطورة مثيرة: وراء التاريخ الطويل كان الملك جمشيد يلقى فى أطراف العالم بمجموعات ضخمة من الجيوش، ويجلس على عرشه ينظر فى طاسة نحاسية مملوءة بالنقوش والطلاسم والرموز، ويظل جمشيد يتطلع فيها ويتهلل وجهه حينا ويعبس أحيانا.

وتتوالى الأوامر، ويفرك المحيطون به أيديهم فرحاً وهم يتهامسون: «إنه يرى فيها جميع الجيوش فى جميع الميادين.. يراها فى الطاسة السحرية، أو هكذا تقول الأسطورة»..

وتدور عجلة الزمن إلى أن يتم اختراع التلفزيون، ولكن كيف يعمل هذا الساحر؟.. مثلما تنتقل الموجات اللاسلكية عبر السماء والهواء، تنتقل الصور هى الأخرى عبر السماء والهواء، وتتركز عدسات التصوير على الأشياء والأشخاص وتتوالى الأجهزة خاصة تقسيم الصور إلى ثلاثين المربعات الدقيقة الصغيرة المتساوية، وتنتقل هذه المربعات على شكل موجات تختلف شدة وضعفاً وتستقبل الشاشات الزجاجية التى توجد على واجهات آلات التلفزيون، هذه الموجات اللاسلكية الضعيفة منها والقوية على السواء، ثم تلتقى هذه الموجات لترسم المربعات الصغيرة الدقيقة صور الأشخاص والأشياء كما هى بحركاتها وألوانها.

العين الثالثة

ومنذ عشرين سنة خرج شارلى شابلن إلى العالم بفيلم «العصر الحديث» وفيه يطوف خياله بأحلام المستقبل، زر صغير يضغط عليه مدير أحد المصانع فيرى جميع العمال فى كل ركن من أركان المصنع الكبير، ويراقبهم وهو فى مكانه وعلى مكتبه لم يتحرك، ودخان سيجارته يتصاعد ليملأ جو الغرفة، وخرج المتفرجون من السينما وهزوا رءوسهم وقالوا: «مبالغة وإغراق فى الخيال» ولا تمضى سنوات قليلة على أحلام شابلن حتى يخرج إلى الناس من يعلن أنه وفق لاختراع جهاز يرى على البُعد أو «تلفزيون» وسماه العين الثالثة للإنسان، واليوم تنتشر فى أطراف الدنيا خمسون مليونا من العيون الثالثة، ٣٠ مليونا منها فى أمريكا، و٥ ملايين فى إنجلترا، والباقى موَّزع على 16 دولة تستخدم التلفزيون.

وتعيد ألمانيا بناء ما تهدم من محطات التلفزيون التى دمرتها الحرب فى فرانكفورت وهامبورج وبولونيا، وتبنى أضخم محطة تلفزيون فى العالم، ولم يكن من المستطاع أن تصل قوة المحطات إلى أبعد من أميال قليلة فقط، لكن ألمانيا استطاعت أن تجتاز هذه العقبة وتنقل الصور مئات الكيلومترات دفعة واحدة.

ومن فوق برج إيفل تعلن فرنسا نجاحها فى بناء محطتين للتلفزيون، وهناك ثالثة فى الطريق بمدينة ليل.. وإيطاليا هى الأخرى لها ثلاث محطات فى ميلانو والفاتيكان وتورينو وتجرى الأبحاث لإنشاء شبكة للتلفزيون بين بروكسل وبرلين وروما وباريس ولندن، لتغطى العالم بأسره.

ومن خلف الستار الكثيف الذى يحيط بروسيا وشرق أوروبا، تقترب الأمواج اللاسلكية المصورة عبر الهواء من موسكو ولننجراد وكييف، لترسم صوراً ملونة لما يدور على أرض روسيا بألوانه الطبيعية.

الرشاقة فى التلفزيون

ويستعرض التقرير بعض المحطات التى أذاعت وقتذاك بعض البرامج التى كانت ملفتة، منها فى أمريكا برنامج عن رحلة إلى القمر والذى وصف حينها بأنه أضخم إنتاج تلفزيوني، وكذلك برنامج فى إنجلترا عن الرشاقة قدمت فيه إحدى السيدات تجربة لربات البيوت منن أجل إنقاص الوزن ولاقى هجوماً لاذعاً من جانب الأطباء.

ومأساة الغواصة «أفراى» فى بحر الشمال، هى الأخرى قصة مثيرة لعب فيها التلفزيون دوراً رائعاً، فوقف كالعملاق فوق السفن الحربية الضخمة التى ظلت أياماً تضرب الموج بين العواصف والأعاصير والظلام، وفشلت كل الوسائل لمعرفة مصير الغواصة المنكوبة ومكانها، ومد العملاق «التلفزيون» عينه الساحرة تحت الموج والعواصف والأعاصير ليحدد للمئات الذين وقفوا عبر الشاطئ ينتظرون فى لهفة أخباراً.. يحدد مكانها.. فى القاع.

والمعركة الكبرى التى تـــــدور الآن، هـــــى بيــــــن التلفـــــزيــون والسينما، والسؤال القلق الذى يرتسم على شفاه الملايين من الناس هو لمن تكون الغلبة والانتصار للسينما أم التلفزيون..

ودخلت مئات الاستديوهات السينمائية المعركة بكل سلاح، وأعلنت هوليوود حالة الطوارئ، وانتشرت الأفلام الملونة، وتفننت دور السينما فى ترغيب المتفرجين، فبعضها يوزع الحلوى والساندويتشات أثناء العرض، وبعضها لديه موظفات للعناية بأطفال المتفرجين حتى ينتهى العرض، وبعضها يخصص أماكن خاصة لمن يحب أن يشاهد الفيلم، وهو داخل سيارته.. وتكييف الهواء داخل أغلب دور السينما.. والفيلم المجسم هو أيضاً سلاح آخر دخلت به السينما المعركة.. والسينما سكوب تطوُّرٌ ثالث فى معركة الحياة والموت بين السينما والتلفزيون.

وتتسابق شركات التلفزيون لتلتقط نجوم السينما.. والوجوه الجميلة الجديدة.. ويفضل النجوم التلفزيون لضخامة مرتباته.. وسهولته.. والوقت الضئيل الذى تستغرقه برامج التلفزيون.. وتنزل رءوس الأموال الضخمة إلى المعركة لتنصر التلفزيون والسينما على السواء، وتنتج المصانع آلاف الأجهزة.. وتدخل عليها عشرات التحسينات والتسهيلات فى الشراء والدفع.. وكل شيء..

ومع ذلك لا يزال السؤال حائراً على شفاه الملايين من الناس: من الذى سينتصر.. السينما أم التلفزيون.. وخلف كل منهما الآلاف من الجنيهات والناس.. والعقول؟!