غالية

رواية الوجع السيناوى

غالية
غالية

 كتب "منير‭ ‬عتيبة

يخوض‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفى‭ ‬الشاب‭ ‬أحمد‭ ‬سليم‭ ‬مغامرته‭ ‬الروائية‭ ‬الأولى‭ ‬بالكتابة‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬شديد‭ ‬الالتهاب،‭ ‬كان‭ ‬كذلك‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬فى‭ ‬الحاضر‭ ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬نسيًا‭ ‬منسيًا‭ ‬فى‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬وهو‭ ‬موضوع‭ (‬الإرهاب‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭.‬

الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬فى‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬مغامرة‭ ‬محفوفة‭ ‬بمخاطر‭ ‬عديدة‭ ‬وأسئلة‭ ‬تحوم‭ ‬فى‭ ‬ذهن‭ ‬الكاتب‭ ‬حول‭ ‬التقنية‭ ‬التى‭ ‬سيستخدمها،‭ ‬ونبرة‭ ‬الحكى‭ ‬التى‭ ‬سيتحدث‭ ‬بها،‭ ‬وكيف‭ ‬سيقدم‭ ‬شخوصه،‭ ‬ووجهة‭ ‬النظر‭ ‬التى‭ ‬سينطلق‭ ‬منها‭ ‬السارد‭ ‬إلخ‭ ‬وهى‭ ‬أسئلة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يجب‭ ‬الكاتب‭ ‬نفسه‭ ‬عليها‭ ‬إجابة‭ ‬تطمئنه‭ ‬فلن‭ ‬يجد‭ ‬لديه‭ ‬الشجاعة‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬عمله‭ ‬خصوصًا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬العمل‭ ‬الأول،‭ ‬لكن‭ ‬أحمد‭ ‬سليم‭ ‬لا‭ ‬يكتفى‭ ‬بهذه‭ ‬الصعوبات‭ ‬فيختار‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الشائك‭ ‬الذى‭ ‬يطرح‭ ‬بدوره‭ ‬أسئلة‭ ‬عديدة‭ ‬حول‭ ‬مواقف‭ ‬الكاتب‭ ‬الفكرية،‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬جانب‭ ‬سيكون،‭ ‬وهل‭ ‬ذلك‭ ‬سيجعله‭ ‬دعائيًا‭ ‬فى‭ ‬كتابته،‭ ‬وهل‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬شيئًا‭ ‬جديدًا‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ ‬تتناوله‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬إلخ‭.‬

استطاع‭ ‬أحمد‭ ‬سليم‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬معضلة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬فى‭ ‬روايته‭ ‬غالية‭ ‬بالانحياز‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬سيناء،‭ ‬ترك‭ ‬لهم‭ ‬قلمه‭ ‬ونقل‭ ‬عنهم‭ ‬ما‭ ‬يفكرون‭ ‬به‭ ‬وما‭ ‬يقولونه،‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يقدمهم‭ ‬كبشر‭ ‬بدون‭ ‬إدانة‭ ‬غبية‭ ‬أو‭ ‬طوباوية‭ ‬ساذجة،‭ ‬وأن‭ ‬يقدم‭ ‬الحكايات‭ ‬كما‭ ‬حدثت‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬حدثت،‭ ‬مع‭ ‬تنويع‭ ‬الصوت‭ ‬السردى‭ ‬ليكون‭ ‬منسجمًا‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬مكان‭ ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬صوت‭ ‬واحد،‭ ‬فاستطاع‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬رواية‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تُقرأ‭ ‬للمتعة‭ ‬الروائية،‭ ‬وأن‭ ‬تناقش‭ ‬لما‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أفكار‭.‬

***

يعود‭ ‬يحيى‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬بالكويت‭ ‬بعد‭ ‬اختفاء‭ ‬أخيه‭ ‬الدكتور‭ ‬عيد‭ ‬الذى‭ ‬تحوم‭ ‬الشبهات‭ ‬حول‭ ‬اختطافه‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬جماعة‭ ‬إرهابية،‭ ‬مع‭ ‬ظلال‭ ‬شك‭ ‬أنه‭ ‬ذهب‭ ‬إليهم‭ ‬بمحض‭ ‬اختياره‭ ‬لإيمانه‭ ‬بأفكارهم،‭ ‬يبحث‭ ‬يحيى‭ ‬عن‭ ‬أى‭ ‬خيط‭ ‬يوصله‭ ‬للحقيقة،‭ ‬يعثر‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬كتبها‭ ‬عيد،‭ ‬بعضها‭ ‬يخص‭ ‬عيد‭ ‬نفسه،‭ ‬خواطر‭ ‬وأفكار‭ ‬وأشعار،‭ ‬ومعظمها‭ ‬مسودة‭ ‬روائية‭ ‬نقل‭ ‬فيها‭ ‬عيد‭ ‬قصة‭ ‬حياة‭ ‬جدته‭ ‬غالية‭ ‬مروية‭ ‬على‭ ‬لسانها‭. ‬ضابط‭ ‬الأمن‭ ‬الوطنى‭ ‬يتابع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬ويضع‭ ‬يحيى‭ ‬تحت‭ ‬عينيه،‭ ‬ويطلب‭ ‬منه‭ ‬مرارًا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬وحده‭ ‬وأن‭ ‬يتركهم‭ ‬ليؤدوا‭ ‬عملهم‭ ‬ليستطيعوا‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عيد‭.‬الجار‭ ‬أبو‭ ‬فراج‭ ‬يأتى‭ ‬بلقطة‭ ‬فيديو‭ ‬لعيد‭ ‬يعترف‭ ‬فيها‭ ‬أنه‭ ‬ذهب‭ ‬مع‭ ‬الإرهابيين‭ ‬بمحض‭ ‬اختياره‭ ‬لأنه‭ ‬يؤمن‭ ‬بأفكارهم،‭ ‬فتحوم‭ ‬الشبهات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬فراج‮»‬‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬وسيط‭ ‬أم‭ ‬عميل‭ ‬للأمن‭ ‬أم‭ ‬عين‭ ‬سرية‭ ‬للإرهابيين‭ ‬وسط‭ ‬الناس‭. ‬يحيى‭ ‬يعيش‭ ‬مأساته‭ ‬الخاصة‭ ‬التى‭ ‬ترك‭ ‬مصر‭ ‬بسببها‭ ‬وهى‭ ‬عدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬حبيبته‭ ‬ليلى،‭ ‬لكنه‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يركز‭ ‬جهود‭ ‬لإيجاد‭ ‬أخيه،‭ ‬تتصل‭ ‬به‭ ‬سيدة‭ ‬تخبره‭ ‬أنها‭ ‬وعيد‭ ‬تحابا،‭ ‬لكن‭ ‬أمير‭ ‬الجماعة‭ ‬تزوجها،‭ ‬وأنه‭ ‬خطف‭ ‬“عيد”‭ ‬لينتقم‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬علم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬حبيبها‭ ‬قبل‭ ‬زواجها،‭ ‬يتم‭ ‬القبض‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬فراج‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬ينتمى‭ ‬للإرهابيين،‭ ‬ثم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الخلية‭ ‬الإرهابية،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قد‭ ‬قتلوا‭ ‬“عيد”‭.‬

ثلاثة‭ ‬أصوات‭ ‬سردية‭ ‬تقدم‭ ‬جوانب‭ ‬الحكاية،‭ ‬هى‭ ‬صوت‭ ‬يحيى‭ ‬الذى‭ ‬يقدم‭ ‬حيرته‭ ‬فى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أخيه‭ ‬وأسباب‭ ‬اختفائه‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وجعه‭ ‬لافتقاده‭ ‬الأبدى‭ ‬لحبيبته،‭ ‬وصوت‭ ‬عيد،‭ ‬وصوت‭ ‬الجدة‭ ‬غالية‭ ‬التى‭ ‬تحكى‭ ‬قصة‭ ‬حياتها‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬تفعله‭ ‬العصابات‭ ‬اليهودية‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬والعدوان‭ ‬الثلاثى‭ ‬سنة‭ ‬1956م،‭ ‬والاحتلال‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬لسيناء‭ ‬سنة‭ ‬1967م،‭ ‬والتهجير‭ ‬الذى‭ ‬عاناه‭ ‬بعض‭ ‬أهل‭ ‬سيناء‭ ‬حتى‭ ‬عودتهم‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬بعد‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬سنة‭ ‬1973م‭. ‬وإذا‭ ‬استثنينا‭ ‬الصفحات‭ ‬القليلة‭ ‬التى‭ ‬ينفرد‭ ‬بها‭ ‬صوت‭ ‬عيد‭ ‬فإن‭ ‬الرواية‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬مقسمة‭ ‬بين‭ ‬الصوتين‭ ‬الآخرين،‭ ‬فصل‭ ‬لهذا‭ ‬وفصل‭ ‬لذاك،‭ ‬مع‭ ‬حرص‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬التنويع‭ ‬بأن‭ ‬تحتوى‭ ‬بعض‭ ‬الفصول‭ ‬على‭ ‬الصوتين‭ ‬معًا‭ ‬بتداخل‭ ‬حكائى‭ ‬جيد‭ ‬يحتاج‭ ‬بعض‭ ‬الانتباه‭ ‬من‭ ‬القارئ،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬تكون‭ ‬الأصوات‭ ‬الثلاثة‭ ‬فى‭ ‬فصل‭ ‬واحد‭. ‬لذلك‭ ‬تجد‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية‭ ‬تتحرك‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬جغرافية‭ ‬كبيرة‭ ‬تتعدى‭ ‬حدود‭ ‬سيناء‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬فلسطين‭ ‬والشرقية‭ ‬ومديرية‭ ‬التحرير‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القنطرة‭ ‬وبئر‭ ‬العبد‭ ‬والديرة‭ ‬التى‭ ‬تعيش‭ ‬فيها‭ ‬الجدة‭ ‬غالية‭ ‬بسيناء‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ارتباط‭ ‬سيناء‭ ‬جغرافيا‭ ‬بفلسطين‭ ‬وبالعمق‭ ‬المكانى‭ ‬لمصر،‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬الدور‭ ‬المحورى‭ ‬لسيناء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الزمنى‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬وتحمل‭ ‬الكثير‭ ‬فى‭ ‬سبيلها‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عند‭ ‬ثلاث‭ ‬إشارات‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬الرواية؛‭ ‬ليست‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬التوقف‭ ‬عنده‭ ‬بالطبع،‭ ‬لكنى‭ ‬أراها‭ ‬جوهرية‭ ‬فى‭ ‬توضيح‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يشاركه‭ ‬القارئ‭ ‬فيه‭. ‬

***

الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬سيناء‭ ‬وصعوبة‭ ‬الحياة‭ ‬فيها،‭ ‬وما‭ ‬يعانيه‭ ‬أهلها‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬يومية‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬العيش،‭ ‬منذ‭ ‬كانوا‭ ‬يتاجرون‭ ‬فى‭ ‬القنطرة‭ ‬وفلسطين‭ ‬حتى‭ ‬تاجروا‭ ‬فى‭ ‬مديرية‭ ‬التحرير،‭ ‬ورعى‭ ‬الأغنام،‭ ‬وضعف‭ ‬الموارد،‭ ‬وعدم‭ ‬اهتمام‭ ‬الدولة‭ ‬بتنمية‭ ‬حقيقية‭ ‬لسيناء‭ ‬طول‭ ‬عقود‭ ‬ماضية‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬تنميتها‭ ‬إلا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬الماضى‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬بساطة‭ ‬مما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬الشخصيات‭ ‬وحياتهم‭ ‬نفسها،‭ ‬فكل‭ ‬قصص‭ ‬الحب‭ ‬فى‭ ‬جيل‭ ‬الجدة‭ ‬غالية‭ ‬وأبنائها‭ ‬تحدث‭ ‬بشرارة‭ ‬من‭ ‬التقاء‭ ‬نظرات‭ ‬العيون،‭ ‬أو‭ ‬باختيار‭ ‬الأهل،‭ ‬ثم‭ ‬تكلل‭ ‬بزواج‭ ‬سعيد،‭ ‬وحب‭ ‬بين‭ ‬الزوجين،‭ ‬مقابل‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬يحيى‭ ‬التى‭ ‬انتهت‭ ‬بفقده‭ ‬لحبيبته‭ ‬لأنه‭ ‬غير‭ ‬مستعد‭ ‬ماليًا،‭ ‬وقصة‭ ‬حب‭ ‬عيد‭ ‬التى‭ ‬انتهت‭ ‬باختطافه‭ ‬ثم‭ ‬قتله‭ ‬بواسطة‭ ‬أمير‭ ‬الجماعة‭ ‬الذى‭ ‬تزوج‭ ‬حبيبته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الحياة‭ ‬تزداد‭ ‬صعوبة‭ ‬ودموية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬ننتبه‭ ‬لوقفهما‭ ‬أو‭ ‬الحد‭ ‬منهما‭ ‬ستكون‭ ‬النتيجة‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ (‬هنا‭ ‬فى‭ ‬سيناء،‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬خفى‭ ‬غير‭ ‬معلوم‭ ‬لأحد،‭ ‬ولكنه‭ ‬محسوس‭ ‬للجميع،‭ ‬شعور‭ ‬بالسلام‭ ‬رغم‭ ‬معاناتها‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬العصور،‭ ‬لازالت‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬احتضان‭ ‬أبنائها،‭ ‬وتصيب‭ ‬بلعنة‭ ‬الدماء‭ ‬التى‭ ‬روت‭ ‬ترابها‭ ‬أى‭ ‬معتدٍ‭)‬ص192

كما‭ ‬يشير‭ ‬الكاتب‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬غالية‭ ‬إلى‭ ‬السيدة‭ ‬أم‭ ‬رفيق‭ ‬التى‭ ‬استقبلتها‭ ‬فى‭ (‬القنطرة‭) ‬وهى‭ ‬عروس‭ ‬جديدة،‭ ‬وكانت‭ ‬جارة‭ ‬طيبة‭ ‬بمثابة‭ ‬الأم‭ ‬الثانية‭ ‬لغالية‭ ‬فى‭ ‬غربتها،‭ ‬ثم‭ ‬تفرقهما‭ ‬الأيام‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1967م،‭ ‬حيث‭ ‬تذهب‭ ‬غالية‭ ‬مع‭ ‬أسرتها‭ ‬إلى‭ ‬الشرقية‭ ‬ثم‭ ‬مديرية‭ ‬التحرير،‭ ‬بينما‭ ‬تعود‭ ‬أسرة‭ ‬أم‭ ‬رفيق‭ ‬إلى‭ ‬الصعيد‭ ‬حيث‭ ‬جذورها‭ ‬العائلية‭. ‬عائلة‭ ‬أم‭ ‬رفيق‭ ‬عائلة‭ ‬مسيحية،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬إشارة‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬من‭ ‬غالية‭ ‬على‭ ‬ديانة‭ ‬أم‭ ‬رفيق‭ ‬أو‭ ‬العكس،‭ ‬بل‭ ‬تبدو‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬علاقة‭ ‬حب‭ ‬ومودة‭ ‬وتكافل‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬غالية‭ ‬تشعر‭ ‬بالضياع‭ ‬عندما‭ ‬تفترق‭ ‬عنها‭ ‬أم‭ ‬رفيق،‭ ‬وتكون‭ ‬المفاجأة‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬الرواية‭ ‬أن‭ ‬ضابط‭ ‬الأمن‭ ‬الوطنى‭ ‬الذى‭ ‬يتابع‭ ‬قضية‭ ‬عيد‭ ‬والذى‭ ‬قبض‭ ‬على‭ ‬الخلية‭ ‬الإرهابية‭ ‬هو‭ ‬سمير‭ ‬حفيد‭ ‬أم‭ ‬رفيق‭. ‬وهى‭ ‬إشارة‭ ‬قوية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬ليست‭ ‬قضية‭ ‬دينية‭ ‬كما‭ ‬يريد‭ ‬التكفيريون‭ ‬تصويرها،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬قضية‭ ‬وطنية‭ ‬يتلاحم‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬سمير‮»‬‭ ‬و‮»‬عيد‮»‬‭ ‬و”يحيي”‭ ‬وكل‭ ‬أهل‭ ‬سيناء،‭ ‬برغم‭ ‬وجود‭ ‬البعض‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬فراج‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬تغريهم‭ ‬المادة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هم‭ ‬مؤمنون‭ ‬بأفكار‭ ‬الإرهابيين‭.‬

أما‭ ‬أقوى‭ ‬إشارات‭ ‬الرواية‭ ‬التى‭ ‬وصلتنى‭ ‬فهى‭ ‬وصف‭ ‬الكاتب‭ ‬لفظائع‭ ‬العصابات‭ ‬اليهودية‭ ‬فى‭ ‬فلسطين‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1948م‭ ‬ووصفه‭ ‬لفظائع‭ ‬الخلايا‭ ‬التكفيرية‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬حاليًا،‭ ‬بما‭ ‬يسرب‭ ‬للقارئ‭ ‬إحساسًا‭ ‬واضحًا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العصابات‭ ‬كلها‭ ‬قديمها‭ ‬وحديثها‭ ‬تأتى‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬واحد،‭ ‬ووراءها‭ ‬فكر‭ ‬واحد،‭ ‬وإن‭ ‬تزيت‭ ‬بأزياء‭ ‬مختلفة،‭ ‬وأطلقت‭ ‬شعارات‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬متفقة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬ويؤكد‭ ‬هذا‭ ‬الحكاية‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬ترويها‭ ‬غالية‭ ‬ببساطة‭ ‬وهى‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬‮«‬حمدة‮»‬‭ ‬جارتها‭ ‬فى‭ ‬الشرقية‭ ‬ومديرية‭ ‬التحرير‭ ‬والتى‭ ‬عوضتها‭ ‬عن‭ ‬حنان‭ ‬أم‭ ‬رفيق،‭ ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬تبدو‭ ‬عابرة‭ ‬فى‭ ‬حديث‭ ‬عابر‭ ‬إلا‭ ‬أننى‭ ‬أراها‭ ‬مركزية‭ ‬فى‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬الحفر‭ ‬الفكرى‭ ‬للكاتب‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ ‬روايته‭ (‬اللى‭ ‬حصل‭ ‬فى‭ ‬الحسنة‭ ‬يا‭ ‬حمدة،‭ ‬لما‭ ‬جم‭ ‬الصهاينة‭ ‬عشان‭ ‬يعلنوا‭ ‬سينا‭ ‬دولة‭ ‬لوحدها،‭ ‬وتنفصل‭ ‬عن‭ ‬مصر،‭ ‬واتكلموا‭ ‬مع‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬الهرش،‭ ‬وقال‭ ‬ليهم‭ ‬ماشى‭ ‬نخليها‭ ‬دولة،‭ ‬واتلمت‭ ‬كل‭ ‬العرب‭ ‬فى‭ ‬قعدة‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬الحسنة،‭ ‬وجم‭ ‬الاسرائيلية،‭ ‬وقدام‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‭ ‬قام‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬يتكلم،‭ ‬بيحسابوه‭ ‬هيعلن‭ ‬دولة‭ ‬فى‭ ‬سينا،‭ ‬راح‭ ‬مبوظ‭ ‬ليهم‭ ‬القعدة،‭ ‬وقال‭: ‬سينا‭ ‬مصرية،‭ ‬وإحنا‭ ‬مصريين،‭ ‬وهنفضل‭ ‬مصريين،‭ ‬الوحيد‭ ‬اللى‭ ‬يتكلم‭ ‬عننا‭ ‬الريس‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭)‬ص174‭.‬

***

فمحاولة‭ ‬إعلان‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬لضرب‭ ‬وحدة‭ ‬الأراضى‭ ‬المصرية‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬قديمة،‭ ‬وتتجدد‭ ‬باستمرار،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نظن‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬حاولوا‭ ‬ذلك‭ ‬قديما‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يحاولونه‭ ‬الآن‭.‬

استخدم‭ ‬الكاتب‭ ‬فى‭ ‬الحوار‭ ‬الروائى‭ ‬اللهجة‭ ‬المحكية‭ ‬السيناوية،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬خبير‭ ‬بها،‭ ‬فقد‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬لنا‭ ‬أصوات‭ ‬الشخصيات‭ ‬بواقعية‭ ‬متجنبًا‭ ‬الغموض‭ ‬الذى‭ ‬يكتنف‭ ‬أحيانًا‭ ‬اللهجات‭ ‬المحكية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬الحوارات‭ ‬النادرة‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنها‭.‬

‮«‬غالية‮»‬‭ ‬رواية‭ ‬لا‭ ‬تصف‭ ‬فقط‭ ‬الوجع‭ ‬السيناوي،‭ ‬لكنها‭ ‬تضع‭ ‬أيدينا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬جذوره،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬معرفتها‭ ‬ضوءًا‭ ‬كاشفَا‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬علاج‭ ‬ناجع‭ ‬لهذا‭ ‬الوجع‭.‬