محمد لطيف.. «الكورة إجوان»

محمد لطيف
محمد لطيف

شوقى حامد

مشوارى فــــــى بلاط صاحبــــــــة الجـــــلالـــة زاخر بالمواقف حاشد بالأحـــــــداث ملــــــىء بالعلاقات مع الكثير من الشخصيات.. لأنه طـــال لأكــثر مــن أربع حقـب زمنيــة.. فقد اسـتحق التســجيل واسـتوجب التدوين.. وعــلى صفحــــات «آخر ساعة» أروى بعضا مـــن مشاهده.

هو أشهر المعلقين الرياضيين، وأفضل النقاد الكرويين صاحب الفضل الأول فى نشر الثقافة الكروية فى كل البيوتات، وتوصيلها لأعضاء كل العائلات، وشرحها للشبان والشابات، وتبسيطها للبنين والبنات وهو الخبير بدروبها، المتفهم لأغوارها  المتبحر فى قوانينها.. كما أنه صاحب أعمق رؤية وأنضج رأى وأبعد فكر وأخف دم وأفصح لسان وأوضح بيان.. والكابتن محمد لطيف شيخ المعلقين الإذاعيين والتلفزيونيين ورائد الإدارة الرياضية بشوش الوجه منطلق الأسارير باسم التقاطيع يحتفظ بقدرة فائقة على استقطاب تعاطف المتعاملين معه واستمالة المتجاورين له وإرضاء الملتفين حوله من خلال ألمعية فائقة وسرعة بديهة لائقة.. ولا يزال التاريخ الرياضى يحتفظ له فى مدوناته بعض لوازمه الكلامية وعباراته الفنية التى كان أشهرها على الاطلاق "الكورة أجوان" والتى لخص بها كل الجهود المبذولة والطاقات المذروفة من أجل الوصول للغايات المنشودة والنهايات المعقودة والرجاءات المأمولة والآمال الموصولة وهى هز الشباك.. وأنه ليس هناك أى فائدة أو نفع من السيطرة الشاملة والسيادة الكاملة والخطورة الوافرة لأن الكلمة الفاصلة والنهاية السعيدة والخاتمة المجيدة تكون مع استقرار الكرة واحتضانها للشباك.

وقصة الكابتن محمد لطيف مع الساحرة المستديرة تعكس مدى عمق موهبته وأصالة معدنه وعراقة منبته فهو من مواليد أكتوبر عام ١٩٠٩ بمحافظة بنى سويف واستوطن مع أسرته حى القلعة بوسط القاهرة وهو من الأحياء الشعبية ذات الجذور التاريخية ومارس الكرة فى شوارع الحى والأحياء المجاورة قبل أن يلتحق  بالتعليم الابتدائى وأسعده حظه بانضمامه للمدرسة الخديوية التى كانت من كبريات المدارس التى تتنافس على بطولة الجمهورية مع مدرستى السعيدية والإبراهيمية.. وفى عام ١٩٢٠ تقلدت الخديوية لقب البطولة وحازت كأسها وكان كابتن الفريق هو المهاجم الذى لا يشق له غبار محمد لطيف فالتقطته العيون الخبيرة وقام الكابتن حسين حجازى أشهر من لعب الكرة بمصر بضمه لنادى المختلط ـ الزمالك ـ  وأحرز أجمل أهداف حياته فى مرمى الأهلى فى أحد اللقاءات الودية قبل بدء الموسم الرسمى.

تقاضى لطيف نظير انضمامه للمختلط ثلاثة قروش مع أنه كان ينافس أسماء جهابذة من الرفاق أمثال التيتش وعبدالرحمن فوزى ورشاد مراد وجميل رفعت. وفى نفس الموسم اختاره حيدر باشا وكيل اتحاد الكرة ووزير الحربية الأسبق ورئيس نادى الزمالك للمنتخب الوطنى وسافر معه إلى فلسطين للمشاركة فى دورة هناك.. وكانت أولى رحلاته الأوروبية مع النادى الأوليمبى كضيف شرف طاف خلالها ببلاد اليونان ويوغوسلافيا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا.. ولصدقه وإخلاصه وتفانيه فى اكتساب المهارات وتقديم الإبداعات اختاره مستر سايسون مراقب الفرق الرياضية بوزارة المعارف العمومية للسفر فى بعثة دراسية للحصول على درجة علمية من كلية جوردون هيل بوصفه أحسن رياضى فى هذا العام وفرضته موهبته للاحتراف بأكبر أندية اسكتلندا وهو نادى الرينجرز طيلة سنوات الدراسة الثلاثة واستغل هذه الفرصة للحصول على كل الرخص التدريبية المتاحة والتى كانت المعاهد المتخصصة هناك تعقدها، وعند عودته تم تعيينه بإدارة التربية الرياضية بوزارة المعارف وأسهم فى تأسيس أول كلية متخصصة وهو معهد التربية الرياضية وانضم إلى أسرته العلمية كمحاضر لتخصص الكرة.. شارك لطيف مع المنتخب الوطنى فى أولمبياد برلين ولعب أمام النمسا وخسر المباراة ٢/١.. مارس الكابتن لطيف كل المواقع والوظائف المتعلقة بالكرة فهو حكم دولى وهو مدير للإدارة الرياضية ورئيس مشرف على  البرامج الرياضية بالتلفزيون ولمدة ١٦ عاما متوالية وكان يجسد مهنة التعليق الكروى فى الأفلام السينمائية كفيلم غريب فى بيتى وفى الصيف لازم نحب.. أحب الكابتن لطيف مهنة التعليق وفضلها على كل مجالات نبوغه وظل يمارسها حتى رحل عن دنيانا.. وكان قد درس قواعد هذه المهنة المستحدثة وهو فى إنجلترا عندما توطدت علاقته بأحد الصحفيين الإنجليز وكان يدعى ركس.. وطلب منه أن يصف إحدى المباريات الهامة لنادى الرينجرز الذى غاب عنها للإصابة وينقلها ويصفها لزمرة من المكفوفين الذين أثنوا على الوصف وأشادوا بالواصف ـ كابتن لطيف ـ الذى جعلهم وكأنهم يشاهدونها بأعينهم التى لاتبصر.. ورحل لطيف غير أن كلماته وعباراته الخالدة مازالت ملء الآذان والأسماع ونرددها كل يوم وهى "الكورة إجوان".