مع فتح الدول الأوروبية أبوابها للسياحة بشرط التطعيم

شهادات المناعة المزيفة للبيع «أونلاين»

حصول أمريكى على بطاقة تلقى اللقاح
حصول أمريكى على بطاقة تلقى اللقاح

دينا توفيق

استشرى وباء كورونا بين أبناء الكوكب ولا أحد فى مأمن منه، ولكن لا مفر من مواجهته.. اللقاحات هى الحل الوحيد كما يراه العلماء للحد من ضراوته وخطوة لعودة الحياة إلى طبيعتها. عمليات التلقيح بدأت عالميًا؛ وفور تلقى اللقاح يتم تسجيل بيانات المتلقى وتمنح له بطاقة تلقيه أو ما يسمى بـ"الشهادة المناعية" كارت المرور؛ يسمح له بالسفر وممارسة عمله وأى نشاط آخر. ولكن مع نقص اللقاحات أو الخوف منها أو فرض دولة للقاح بعينه شريطة دخول أراضيها فتح بابًا جديدًا للنصب والتزوير.

أصبح إبراز بطاقات تلقى اللقاح شرطا أساسيا ومن بين الأوراق الرسمية المطلوبة للحصول على العمل أو البقاء به فى عدد من دول العالم مثل بريطانيا التى بدأت فى إعادة فتح اقتصادها بعد الإغلاق. دول عدة تستخدم اللقاح كسلاح جيوسياسي؛ حتى باتت الشهادة المناعية مستندا ضروريًا للحصول على تأشيرة السفر والصعود إلى الطائرة مع اتجاه بعض البلدان نحو تخفيف القيود للدخول إلى أراضيها؛ مثل دول الاتحاد الأوروبي، الذين اتفقوا الأسبوع الماضى على تخفيف قيود السفر الخاصة بفيروس كورونا المستجد على الزائرين من خارج دوله قبل موسم السياحة الصيفى شريطة تلقى اللقاح، وهى خطوة قد تفتح باب دول الاتحاد أمام جميع البريطانيين والأمريكيين الذين حصلوا على التطعيم كاملا أو على الأقل جرعة منه. وخلال مارس الماضي، أعلنت الصين تخفيف القيود للدخول إلى أراضيها على مواطنى دول معينة، بما فى ذلك الولايات المتحدة، شرط أن يكونوا قد تلقوا "لقاحًا صينيًا" ضد كوفيد-19، فى حين لا يتوافر أى لقاح صينى فى الولايات المتحدة أو الهند أو دول القارة العجوز وأستراليا. ولذا كيف يمكن للمسافرين من دولة لا تتوافر فيها لقاحات صينية أو اللقاحات بوجه عام تخطى هذا الإجراء، خاصة أنه ينطبق على إصدار تأشيرات العمل ورحلات العمل والأسباب الإنسانية، مثل لم شمل العائلات. وازدادت المطالب من الشركات والجامعات أيضًا على تقديم دليل على التطعيم قبل السماح للأمريكيين بالصعود على متن رحلات بحرية ودخول بعض المتاجر وحتى العودة إلى الفصول الدراسية فى الكليات، مما دفع بعض الأشخاص المترددين فى تلقى اللقاحات إلى البحث عن بطاقات مزيفة.

 ومع استمرار الضغط على البشر للتطعيم وتقديمه كمستند دون توافر اللقاحات، أصبح هناك عدد من الوقائع تشير إلى أن بعض البطاقات كانت مزورة؛ بعد استغلال البعض ذلك كفرصة لبيع بطاقات لقاح كوفيد المزيفة عبر مواقع التسوق على الإنترنت مثل  Shopify, e-Bay, Etsy، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعى تويتر وفيسبوك وتليجرام؛ حيث يتراوح سعرها بين 7 إلى 40 دولارا، حسب الموقع المباعة منه، وفى حالة شراء ثلاث بطاقات تصل قيمة الواحدة إلى 5 دولارات تقريبًا، ما أثار مخاوف تلاعب البعض بمخططات جوازات سفر كوفيد أو ما يعرف بـ"جواز السفر المناعي". وبحسب ما ذكرته صحيفة "ديلى تليجراف" البريطانية، تحمل البطاقات المزيفة شعار هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية «NHS» أو مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها «CDC» وتشبه الأصيلة فى تصميمها ومضمونها. 

وفى تجربة نشرها مراسلو الصحيفة البريطانية، حيث قاموا بشراء بعض من البطاقات المزيفة من محتال على موقع eBay للتسوق، والتى تظهر قائمته أنه باع أكثر من 140 بطاقة فى ثلاثة أيام قبل إزالتها؛ البطاقة التى تكلف 7 دولارات، تحمل شعار NHS ولها نفس التصميم، لكن الفارق الوحيد نوع الورق المستخدم فى إصدارها. وتباع أيضًا عبر الإنترنت أرقام التشغيل للقاحات ومنها لقاح "فايزر" الأمريكي، الذى من خلالها تستطيع استكمال البيانات المطلوبة على الجزء الخلفى من البطاقة "لإثبات" أنهم قد تم تحصينهم. وفى المملكة المتحدة، هناك سوق متزايد لهذه البطاقات بسبب نجاح برنامج لقاح كوفيد، بعد تلقيح أكثر من نصف تعداد السكان بشكل كامل.

ويشعر الخبراء بالقلق من أن البطاقات المزيفة يمكن أن يستخدمها الأشخاص الذين يريدون إثبات أنهم تلقوا التطعيم حتى يتمكنوا من السفر إلى الخارج أو حضور الحفلات واستلام عملهم. وكانت الحكومة البريطانية قد أقرت بأن تطبيق NHS الإلكتروني، الذى يمكن استخدامه لإثبات أن الشخص قد تم تطعيمه بالكامل، قد لا يكون جاهزًا فى الوقت الحالي. وأشارت 20 دولة على الأقل إلى أنها ستقبل شهادات التطعيم كبديل لاختبارات PCR للمسافرين القادمين لإثبات خلوهم من كوفيد-19، لكن لم يتضح بعد الشكل الذى ستتخذه هذه الأوراق. وقال متحدث باسم هيئة مكافحة الاحتيال فى "الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية "إذا أسيء استخدام بطاقات تلقى اللقاح لإعطاء طمأنينة كاذبة سيزيد من فرص إصابة الآخرين، ويمكن أن يلحق الضرر بالجهود العالمية لوقف انتشار الفيروس". وأضاف، كما هو الحال مع برامج التطعيمات الأخرى، يتم إصدار بطاقة سجل لقاح للمتلقى مع التفاصيل ذات الصلة باللقاح، بما فى ذلك تاريخ التطعيم ونوع اللقاح، هذه ليست شهادة مناعة وهذه البطاقات لا ينبغى بيعها أو توزيعها خارج برنامج التطعيم.

بينما ادعى بعض مروجى البطاقات المزيفة، أن البطاقات كانت مخصصة للأشخاص الذين تلقوا اللقاح ويحتاجون إلى إصدار بدل لبطاقة أصلية فقدت. فيما قال متحدث باسم موقع eBay  للصحيفة البريطانية إنه "فى الوقت الحالي، لا يُمنح أولئك الذين حصلوا على لقاح أى امتيازات سفر ولا يتم إعفاؤهم من أى قيود حظر، هذه بطاقات تذكير بالمواعيد فقط. ومع ذلك، فقد تمت إزالة هذه القوائم لمنع أى محاولة لإعادة بيع المستندات الحكومية لتحقيق مكاسب شخصية".

فيما عرضت إحدى القوائم على عملاء eBay "بطاقة تسجيل لقاحات CDC أصلية" مقابل 10.99 دولار، وقائمة أخرى بالأمر نفسه مقابل 9.49 دولار، وفقًا لما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية. وكان هناك قائمة ثالثة، قدمت عرضا مغلفا من البطاقات الموثقة مقابل 8٫99 دولار، لكنهم لم يحصلوا إلا على بطاقة تطعيم فارغة، ونشرت القوائم الثلاثة من قبل نفس المستخدم على eBay والذى يستخدم حساب "asianjackson" مسجل لرجل يعمل صيدلانيًا فى منطقة بشيكاغو، وكانت القوائم الثلاثة غير قانونية كما يقول المنظمون الفيدراليون. وقال المدعى العام لولاية نورث كارولينا "جوش شتاين" إن القوائم هى مثال على عمليات الاحتيال المنتشرة والتى يستخدمها الأفراد لتغيير حالة التطعيم الخاصة بهم فى الجامعة أو العمل أو فى مواقف معيشية أو سفر، مما قد يعرض الآخرين للخطر. وأضاف شتاين قائلًا إن هذا مصدر قلق وطني؛ وانتشارها سيزيد من انتشار الوباء، مما يؤدى إلى المزيد من المرضى والوفيات.

ويقود شتاين جهودًا مع 47 زميلًا لمطالبة eBay ومنصات التجارة الإلكترونية الأخرى بوقف عمليات الاحتيال، وأشار إلى تحذير مكتب التحقيقات الفيدرالى «FBI» من أن أى شخص يصنع بطاقة لقاح مزيفة أو يشتريها يخالف القانون، وقد يعرض نفسه للمساءلة. وحتى الوقت الذى بدأت فيه ظهور بطاقات اللقاح المزيفة، كان قد تلقى ما لا يقل عن 129٫5 مليون أمريكى على جرعة واحدة على الأقل أو جرعتين من لقاح فيروس كورونا وحصولوا على بطاقة إثبات التطعيم مجانًا تحمل شعار مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. لكن حملة التطعيم السريعة مع نقص اللقاحات وفتح الاقتصاد واستئناف العمل والدراسة، حرضت أشخاصًا على بيع أوراق اعتماد فارغة أو مزيفة، لحاجة المواطنين إلى بطاقة استمرار الحياة. كما أدى قرار المسئولين باستخدام البطاقات الورقية التى يمكن نسخها بسهولة وطباعتها، بدلاً من نظام التتبع الرقمي، إلى تفاقم هذه المخاطر، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

ومنذ بداية عملية التلقيح فى ديسمبر الماضي، قال مسئولو الصحة فى الولايات المتحدة إنه سيتم إصدار بطاقات التطعيم لكل شخص يحصل على لقاح كوفيد-19، باعتبارها أسهل طريقة لتتبع اللقاحات. وحينها قالت المديرة المساعدة لتحالف التطعيم الذى يدعم الأطقم الطبية، "كيلى مور"، إنه سيتم إصدار بطاقة تسجل فيها بيانات المتلقى ونوع اللقاح الحاصل عليه وميعاد الجرعة الثانية ويتم وضعها فى محفظته ويظهرها حين تطلب منه. فيما قال بعض المسئولين الفيدراليين المشاركين فى حملة اللقاح إنهم ناقشوا قبل ذلك استخدام الأنظمة الرقمية والتطبيق الإلكترونى لتتبع متلقى اللقاح ومساعدة الأمريكيين الحصول عليه. ويعتقد خبراء مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أنهم بإمكانهم تسخير العشرات من أنظمة تكنولوجيا المعلومات لإدارة طرح اللقاح، بما فى ذلك "حفظ السجلات لمتلقى اللقاح" دون الحاجة إلى البطاقات الورقية. ووفقًا لسياسة "جافي"، التحالف العالمى للقاحات، للسيطرة على مرض معد، من المهم معرفة المتعافين الذين يمكن أن نكون على صلة واتصال بهم، ومن هم المصابون أيضًا، ويتم ذلك من خلال "تتبع الاتصال"، التقنية الراسخة لمكافحة الوباء منذ عام 1854، عندما لجأ إليها لأول مرة الطبيب البريطانى "جون سنو" لتتبع مصدر تفشى الكوليرا فى لندن، حتى الآن لم تضح الرؤية حول الوسيلة التى سيتم استخدامها فى تسجيل من تلقوا اللقاح سواء كان البطاقة الورقية أو التطبيق الإلكترونى لتتبعهم، ولكن المؤكد هو مواصلة دول العالم حملات تلقيح سكانها ضد فيروس كوفيد-19.