فوز ديوان اجحيمب بـاالتشجيعية لمحمد أبو زيد لاقى احتفاء كبيراً، خاصة وأنها أول مرة تذهب فيها إحدى جوائز الدولة إلى ديوان نثر.
يقول أبو زيد إنه سعيد بالفوز لسببين، الأول: لأنه يحب هذا الديوان بشكل خاص، ويظنه ظُلم قليلاً، ولم يأخذ حقه فى القراءة والمناقشة، بسبب صدوره قبل أزمة كورونا بقليل، ثم ما جرى بعد ذلك من إغلاق وتعليق للأنشطة الثقافية، والثانى أن هذه هى أول مرة يحصل فيها ديوان قصيدة نثر على إحدى جوائز الدولة الرسمية، بعد أن حورب كتابها وهُمّشوا على مدار سنوات طويلة.
يقول: ارغم أن المعركة حُسمت منذ سنوات طويلة، وأثبتت قصيدة النثر نفسها عربياً ودولياً، وأصبح لها رموزها ومنظروها، إلا أننا ظللنا فى مصر غارقين فى نقاش غريب وضحل: هل قصيدة النثر شعر أم لا؟ وقد أجاب محمد الماغوط على هذا السؤال منذ قصائده الأولى فى مجلة شعر اللبنانية، من خلال حجم الشاعرية الهائل فى قصائده، ويضيف: اأظن أننى لم أحصل وحدى على الجائزة، بل حصل عليها كل شعراء النثر، من سبقونى ومن جايلونى ومن جاءوا بعد جيلى. كل واحد فيهم يستحقها، لأنهم كانوا على حق عندما انحازوا لذائقتهم، لقصيدة النثر، فقد آن لها أن تخرج من خندق حُشرت فيه طويلاً. وأعتقد أن علينا جميعاً أن ننظر للشعر ونقيِّمه بجوهره لا بشكله، بعالمه وروائحه وتأثيره لا بأوزانه وقافيتهب.
يعتقد أبو زيد أن تقديم تعريف محدد للشعر هو شىء مبتذل، لأن الشعر خارج كل التعريفات، وكل شخص يستطيع أن يقدم تعريفه الخاص به، فهو يمنح كل شخص، سواء كان شاعراً أم قارئاً، شعوره الخاص، يمس فيه منطقة لم تقترب منها يد من قبل. يعلق: ابالنسبة لى الشعر هو الحياة، أو ما يمنحنى تلك الحياة، أو ما يعيننى عليها. فى تلك اللحظات التى أكتب فيها نصاً، أو أقرأ فيها نصاً جديداً أو قديماً لشاعر كبير أو مبتدئ، حين تمس يد الشعر قلبى، أشعر بأنه يوجد ما يمكن أن نحيا لأجلهب.
رغم سعادته بنجاح روايته اعنكبوت فى القلب، لكنه شعر بالحزن لعدم وجود اهتمام مشابه بديوانه اجحيمب. يقول: اأتفهم هذا، وأتفهم أن قارئ الشعر خاص وقارئ الرواية عام. لكنك لو سألتنى إلى أيهما تميل، سأقول لك بدون تفكير: للشعر. أعتبر نفسى شاعراً لا روائياً، رغم أن الرواية رُشحت لجائزة الشيخ زايد وحازت قبولاً كبيراً، وأعرف أن هذا سيغضب أصدقائى الروائيين منى. ليس لأفضلية فن على آخر، لكن لأن هذا هو شعورى بصدقب.
صدر ديوان اجحيمب فى 2019، ولم يكتب شعراً بعده إلا نصوصاً قليلة يقول إنه ليس راضياً عنها: اطموحى يتجاوز اللحظة الراهنة فى الشعر. قصيدة النثر ليست نهاية المطاف فى تاريخ القصيدة، هناك تحول كبير قادم، قد لا تظهر معالمه الآن، وسأكون كاذباً إذا قلت إننى أستطيع التنظير له الآن، لكنى أرى ملامحه، وعلينا أن ننتظره، وأن نجعل رهاننا دائماً على الشاعرية لا أى شىء آخر. إحدى قصائد ديوانى: سوداء وجميلة، الصادر عن دار شرقيات فى 2015 تتحدث عن الشعر فى المستقبل، وعن روبوت يكتب قصائد، ربما توجد محاولات مشابهة لهذا فى الواقع، لكن ما أقصده أن الوقوف عند قصيدة النثر يشبه الوقوف عند القصيدة العمودية من قبل أو الوقوف عند قصيدة تفعيلية من بعدها، مع احترامى لكل التجارب بالطبع. وسبب توقفى عن الكتابة بعد جحيم ليس لأنى أريد أن أجرب الشكل الجديد، فأنا لا أعرفه بعد، لكنى لا أريد كتابة نص مشابه لديوانى: جحيمب.
أبو زيد ليس مشغولاً بالصراع بين القصيدة العمودية والتفعيلية والنثرية: اأنا أقول كلمتى وأمشى، وأستمتع بالأنواع الثلاثة إذا كانت مكتوبة بشكل جيد، مع أهمية النظر إلى ظروف كتابة كل قصيدة وزمنها. فى ديوانى (مدهامتان) قدمت مزيجاً من قصائد التفعيلة والعمودى والنثر عن قصد، كأننى كنت أريد القول إننى أجيد كتابة الفنون الثلاثة، لكننى أختار هذاب.
آباء أبو زيد فى كل مكان. يقول: ابعضهم ربما لم يكتب الشعر قط، ربما قال جملة فى قطار ركاب فقراء سمعتها منه وأنا عائد معه إلى قريتى فى جنوب الصعيد، ربما كان بائعاً فى الشارع ألقى جملة ببساطة مدهشة فأدهشتنى، ربما كان نادل مقهى فى العشرين من عمره ردد عبارة جميلة ورثها عن جدته، ربما كان روائياً أو أستاذ فيزياء أو عالم فلك، ربما كان شاعراً كبيراً، أو شاعراً يجرب قصيدته الأولى، أو شاعراً لم يولد بعد.