أزمة إسكان تمتد من باريس إلى وارسو.. 57 مليار يورو حجم الفجوة المالية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عند الحديث عن أزمة السكن وصعوبة توفير شقة أو مكان للإقامة، في الأغلب ما يتبادر إلى الذهن أنها أزمة تستفحل في الدول الفقيرة، وفي أسوأ الأحوال قد تطول بعض الاقتصادات الناشئة.

لكن تلك الصورة النمطية لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فالأزمة متفشية في واحدة من أبرز الاقتصادات الغنية في العالم.. الاتحاد الأوروبي.

في الآونة الأخيرة وصلت الأزمة إلى مستويات مقلقة، دفعت البرلمان الأوروبي إلى مناقشتها بجدية شديدة والبحث عن حلول لها.

 اقرأ أيضا البرلمان الأوروبي يشيد بصفقة الحد الأدنى من ضريبة الشركات ويصفها بـ«التاريخية»

وطالب البرلمان في جلسة رسمية بأن تزيد حكومات الدول الأعضاء من قيمة الاستثمارات التي ترصدها في مجال الإسكان لبناء منازل لائقة للإسكان الاجتماعي، وضمن حصول الجميع على سكن ميسور، بعد أن أصبح الافتقار إلى وحدات سكنية لائقة مشكلة متزايدة في دول الاتحاد، خاصة مع زيادة أسعار المساكن والإيجارات بشكل مطرد مقارنة بالدخل.

وفي هذا السياق وبهدف الضغط على حكومات الدول الأعضاء، اعتمد البرلمان الأوروبي في (يناير) الماضي قرارا يدعو دول الاتحاد إلى الاعتراف بالسكن الملائم كحق أساسي من حقوق الإنسان.

وضغط البرلمان الأوروبي بشأن السكن الملائم أو الصحي جاء نتيجة زيادة الوضع الإسكاني، سواء في دول الاتحاد، خاصة بالنسبة لأصحاب الدخل المنخفض والمستأجرين من القطاع الخاص.

والأزمة التي تفاقمت في الأعوام الأخيرة طالت فئات عريضة من الطبقة المتوسطة، وبات كثير من الشباب الأوروبي خصوصا الملتحقين بالعمل لأول مرة، ونظرا لدخولهم المنخفضة، غير قادرين على تحمل إيجارات السوق، في الوقت نفسه فإن دخولهم وفقا للمعايير الحكومية تعد مرتفعة لدرجة لا تجعلهم مؤهلين للحصول على سكن اجتماعي. كما جاء بموقع الاقتصادى

وفي الواقع فإن تفشي وباء كورونا فاقم المشكلة، حيث اضطر كثير من الناس إلى قضاء فترة الإغلاق في منازل ذات مستوى رديء، حيث تتخوف الحكومات من أن يكون ذلك أحد العوامل التي تؤدي إلى زيادة معدلات التشرد.

مارلوا جيمس الخبير العقاري قال إن "نسبة سعر المساكن إلى الدخل هي المعيار الأكثر استخداما لقياس القدرة على تحمل تكاليف السكن، وآخر الإحصاءات المتاحة في الاتحاد الأوروبي تشير إلى أنه بين عام 2010 - 2018، بلغت نسبة السكان الذين ينفقون أكثر من 40 في المائة من دخلهم المتاح على الإسكان نحو 10 في المائة من سكان الاتحاد".

وحول أسباب الأزمة يضيف، "يعد تحويل الإسكان إلى أصول مالية أو سلع من الدوافع الرئيسة لارتفاع التكاليف، حيث يشترى الناس منزلا ثانيا لتوليد دخل إضافي واستكمال معاشاتهم التقاعدية، كما أن الاستثمارات الأجنبية ترفع من أسعار المنازل المحلية

على مدار العقد الماضي ارتفعت إيجارات المنازل في الاتحاد الأوروبي بنحو 15 في المائة، أما أسعار الشراء فزادت بنحو 30 في المائة، وفي الأعوام الثلاثة الماضية ارتفعت بمعدل 5 في المائة، في الوقت ذاته مثل الإنفاق على الإسكان الاجتماعي من قبل الحكومات 0.66 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي، وقد بات هناك الآن إقرار بوجود فجوة في الاستثمار في الإسكان الاجتماعي في الاتحاد، حيث تقدر تلك الفجوة بـ57 مليار يورو سنويا. ونتيجة تلك الفجوة فإن 44 في المائة من مساكن الاتحاد الأوروبي تم بناؤها قبل عام 1980.

وعلى مدى العقد الماضي أيضا انخفضت حصة الإسكان الاجتماعي في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد.

ويطالب عديد من العاملين في القطاع العقاري الأوروبي بأن يحظى الاستثمار في الإسكان ميسور التكلفة ذي الطابع الاجتماعي والموفر للطاقة أولوية، فيما يعرف بمبادرة "الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي" التي بلغت ميزانيتها 750 مليار يورو.

مع هذا يتشكك البروفيسور إل. سي فان العضو السابق في البرلمان الأوروبي وأستاذ الاقتصاد الأوروبي في جامعة لندن، في قدرة الاتحاد على مواجهة أزمة الإسكان التي تمتد من باريس إلى وارسو.

ويقول إن "المنهج السائد يعمق الأزمة، حيث ركزت سياسات الإسكان في عديد من الدول على جانب واحد وهو دعم ملكية المنازل، دون مراعاة أن بعض تدابير الدعم المالي للمقترضين والمطورين العقاريين أسهمت في رفع الأسعار، وزادت من الانقسام داخل سوق الإسكان، بحيث باتت ملكية المنازل حلما بعيد المنال لكثير من القطاعات ذات الدخل المتوسط والمنخفض".

وحول تصوره للحل، يؤكد أن سياسة الإسكان ومفهوم الحيازة يحتاجان إلى إعادة توازن، إذ إن أوروبا في حاجة إلى لوائح إيجار أكثر صرامة تضمن بشكل أفضل أمن الحيازة للمستأجرين في سوق العقار، وعكس الاتجاه لتعزيز عقود الإيجار المؤقتة، وتدابير لمراقبة الإيجارات وتثبيتها بهدف إعادة التوازن، حيث لا يجب النظر إلى العقار باعتباره مجرد سوق لجني الأرباح، فالحكومات الأوروبية في حاجة إلى محاربة المضاربات العقارية والشواغر من خلال الإجراءات الضريبية والتخطيط الحضري المستدام.

ويوضح أنه يمكن اتخاذ إجراءات ذات طابع جماعي على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل من خلال النظر في القواعد المصرفية والمالية المتعلقة بالتمويل العقاري، وتعزيز الشفافية في المعاملات العقارية والملكية.

يوجد في الاتحاد الأوروبي أكثر من 220 مليون أسرة، وفي الوقت ذاته هناك 82 مليون أوروبي مثقلين بتكاليف السكن وأغلبهم من سكان المدن. فالمدن الأوروبية تحتل الصدارة في معضلة السكن الأوروبي، حيث 72 في المائة من الأوروبيين يقطنونها، وبعض المدن باتت تعاني بشكل ملحوظ ارتفاع الإيجارات مثل برلين، حيث لا يملك سوى 17.4 في المائة من السكان منازلهم أو شققهم، وفي ألمانيا ككل هناك ما يقرب من 50 في المائة من السكان مستأجرون ويعانون ارتفاع الإيجارات التي تلتهم أي زيادة في دخولهم.

ويشير الخبراء إلى أن نجاح الاتحاد الأوروبي في مواجهة أزمة الإسكان سيمتد تأثيره إلى المناخ والعمالة، حيث إن تعزيز الاستثمارات في مجال تجديد الوحدات السكانية سيساعد بشكل كبير في خفض فاتورة الطاقة في دول الاتحاد، فالتجديد الجذري لـ3 في المائة فقط من مخزون المباني الأوروبية سنويا، من شأنه أن يحسن أداء الطاقة في تلك المباني 60 في المائة في أقل تقدير، وفي مجال العمل سيسهم في إيجاد مليون وظيفة.

يشار إلى أن أندي هالدين كبير خبراء الاقتصاد في بنك إنجلترا المركزي أكد أن سوق المساكن البريطانية تسهم في تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء في البلاد، في حين لا يمكن للبنك المركزي عمل كثير لإصلاح هذا الوضع.

وقال هالدين في مؤتمر عن انعدام المساواة الثلاثاء الماضي "كما تبدو الأمور، فإن سوق المساكن في بريطانيا مشتعلة.. هناك خلل كبير في التوازن بين الطلب الأولي والعرض المتاح من المساكن، نظرا إلى تعليق العمل بقوانين الجاذبية الاقتصادية، سجلت أسعار المساكن ارتفاعات كبيرة".

وهذه التصريحات تؤكد المخاوف بشأن تأثيرات ارتفاع أسعار العقارات في قدرة الشباب وأصحاب الأجور المتوسطة في بريطانيا على امتلاك منازل خاص بهم.

وقال هالدين "إن هذه المشكلات الهيكلية في السوق تغذي انعدام المساواة المتزايد الذي لا يستطيع البنك المركزي حله".

وكانت بيانات اقتصادية نشرت أمس الأول قد أشارت إلى أن مؤسسات التمويل العقاري في بريطانيا خفضت أسعار الفائدة على تمويل مشتريات العقارات عند دفع مقدمات مرتفعة إلى 1.2 في المائة في نهاية أيار (مايو) الماضي، أقل من معدل التضخم، وهي أقل فائدة منذ بدأ بنك إنجلترا المركزي جمع هذه البيانات في 2012، وهو ما يضمن استفادة الفئات الأعلى دخلا والأكثر ثروة من هذه الشروط على حساب الطبقات الأقل دخلا.

وهذه التسهيلات ستؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار العقارات في السوق البريطانية، مضيفة أن "مشترى العقار الذي يقدم 40 في المائة من سعر العقار كوديعة لمدة عامين بعائد ثابت يحصل على التمويل العقاري بالفائدة المخفضة".

وسارع المشترون إلى شراء منازل خارج لندن عندما أدت جائحة فيروس كورونا المستجد إلى إعادة ترتيب الأولويات. ويمتلك كثير منهم مبالغ كبيرة بفضل ملكياتهم العقارية، ما يسمح لهم بالاستفادة من أفضل عقود التمويل العقاري بدفع ثمن العقارات الأكبر ذات المساحات المفتوحة الأكبر، كما أسهم التخفيض المؤقت في ضريبة المبيعات في اشتداد حدة المنافسة في السوق العقارية.