شبهات وردود

هل القرآن من كلام النبى محمد (صلي الله وعليه وسلم)

القرآن الكريم
القرآن الكريم

حسين الطيب

- يروج بعض أعداء الإسلام القول بأن القرآن هو من كلام النبى محمد وليس من كلام الله.
يرد على الشبهة الباحث والكاتب سعود بن عبدالعزيز الخلف فى كتابه «دحض دعوى المستشرقين بأن القرآن من عند النبى محمد» .
فيقول عن حادثة الإفك تنفى أن القرآن كلام محمد صلى الله عليه وسلم، فإن قصة حادثة الإفك من أصعب الأحداث وأشدها على النبى صلى الله عليه وسلم، وهو أن المنافقين طعنوا فى أحب نسائه إليه عائشة رضى الله عنها، وعرضوا بها فى حادثة الإفك، وهى ابنة أعز أصحابه إليه، وهذا شرفه عليه الصلاة والسلام، وهو أشرف الشرفاء وأعظم العظماء وأنقى الأنقياء وأتقى الأتقياء عليه الصلاة والسلام، وهو أشد الناس غيرة كما قال عليه الصلاة والسلام: «أتعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منى».
ومع ذلك فقد تجرأ عليه أناس من المنافقين، فطعنوا فى زوجه، وشاع هذا فى المدينة، وتأذى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية التأذى، ومع أن عائشة رضى الله عنها مرضت بعد قدومها من ذلك السفر، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يأبه لها كثيراً بسبب ما بلغه من القيل فى ذلك، بل كان يأتى إليها حين اشتكت ويسلم، ثم يقول: «كيف تيكم»، ثم ينصرف، بل بلغ الأمر به عليه الصلاة والسلام أنه أخذ يستشير بعض أصحابه فى شأنها، فاستشار أسامة بن زيد وعلى بن أبى طالب، وسأل الجارية عن عائشة، وسأل زينب بنت جحش زوجته. وتأخر الوحى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى تلك الحادثة شهراً لا يوحى إليه فى شأن عائشة رضى الله عنها، ثم نزلت براءتها بعد أن قال لها ما قال. قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» (النور:11-20). فكان أول كلمة قالها عليه الصلاة والسلام لها بعد نزول الآيات عليه: «يا عائشة أما الله سبحانه وتعالى فقد برأك، فقالت أمى: قومى إليه- أى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقالت عائشة: «والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله».
فهذه الحادثة بتداعياتها الخطيرة، وآثارها الشديدة على النفس، وقد وقعت لأحب الناس إليه، تأخر فيها الوحى كل هذه المدة، تاركاً رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حيرة من حقيقة ما يقال، وما كان رسول الله ليشك فى زوجه لولا كثرة كلام الناس، وتداول المنافقون لذلك الكلام وإشاعته، مما يدل على خطورة الإشاعات وقوة تأثيرها، فلو كان القرآن من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لبادر لتلاوة آيات منه تبرىء عائشة رضى الله عنها، وتخرس الألسن قبل أن يشيع ذكر الكلام الفاحش. ولكنها المشيئة الإلهية، والتربية الربانية، أراد الله أن يؤخر الوحي، حتى يعطى المسلمين درساً أنه لا أحد فوق الامتحان، وأن الشائعات أمرها خطير، وقد تقلب الموازين، وأن الحديث فى مثل هذه الدعاوى يجب ألا يكون بحال إلا بالشهود المعاينين للحادثة، إلى غير ذلك من الدروس.
والدرس الذى يهمنا، هو أن القرآن ليس من عند النبى صلى الله عليه وسلم، ولو كان من عنده لوفر على نفسه ذلك العناء، وأنهى ذلك الإشكال فى مهده، كغيره من الاشكالات، التى ينزل فى شأنها قرآناً مباشرة كحكم الله فى المستهزئين (1)، والواهبة نفسها (2)، وقصة التحريم (3)، وغير ذلك.ومن المعلوم أن إشاعات كهذه إذا خرجت وانتشرت، فليس من اليسير قطعها وإسكاتها، فالحل الأمثل لها أن تدفن فى مهدها قبل انتشارها وشيوعها، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وإنما استمر القيل والقال مدة شهر كامل، والله أعلم بما عانى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شديد الغيرة، عظيم الرحمة، والله أعلم بما عانى زوجه وأهلها، وجميع المسلمين. والفرق شاسع والبون واسع بين عبارة الشك، التى خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بها عائشة رضى الله عنها قبيل وقت قصيرمن نزول آيات البراءة، حين قال لها: «ياعائشة إن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله». فهى عبارة على ما فيها من الثقة بالله، فيها شك فى حقيقة الأمر، فرق بين هذه والعبارة التى جاءت بعدها منسوبة إلى الله تعالى العليم الحكيم: «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ...» الآيات. فوصم الحادثة بالإفك، وأعلن فى أول كلمة فيها كذب الدعوى، وبراءة أم المؤمنين رضى الله عنها وأرضاها، وأعطى دروساً مهمة فى الموضوع. فلا يقول أحد باتحاد المصدر فى الموقفين والجملتين إلا جاهل أو كاذب معاند.
وفى كل هذا دليل ناصع واضح، على أن القرآن لا يمكن أن يكون من عند النبى صلى الله عليه وسلم بحال من الأحوال. وصدق الله تعالى: «إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».