أحمد الفخرانى: صداقة الكلب للإنسان قديمة لكن الأدب يكشف الجديد والمدهش فى الأشياء العادية

أحمد الفخرانى
أحمد الفخرانى

حوار‭: ‬أحمد‭ ‬وائل‭ ‬

فى‭ ‬روايته‭ ‬الأحدث‭ ‬يبدو‭ ‬أحمد‭ ‬الفخرانى‭ ‬مشغولًا‭ ‬برسم‭ ‬علاقة‭ ‬مجردة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬راوٍ‭ ‬وكلب،‭ ‬بعدما‭ ‬صار‭ ‬الراوى‭ ‬مجبرًا‭ ‬على‭ ‬رعاية‭ ‬الكلب،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تدريبه،‭ ‬لنتابع‭ ‬عالمًا‭ ‬كُثّف‭ ‬بعناية،‭ ‬كما‭ ‬يخبرنا‭ ‬العنوان‭: ‬اإخضاع‭ ‬الكلبب‭ (‬الشروق،‭ ‬٢٠٢١‭) ‬جاءت‭ ‬بذرة‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬سابقة‭ ‬للفخرانى،‭ ‬نُشرت‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام،‭ ‬بعنوان‭ ‬اعين‭ ‬الهر‭.. ‬حكاية‭ ‬الرجل‭ ‬الذى‭ ‬محا‭ ‬الشرب‭ ‬،‭ ‬وهذه‭ ‬البذرة‭ ‬كانت‭ ‬تخص‭ ‬شخصية‭ ‬الراوى،‭ ‬دون‭ ‬كلبه،‭ ‬وهو‭ ‬مصور‭ ‬يرغب‭ ‬فى‭ ‬التقاط‭ ‬صورة‭ ‬كبيرة‭ ‬للشر‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬محوه‭. ‬لكن‭ ‬البذرة‭ ‬تطورت‭ ‬لتثمر‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬علاقة‭ ‬يحاول‭ ‬فيها‭ ‬المصور‭ ‬تعويض‭ ‬خذلانه‭ ‬فى‭ ‬معانى‭ ‬الصداقة‭ ‬والوفاء‭ ‬والأبوة‭ ‬والحب،‭ ‬إذا‭ ‬نجح‭ -‬فقط‭- ‬فى‭ ‬إخضاع‭ ‬الكلب‭. ‬لكن‭ ‬الرواية‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬بالكامل‭ ‬لرغبة‭ ‬الراوى،‭ ‬بل‭ ‬تحمل‭ ‬فى‭ ‬طياتها‭ ‬بذور‭ ‬التشكيك‭ ‬فى‭ ‬حكايته‭.‬

كما‭ ‬يدخل‭ ‬الفخرانى‭ ‬عبر‭ ‬اإخضاع‭ ‬الكلبب‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬تبدو‭ ‬أقرب‭ ‬لانقطاع‭ ‬علاقته‭ ‬بالفانتازيا‭. ‬

فى‭ ‬حوارنا‭ ‬معه،‭ ‬يتحدث‭ ‬صاحب‭ ‬ابياصة‭ ‬الشوامب‭ (‬العين،‭ ‬٢٠١٩‭) ‬،‭ ‬التى‭ ‬نالت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬بجوائز‭ ‬ساويرس،‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التغيّر‭ ‬قائلاً‭: ‬اأدركتُ‭ ‬ببطء‭ ‬أن‭ ‬عينى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تشاهد‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬عبر‭ ‬عدسة‭ ‬البانوراما،‭ ‬بل‭ ‬عبر‭ ‬ميكروسكوب‭ ‬يجد‭ ‬بغيته‭ ‬فى‭ ‬التفاصيل‭ ‬وتشريح‭ ‬اللحظة‭ ‬لا‭ ‬فى‭ ‬تحليق‭ ‬الفانتازياب‭. ‬

وإلى‭ ‬نص‭ ‬الحوار‭:‬

‭-‬نبدأ‭ ‬كلامنا‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الرواية،‭ ‬لكن‭ ‬لنركز‭ ‬مع‭ ‬الراوي،‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬علاقته‭ ‬بالكلب‭. ‬هو‭ ‬زوج‭ ‬حياته‭ ‬انهارت‭ ‬تمامًا،‭ ‬ويبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ترميم‭ ‬ذاته‭ ‬وحياته‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬دهب‭ ‬بجنوب‭ ‬سيناء،‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬رؤيتك‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الزوج‭ ‬المصدوم،‭ ‬هل‭ ‬فضّلت‭ ‬تقديمه‭ ‬بعد‭ ‬الخسارة‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الخوض‭ ‬فى‭ ‬خسارته؟‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬لديك‭ ‬تخوف‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يجلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬غوص‭ ‬فى‭ ‬تفاصيل‭ ‬الذكورة‭ ‬الجريحة؟‭ ‬

فكرة‭ ‬تعرض‭ ‬هارون‭ (‬الراوي‭) ‬للخيانة،‭ ‬جاءت‭ ‬انشغالًا‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬درامى‭ ‬يبرر‭ ‬للقارئ‭ ‬سبب‭ ‬تورط‭ ‬شخص‭ ‬يخاف‭ ‬الكلاب‭ ‬فى‭ ‬تربية‭ ‬كلب،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتخلص‭ ‬منه‭ ‬بسهولة،‭ ‬وكيف‭ ‬يأخذ‭ ‬الكلب‭ ‬فى‭ ‬نظره‭ ‬أبعادًا‭ ‬أكبر،‭ ‬فالبطل‭ ‬الذى‭ ‬يتعرض‭ ‬للخيانة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬زوجته‭ ‬وصديقه،‭ ‬ويتشكك‭ ‬فى‭ ‬نسب‭ ‬ابنه،‭ ‬يجد‭ ‬فى‭ ‬الكلب‭ ‬فرصة‭ ‬تعويض‭ ‬عن‭ ‬خذلانه‭ ‬فى‭ ‬معانى‭ ‬الصداقة‭ ‬والوفاء‭ ‬والأبوة‭ ‬والحب،‭ ‬وهذه‭ ‬المعانى‭ ‬متقاطعة‭ ‬مع‭ ‬تربية‭ ‬الكلاب‭. ‬سردية‭ ‬الذكورة‭ ‬الجريحة‭ ‬أتت‭ ‬لاحقًا‭ ‬بعد‭ ‬تأسيس‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والكلب‭ ‬بشكل‭ ‬منطقي،‭ ‬وأن‭ ‬يصير‭ ‬الأخير‭ ‬مجازًا‭ ‬لتلك‭ ‬المعاني،‭ ‬هى‭ ‬ذكورة‭ ‬جريحة‭ ‬بالفعل،‭ ‬لكن‭ ‬تحديدًا‭ ‬بسبب‭ ‬أوهامها‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭. ‬ومع‭ ‬تقدم‭ ‬العمل‭ ‬أشكك‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬السردية،‭ ‬التحضر‭ ‬ليس‭ ‬أصيلًا‭ ‬فى‭ ‬روحه،‭ ‬بل‭ ‬قناع‭ ‬ينكشف‭ ‬ببطء‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬همجى‭ ‬عنيف،‭ ‬كأغلب‭ ‬ذكور‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬الذين‭ ‬يتسمون‭ ‬بذكورة‭ ‬لا‭ ‬نجاة‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬إلا‭ ‬بتخليها‭ ‬عن‭ ‬أوهام‭ ‬مكتسباتها‭ ‬القديمة‭ ‬والتى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة‭ ‬للعصر،‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬نسويين‭ ‬أكثر‭.‬

‭-‬سر‭ ‬فشل‭ ‬العلاقة‭ ‬يظل‭ ‬سؤالًا‭ ‬حاضرًا‭ ‬فى‭ ‬الخلفية‭ ‬بينما‭ ‬نقرأ‭ ‬الرواية،‭ ‬وهذا‭ ‬يدفعنى‭ ‬للكلام‭ ‬عن‭ ‬وزن‭ ‬علاقة‭ ‬الزواج‭ ‬المُنهارة‭: ‬العلاقة‭ ‬لا‭ ‬تُكشف‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬الصفحات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهذا‭ ‬يرجعنا‭ ‬للكلام‭ ‬عن‭ ‬موقفك‭ ‬من‭ ‬سرد‭ ‬خطاب‭ ‬الزوج‭ ‬المصدوم‭.. ‬هل‭ ‬تعمدت‭ ‬تهميش‭ ‬العلاقة؟‭ ‬

لب‭ ‬العمل‭ ‬بالفعل‭ ‬هو‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والكلب،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬معنى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعكس‭ ‬أزمات‭ ‬الرجل‭ ‬وهواجسه،‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬الذى‭ ‬انطلقت‭ ‬منه،‭ ‬أى‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬أنفى‭ ‬وجوده،‭ ‬لكنه‭ ‬يأتى‭ ‬لاحقًا‭. ‬وبخصوص‭ ‬سرديته،‭ ‬فهى‭ ‬فى‭ ‬موضع‭ ‬فحص‭ ‬طيلة‭ ‬العمل،‭ ‬ربما‭ ‬اشتبك‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬التربية‭ ‬بمنطق‭ ‬الحماية‭ ‬المبالغ‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الشر،‭ ‬وتقديم‭ ‬الآباء‭ ‬المعاصرين‭ ‬العالم‭ ‬لأبنائهم‭ ‬بوصفه‭ ‬مكانا‭ ‬للريبة‭ ‬والخوف‭ ‬والشك،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الابن‭ ‬مركزًا‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭ ‬وألا‭ ‬يفكر‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬نفسه‭ ‬كناجٍ‭ ‬وحيد،‭ ‬أملك‭ ‬تساؤلًا‭ ‬من‭ ‬مشاهداتى‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬تساؤل‭ ‬هارون،‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخلقه‭ ‬هذا‭ ‬عندما‭ ‬يُمحى‭ ‬الفارق‭ ‬بين‭ ‬تربية‭ ‬الفرد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منفتحًا‭ ‬بعقله‭ ‬وروحه‭ ‬وأن‭ ‬يصبّ‭ ‬تركيزه‭ ‬بأكمله‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬التربية‭ ‬أحيانّا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬امتداد‭ ‬لأنانية‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬فى‭ ‬رؤية‭ ‬أنفسهم‭ ‬كمركز‭ ‬للعالم،‭ ‬بوصفهم‭ ‬قطبه‭ ‬النقى‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬يستحق‭ ‬النجاة‭. ‬كما‭ ‬أطرح‭ ‬سؤالى‭ ‬الخاص‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬له‭ ‬إجابة،‭ ‬نربى‭ ‬أبناءنا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نظنه‭ ‬الصواب‭ ‬والملائم،‭ ‬كيف‭ ‬نوقن‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬ونحرص‭ ‬على‭ ‬نقله‭ ‬هو‭ ‬الصواب‭ ‬والملائم؟‭ ‬ذلك‭ ‬مرعب‭.‬

‭-‬حسنًا‭ ‬لننتقل‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الكلب،‭ ‬عالم‭ ‬الراوى‭ ‬المُنهار‭ ‬رسمته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الكلب‭ (‬ونيس‭)‬،‭ ‬صراع‭ ‬الرواية‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭: ‬إنسان‭ ‬يداوى‭ ‬علاقته‭ ‬المُنهارة‭ ‬بالعالم‭ ‬والبشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تربية‭ ‬كلب‭.‬

أرى‭ ‬أن‭ ‬الفرد‭ ‬المعاصر‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬ميلًا‭ ‬للعزلة‭ ‬والتشكيك‭ ‬فى‭ ‬صلاحية‭ ‬الآخر،‭ ‬ويميل‭ ‬إلى‭ ‬شيطنة‭ ‬الجميع،‭ ‬ووضع‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬موقع‭ ‬ملائكي،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬التساؤل‭ ‬الأشهر‭ ‬فى‭ ‬تعليقات‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬هو‭ ‬الآتي‭: (‬مش‭ ‬فاهم‭ ‬الناس‭ ‬اللى‭ ‬بتعمل‭ ‬كذا‭ ‬أو‭ ‬كذا‭)‬،‭ ‬هناك‭ ‬تسابق‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬التفوق،‭ ‬عبر‭ ‬ادعاء‭ ‬الذكاء‭ ‬أو‭ ‬التحضر‭ ‬فى‭ ‬مقابل‭ ‬غباء‭ ‬وهمجية‭ ‬الآخرين،‭ ‬مدّ‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬استقامته،‭ ‬ستجد‭ ‬ثوارًا‭ ‬متشنجين،‭ ‬كُتّابًا‭ ‬متشنجين،‭ ‬أفرادًا‭ ‬متشنجين‭ ‬مازورتهم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والفكرية‭ ‬ضيقة،‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬لهم‭ ‬بفهم‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬مرآة‭ ‬متطابقة‭ ‬مع‭ ‬تصرفاتهم،‭ ‬كأن‭ ‬الفرد‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬ملايين‭ ‬النسخ‭ ‬منه‭ ‬فى‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهى‭ ‬فكرة‭ ‬طرحتها‭ ‬فى‭ ‬روايتى‭ ‬الأولى‭ ‬اماندورلاب‭ (‬العين،‭ ‬٢٠١٣‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬حلم‭ ‬عبد‭ ‬الجبار‭ ‬المكبوت‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬الجبار،‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬هذا‭ ‬يتماس‭ ‬مع‭ ‬راو‭ ‬اإخضاع‭ ‬الكلبب،‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬هارون‭ ‬الحب‭ -‬ودافعه‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬شرير‭ (‬ما‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬إلى‭ ‬شر‭ ‬ما‭ ‬حتى‭ ‬سحبه‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭) ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليقبَل‭ ‬الكلب‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تطابق‭ ‬مع‭ ‬رؤيته‭ ‬المسبقة‭ ‬عنه،‭ ‬صعوبة‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬كتلك،‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬المعتادة‭ ‬والمنطقية‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والكلب‭ ‬هى‭ ‬ترويضه،‭ ‬لكنها‭ ‬هنا‭ ‬محض‭ ‬مجاز‭ ‬لمعان‭ ‬أخرى‭ ‬كالصداقة‭ ‬والحب‭ ‬والوفاء‭ ‬والبنوة‭.‬

‭-‬نقرأ‭ ‬سردية‭ ‬يقدمها‭ ‬راوٍ‭ ‬واحد،‭ ‬وجميع‭ ‬الشخصيات‭ ‬والأحداث‭ ‬تتوالد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السردية‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬هلاوس‭/ ‬افتراضات‭ ‬يتضح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬عدم‭ ‬صحتها‭ (‬كشف‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬فى‭ ‬زواج‭ ‬الراوى‭ ‬المُنهار‭ ‬والتى‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بسبب‭ ‬خيانة‭ ‬الصديق‭ ‬مع‭ ‬الزوجة،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الكشف‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الراوى‭ ‬نقلًا‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬يحكى‭ ‬عنها،‭ ‬هى‭ ‬أسما‭ ‬التى‭ ‬ورطته‭ ‬مع‭ ‬الكلب‭)..‬

‭ ‬هل‭ ‬فكرت‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اسما،‭ ‬مثلًا،‭ ‬صوتًا‭ ‬آخر‭ ‬يجاور‭ ‬سردية‭ ‬الراوي؟

المشكلة‭ ‬التى‭ ‬واجهتنى‭ ‬أثناء‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬رجل‭ ‬بكلب،‭ ‬هى‭ ‬كيف‭ ‬أوسّع‭ ‬من‭ ‬حدث‭ ‬محدود‭ ‬بالأساس،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنى‭ ‬نجحت‭ ‬فى‭ ‬حلها،‭ ‬فقد‭ ‬استفدتُ‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬االعجوز‭ ‬والبحرب‭ ‬لأرنست‭ ‬همنجواى‭ ‬فى‭ ‬حسم‭ ‬الخيار‭ ‬لصالح‭ ‬علاقة‭ ‬مجردة‭ ‬بين‭ ‬شخص‭ ‬وحيوان،‭ ‬وأى‭ ‬محاولة‭ ‬لتوسيع‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬بشخصيات‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬ستُفسد‭ ‬العمل‭.. ‬هكذا‭ ‬تخلصتُ‭ ‬من‭ ‬شخصيات‭ ‬عندما‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أريده‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬فنيًا‭ ‬إلا‭ ‬بعلاقة‭ ‬مجردة‭ ‬بين‭ ‬إنسان‭ ‬وكلب‭. ‬بخصوص‭ ‬أسما،‭ ‬كان‭ ‬حضورها‭ ‬الجسدى‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬العمل،‭ ‬وأمل‭ ‬هارون‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬بحبها‭ ‬سببًا‭ ‬دراميًا‭ ‬إضافيًا‭ ‬كى‭ ‬أقنع‭ ‬القارئ‭ ‬بسبب‭ ‬احتفاظه‭ ‬بالكلب،‭ ‬لكن‭ ‬غيابها‭ ‬طوال‭ ‬العمل‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬فى‭ ‬شكل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الراوى‭ ‬والكلب،‭ ‬كنت‭ ‬حريصًا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬الذى‭ ‬يدفع‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ -‬الرجل‭ ‬وكلبه‭- ‬إلى‭ ‬التقدم‭ ‬والتعقيد‭ ‬أيضًا‭.‬

‭-‬إخضاع‭ ‬الكلب،‭ ‬بتعبيرك،‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الراوى‭ ‬لخوفه‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحيوانات،‭ ‬مرورًا‭ ‬بمحاولته‭ ‬التعلّم،‭ ‬ثم‭ ‬التدريب،‭ ‬حتى‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬التعنيف‭.. ‬ما‭ ‬طبيعة‭ ‬علاقتك‭ ‬بتربية‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأليفة،‭ ‬أم‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬تخص‭ ‬تربية‭ ‬الكلاب؟

قرأت‭ ‬كثيرًا‭ ‬أثناء‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬تربية‭ ‬الكلاب‭ ‬كتبًا‭ ‬ومقالات،‭ ‬وشاهدت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفيديوهات،‭ ‬وقدّم‭ ‬لى‭ ‬الصديق‭ ‬والشاعر‭ ‬إبراهيم‭ ‬البجلاتى‭ ‬مسودة‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬الكلاب‭ ‬ترجمه‭ (‬لم‭ ‬يُنشر‭ ‬بعد‭). ‬وفى‭ ‬الأدب،‭ ‬استفدتُ‭ ‬من‭ ‬كتابات‭ ‬جاك‭ ‬لندن‭ ‬خاصة‭ ‬روايته‭ ‬االناب‭ ‬الأبيضب‭. ‬لكن‭ ‬علاقتى‭ ‬بتربية‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأليفة‭ ‬ضعيفة،‭ ‬جربت‭ ‬لفترة‭ ‬قصيرة‭ ‬تربية‭ ‬كلب‭ ‬وقطة‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬أواصل‭ ‬للأمانة،‭ ‬وقلة‭ ‬الخبرة‭ ‬وسذاجات‭ ‬التعامل‭ ‬الأول‭ ‬ساعدانى‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬بِكر‭ ‬عن‭ ‬تربية‭ ‬الحيوانات‭. ‬أما‭ ‬استسلام‭ ‬الراوى‭ ‬لغواية‭ ‬العنف،‭ ‬فجاء‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬مشاهداتي،‭ ‬مثلًا‭ ‬تابعت‭ ‬علاقة‭ ‬سيدة‭ ‬بكلب‭ ‬ضال،‭ ‬كانت‭ ‬تفتقد‭ ‬أبناءها‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬بعيدة،‭ ‬كانت‭ ‬حنونة‭ ‬وعطوفة‭ ‬جدًا‭ ‬تجاه‭ ‬الكلب،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬رأته‭ ‬يقدم‭ ‬الحنان‭ ‬والحب‭ ‬لعائلة‭ ‬أخرى‭ ‬ويرفض‭ ‬الانصياع‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬عنفته‭ ‬وعاقبته‭ ‬بقطع‭ ‬علاقتها‭ ‬معه،‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أوافقها،‭ ‬لكنى‭ ‬فهمت‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬تربية‭ ‬الكلاب‭ -‬أحيانًا‭- ‬كتعويض‭ ‬لمشاعر‭ ‬مفقودة‭. ‬ثم‭ ‬استقرت‭ ‬الفكرة‭ ‬أكثر‭ ‬عندما‭ ‬رأيت‭ ‬قناة‭ ‬على‭ ‬يوتيوب‭ ‬لمدرب‭ ‬كلاب‭ ‬مصرى‭ ‬يطرح‭ ‬نظرية‭ ‬كاملة‭ ‬عن‭ ‬تربيتها‭ ‬عبر‭ ‬الضرب‭ ‬والتخويف،‭ ‬فضلًا‭ ‬عما‭ ‬كنت‭ ‬أقرأه‭ ‬على‭ ‬فيسبوك‭ ‬وتويتر‭ ‬عن‭ ‬فئة‭ ‬تتحدث‭ ‬بأريحية‭ ‬عن‭ ‬حرق‭ ‬وتسميم‭ ‬وسلخ‭ ‬الكلاب‭ ‬الضالة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يروا‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬شيئًا‭ ‬شريرًا،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مفزعًا‭ ‬ودافعًا‭ ‬للتفكير‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬شكّل‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الحيوان‭ ‬بضعفه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منفذًا‭ ‬لمحاكاة‭ ‬الحب،‭ ‬والعنف‭ ‬أيضًا،‭ ‬فجاءت‭ ‬فكرة‭ ‬الرواية‭.‬

‭-‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬كتابة‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محاولات‭ ‬تدريب‭ ‬الكلاب؟

أظن‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يدهشنى‭ ‬فى‭ ‬العملية‭ ‬كلها،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العاطفة‭ ‬والحب‭ ‬مبرمجة‭ ‬كغريزة‭ ‬فى‭ ‬الكلاب،‭ ‬تصرفاتها‭ ‬وتفكيرها‭ ‬فى‭ ‬مفاهيم‭ ‬معقدة‭ ‬كالوفاء‭ ‬مثلًا،‭ ‬والصداقة‭ ‬والتعلق‭ ‬بأصحابها‭ ‬مثار‭ ‬تأمل،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تعتمد‭ ‬عليه‭ ‬حياة‭ ‬الكلاب،‭ ‬حب‭ ‬يتجاوز‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التعقيدات‭ ‬والشكوك‭. ‬يكفى‭ ‬الكلب‭ ‬أقل‭ ‬لمسة‭ ‬حنان‭ ‬ليتعلق‭ ‬بصاحبه‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭- ‬على‭ ‬العكس‭ ‬منّا‭- ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬عادى‭ ‬وليس‭ ‬مفاجئًا‭ ‬بالطبع،‭ ‬فصداقة‭ ‬الكلب‭ ‬للإنسان‭ ‬قديمة‭ ‬قدم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬لكنى‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬شيئًا‭ ‬جديدًا‭ ‬ومدهشًا‭ ‬فى‭ ‬أشياء‭ ‬عادية،‭ ‬وأن‭ ‬يعيد‭ ‬فحص‭ ‬المسلم‭ ‬به،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حاولت‭ ‬فعله‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭.‬

‭-‬روايتك‭ ‬مقسمة‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬أقسام‭ ‬قوامها‭ ‬اصفير‭ ‬الريحب‭ ‬واجوف‭ ‬حوتب‭ ‬وا‭ ‬خطوة‭ ‬الأعمىب‭ ‬واغبار‭ ‬الذئبب‭ ‬واهتاف‭ ‬غولب‭.. ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬مراحل‭ ‬تحول‭ ‬الراوى؟

بالفعل‭ ‬اختيارى‭ ‬لأسماء‭ ‬الفصول‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لمراحل‭ ‬تحوّل‭ ‬الراوى‭ ‬فى‭ ‬وحدته،‭ ‬إيغاله‭ ‬فى‭ ‬بطن‭ ‬الظلمة،‭ ‬محاولته‭ ‬المرتبكة‭ ‬للخروج‭ ‬بخطوة‭ ‬الأعمى،‭ ‬ثم‭ ‬ذئب‭ ‬يستعد‭ ‬للانقضاض‭ ‬ومقاومته‭ ‬لهذا‭ ‬التحول،‭ ‬فاستسلامه‭ ‬وانكشاف‭ ‬الغول‭ ‬داخله‭.‬

‭-‬فى‭ ‬اإخضاع‭ ‬الكلبب‭ ‬ابتعدت‭ ‬عن‭ ‬الفانتازيا‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تميز‭ ‬رواياتك‭ ‬السابقة‭.. ‬ما‭ ‬رؤيتك‭ ‬لفكرة‭ ‬الفانتازيا‭ ‬حاليًا؟

أشكرك‭ ‬على‭ ‬الملاحظة‭ ‬أولًا،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التغيّر‭ ‬سابق‭ ‬على‭ ‬الرواية،‭ ‬وبدأ‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬ابياصة‭ ‬الشوامب‭ ‬عام‭ ‬٢٠١٧،‭ ‬والتى‭ ‬نُشرت‭ ‬بعدها‭ ‬بعامين‭. ‬كانت‭ ‬ابياصة‭ ‬الشوامب‭ ‬أشبه‭ ‬بتكليل‭ ‬لمغامرة‭ ‬بدأتها،‭ ‬صارت‭ ‬تقنيتى‭ ‬فعّالة‭ ‬أخيرًا‭ ‬فى‭ ‬مزج‭ ‬الحلم‭ ‬بالواقع‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بتوازن‭ ‬مقنع‭ ‬للقارئ،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬ذروة‭ ‬ما‭ ‬يمكننى‭ ‬فعله‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الشكل،‭ ‬ربما‭ ‬لأنى‭ ‬رضيت‭ ‬أخيرًا‭ ‬عنه‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬مئة‭ ‬بالمئة،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬المرة‭ ‬كان‭ ‬التجاوب‭ ‬مِن‭ ‬أغلب‭ ‬مَن‭ ‬قرأوا‭ ‬العمل‭ ‬مدهشًا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬كنت‭ ‬خرجت‭ ‬لتوى‭ ‬من‭ ‬خيبات‭ ‬أمل‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬عقلى‭ ‬مكتفيًا‭ ‬بإعادة‭ ‬تخييل‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬الفانتازيا‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬كافية‭ ‬لتفسيره،‭ ‬أدركتُ‭ ‬ببطء‭ ‬أن‭ ‬عينى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تشاهد‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬عبر‭ ‬عدسة‭ ‬البانوراما‭ ‬بل‭ ‬عبر‭ ‬ميكروسكوب‭ ‬يجد‭ ‬بغيته‭ ‬فى‭ ‬التفاصيل‭ ‬وتشريح‭ ‬اللحظة‭ ‬لا‭ ‬فى‭ ‬تحليق‭ ‬الفانتازيا،‭ ‬رغم‭ ‬أنى‭ ‬لم‭ ‬أغادر‭ ‬بعد‭ ‬الثيمة‭ ‬نفسها،‭ ‬العوالم‭ ‬المتخيلة‭ ‬فى‭ ‬ذهن‭ ‬شخص‭ ‬والتى‭ ‬تعيد‭ ‬تخييل‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬مع‭ ‬استخدام‭ ‬ما‭ ‬تعلمته‭ ‬من‭ ‬الفانتازيا‭ ‬فى‭ ‬مناطق‭ ‬محددة‭ ‬مدروسة‭ ‬أكثر،‭ ‬لاحظت‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬البطيء‭ ‬عبر‭ ‬عامين،‭ ‬كتبت‭ ‬فيهما‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬نشرت‭ ‬فى‭ ‬مواقع‭ ‬مختلفة‭ ‬كـاختم‭ ‬السلطانب،‭ ‬واآخر‭ ‬قصةب،‭ ‬وارمانب‭ ‬واأخبار‭ ‬الأدبب،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أستسلم‭ ‬لإدراك‭ ‬هذا‭ ‬التغيّر‭. ‬وبالنسبة‭ ‬لـاإخضاع‭ ‬الكلبب،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تستقم‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬إدراكى‭ ‬أنى‭ ‬لن‭ ‬أستطيع‭ ‬سردها‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬التفاصيل‭ ‬الواقعية‭ ‬والفوق‭ ‬واقعية‭.‬

‭-‬هل‭ ‬تغيّر‭ ‬الواقع‭ ‬أم‭ ‬أنت‭ ‬الذى‭ ‬تغيّرت؟

حتى‭ ‬فى‭ ‬رواياتى‭ ‬السابقة،‭ ‬كان‭ ‬الواقع‭ ‬منعكسًا‭ ‬فى‭ ‬مرآة‭ ‬الأحلام،‭ ‬ويظهر‭ ‬كمكان‭ ‬مرعب،‭ ‬الذى‭ ‬تغيّر‭ ‬طريقة‭ ‬التناول‭. ‬وبالطبع‭ ‬تغيّرتُ،‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عشرات‭ ‬النسخ‭ ‬منى‭ ‬كل‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تبحث‭ ‬هذه‭ ‬النسخة‭ ‬منى‭ ‬عن‭ ‬وسيلة‭ ‬تعبير‭ ‬مناسبة‭.‬

‭-‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬المقبلة،‭ ‬ستخلو‭ ‬من‭ ‬الفانتازيا؟

لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الفانتازيا‭ ‬ستختفى‭ ‬من‭ ‬كتاباتي،‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مهيمنة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أكتب،‭ ‬قد‭ ‬أنطلق‭ ‬منها‭ ‬كأساس،‭ ‬قد‭ ‬استخدمها‭ ‬فى‭ ‬خلخلة‭ ‬الواقع‭ ‬قليلًا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أنى‭ ‬سأستخدم‭ ‬خبراتى‭ ‬بالفانتازيا‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬تحديدًا‭. ‬

‭-‬هل‭ ‬تشغلك‭ ‬فكرة‭ ‬القراءة‭ ‬فى‭ ‬أشكالها‭ ‬الأحدث‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬تروّج‭ ‬له‭ ‬فيديوهات‭ ‬البوكتيوبر،‭ ‬أو‭ ‬استمرار‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬البيست‭ ‬سيلّلر؟‭ ‬

بالطبع‭ ‬أفكر‭ ‬فى‭ ‬الأمر،‭ ‬لكن‭ ‬قناعتى‭ ‬الأصلية‭ ‬أنى‭ ‬أنافس‭ ‬الأدب‭ ‬الذى‭ ‬ينتمى‭ ‬لفئة‭ ‬بعينها‭ ‬كمحفوظ‭ ‬وتشيكوف‭ ‬وهمنجواى‭ ‬والغيطانى‭ ‬وإدوار‭ ‬الخراط‭ ‬وخيرى‭ ‬شلبى‭ ‬وبورخيس‭ ‬وماركيز‭ ‬وغيرهم،‭ ‬الفئة‭ ‬التى‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬قراء‭ ‬الأدب‭ ‬بها‭ ‬ظلوا‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬محدودين‭ ‬مقارنة‭ ‬بأدب‭ ‬يهدف‭ ‬للتسلية‭ ‬المحضة‭ ‬والترفيه‭ ‬عن‭ ‬قارئه‭ ‬وهذا‭ ‬حقه‭. ‬أشاهد‭ ‬نيتفلِكس‭ ‬مثلًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬مرهق‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬مشاهدتى‭ ‬للسينما‭ ‬الأكثر‭ ‬جدية‭ ‬تتطلب‭ ‬منى‭ ‬حضورًا‭ ‬وانتباهًا،‭ ‬وأن‭ ‬أكون‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬ذهنية‭ ‬نشطة،‭ ‬حق‭ ‬الترفيه‭ ‬مُتاح‭ ‬للجميع،‭ ‬والفنون‭ ‬جميعها‭ ‬تقدمه‭ ‬بدرجة‭ ‬أو‭ ‬أخرى،‭ ‬لذا‭ ‬لا‭ ‬أشغل‭ ‬بالى‭ ‬كثيرًا،‭ ‬أنا‭ ‬أكثر‭ ‬تسليمًا‭ ‬بأن‭ ‬نوعية‭ ‬ما‭ ‬نكتبه‭ ‬معد‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬لدائرة‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬القراء،‭ ‬لكن‭ ‬بالطبع‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ما‭ ‬أظنه‭ ‬فنًا،‭ ‬تلك‭ ‬المعادلة‭ ‬الصعبة‭ ‬تتطلب‭ ‬أن‭ ‬يعى‭ ‬الكاتب‭ ‬أنه‭ ‬يعمل‭ ‬أولًا‭ ‬عند‭ ‬الكتابة‭ ‬وكتابة‭ ‬أسلافه،‭ ‬ثانيًا‭ ‬عند‭ ‬الجمهور‭ ‬الواسع‭. ‬المسألة‭ ‬مركبة‭ ‬وأكثر‭ ‬تعقيدًا‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬إجابة،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬كاتب‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬إجابته‭ ‬المختلفة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭. ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬يقرأنى‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دائرة‭ ‬الفن‭ ‬كما‭ ‬أفهمه‭. ‬كما‭ ‬أنى‭ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬أى‭ ‬غضاضة‭ ‬فى‭ ‬استعارة‭ ‬أشكال‭ ‬أكثر‭ ‬جاذبية‭ ‬تستعملها‭ ‬الفنون‭ ‬الترفيهية،‭ ‬كالفانتازيا‭ ‬والتشويق‭ ‬والأسلوب‭ ‬البوليسي،‭ ‬تعلمت‭ ‬منها‭ ‬مثلًا‭: ‬وضع‭ ‬القارئ‭ ‬فى‭ ‬الحدث‭ ‬من‭ ‬السطر‭ ‬الأول،‭ ‬وأرى‭ ‬الفارق‭ ‬بسيطًا،‭ ‬يحب‭ ‬الجمهور‭ ‬الأوسع‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬ما‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬بإمكانه‭ ‬كتابته،‭ ‬لذا‭ ‬يفضّل‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬له‭ ‬طبقات‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬القراءة،‭ ‬فى‭ ‬السرد‭ ‬يكون‭ ‬سؤال‭ ‬الأدب‭ ‬التجارى‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬سيحدث،‭ ‬لكن‭ ‬سؤال‭ ‬الأدب‭ ‬الأساسى‭ ‬هو‭ ‬لماذا‭ ‬وكيف‭ ‬حدث،‭ ‬فى‭ ‬الشِّعر‭ ‬مثلًا،‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬مباشرة‭ ‬الشاعر‭ (‬أى‭ ‬قل‭ ‬الشًّعر‭) ‬زادت‭ ‬جماهيريته‭.‬