د. أحمد عكاشة يكشف الأبعاد النفسية خلف إنجازات السنوات السبع | حوار

 د. أحمد عكاشة
د. أحمد عكاشة

بعيدا عن الحرب النفسية التى يقودها من يحملون للأسف جنسيتنا، ويسعون إلى التشكيك فى كل شيء، فإن هناك انجازات باتت ملموسة على أرض مصر منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية الحكم قبل سبع سنوات، وبات السؤال الذى يحير المخلصين من أبناء مصر وهم يرون بلدهم يتغير كل يوم إلى الأفضل: كيف يتم انجاز هذه المشروعات الضخمة بهذه السرعة؟ وبينما كنت أخطط مع زميلى حمدى كامل لموضوعات ملحق «الجمهورية الثانية» منذ شرفنا رئيس التحرير الأستاذ خالد ميرى بالإشراف عليه، اتفقنا على ضرورة البحث عن اجابة عن هذا السؤال، وبعد استعراض الأسماء المرشحة لهذه المهمة، لم نجد أفضل من الدكتور أحمد عكاشة، مستشار الرئيس للصحة النفسية والتوافق المجتمعى.

< د. أحمد عكاشة خلال حواره مع الـ «الأخبار»

الرئيس غرس بذور الثقة والمحبة.. والأجيال القادمة تحصد ثمارها

السيسى «مسيرة نجاح».. وقارىء جيد لحالة المصريين النفسية

الاهتمام بسد النهضة «قلق صحى».. وأثق فى وجود خطة لتجاوز هذا التحدى

الأمن يجلب الانتماء.. وتحقيقه أهم إنجازات الرئيس

والدكتور عكاشة بالإضافة إلى كونه استاذا بارزا فى الصحة النفسية تتخطى شهرته حدود المحلية إلى العالمية، حيث تولى مسئولية الجمعية العالمية للطب النفسى (2002- 2005)، فهو أيضا يحمل خلفية ثقافية وسياسية وتاريخية كوّنها من خلال نشأته فى بيت سياسى عسكرى، فوالده محمود باشا عكاشة، كان مديرا عاما لسلاح حرس الحدود وحاكما للصحراء الغربية، وأخوه هو ثروت عكاشة أحد الضباط الأحرار الذين ساهموا فى ثورة 23 يوليو 1952، والذى شغل منصبى وزير ثقافة ونائب رئيس الوزراء، وكان ابنا خالة والدته أحمد باشا ماهر وعلى باشا ماهر، اللذين شغلا منصب رئيس وزراء مصر.. وانصهرت هذه الخلفية السياسية العسكرية داخل شخصية العالم المتخصص فى الطب النفسى، والذى كان أول من أدخل قسم الأمراض النفسية إلى كليات الطب فى مصر عام 1964 بجامعة عين شمس، لتنتج شخصية وطنية قادرة على الغوص ببراعة فى أعماق الشخصية المصرية لتستخرج لنا تحليلات وآراء تبدو أحيانا صادمة، ولكنها مثل الصدمة الكهربائية التى يعطيها الطبيب النفسى لمرضاه من أجل العلاج.. وإلى نص الحوار.
إلى أى مدى تشعر بعد سبع سنوات من حكم الرئيس، بأن هناك توافقا مجتمعيا؟
 يطلق تنهيدة عميقة استعدادا لإجابة طويلة استهلها بقوله: لا يوجد أى مجتمع يتمتع بالتوافق المجتمعى التام، ففى كل مجتمع يوجد بعض الاختلاف فى شخصيات المواطنين، وينتج عن هذا الاختلاف مزاج مختلف، ولكن مصر تسير الآن نحو تحقيق درجة كبيرة من التوافق، سببها أن الرئيس السيسى يولى اهتماما كبيرا بالأخلاق، ويؤمن بمقولة الفيلسوف الأمريكى دانيال كالاهان التى رددتها أثناء اجتماعات المجلس الرئاسى فى حضور سيادته، وهى أن «نهضة أى أمة لا تعتمد على القوة الاقتصادية والعسكرية والموارد الطبيعية، ولكن على أخلاق المواطن».
رأس المال المجتمعي
وما العلاقة بين أخلاق المواطن والتوافق المجتمعي؟
 يرد على الفور بعد أن أشار بثلاث من أصابعه: هناك ما يسمى بالأخلاق العلمية أو رأس المال المجتمعى، والذى يتكون من ثلاثة عناصر يؤدى الالتزام بها إلى تحقيق الثقة والمحبة بين المواطنين، وهى التوافق المجتمعى المنشود، وهذه العناصر هى المصداقية والتعاون وتجاوز الذات، وأتصور أن كل شخص منصف يرى أن شخصية الرئيس السيسى نموذج لهذه الأخلاق العلمية، ويؤكد دوما على القيم الخاصة بها فى لقاءاته، وتنعكس على سياساته.
 وكيف ترى هذه الأخلاق العلمية منعكسة على السياسات؟
 يصمت لوهلة يأخذ خلالها رشفة من الماء، قبل أن يقول وقد عاد يشير بثلاث من أصابعه: هناك ثلاث سياسات أرى الرئيس ملتزما بها، وهى روشتة النجاح التى وضعتها اليونسكو لنهضة أى دولة عربية، وهى تمكين المرأة، والاهتمام بالتعليم والصحة، واحترام المواطن وحقوقه، ولو نظرت إلى هذه السياسات التى تطبق الآن حرفيا فى مصر ستراها تطبيقا عمليا للأخلاق العلمية.
 قلت فى أحد حواراتك إن كثيرا من المصريين من نوعية مزاج «الخائف القلق»، فهل هو الخوف والقلق الصحى أم أنه بشكل مرضي؟
ترتسم على وجهه ابتسامة عريضة قبل أن يقول: الانسان ولد ومعه الخوف والقلق، والقرآن الكريم يقول: «لقد خلقنا الإنسان فى كبد»، فطالما انت على قيد الحياة ستظل خائفا قلقا، وتنتقل من خوف إلى آخر، فأنت خائف من الامتحان وخائف على صحتك، وخائف على مستقبل أولادك، وهذا خوف وقلق صحى.
ولكن هناك خوف وقلق غير صحى، أراه عند بعض المصريين، وهو الخوف من الله، فهؤلاء يذهبون إلى المساجد ليس حبا فى الله، ولكن خوفا من عقابه، مع أن الدين رحمة، ولكننا نحوله إلى قسوة، وهذه الحالة يتربى عليها الأطفال منذ الصغر، فعندما يكذب نرهبه بعقاب الله وهى النار، وعندما يقول الصدق لا يجد من يذكر له مكافأة الجنة.. وخطورة هذا الخوف المرضى أنه يعرقل استمتاعهم بالحياة، فالدين رحمة، والله يحب أن يرى عباده سعداء، بل إن القرآن فى كثير من آياته يدعو الانسان للاستماع بحياته والحفاظ عليها، وهذا ما يسمى بـ»فقه حب الحياة»، الذى دعا له الشيخ على جمعة فى كتاب يحمل نفس الاسم.
خمسة أمزجة
 وما علاج الخوف والقلق غير الصحي؟
يشير بعلامة الرفض قائلا: لا يوجد علاج، فالله سبحانه وتعالى خلقنا بخمسة أمزجة منها الخائف القلق بشكل مرضى والذى تراه يخاف ويقلق من أى شيء، فإذا دق هاتفه فى ساعة متأخرة من الليل، يتسلل الخوف إلى قلبه، وإذا تأخر نجله عن الحضور للمنزل لدقائق، يسيطر عليه الخوف والقلق، والتنشئة الاجتماعية تلعب دورا فى محاولة اكساب الشخص أسلوب حياة يغير مزاجه إذا كان سلبيا، أو تلعب دورا سلبيا فى تدعيم هذا المزاج السلبى، لذلك فإن هذه الأمزجة ليس لها علاج نفسى، ولكن ننصح أصحابها بتغيير أسلوب الحياة.
 وماذا عن الأمزجة الأخرى بخلاف الخائف القلق؟
هناك المزاج العصبى، والمزاج النوابى، الذى يتغير بين التفاؤل والتشاؤم، والاكتئابى النكدى الذى يكره السعادة، وأخيرا المزاج النشط، وهم أشحاص مدمنون للعمل والنجاح ولديهم قدرة غير عادية على العمل والقيادة، وهذه الأمزجة من الممكن ان تكون مختطلة، وهى كما قلت ليس لها علاج، ولكن يجب على الانسان التكيف معها حتى يستطيع النجاح.
إذا أردنا ان نختار أى الأمزجة أقرب للرئيس السيسى، فماذا نقول؟
بدون تردد يقول: طبعا المزاج النشط، فنحن أمام رئيس مدمن عمل ونجاح، ويغلف ذلك انسانية فى التعامل، وهذه مواصفات أى قائد مثالى.
تداعيات سد النهضة
 وفى اطار حديثنا عن الأمزجة، هل خوف وقلق المصريين من تداعيات سد النهضة ينتميان للنوع الصحي؟
يومئ بالموافقة قبل أن يقول: حضارة البشر تعتمد على قلق الانسان، فالقلق على النجاح، هو الذى يدفعك للنجاح، وكلما زاد القلق زاد الانتاج، ولكن عند حد معين لا يتحول معه القلق إلى شكل مرضى.. وأمسك بورقة وقلم ليوضح ما يعنيه برسم بيانى، قبل ان يواصل الحديث مستعينا بهذا الرسم: كما ترى كلما زاد القلق زاد الإنتاج، ولكن عند نهاية منحنى القلق الصحى يبدأ الإنتاج فى الهبوط، إذا تحول القلق إلى شكل مَرضى.
وإذا طبقنا ذلك على قضية سد النهضة، فهناك حضارة قامت منذ 7 آلاف عام على مياه النيل، وهناك احتمال أن يتأثر نصيب مصر من مياهه بسبب سد النهضة، ولذلك من حق المصريين أن يخافوا ويقلقوا، وهو خوف وقلق صحى.
 كان الرئيس قد أعرب مؤخرا عن هذا المعنى بقوله إنه سعيد لاهتمام المصريين بهذا الملف؟
لا شك لأن الرئيس يقرأ إحساس المصريين بطريقة صحيحة، وحاول طمأنتنا عندما وضع خطوطا حمراء تتعلق بمياه النيل وعدم السماح بوجود تداعيات مؤثرة على حصة مصر، ولا شك أن عنده من الخطط ما يجعله قادرا على وضع تلك الخطوط، وليس من المفترض أن يعلنها.
 هل المفترض لأى قائد أن يملك «الترمومتر» الذى يقيس به حالة شعبه النفسية؟
انتصب فى جلسته ليقول بنبرة واثقة: أساس القيادة الحكيمة الرحيمة ان يفهم المسئول إحساس وعواطف شعبه، وقد متع الله الرئيس بهذه الملكة، وهى احساسة بالأفراد، وهو ملمح بارز فى شخصيته نلاحظه فى اهتمامه بأسر شهداء الجيش والشرطة والفريق الطبى فى أزمة كورونا، ونلاحظه أيضا فى لقطاته الإنسانية مع فئات أخرى ومتنوعة من الشعب المصرى، ورحمة من الله أن يمن على مصر برئيس يملك الاخلاق العلمية التى تحدثنا عنها فى البداية، وفى نفس الوقت يحس بمشاعر الشعب.
شرعية الإنجاز
 هناك من يرى أن الرئيس انتقل من «شرعية الضرورة» فى بداية حكمه إلى «شريعة الإنجاز» فى الوقت الحالى.. إلى أى مدى ترى أن «شرعية الإنجاز» مسئولة عن حالة الاستقرار الذى تشهده مصر حاليا؟
يمسك من جديد بورقة أخرى ويخط عليها رسما يشبه المنحنى قبل أن يقول: الاحتياجات البشرية تبدأ بالاحتياجات البيولوجية من مأكل ومشرب ومسكن، اكل وشرب ومسكن، ثم تأتى بعدها الحاجة إلى الأمن، ثم الانتماء، وبعدها الحاجة إلى التعليم والثقافة والتذوق الفنى وتحقيق الذات، ولن تستطيع تحقيق احتياج من هذه الاحتياجات إلا عندما تحقق ما يسبقه، ومعنى ذلك، أنك لن تحقق الأمن، إذا كنت تشعر بالجوع، وأهم انجاز حققه الرئيس السيسى هو انجاز الأمن، وبسببه نجح البلد فى تحقيق الإنجازات التى يلمسها كل مواطن.
ويصمت لوهلة يلتقط خلالها الأنفاس، قبل أن يعاود الحديث مضيفا: الحمد لله أن نجى مصر من الإخوان، فقد كانت خطتهم هى القضاء على الأمن، وعندها يفقد المصريون الانتماء للبلد.
ولماذا يفعلون ذلك؟
 يبتسم ابتسامة ساخرة قبل أن يقول: هم لا يؤمنون بالوطن، فهى جماعة لديها ضلال دينى وسياسى، ومثل هذا النوع من الضلال يستحيل علاجه، على عكس أنواع أخرى من الضلال الفكرى، فهم أشبه بالنازية والفاشية، والتى يؤمن أصحابها بأنهم يملكون الحقيقة وأنهم على صواب وما دونهم هو الخطأ، ومثل هؤلاء لا أمل فيهم ويستحيل إقناعهم وتغيير أفكارهم ومعتقداتهم، لأنهم يعانون من متلازمة تعرف باسم «الماسادا».
متلازمة « الماسادا»
 وما هى متلازمة «الماسادا»؟ ولماذا تنطبق على الإخوان؟
متلازمة الماسادا تطلق على مجموعة تشعر بأن المجتمع ضدهم وله رؤية سلبية تجاههم، وهم يفضلون الانتحار أو الموت عن الاستسلام أو الهزيمة أو قبول الأمر الواقع، والماسادا أى القلعة، تقع على مرتفع صخرى منعزل على طرف الصحراء ووادى النهر الميت بفلسطين، وأطلقت فى عام سبعين ميلاديا على مجموعة من اليهود المتطرفين فروا من قمع وتعذيب الرومان إلى القلعة، واتخذوها مقرا لهم وزرعوا النبات مع تربية الحيوانات، وكان عددهم نحو ألف رجل وامرأة ثم حاصرهم الرومان وأصبح لا مفر لهم من الاستسلام، فاتفقوا على ألا يقبلوا الهزيمة أو الاستسلام فقام كل فرد بقتل 9 آخرين ثم انتحر، وعندما دخل الرومان مقرهم وجدوا أنهم أحرقوا النبات وقتلوا الحيوانات وانتحروا جميعا، ومن هنا جاء مصطلح «عقدة الماسادا» الذى يطلق على السلوك الانتحارى بين الجماعات المتطرفة.
وهل يمكن لمجتمع أن يتقدم فى وجود من لديهم هذه العقدة؟
 يرد على الفور: هؤلاء لا أمل فى علاجهم، ويجب أن تتم محاربتهم حتى يتحقق الأمن والاستقرار الذى يجعلك تتعلم وتفكر وتبتكر، وأتصور أن كل منصف يستطيع أن يرى ما يحدث على أرض مصر من نهضة فى التعليم، فوزير التعليم يقود ثورة تعليمية غير مسبوقة، تحارب ما تعود عليه الأهالى من ضرورة امتلاك الشهادة بغض النظر عن امتلاك صاحبها لأدوات العصر، والقرى المصرية تشهد نهضة تنموية كبيرة من خلال مشروع تطوير القرى، الذى وصفه الرئيس بأنه الأضخم فى العالم، ويترافق مع ذلك تطوير ملموس فى قطاع الصحة.
 وهل تعتقد أن آمال الإخوان فى العودة مجددا تحطمت على صخرة هذه الإنجازات؟
 يطلق ضحكة ساخرة أعقبها بقوله متعجبا: عودة!!.. لقد تجاوزنا هذا الكلام، فالإخوان يتاجرون بالدين، والتجارة بالدين بضاعة رائجة فى عصور التخلف الفكرى، وأظن ان هذه البضاعة بارت فى عهد الرئيس السيسى، ولكن يجب الانتباه إلى أن هناك من القوى الخارجية من يريد وجود الإخوان وبقاءهم، فهم الأداة التى يمكن ان تستخدم لتفتيت الدول لمصلحة اسرائيل.
الحرب النفسية
وكيف نستطيع مواجهة ذلك؟
 نستطيع مواجهة ذلك بالوعى الجمعى الذى بدأ يتشكل فى مصر، مع إعطاء التعليم والصحة وتمكين المرأة ونشر الثقة والمحبة بين المواطنين أهمية قصوى، وانا متفائل جدا بأننا فى الطريق لتحقيق نهضة كبيرة ستحصد ثمارها الأجيال القادمة.
 وهل يمكن أن نفعل ذلك وسط حرب نفسية تتم إدارتها بمختلف الأسلحة، وتستهدف التشكيك فى كل إنجاز؟
 يبتسم قائلا: طالما أنك تعرف أنها حرب نفسية، إذن فالخطة مكشوفة، وأعتقد أننا نجحنا فى فهمها وأصبح الإعلام المصرى وبعض الإعلام العربى مدركا لأبعادها، ولن ينجحوا فى تحقيق أهدافهم، لأن المصريين أدركوا خطورة الفكر الضلالى، فى مجتمع يتميز بالرحمة والتراحم والعطاء.
 من الأمور اللافتة للانتباه، أن لقطات الرئيس الإنسانية تصل إلى القلوب، على عكس لقطات رؤساء آخرين كنا نشعر أنها مصطنعة؟
 يكتسى وجهه بمشاعر الحماس قبل أن يقول بنبرة صوت مرتفعة: الرئيس يغرس بذور الثقة والمحبة فى كل تصرفاته، وهذه هى الإخلاق العلمية التى تحدثنا عنها فى البداية، ونتيجة هذا الغرس ستكون نهضة كبيرة تحصد ثمارها الأجيال القادمة، وسأعطيك مثالا بسيطا على ذلك، ففى برقية العزاء التى كتبها الرئيس بمناسبة وفاة الفنان سمير غانم كتب انه فنان أعطى البهجة للناس، فنحن أمام رئيس يريد أن يرى المصرى مبتسما وراضيا، وهذه هى المحبة التى يزرعها الرئيس، ودائما ما يردد أنه يثق فى المصريين، وان أى نجاح تحقق لم يكن ليحدث بدون وعيهم.