البحث عن السعفة الذهبية يشعل المنافسة

صراع إسرائيلى إيرانى على شاشة «كان السينمائى»

مشهد من الفيلم الإيرانى «بطل»
مشهد من الفيلم الإيرانى «بطل»

كتب: خالد‭ ‬محمود

‮«‬فرهادى‮»‬‭ ‬يقود‭ ‬الجبهة‭ ‬الإيرانية‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬بطل‮»‬‭.. ‬و‮«‬‭ ‬لابيد‮»‬‭ ‬يلقى‭ ‬بنفسه‭ ‬فى‭ ‬خضم‭ ‬معركتين‭ ‬محكوم‭ ‬عليهما‭ ‬بالفشل   

تشهد شاشة مهرجان كان السينمائي الدولى منافسة خاصة بين ايران واسرائيل، حيث تنافس كل منهما فى المسابقة الرسمية وتسعى لنيل السعفة الذهبية للدورة ال74

التى تحظى باهتمام كبير من قبل سينمائيى العالم، باعتباره اول تظاهرة فنية كبرى تقام بشكل طبيعى بعد أزمة "كوفيد 19".

الصراع السينمائى يأتى أيضا فى ظل صراع سياسى إسرائيلى − إيرانى ظل لسنوات طويلة غير مباشر قبل أن يصبح معلنا، وينتظر الجمهور والنقاد ما تطرحه السينما الإيرانية بمهرجان كان، هل سيكون انتقادا جديدا للواقع المحلى أم سيلقى بظلاله على قضية أكبر.

هذا العام يقدم المخرج الكبير أصغر فرهادى صاحب الأوسكار فيلمه الجديد "بطل" وهو تأليف فرهادى ايضا، وبطولة أمير جديدى ومحسن تنابنده وسارينا فرهادي، ويتناول العديد من القضايا المعاصرة لمجتمعاتنا المعاصرة.

يمثل الفيلم المتوقع أن يثير جدلا فنيا وسياسيا عودة فرهادى إلى إيران، موطنه، حيث سبق له أن اخرج هناك فيلم "انفصال" الحائز على جائزة الدب الذهبى فى برلين، و"البائع"، وكلاهما فازا بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم بلغة أجنبية، كما يعد أول عمل باللغة الفارسية للمخرج منذ فيلمه " البائع " عام 2016، الذى عرض لأول مرة فى مهرجان كان وفاز بجائزتين هما أفضل سيناريو وممثل "لشهاب حسنى" وتم تصويره فى شيراز بإيران.

فى "بطل" الذى صور فى شيراز، يعود أصغر فرهادى إلى بلاده من أجل التقاط صورة أشعة سينية جديدة للمجتمع الإيرانى تشبه إثارة نفسية بحسب تعليقه على الفيلم، والذى تدور احداثه حول" رحيم" تم سجنه بسبب دين عجز عن سداده. خلال إجازة لمدة يومين، يحاول إقناع دائنه بسحب شكواه من دفع جزء من المبلغ. لكن الأمور لا تسير كما هو مخطط لها وعندما يخرج من السجن بعد قضاء فترة عقوبته، وتقع عليه مهمة إيصال صندوق مقتنيات قديمة إلى صاحبها.

ووصفه المراقبون بأنه مغامرة شيقة، قال ألكسندر مورو، نائب الرئيس للمبيعات والتسويق فى Memento، التى باعت خمسة أفلام فرهادي: "نحن فخورون بمشروع فيلم جديد ذى نص مثير للمخرج الكبير أصغر فرهادى إنه مخرج رائع"، وسيد التشويق الذى يجذب دائمًا الجماهير إلى دور العرض، وصل المخرج فرهادى إلى نقطة خاصة فى حياته المهنية، حيث تتم مناقشة كل فيلم جديد يعمل عليه على الفور كمنافس محتمل للجوائز.

فرهادى المفضل فى المهرجان، حيث نافس فى مسابقة المهرجان من قبل بأفلام "البائع" و "الماضى" و"الجميع يعرف" والذى وصفته نيويورك تايمز بأنه أعظم مخرج إيراني، هو واحد من ستة صناع أفلام فقط فازوا بجائزة الأوسكار الدولية عدة مرات، وهو المخرج الوحيد الذى حقق هذا الإنجاز منذ أوائل الثمانينيات.

تشتهر أفلامه بملاحظتها الرائعة للطبقة والجنس والهياكل الدينية، لا سيما فى إيران. بشكل عام، وغالبًا ما تصور ملامحه الخفية والصراعات والحجج المستعصية التى تجبر الشخصيات على التفكير فى الأسس الأخلاقية لقراراتهم.

وفى مواجهة إيران تنافس السينما الاسرائيلية فى مسابقة مهرجان كان هذا العام بفيلم المخرج الشهير نداف لابيد الجديد فيلم Ahed∍s Knee " ركبة عاهد "، والذى يعود به إلى المهرجان من عام 2014 حيث عرض فيلمه "معلمة الروضة ".

فى الفيلم الجديد يلقى المخرج الإسرائيلى بنفسه فى خضم معركتين محكوم عليهما بالفشل: إحداهما ضد موت الحرية والأخرى ضد موت أم.

لابيد أحد المخرجين الأكثر شهرة فى اسرائيل، ففى عام 2019 فاز بجائزة الدب الذهبى وهى الجائزة الأولى فى مهرجان برلين السينمائى الدولى عن فيلمه السابق، المرادفات.

تتميز جميع أفلامه بمعارضات شديدة − بين القانون والنظام

يروى فيلم " ركبة عاهد" وهو شبه سيرة ذاتية، قصة مخرج سينمائى اسرائيلى شهير يصل إلى قرية نائية على حافة الصحراء لعرض أحد أفلامه فى المكتبة العامة المحلية ويلتقى نائب مدير المكتبات الإسرائيلية، وهى شابة بيروقراطية نشأت فى المنطقة. يجد نفسه يخوض معركة من أجل الحرية الفنية فى إسرائيل وآخرى حول وفاة والدته وسرعان ما ألقى بنفسه فى معركة يائسة ومريرة لا هوادة فيها لإنقاذ حرية التعبير فى بلاده والديمقراطية الحرة، حتى لو كان ذلك. يعنى التضحيات، فى صرخة الحرية الشديدة هذه التى لا تُنسى.

 مشهد من الفيلم الإسرائيلى "ركبة عاهد"

بعد العرض الدولى الأول للفيلم فى مدينة كان، سيعرض الفيلم فى دور السينما الإسرائيلية.

" ركبة عاهد " لم يكن الفيلم الاسرائيلى الوحيد بمهرجان كان، بل هناك فيلم اخر فى مسابقة الافلام القصيرة وهو " النجم " المستوحى من أزمة فيروس كورونا وتم تصويره خلال إحدى عمليات الإغلاق، يروى الفيلم قصة امرأة عازمة على تلقى قبلة من نجمة كانت تحبها على الرغم من فظاعة الفيروس،

وقال لابيد "إن تقديم فيلمين فى مهرجان كان السينمائى هو بمثابة الحفر والعثور على الكنز ثم العثور على كنز آخر، أنا سعيد بالطبع بقبول " ركبة عاهد " فى المسابقة الرسمية، وسعيد بفيلم بفيلم The Star، الذى تم إنتاجه فى ذروة رعب الطاعون مع إحساس بالسعادة وشهوة الحياة... بعد عام من المرض والركود، ستكون مدينة كان بمثابة ولادة جديدة للسينما. سوف ندرك جميعًا مرة أخرى أن السينما هى واحدة من الاختراعات العظيمة للجنس البشرى وليس هناك ما هو أجمل من فيلم جميل ".

والواقع ان لكل من "فرهادى" و"لابيد" فكره الخاص على الشاشة وفى الحياة أيضا، واستطاعا ان يثيرا الدهشة بجانب نيل الجوائز والصراع عليها بالمهرجانات العالمية الكبرى ايضا، فى شهادته قال فرهادى :سافرت مع أفلامى فى بلدان مختلفة، وشاهدتها جماهير مختلفة، كان من المثير جدًا أن أرى كيف يتفاعل الجميع بنفس الطريقة حول العالم مع كل فيلم. لا يقتصر الأمر على أن ردود أفعالهم متشابهة فحسب، بل يبدو أن كل شخص حول العالم متماثل فى نواح كثيرة.

وأضاف : كان آرثر ميلر أحد الكتاب الذين أثروا فى عملي. أحد الأشياء المحددة التى أحبها فى ميلر هو أن شخصياته لا تنقسم إلى أبيض وأسود. هذا هو المبدأ الذى أتبعه فى عملى الخاص، كان من المهم بالنسبة لى أن أفصل الخط الفاصل بين المسرح والحياة الحقيقية. هم نوع من الاندماج فى بعضهم البعض. أردت حقًا أن يسأل الجمهور فى مرحلة ما أنفسهم، إنها مثل طاولة البلياردو. تضع كل هذه الكرات على الطاولة، تضربهم بكرة أخرى وتنتشر كل الكرات حول الطاولة. فى بداية أفلامي، عادة ما تكون الشخصيات فى أوضاعها الطبيعية. ثم صدمهم شيء ما وبدأوا فى رؤية جانب آخر من أنفسهم لم يكونوا يعلمون بوجوده. من الصعب أن نفهم أنفسنا عندما نكون فى لحظة أزمة. فقط تخيل أننا نجرى هذه المحادثة فى سيارة ونحن نتجه فى رحلة. كل شيء يسير على ما يرام، ثم يأتى أحدهم بمسدس ويهددنا. إذن نحن لسنا أنفسنا. لقد أصبحنا أناسًا مختلفين تمامًا. غالبًا ما تحدث هذه الأزمات بسبب سوء الفهم، والذى يمكن اعتباره نموذجًا مصغرًا لصراعات عالمية أكبر.

ويشير فرهادى :أعتقد أن سوء الفهم ظاهرة تنتشر حاليا فى جميع أنحاء العالم. فى هذا العصر الجديد، على الرغم من أن لدينا التكنولوجيا التى تسمح لنا بالتعبير عن أنفسنا للآخرين فى جميع أنحاء الكوكب، يبدو أن سوء التفاهم بين الثقافات آخذ فى الازدياد. كلما تحدثنا أكثر، لدينا المزيد من سوء الفهم أيضًا. فى بعض الأحيان لا نفهم ما يقوله لنا الشخص الآخر، لكن فى بعض الأحيان لا نفهم رد فعل وموقف الشخص الآخر. فى هذه الأيام، أهم الأسئلة التى لدى فى حياتى هى الأسئلة الأخلاقية. على الرغم من وجود العديد من الزوايا المختلفة فى أفلامى التى يمكن للجمهور التركيز عليها، فإن الزاوية التى أحبها شخصيا هى الزاوية الأخلاقية.

أحاول حقًا منع الكاميرا من فرض فكرة على الجمهور. لا أسمح للكاميرا بأن تصدر أحكامًا مثلما لا أقسم شخصياتى إلى الخير والشر. أريد دائمًا أن تكون المسافة بين الشخصيات المختلفة هى نفسها تمامًا.

أهم شيء بالنسبة لى هو أن أفلامى تشبه الأفلام الوثائقية. يجب أن يشعروا وكأنهم حياة حقيقية وليس سينما. يتعين على جميع الممثلين التعاون بطريقة تجعل تفاعلاتهم تبدو حقيقية. إنه مثل المسرح فى أن حركتهم وكلماتهم دقيقة، لكن يجب أن يؤديها بطريقة تبدو طبيعية، كما لو أنهم جاءوا بها بمفردهم. عندما يسألنى الناس فى إيران، "هل كتبت هذه السطور أم ارتجال الممثلين؟"، فهذا يجعلنى سعيدًا جدًا لأن هذا ما يجب أن أشعر به.

لدينا كلمة باللغة الفارسية، "يكدلى"، التى تترجم على أنها تعاطف، وهذا ما أدعو الجماهير إلى الحصول عليه مع شخصياتي. أبذل قصارى جهدى حقًا لتصوير الشخصيات بطريقة تجعل الجمهور يفهمها ويشعر بها. حتى لو فعلوا شيئًا لا توافق عليه، فأنت تفهم سبب قيامهم بذلك. فى كثير من الأحيان فى إيران، يذهب الناس لمشاهدة فيلم ثم يبدأون على الفور فى مناقشته مع بعضهم البعض. إذا ذهبت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فسترى أن الناس يتحدثون مع بعضهم البعض عن أفلامى ويتجادلون بشأنها. إنها نوعًا ما تشبه المدرسة بالنسبة لي، حيث تساعدنى على فهم وجهات نظر أولئك الذين يشاهدون أفلامي. هكذا أنظر إليها. هناك بعض النقاد المتطرفين من الحكومة يكرهون أفلامى،

انا اقدم قصص لأشخاص عاديين يواجهون مواقف غير عادية للغاية، ثم يتعين عليهم التعامل معها. كما أنه يفتح الباب لانتقاد المجتمع.

قبل كان شهد فبراير الماضى مفاجأة فى لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي، عندما أعلن عن وجود إسرائيلى وإيرانى باللجنة، ليكونا بمنصة حوار واحدة، بعد مشاهدة الأفلام وهما المخرج الإيرانى محمد رسولوف الحائز على جائزة الدب الذهبى فى 2020 عن فيلمه "لا وجود للشر"، والإسرائيلى ناداف لابيد الفائز فى 2019 عن فيلم "مرادفات".

يتناول الفيلم قصة رجل إسرائيلى يحاول التنصل من أصوله بعد انتقاله إلى باريس

ويروى الفيلم قصة ياف (توم ميرسير) وكفاحه من أجل تحوله بشكل كامل ليصبح فرنسيا متنصلا من كل شيء يتعلق به كإسرائيلي، ويعتمد الفيلم على تجربة المخرج "لابيد" الشخصية فى الانتقال للخارج والتناقضات التى شعر بها تجاه وطنه.

وطالب "لابيد" المشاهدين استقبال فيلمه بوصفه "احتفاء بالسينما"، واعترف بأن الفيلم قد يثبت أنه مثير للجدل فى كل من إسرائيل وفرنسا، حيث أنه يسبر أغوار التوترات بين الجذور والهوية.

وقال لابيد : "قصص حياتنا مفيدة للغاية وقادرة على مساعدتنا فى التعامل مع الكثير من الأشياء، لكننا نتخلى طواعية عن القدرة على سردها، هذا هو الفضول الدافع وراء كل أفلامي. أنا مفتون بما يحدث عندما تصل إلى فهم فكرة − فى اللحظة التى نفتح فيها أفواهنا للتحدث عن فكرة وجعلها حقيقية. عندما تحاول إكمال استعارة، تجد نفسك فى تناقض. أنت تعيش فى حالة خيبة أمل أو غضب دائم ".Sent from my iPad