«الإقصاء الإخوانى» يتحطم على صخرة «التـــوافق المصرى»

«الإقصاء الإخوانى» يتحطم على صخرة «التـــوافق المصرى»
«الإقصاء الإخوانى» يتحطم على صخرة «التـــوافق المصرى»

كتب:حسن حافظ

وضعت جماعة «الإخوان الإرهابية» منذ بداية تأسيسها هدفا وحيدا، هو الوصول للسلطة وحذف جميع مكونات المجتمع المصرى، فلم تعتنق إلا الإقصاء وسعت لمخاصمة التوافق الوطني، والعمل على تفكيكه من أجل التمكين للجماعة حتى ولو تحقق هذا على أشلاء الوطن، لذا لم يكن غريبا أن يكون هذا الكارت هو الورقة المفضلة التى تهدد بها الجماعة لمحاولة ترهيب المصريين، لكنها فى كل مرة تحصد السراب.
المؤكد أن فكر الإقصاء والعداء لكل ما هو مصرى دائما ما يتحطم على صخرة التوافق والانسجام بين مكونات الشعب المصري، إذ أثبت فى المناسبات المختلفة وآخرها يونيو 2013، أنه يدرك ألاعيب الجماعة ويمتلك العلاج الناجع لفيروس الإخوان.
ليس لدينا شهادة أعلى من شهادة إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوي، الذى اكتشف خبث نوايا الجماعة، وقرر الابتعاد عنها بعدما تيقن أنها جماعة غير دعوية وكل همها ينحصر فى الاستحواذ على السلطة وإقصاء جميع التيارات السياسية واحتكار المشهد والعمل على فرض تصور الجماعة على الجميع، ففى وقت كان حزب "الوفد" بقيادة مصطفى النحاس رمزا للكفاح الوطنى ضد الاحتلال البريطاني، وحزب الأغلبية الشعبية الحقيقى فى ثلاثينيات القرن العشرين، جاء حسن البنا وجماعته وتحالفوا مع الإنجليز والقصر فى خيانة لحالة الوفاق الوطنى بقيادة "الوفد" وهو ما أثار استياء الشعراوى الذى رفض الخيانة الإخوانية وقرر الابتعاد عن هذه الجماعة الخبيثة.
ويقول الشعراوى فى شهادته التى سجلها سعيد أبو العينين ونشرها فى كتاب "الشعراوى الذى لا نعرفه": "فى عام 1938 أردنا الاحتفال بذكرى سعد باشا، لكنهم منعونا، فذهبنا إلى النادى السعدى واحتفلنا هناك بهذه الذكرى. كنت أعتبر أن الاحتفال بذكرى سعد هو احتفال بذكرى وطنية. ووقفت فى الاحتفال وألقيت قصيدة امتدحت فيها سعد باشا وكذلك النحاس باشا. وعلم الشيخ حسن البنا بخبر القصيدة التى ألقيتها فى الاحتفال فغضب، غضب لامتداحى النحاس باشا. وحدث بعد ذلك أن جلسنا فى ليلة نتحدث، وكنا مجموعة من الإخوان، وكان الشيخ حسن البنا حاضرًا، وعند الفجر تطرق الحديث إلى (الزعماء السياسيين) وأيهم يجب أن نسانده ونقف معه. ولاحظت أن الحاضرين يتحاملون على النحاس باشا، ويقولون بمهادنة صدقى باشا، فاعترضت على ذلك، وقلت: إذا كان لمن ينتسبون إلى الدين يريدون أن يهادنوا أحد الزعماء السياسيين ولا يتحاملوا عليه أو يهاجموه، فليس هناك سوى النحاس باشا، لأنه رجل طيب تقى وورع، ويعرف ربنا، وإننى لا أرى داعيًا لأن تعاديه، وهذه هى الحكمة. لكننى فوجئت بأحد الحاضرين ــ ولا أريد أن أذكره ــ يقول: إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقي، هو أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعا فتنطفئ وتنتهي".
كان رد حسن البنا، والذى لم يرغب الشعراوى فى التصريح باسمه، صاعقا على الشعراوي، الذى رأى أن أهداف الجماعة هى احتكار السلطة وأنها تستخدم الدعوة كمطية لتحقيق أهدافها فى خلط رخيص للدين بالسياسة، وهو يعبر عن هذه الصدمة قائلا: "كان هذا الكلام جديدا ومفاجئا لي، ولم أكن أتوقعه، وعرفت ليلتها النوايا، وأن المسألة ليست مسألة دعوة، وجماعة دينية، وإنما هى سياسية، وأغلبية وأقلية وطموح للحكم. وفى تلك الليلة اتخذت قراري، وهو الابتعاد، وقلت: سلام عليكم، ماليش دعوة بالكلام ده".
ما اكتشفه الشعراوى من علاقة مباشرة مع حسن البنا، اكتشفه الشعب المصرى بالتجربة المرة، بعد ذلك بنحو 70 عاما، عندما أراد "الإخوان" حكم مصر بالغصب، ومارسوا العنف وحاولوا "أخونة" الدولة وأجهزتها، وعندما ظهر للجميع فشل الجماعة فى الحكم ومدى ضعفها وهشاشتها وأنها ظاهرة صوتية كانت تخوف بالصوت ولكن لا قدرة لها على مواجهة ثورة الشعب المصري، الذى انفجر فى مشهد 30 يونيو 2013، وتدفقت ملايين الثوار على الميادين، تحاصر الجماعة التى غرقت فى أوهامها، وعلى عكس المتوقع من أن تحترم الجماعة إرادة الشعب المصرى ردت بالعنف كاشفة عن رغبة مجنونة فى الحكم حتى لو أدى الأمر إلى اقتتال أهلي، وهو ما تجلى فى موجة العنف التى تورط فيها قادة الإخوان وكوادرهم، على أمل أن تحترق البلاد بنار الفتنة وتسقط فى الفوضى على أمل شيطانى بأن تحكم الجماعة على أطلال الوطن، لكن إرادة المصريين كانت أقوى.


حاول "الإخوان" إشعال النار فى دور العبادة المسيحية، ضمن مخططهم لإظهار الأمر وكأنه اقتتال داخلى بين المسلمين والمسيحيين، لكى يكون هناك مبرر للتدخل الأجنبى بحجة حماية الأقلية المسيحية، لكن الخدعة لم تنطل على أحد، واتحد عنصرا الأمة دفاعا عن الوطن، فى مواجهة نار الحقد الأسود، ورغم أن النار طالت أكثر من 90 كنيسة فى مختلف محافظات مصر، فإن الكنيسة المصرية ممثلة فى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثاني، ضربت أروع المثل فى الوطنية، إذ قال البابا مقولته الشهيرة "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"، فولد المخطط الإخوانى ميتا، إذ تكاتف أفراد الشعب مع قوات الأمن والجيش فى محاربة موجة التطرف والكراهية، فعادت الكنائس المحروقة إلى سابق رونقها وبهائها بعدما نجحت القوات المسلحة فى إعادة بنائها.
ولا أحد ينسى فى ٢٠١٣ واقعة الاعتداء على الكاتدرائية المرقصية بالعباسية، وقيام البعض برشق المبنى بالحجارة والمولوتوف من أسطح العمارات المجاورة، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يقع فيها حادث مؤسف كهذا على مدار تاريخ الكنيسة القبطية.
ربما تكون الشهادة الأبرز والأكثر مصداقية تلك التى رصدتها منظمة أمريكية حيث رصدت حرائق الكنائس فى أغسطس 2013، إذ أكدت أنه تم إحراق ونهب عشرات الكنائس والممتلكات المسيحية، وقام "الإخوان" بمهاجمة الكنائس فى المحافظات المختلفة، وجمعت المنظمة شهادات شهود عيان أكدوا خلالها أن الهجمات وقعت على 42 كنيسة والعشرات من المؤسسات الكنسية والمدارس والمحال التجارية المملوكة للأقباط، وأنه كان يتم وضع علامة "x" بحبر أسود على المبانى والمنازل المملوكة للمسيحيين، ثم يتم استهدافها بالمواد المشتعلة.
ومن أهم ما رصدته تلك المنظمة، أن الهجمات الإرهابية من قبل أنصار الإخوان، تأتى بعد تكثيف الخطاب الطائفى من قيادات الجماعة خلال اعتصامهم فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، والمطالبة بالتعدى على الأقباط بزعم أنهم السبب فى عزل مرسي، وقبل الاعتداء على الكنائس نشر فرع حلوان لحزب "الحرية والعدالة" الإخوانى بيانا على صفحته عبر "فيسبوك" اتهم فيه البابا تواضروس بأنه من المشاركين فى إزالة مرسي. وفى الحقيقة كان موقف البابا وبجواره الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب ومختلف القوى المدنية ومؤسسات الدولة موقفا وطنيا منحازا لإرادة الشعب المصرى فى عزل مرسى والتخلص من حكم الجماعة الخائنة التى حاولت تدمير البلاد وتحويل مصر إلى ولاية إخوانية لا استقرار لها ولا قرار، وأن مشهد 3 يوليو 2013، سيظل وساما على صدر كل من شارك فيه وفى المقدمة الشعب المصرى الذى احتشد بالملايين من أجل إزالة الغمة الإخوانية.
من جهته، قال الشيخ نبيل نعيم، القيادى السابق بحركة الجهاد الإسلامي، لـ "آخر ساعة": "إن منهج الإخوان يعتنق فكر تدمير المجتمعات بالكامل حال التأكد من لفظ هذه المجتمعات لها، لذا كانت فكرة الجماعة التى حاولت تطبيقها على الأرض بعد نجاح ثورة 30 يونيو، هى تطبيق سياسة الأرض المحروقة، عبر إشعال نار الفتنة الطائفية بحرق الكنائس وتصدير الأمر عبر وسائل الإعلام الموالية لها بأن مصر تشهد اقتتالا طائفيا، بما يبرر الدعوة للتدخل الأجنبى بحجة حماية الأقليات ولكن الهدف الحقيقى هو أن تعود الجماعة إلى الحكم على يد القوى الأجنبية، وتحويل مصر لدولة فاشلة، لكن الشعب المصرى أثبت أنه أكبر من أى مؤامرات ونجح فى إحباط المخطط فى مهده، وأثبت أنه قادر على إحباط المخطط والتصدى له، فلم تنجح خطة تفجير الكنائس، ولن تنجح غيرها من المخططات لأن الشعب المصرى أثبت أن تلاحمه والتداخل بين نسيجه أكبر من أى مخطط أو مؤامرة".