إلى من يهمه الأمر الـ «تيك تـــــــوك» ضيّـــــــع العيال يا خوانّا

تيك تـــــــوك
تيك تـــــــوك

تحقيق وليد زيدان - ميادة عمر - همسة هشام

لا يسأل «تيك توك» الأطفال عن سنهم، ولا يطلب منهم موافقة ولى الأمر على ما يصنعونه من محتوى قد يكون غير مناسب لتقاليد المجتمع، كل عيل باستطاعته أن يكون صاحب قناة على «سن ورمح» يقدم فيها ما يحلو له حتى ولو كان خارج نطاق الأخلاق، المعيار الوحيد جذب أكبر عدد من المتابعين، والحصول على الشهرة، بينما يحدث هذا فى أغلب الأحيان بعيدا عن الأبوين النائمين فى العسل ولا يعلمان شيئا عما يدور فى تلك النافذة الخطرة، فى الوقت الذى تستغل فيه الشركات العقول الصغيرة فى الترويج لمنتجاتها مقابل مبالغ مادية كبيرة، تجعل بعض الأباء يسيل لعابهم و«يصهينون» عن تجاوز القواعد التى رسموها فى التربية من أجل المال حين يعلمون بالأمر!
ولكن ما هو الـ «تيك توك»؟.. إنه مجتمع افتراضى يضم مجموعة ضخمة من الشباب والأطفال انتشر بشدة فى الموجة الأولى لفيروس كورونا فى مصر وبالتحديد بعد فرض حظر التجوال فى مصر والتزام الجميع بالعزل المنزلى لتتحول حياة رواد التواصل الاجتماعى لبرنامج الـ «تيك توك» الذى أصبح وسيلة للهروب من حالة الملل و»الزهق» والفراغ القاتل.

انتشرت بقوة فيديوهات تقليد «إفيهات» الفنانين والمشاهد السينمائية، ليتحول الأمر إلى منصة تقدم محتويات غير هادفة تهدم قيم الأسرة المصرية وتقوض التقاليد بفيديوهات أغلبها مخلة.
سيف زهران «فنان وصانع محتوى» يقول إنه بدأ بتقديم محتويات على الـ «تيك توك» وانستجرام لمواقف معتادة بين الشباب لاقت قبولا كبيرا، ما ساعده على إظهار موهبته فى التمثيل وبالفعل بدأ فى المشاركة فى أكثر من عمل فنى مؤخرا.
وحول الهجوم على الـ «تيك توك» قال «لا أحب مقارنة نفسى بأحد لأن لكل شخص رأيا ولذلك قد تكون هناك محتويات غير لائقة، أو سيئة وبالتالى يتم انتقاد صناع هذا المحتوى، لكن بشكل عام كل شخص حر فيما يقدمه والسوشيال ميديا مثل المجتمع «فيه الحلو وفيه الوحش»، فى حين لا ينكر أن السوشيال ميديا باعتبارها وسيلة للشهرة تحرض البعض على تقديم محتوى مثير بغرض إثارة الجدل وكسب عدد كبير من «الفولورز».. ويؤكد: «لا يوجد ربح مقابل محتوى الـ «تيك توك»، ولكن يمكن لبعض الناس التعاون مع شركات دعاية وإعلان لتقديم منتجاتها فى المحتوى عنها بطريقة غير مباشرة.
ومنذ عامين بدأ السيد بهجت حسن البابلى، تقديم محتواه على «تيك توك»، بعد أن أقنعه أحفاده بالمشاركة معهم فى تصوير بعض الفيديوهات، واستطاع جمع أعداد كبيرة من المتابعين خلال فترة قصيرة بخفة ظله.
العميد المتقاعد من القوات الجوية، والشهير على التيك توك بـ»جدو ميمى» تتناول بشكل كوميديا إرشاد الأطفال وتشجيعهم على حب الوطن والإخلاص والعطاء له.
يبلغ جدو ميمى سبعين عامًا، ولا يرى أن السن عامل مهم فى وسائل التواصل الاجتماعى، وأن الشهرة التى نالها وصل إليها من تشجيع أحفاده حمزة ومالك، ولاقى الترحيب من أبنائه د.أميرة والمهندس محمد، ويشدد على أهمية تقديم محتوى لا يتناول أى إسفاف، خاصة مع اختلاط الجيد بالردئ، لافتا أن فئة الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر، ولابد من أخذ الحيطة والحظر مما يعرضونه أو يعرض عليهم.
ويشير إلى أن الـ «تيك توك» بمثابة «لقمة عيش» لأن الإعلانات مدفوعة الأجر تنهال على صاحب المحتوى الذى يمتلك عددا كبيرا من المتابعين فى شكل هدايا من منتجات عناية للبشرة، ملابس، عطور ورحلات سفر.. إلخ
ويرى جدو ميمى أن التيك توك، تطبيق يساهم فى تقديم المواهب، مع الإلتزام بأخلاقيات المجتمع والعادات والتقاليد، والتركيز على محتوى هادف.
أما عبدالرحمن أبو ليلة الشهير بـ» حفيد أبو ضحكة جنان» فقد جاءت شهرته نتيجة الشبه الكبير بينه وبين إسماعيل ياسين، وكانت البداية بتمثيل أحد مشاهد النجم الضاحك، وصادف فى ذلك الوقت ذكرى وفاته، ما أدى لانتشار الفيديو على نطاق واسع بين جماهير السوشيال ميديا.. استطاع عبدالرحمن أن يحوز على إعجاب الكثير بسبب محاكاته القوية لإيماءات إسماعيل ياسين، وخاصة ابتسامته، وصوته، وحركات ملامح وجهه.. تميز عبد الرحمن بواقعية ملامحه القريبة جدًا من «سمعة»، فلم يعتمد على أى مساحيق تجميلية، باستثناء تسريح شعره للخلف، وتغيير نبرة الصوت والاستعانه ببدلة والده أو جده.
لم يسع عبد الرحمن محمد (طالب بكلية الحقوق) إلى الشهرة على التيك توك، ويعتقد أن ظهوره على التطبيق مجرد بداية، ليقرر بعد زيادة عدد متابعيه على أنستجرام الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية لتنمية موهبته التمثيلية ـ ويعترف بتلقيه مبالغ مادية من عروض الإعلانات مدفوعة الأجر، فى حين يخلى مسئوليته من أصحاب المحتويات المتدنية أخلاقيًا ويجد أن الحل فى عدم متابعتهم وتجاهلهم.
ومن الناحية النفسية أوضحت د.عبلة البدراوى، استشارى حقوق الطفل والأسرة، أن أسباب الانحلال الأخلاقى عند فئة الشباب فى المحتوى المقدم على التيك توك، تنقسم إلى ذاتية واجتماعية، معتبرة أن حب الظهور ولفت الانتباه من الأسباب الذاتية التى تشبع احتياج الشباب للإحساس بالأهمية التى يفتقدها ممن هم حوله، كما أن لفت الأنظار، من خلال تقديم محتوى مختلف حتى وإن ابتعد عن الأخلاقيات.. وتقول: يلجأ الشباب لتقديم ما هو سيئ للفت الإنتباه، لإشباع حاجته النفسية من الشعور بالاهتمام وأنه ذو شأن يلتف حوله الكثير من الجمهور حتى ولو كانوا ينتقدونه.
واتهمت د.عبلة غياب الأسرة عن تربية أولادهم بالدرجة الأولى بأنه يؤدى إلى خطر على تربية الأولاد ويؤدى إلى إهمالهم، إضافة إلى عدم مبادرة الأسرة بأى عقاب تجاه سلوكيات أولادهم الخاطئة، والحرية والثقة الزائدة من قبل الأهل تشجع الشباب على الانحلال الأخلاقى.
وترى د.هالة فؤاد أستاذ علم الاجتماع أن رقابة الأبناء أهم من السعى من جنى الأموال الكثيرة، وتشير إلى ما وصفته بالفجوة بين الأبناء والآباء والتظاهر بأن ذلك نوع من الحرية والتحضر والرقى ولكن الحقيقة هذه كارثة حقيقية تضيع وتفسد جيلا كاملا من الشباب تحت السن فى أكثر مرحلة خطرة تحتاج لرعاية ورقابه كاملة.. وأحصت أنواعا من الآباء أولهم من يسمح لأولاده بتقليد الغرب، دون أن يدرك أنهم يأخذون الجوانب السلبية فقط، فى حين لا يعى الأبوان الفرق بين عاداتنا الشرقية وعادات المجتمع الغربى، خاصة أن الطفل فى المجتمع الغربى يصبح مسئولا عن نفسه فى عمر الـ 15 عاما.
النوع الثانى من الآباء كما تقول د.هالة هو من يقضى كل وقته فى العمل لجنى الأموال بغرض تأمين مستقبل الأبناء، ولا يعلم أنه يدمر مستقبلهم ببعده عنهم وعدم مشاركته فى كل شيء يقومون به.
وأوضحت أيضا أن الأمهات لهم دور كبير فى رعاية أبنائهم، محذرة من الإهمال، والاستسهال فى تحقيق مطالبهم وعدم الدخول فى مناقشات وجدالات معهم، أو الأحرى « تكبير الدماغ» وعندما يحدث شيء لأبنائهم على مواقع التواصل الاجتماعى أو ظهورهم بشكل غير لائق يتنافى مع قيم وعادات المجتمع يتفاجأون بأفعالهم.
وتنصح د.هالة الآباء والأمهات بالإنتباه والحرص الشديد على تصرفات وأفعال أبنائهم ومراقبتهم دائما دون أن يشعروا، إضافة إلى تقريبهم واتخاذهم أصدقاء لهم حتى يستطيعوا معرفة كل شيء عنهم قبل فوات الأوان.
ويرى د.محمد حجازى رئيس لجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات ورئيس مكتب الملكية الفكرية بهيئة تنمية تكنولوجيا المعلومات سابقا واستشارى التحول الرقمى أن «التيك توك» باستطاعته تدمير جيل كامل من الشباب تحت السن، ويرى أن العامل الأساسى فى المشكلة هم الأباء لأن التطبيقات تسمح فقط للدخول لمن يتجاوز الـ ١٦ عاما ولكن الأطفال يقومون بإدخال تاريخ ميلاد أكبر من عمرهم الحقيقى.. ويوضح: النقطة الأساسية تكمن فى دور الآباء فى الرعاية والرقابة للأبناء فعند السماح لهم بعمل حسابات سوشيال ميديا لابد من حصول الآباء على «الباسوورد» حتى يتمكنوا من مشاهدة ما يفعله الأبناء، ويتدخلون فى الوقت المناسب والسيطرة على ما يتم نشره من فيديوهات.