الإفراط فى المضادات الحيوية يدمر «المناعة»

«الصحة العالمية» تحذر من تناول المضادات الحيوية «عمال على بطال»

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

سم قاتل يرتدى ثوب الدواء إن لم تحسن استخدامه، تجد الطبيب يشخصه لك فى كل روشتة.. الصيدليات تصرفه لك دون تشخيص طبيب.. خطره يتخطى دوره العلاجى.. حرم استعماله دوليا إلا أنه فى مصر يرفع شعار «أنا الشافى من كل الأمراض».

استخدامه ليس إلا لغرض الاستسهال فى حين أن هناك أكثر من بديل، إنه المضاد الحيوي «ريفو» الشعب المصري، أصبح مثل الماء نتناوله فى أى مرض كان فى حين أن الإفراط فى استخدامه يتسبب فى نقص المناعة وقد يؤدى إلى الموت المحتم إذا استمررنا فى استخدامه دون تعقل، ففى الوقت الذى يتجه العالم فيه إلى تقليل تناوله أو استخدامه إلا فى الضرورة القصوي، فإننا محلياً نستهلكه دون وعى نتاج ثقافة «يا عم ريح اهه كل علاج» أو «نصائح المصاطب» التى لطالما كانت وبالاً على مستمعيها.

 فى حين أن منظمة الصحة العالمية حذرت منه وأنه خطر حقيقى يهدد العالم مستقبلاً، وذلك بسبب بعض السلوكيات الخاطئة فى استخدام المضادات الحيوية دون حاجة لذلك أو بدون وصف الطبيب أو من عدم إكمال الجرعة المحددة من الطبيب بشكل كامل وهو ما يتسبب فى حالة تحول للبكتيريا ويعزز من مقاومتها لمناعة الجسم وعدم تمكن المضادات الحيوية من القضاء عليها بسبب تحولها وتطورها.

وقد يسعى البعض لاستخدامها لعلاج نزلات البرد أو كورونا ولكنه يسبب لنفسه مضاعفات ومخاطر تفوق الوباء دون أن يعى ذلك، ليس هذا فحسب بل إنه يفتح الطريق على مصراعيه أمام الوباء لينال منه بسهولة.
 

«الاخبار» فى السطور القادمة تستعرض مخاطر المضادات الحيوية وكيف أنها تساعد الكورونا علىى التوغل فى الجسد.

نقابة‭الصيادلة‭ :‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬بيعها‭ ‬بدون‭ ‬روشتة

المواطنون‭:‬ اعتدنا‭ ‬على‭ ‬طلبها

البداية كانت من منظمة الصحة العالمية.. تحذيرات واسعة أطلقتها المنظمة بعد أن أقبل ملايين البشر على المضادات الحيوية فى محاولة لمحاصرة الوباء، بخلاف الاستخدام العشوائى لها دون استشارة الطبيب، ولكن المنظمة فاجأت الجميع بأن المضادات الحيوية عامل مساعد فقط وقد تمكن الوباء اللعين من اختراق المرضى بسهولة، بالإضافة إلى أن الإفراط فى استخدامها يمثل جائحة موازية تفوق فى خطورتها الوباء اللعين، فقد حذرت المنظمة من ان الافراط فى استخدام المضادات الحيوية بوهم انها تسهل عملية مكافحة جائحة كوفيد-19 ليس الحل الأمثل لأن هذه المضادات فى النهاية ستمثل خطرا على تعزيز مقاومة البكتيريا مما يجعل النتيجة الحتمية فى نهاية المطاف زيادة نسبة الوفيات لا الحد منها..

وهذا ما أكدته منظمة الصحة العالمية حيث يؤكد المدير العام للمنظمة الأممية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن العدوى البكتيرية نتاج الاستخدام غير المبرر للمضادات الحيوية واللجوء إليها بإفراط جعلها أكثر مقاوَمة للأدوية المستخدمة تقليدياً لعلاجها مما ادى إلى زيادة تفاقم الأزمة فى النهاية.

وأضاف أن جائحة كوفيد-19 أدت إلى زيادة استخدام المضادات الحيوية، مما نتج عنه ارتفاع معدلات المقاومة البكتيرية التى تسببت فى النهاية فى ارتفاع أعباء المرض والوفيات أثناء الجائحة وما بعدها.

وأشار إلى أن نسبة صغيرة فقط من مرضى كوفيد-19 بحاجة إلى مضادات حيوية لعلاج الالتهابات البكتيرية التى تظهر إثر الإصابة به.. وأوضح أن المنظمة أصدرت إرشادات وتوصيات للأطباء بعدم علاج مرضى كوفيد-19 الذين تظهر عليهم أعراض معتدلة بالمضادات الحيوية أو بالعلاج الوقائى دون وجود اشتباه إكلينيكى بالعدوى البكتيرية، مؤكدا أن هذه الإرشادات ستساعد على معالجة مقاومة مضادات الميكروبات إلى جانب إنقاذ الأرواح.

ما المضادات الحيوية؟


المضادات الحيوية عبارة عن أدوية قوية تحارب العدوى البكتيرية أو الفطرية ولذلك فهى غير مجدية فى حالات الإصابة الفيروسية، وتعمل على تدمير البكتيريا أو الفطريات أو وقف تكاثرها فى الجسم وتعمل على عدم تحولها، كما تعمل على مساعدة المناعة الطبيعية للجسم والتى تهاجم العدوى البكتيرية ولكن بسبب قوة العدوى البكتيرية تعتبر المضادات الحيوية مساعدا قويا لقتلها او وقف تكاثرها لسهولة قضاء جهاز المناعة عليها، وعليه يجب التأكد من اختيار مضاد حيوى مناسب من قبل الطبيب والجرعات العلاجية المناسبة لكى تقوم بدورها فى القضاء على العدوى البكتيرية..

ويوجد العديد من أنواع المضادات الحيوية التى يعمل كل منها للقضاء على نوع من العدوى ويحدد الطبيب النوع المناسب طبقا للأغراض وطبيعة العدوى البكتيرية، ويوجد أقراص أو حقن أو كريمات، وعادة ما تستمر فترة العلاج بالمضادات الحيوية من أسبوع إلى عشرة أيام.

إصابات قاتلة
وتأتى خطورة المضادات الحيوية رغم أهميتها فى القضاء على العديد من الأمراض والتى من دونها ستكون بعض الإصابات قاتلة، ولكن تناولها بشكل مفرط وبدون استشارة الطبيب يتسبب فى تكوين الجسم مناعة منها وهو ما يعنى عدم القدرة على معالجة العدوى وهو ما يجعلها قاتلة، كما أن الإفراط فى استخدامها يساهم فى تسريع وتيرة مقاومة العدوى البكتيرية مع تردى مناعة الجسم فى مقاومة عدوى الالتهابات ومكافحتها.

وتأتى الخطورة بشكل أكبر على الأطفال كون جهاز المناعة يكون فى إطار التكوين ومع الإفراط فى تناول المضادات الحيوية يكوِّن الجسم مناعة ضدها ويتسبب فى عدم استجابة الجسم للمضادات الحيوية، ولذلك يلجأ الأطباء فى حال عدم استجابة الجسم للمضادات الحيوية بعمل «مزرعة  لتحديد أى أنواع المضادات الحيوية لا يستجيب لها الجسم.

دواء بدون روشتة
وقال د. طارق كامل الأستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة، إن التناول الشائع للمضادات الحيوية بدون توصية الطبيب خطر يهدد الصحة العامة للمصريين وقد تصل خطورته إلى الوفاة بسبب تضرر المناعة وعدم قدرة الجسم على مقاومة العدوى البكتيرية وتحور المرض وعدم الاستجابة للمضادات الحيوية، مؤكدا أن المضادات الحيوية تستخدم فى علاج كورونا فى حالات محددة تحتاج إلى ترك المساحة للمناعة الطبيعية وتحفيزها، أو علاج عدوى جرثومية مصاحبة لكورونا.

وأكد أن المنظومة الطبية فى مصر تحتاج إلى إعادة نظر من خلال تشريع يلزم الصيدليات بعدم صرف الدواء للمواطنين إلا من خلال روشتة طبيب، وذلك حفاظا على حياة المواطنين وتجنب الأضرار التى تتسبب فى صرف أدوية بدون دراية كافية لمخاطرها أو الأضرار التى قد تتسبب بها.

وألقى «كامل  باللوم على القوانين التى لا تلزم الصيدليات بصرف الدواء بناء على روشتة كما هو معمول به فى كافة دول العالم مطالبا بضرورة تهيئة المناخ العام أولا من خلال مشروع التأمين الصحى الشامل وربط صرف الأدوية باستشارة الطبيب، وتوفير أماكن لائقة للكشف الطبي، بخلاف توعية المواطنين بضرورة عدم اللجوء لوصفات الأصدقاء أو الأقارب حول الأدوية التى استخدمها فى بعض الأمراض، وذلك بسبب اختلاف طبيعة كل مرض عن الآخر بخلاف تشابه أعراض الكثير من الأمراض وبسبب أيضا تعارض أدوية مع أخرى وهو ما يتطلب ضرورة استشارة الطبيب فى حال ظهور أعراض إصابة.

دور البرد لا يتطلب مضادا حيويا

وأكد أن من الأخطاء الشائعة استخدام المضادات الحيوية فى نزلات البرد والتى عادة ما يلجأ المواطنون للصيدلى لطلب مضاد حيوي، مؤكدا أن 90% من حالات نزلات البرد تكون عبارة عن عدوى «فيروسية  ولا تتطلب مضادا حيويا والذى يتعامل فقط مع العدوى « البكتيرية  مؤكدا أن تناول المضادات الحيوية فى حال نزلات البرد لا يحقق استفادة للجسم ولكن عادة ما يضر بالمناعة لاستخدامها فى غير موضعها ولهذا تأتى ضرورة استشارة الطبيب الذى يحدد ما إن كانت العدوى فيروسية أو بكتيرية وتتطلب مضادات حيوية.

نقابة الصيادلة
قال د. مصطفى الوكيل، عضو مجلس نقابة الصيادلة، إننا نعانى من طلب المواطنين للمضاد الحيوى بصورة كبيرة مؤكدا أن المجتمع المصرى يحتاج إلى دعمه بالمعلومات الصحية العامة بهدف توعيته بضرورة الحصول على الخدمة الطبية والأدوية من خلال الطرق الشرعية لذلك، وهى الخضوع للكشف الطبى فى البداية والحصول على الدواء من الصيدليات بناء على وصف الطبيب للدواء.

معتبرا أن بيع الصيدليات الدواء من المضادات الحيوية أو غيرها بدون روشتة الطبيب لا يمنعه القانون، ولكن يجب على المواطن أن يعى أن استخدام المضادات الحيوية يحتاج إلى استشارة ووصف الطبيب أولا للتأكد من حاجة الجسم إليها ومعرفة طبيعة الإصابة وأى من المضادات الحيوية قد تصلح لمعالجة هذه العدوى، وأيضا معرفة التاريخ المرضى والأدوية الأخرى التى يتناولها المريض حتى لا تحدث مشاكل لا تحمد عقباها.. وحذر وكيل نقابة الصيادلة من خطر عدم إكمال فترة العلاج بالمضادات الحيوية والمحددة من قبل الطبيب مؤكدا أن ذلك يؤدى إلى إضعاف الجهاز المناعى للجسم وقد يتسبب فى تفاقم المرض وتطوره وايضا مواجهة العدوى البكتيرية مستقبلا.

مجموعة البرد

وعما يسمى بمجموعة البرد قال إن بعض الصيادلة يصرفون مجموعة من العقاقير لتخفيف أعراض نزلة البرد، وتحتوى على فيتامين سى وأخرى للحساسية وأحيانا مضاد حيوي، وهذا مرفوض لانه يتسبب فى مشاكل صحية فى الكلى والكبد.

ويأتى الضرر الأكبر من المضاد الحيوى والذى من المفترض أن يساعد جهاز المناعة بسبب قصوره فى التصدى للمرض أو سرعة التعافى منه، ولكن عند تناول جرعتين فقط أو التمادى فى استخدامه يتسبب ذلك فى تطوير اداء الميكروب اساليب دفاعية لمقاومة المضاد الحيوي، وهو ما يؤثر أيضا فى أداء وظائف الكلى والكبد. ولذلك لابد من العودة للطبيب المختص لتشخيص نوع العدوى لنزلة البرد وهل هى ميكروبية وتحتاج إلى مضاد حيوى أو فيروسية ويمكن العلاج من خلال أدوية أخرى، ويصف الصيدلى المختص الجرعة ومده الاستخدام..وأوضح أن توعية المواطنين باستخدام الدواء تنحصر بصورة كبيرة فى الإعلام وبدأ يتجه نحو الجانب السلبى من خلال الإعلان عن أدوية غير حاصلة على تصريح من وزارة الصحة، وبيعها بالمخالفة للقوانين المصرية التى تنظم تداول الأدوية وبيعها.

كوفيد-19

وفى نفس السياق اتفقت لورى باروز، مديرة معهد أبحاث الأمراض المعدية والأستاذ بجامعة ماكماستر الكندية، مع الدراسات السابقة فى مدى خطورة الإفراط فى استخدام المضادات الحيوية..

فتؤكد «باروز  أن نتائج الاستخدام غير المبرر للمضادات الحيوية تسبب فى زيادة معدلات الإصابة بعدوى بكتيرية وفطرية مقاوِمة للأدوية بكافة أنحاء العالم، وأشارت إلى ان هناك تداخلا بين مقاومة المضادات الحيوية وكوفيد-19 والتى لا يمكن إغفالها ولكن ما يتم تناسيه سهواً هو ان لكل منهما تأثيرا سلبيا على الاخر، ينتج عنه عواقب كارثية لكليهما.

وأوضحت ان هناك إحصاءات تحذر من مشكلة مقاومة المضادات الحيوية والتى تمس قرابة 64.5 مليون شخص حول العالم سنويًّا، وتكبِّد الاقتصاد العالمى قرابة 400 مليار دولار أمريكي، أى 0.5% من الناتج الإجمالى العالمى.

وتضيف باروز:وفقًا لبعض التقارير، سيبلغ معدل الوفيات الناجمة عن العدوى المقاوِمة للأدوية 10 ملايين سنويًّا بحلول عام 2050، وهو أكثر من الوفيات الناجمة عن السرطان وأمراض القلب معًا.

ادوية القلب 

منظمة الصحة العالمية ليست الوحيدة التى تحدثت عن مخاطر المضادات الحيوية فى علاج الكورونا فقد كشفت جامعة إلينوى بالولايات المتحدة الأمريكية عن دراسة تحليلية عن مخاطر المضادات الحيوية ومدى مخاطرها فى علاج الكورونا وبالأخص المضاد الحيوى «أزيثروميسين»  الذى يتسبب الإفراط فى استخدامه وتناوله مع الادوية المعالجة للقلب إلى نوبات قلبية، وأوضحت الدراسة أن هذا السلوك يؤدى إلى زيادة بنسبة 40 فى المائة فى حدوث تشوهات القلب، بما فى ذلك الإغماء وزيادة معدل ضربات القلب والسكتة القلبية وذلك بعد إجراء هذه الدراسة على أكثر من 400 مليون شخص.

ومن جامعة إلينوى إلى دورية علم الأحياء الدقيقة السريرى والعدوى يظل الاتفاق على ان المضادات الحيوية خطر إضافى يفاقم من الكورونا وذلك بعد ان قامت الدورية بمراجعة منهجية أبرزت فيها أهم الدراسات التى انتهت إلى ان هناك ارتفاعا كبيرا فى استخدام المضادات الحيوية تسبب فى زيادة أزمة الوباء بدلا من معالجتها.
وأوضحت الدورية بعد مراجعة بيانات 30623 مصابًا بعدوى كوفيد-19 من مختلِف دول العالم أن ثلاثة أرباع هؤلاء الأشخاص تعاطوا المضاد الحيوي بأسلوب احترازى على الرغم من ان 8.6% فقط من هؤلاء كانوا يحتاجون إلى المضادات الحيوية.

وأشارت الدورية -وفق ما أعلنه برادلى لانجفورد، الباحث الرئيسى والاستشارى لهيئة الصحة العامة بـ أونتاريو فى كندا- إلى أن العديد من الممارسات «على سبيل الاحتياط» لوصف المضادات الحيوية قد تضر أكثر مما تنفع، وأكثر ما يُقلق هو زيادة استخدام المضادات الحيوية داخل المستشفيات حيث تعالَج الحالات الشديدة من مصابى كوفيد-19.

وأضاف موضحا أنه نتاج هذا الإفراط فقد تصبح تلك المستشفيات بؤرًا لارتفاع معدلات مقاومة المضادات الحيوية، مما يمثل خطورةً لانتشار تلك المشكلة بين المجتمعات والأفراد.