القتل العائلى.. ظاهرة دموية تضرب الأسرة المصرية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

التفكك الأسرى وغياب الوعى الدينى.. أهم أسباب تفشى الجرائم
عاطل يذبح  من عائلته.. سيدة رفضت المعاشرة الجنسية فقتلها زوجها.. وزوجة تقتل زوجها وتدعى موته بكورونا
أستاذ قانون يُطالب القضاة بتطبيق العقوبات المشددة للجرائم وعدم استبدالها بقوانين الرأفة
مصر تحتل المركز الثالث عربياً والـ24 عالمياً ارتكاباً للجرائم
خالد عثمان 


شهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في ارتكاب الحوادث الأسرية والعائلية بشكل  يجعلنا  ندق ناقوس الخطر والبحث عن أسباب تلك الظاهرة. 
«الأخبار المسائى» تفتح ذلك الملف وتستعرض أهم الحوادث الأسرية والتي شغلت الرأي العام وآراء علماء النفس والاجتماع وخبراء الإعلام والقانون وعلماء الدين عن أسباب تزايد تلك الجرائم في محاولة للقضاء عليها أو التقليل منها، حيث شهدت قرية أولاد حمزة بمركز العسيرات جنوب محافظة سوهاج جريمة قتل بشعة، حيث قام عامل بقتل والده ووالدته ونجلي شقيقته وذبحهم بساطور أثناء نومهم داخل المنزل، وأصاب شقيقته بجروح خطيرة. وفي قنا بقرية أولاد عمرو، حيث تخلص مزارع من زوجته بذبحها بسكين بسبب مروره بحالة نفسية سيئة وأن زوجته عطيات 65 سنة، حسب اعترافاته، كانت ثرثارة وبتتكلم كتير ورغاية. 

وفي مركز قطور بمحافظة الغربية لفظ طالب أنفاسه الأخيرة أثناء قيام والده بتأديبه لسرقة أموال من عمه وسقط جثة هامدة.
كما قررت نيابة الفيوم حبس عامل علي ذمة التحقيقات لاتهامه بقتل شقيقه بقرية الخلطة مركز يوسف الصديق بعد نشوب خلافات عائلية. 
وفي الجيزة أمرت النيابة العامة بحبس عامل علي ذمة التحقيقات لاتهامه بقتل زوجته ودفن جثتها بخزان المنزل بمركز منشأة القناطر بسبب رفض زوجته معاشرته.    
 وفي سوهاج قتل شقيقان ابن عمومتهما ونجليه وزوجته بأن أطلقا عليهم الرصاص بسبب خلافات سابقة بينهما. 
 وفي مركز ملوي بالمنيا قامت زوجة بقتل زوجها خنقًا بسبب خلافات عائلية بينهما ولجأت لحيلة جهنمية بادعاء وفاته نتيجة إصابته بفيروس كورونا إلا أن الأجهزة الأمنية كشفت حيلتها واعترفت بقتله خنقًا لوجود خلافات أسرية، حيث حدثت بينهما مشادة.. تلك الحوادث رصدتها جريدة «الأخبار المسائى» خلال الفترة الأخيرة فقط. 
بداية أكدت دراسة ميدانية أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول الجرائم الأسرية أن من أهم أسبابها ضعف الوازع الديني والاختلال العقلي والنفسي والضغوط الاجتماعية والنفسية وإدمان المخدرات والتي تؤدي إلي توتر العلاقات بين أفراد العائلة فتدب المشاكل فيما بينها. 
وأكدت الدراسة أن جرائم القتل الأسري في مصر تشكل أكثر من ربع جرائم القتل وأن أكثر من 90 ? من هذه الجرائم تُرتكب دفاعاً عن الشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات والضائقات المالية والأزمات النفسية وأصدقاء السوء.
من جانبه يفجر المستشار عاطف زايد، المحامي بالنقض والدستورية العليا، مفاجأة من العيار الثقيل وثغرة قانونية تؤدي إلي ارتفاع وزيادة الجرائم الأسرية بشكل مباشر أو غير مباشر ألا وهي أن قانون العقوبات في مواده من 230 حتي 235 يعرف جريمة القتل العمد والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد بأن الشخص الذي يعقد العزم والنية لقتل الشخص مع سبق الإصرار والترصد يكون عقابه الإعدام.
إلا أن بعض القضاة في القضايا الأسرية يستخدمون المادة 17 من قانون العقوبات والتي تسمي بالرأفة. 
ويحذر عاطف زايد من ارتفاع معدلات تلك الجرائم في مصر بنسبة زيادة عن الأعوام السابقة بسبب الخلافات العائلية لتعطل الزوج عن العمل نتيجة انتشار كورونا أو شك أحد الزوجين في سلوك الآخر والرغبة من الانتقام من الشريك أو المرور بضائقة مالية أو أزمة نفسية أو الإدمان. 
ويرجع عاطف زايد إلي أنه وفقاً لآخر تصنيف لقاعدة البيانات العالمية المعروفة باسم    نامبيو والتي تهتم بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة جاءت مصر في المركز الثالث عربياً والـ 24 عالمياً، وذلك بسبب الترويج الإعلامي لها بشكل مباشر أو غير مباشر بحيث أصبح ارتكاب الجريمة البديل الأسهل للتخلص من أي مشكلة.
ومن جهته يقول الشيخ علي محمد جمعة، إمام وخطيب بالأوقاف، إن الجرائم الأسرية نتجت عن تفكك هذه البيئة الطيبة التى تحوم حولها شياطين الأنس والجن لضربها وتفكيكها مدمرة مجتمعا بأسره.
وقال جمعة إن ضياع الأبناء والبنات فى ظل هذه القيم المهدرة هى الخطيئة الكبرى التى أورثتها الأسرة الضائعة والجريمة الأعظم لمجتمع إسلامى يهدف إلى الترابط والتضامن والحب والوئام.
ولنعلم أنها الأمانة التى سنسأل عنها بالرعاية الكبرى، قال تعالى:( إنَّا عرضنا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ والجِبَالِ)، وجاء ضمن معاني السؤال الرعية وتعلق الأولاد والزوجة في رقاب الزوج، يشتكون إلى الله سوء المعاملة وضياعهم بتفريط راعيهم فيهم.
ويؤكد جمعة أن الابتعاد عن هديه، صلى الله عليه وسلم، فى معاملته لأسرته أدباً وخلقاً وتجاوزاً وحباً وحناناً ثم معلماً ومربياً أدى إلى ابتعاد الأسرة عن المنهج القويم.
فما تسلط الزوج على زوجته والعكس إلا لضياع هذه القيم المثلى، فعادت الطباع الحيوانية المستأسدة تتحكم فى مصير الأسرة وقانون الغابات حل مكان المودة والرحمة، فسمعنا ورأينا زوجاً يقتل زوجته والعكس مخلفة دماراً لإحدى لبنات مجتمعنا القويم.
وتقول دكتورة سمر يسرى، المدرس بكلية الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إن الضغوط النفسية والمادية تؤثر على السلام الأسرى فى بعض الطبقات الاقتصادية إلى جانب مشكلات فى التربية منذ الصغر، ورغم أن هذا الموضوع منذ الألفية الجديدة كان موضع دراسة فى علوم الاجتماع وعلم النفس إلا أننا حتى الآن نستمع لأخبار جرائم خارج الفطرة البشرية.
مؤكدة أننا نفعل الكثير من أجل أن نوقف العنف الأسرى وكان للإعلام دور كبير فى العديد من الحملات التى تحارب العنف بكل أشكاله، بل فرضت عقوبات على الضرب للزوجة أو الأم أو الأخت، ولكن رغم ذلك ما زال هناك خلل تربوى فى بعض فئات المجتمع المصرى يحتاج إلى حلول وليس دراسة فقط. وطالبت بضرورة إيجاد حلول عاجلة منها الإيداع فى مراكز تأهيل نفسية، أسوة بالغرب فى ذلك، قبل أن يقتل سلوك الأب أو الأم الأبناء.
وأضافت أنه لا بد من إنشاء خط هاتفي للإبلاغ عن أول جريمة عنف تخرج عن الفطرة الإنسانية فيتخذ اللازم ويحول الأب أو الأم إلى تلك المراكز ويتم تأهيلهم نفسياً وتربوياً ومن ثم خروجهم ليكونوا مسؤولين على الأطفال مرة أخرى.
لماذا لا نتخذ إجراءات قانونية إلا بعد أن تحدث الكارثة بقتل الأم لابنها أو الأب لأولاده؟! 
ولفتت إلي أن دور المجتمع المدنى ومؤسساته أن ينقذ الأسرة قبل حدوث الجريمة وليس بعدها.
وتشير الدكتورة مروة شطا، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية والسلوكية، أن الفترة الأخيرة ظهرت جرائم هزت  كيان المجتمع وأصبحنا نسمع كثيراً عن جرائم بشعة يدور فلكها من داخل الأسرة الواحدة.
وبظهور فيروس كورونا المستجد وما ترتب عليه من تدني في الحالة الاقتصادية وزيادة الضغوط وجلوس الأسرة مع بعضها فترات أطول وحدوث شد وجذب، فبدأت تطفو علي السطح الاضطرابات النفسية وهى أحد أنواع الاضطراب العقلي الذي يعانى فيه الشخص من تصرفات وأداء وظائف ونمط تفكير غير صحي ومتصلب ويعرف أيضًا باضطراب الشخصية. 
يعاني الشخص المصاب من عدم فهم المواقف بشكل صحيح وعدم التعامل مع العالم الخارجي والداخلي بشكل إيجابي وعادة يبدأ اضطراب الشخصية من مرحلة البلوغ و المراهقة.
وعن أهم أسباب الجرائم الأسرية تقول شطا إنها تكون ناتجة من انحرافات سلوكية لدي بعض الأشخاص إلي جانب انحدار في العلاقات الاجتماعية والقيم الدينية والأخلاقيات، فتبدأ من تنشئة الطفل منذ الصغر؛ لأنه نشأ في جو أسري سلبي. 
 ومن ضمن الأسباب أيضاً إهمال الوالدين لأبنائهم والعنف والقسوة منذ الصغر داخل الأسرة وعدم احتواء الأبناء ومتابعتهم متابعة دقيقة في اتصالهم بالعالم الخارجى والبيئة المحيطة بهم؛ منها التلوث السمعي والبصري والأخلاقي فتتكون لديهم برمجة في العقل الباطن بسلوكيات شاذة عن مجتمعنا. 
ومن المؤسف أن بعض الأحيان يلعب الإعلام دورًا سلبيًا بنشر ثقافة العنف من خلال الأعمال الدرامية المليئة بالقسوة والكراهية والتدمير. 
ووضعت استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية والسلوكية طرق العلاج؛ والتي من أهمها:
التنشئة السليمة بين الأبناء في الأسرة الواحدة، فينبغي أن تُبني علي روح الود والتراحم والحب والتعاون وهذه مسؤولية الأبوين، ومن هنا نحدد السلوك الإيجابي حتى يتم إنتاج أبناء صالحين للمجتمع. 
هناك دور للإعلام وهو تفعيل برامج وندوات للرعاية الاجتماعية لتخفيف العنف داخل المجتمع ونشر الواعي الإيجابي داخل الأسرة.
يجب علي كل فرد يشعر بالاضطراب أو صراع داخلي اللجوء إلي متخصص وليس التحدث مع الأصدقاء ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لتجنب الجرائم المفجعة.
ويؤكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي: الشق العام.. انحدار ثقافي يشمل الازدواجية الدينية والانحدار القيمي والأخلاقي للمجتمع مع الانحدار في القيم الاجتماعية سواء داخل الأسرة أو داخل المجتمع.
داخل الأسرة انهارت العلاقه بين الزوجين بينهما البعض وبين الأولاد ووالديه  وطالب فرويز بضرورة تكاتف الجهود من قبل الوزارات الخاصة بالثقافة وأيضاً المؤسسات الدينيه بشقيها، ويرجع  فرويز انتشار أسباب الظاهرة  المخدرات.
وقال فرويز إن هناك أيادي تعبث في المجتمع لتوصيم المرض النفسي  وجعل الناس تذهب للمعالجين الدينييين بعيداً عن الطب النفسي مما يزيد من خطورة المريض النفسي.
ومن جانبه كشف اللواء هشام غنيمي، الخبير الأمني والمحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أنه فى بعض تلك الجرائم يلجأ دفاع المتهم إلى حيل قانونية، للهروب من العقاب، منها ادعاء إصابة موكله المتهم بمرض نفسي، وأن الفعل المرتكب منه خارج عن إرادته، محاولًا خلق حالة من حالات انعدام المسؤولية بحجة انتفاء إرادة المتهم، بزعم أنه مريض نفسى أو مصاب بآفة عقلية أو اضطرابات نفسية من شأنها أن تفقده قدرته على الإدراك وضبط انفعالاته، وهو بذلك يسعى لهدم الركن المعنوى للجريمة القائم على الوعى بالفعل وإدراكه لنتيجته.
وأضاف اللواء هشام غنيمي أنه عندما تثار مثل تلك الدفوع أمام المحكمة، فإنه يلزم عليها أن تحقق ذلك الدفع والوقوف على مدى جدية وجودة أو عدمه، فهى من الدفوع الجوهرية التى يلزم على المحكمة الرد عليها لتعلقه بأركان قيام الجريمة، وفى حالة إغفال المحكمة التصدى للدفع، فيكون حكمها معيبًا ويفتح الباب أمام دفاع المتهم للطعن عليه بالنقض لإغفاله الرد على ذلك الدفع.
جرائم بشعة في نهار رمضان.. أبرزها «مذبحة أسرية» في المنوفية