«أرض الذهب».. وعودة إلى فوضى الانقلابات

 العقيد جويتا قائد الانقلاب
العقيد جويتا قائد الانقلاب

سميحة شتا

للمرة الثانية فى أقل من عام، تعود مالى مجدداً إلى الفوضى مع انقلاب جديد ضد الرئيس الانتقالى فى البلاد باه نداو ورئيس وزرائه مختار عوان.
الطريف ان من قام بالانقلاب هو العقيد اوسيمى جويتا الذى قاد انقلاب اغسطس الماضى وأطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.
ويرى محللون ان الانقلاب الاخير بسبب إجراء الرئيس باه نداو تغييرًا واسعًا فى صفوف الحكومة، أطاح فيه ببعض العسكريين الذين شاركوا فى انقلاب أغسطس الماضى وجاء التغيير بالتزامن مع التحضير لاجتماع قادة أركان الدول الخمس بالساحل: «بوركينا فاسو، ومالى، وتشاد، وموريتانيا، والنيجر» المزمع عقده فى مالى، من أجل الاستقواء بها وإكساب التغيير الحكومى طابعًا رسميًا؛ لكن هذا التغيير الحكومى لم يرق للعسكريين بقيادة آسيمى جويتا الذى كان يشغل منصب نائب الرئيس؛ إذ أعلن هذا الأخير بأن العسكريين لم يستشاروا معه فى هذا التعديل الحكومى.. حيث استشعر العسكريون خطورة هذا التعديل ورغبة الرئيس الجديد فى استبعادهم من المشهد، والاستقواء بالأطراف الدولية، مثل فرنسا وهو ما دفع إلى العملية العسكرية التى أعاد العسكريون بها التمسّك بكل الصلاحيات من جديد.
عقب انقلاب اغسطس الماضى خضع العسكريون الذين قادوا الانقلاب لتقاسم السلطة مع المدنيين بعد ضغوط دولية قويّة، منها الحصار الاقتصادى الذى فرضته دول غرب أفريقيا، وإصرارها على ضرورة حل المجلس العسكرى الذى قاد الانقلاب، والذى اطلق على نفسه اسم «اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب المالى» وكان من نتيجة ذلك تقاسم هشّ للسلطة وصل لطريق مسدود بعد التغيير الحكومى الأخير وهو ما جعل الوضع فى مالى يعود لنقطة الصفر من جديد.
الانقلاب الثانى جاء فى وضع شديد الدقة تشهده البلاد، خاصة مع تزايد الاحتجاجات الاجتماعية والاضرابات بسبب سوء الأوضاع المعيشية، وسط وضع اقليمى ملتهب فى منطقة الساحل، خاصة بعد مقتل الرئيس التشادى إدريس ديبى وتقدّم قوات المعارضة للعاصمة انجامينا، والمحاولة الانقلابية التى شهدتها الجارة الشرقية النيجر الشهر الماضى.
ورغم ان جويتا اعلن فى بيان أن انتخابات العام المقبل لاستعادة حكومة منتخبة ستجرى كما هو مخطط لها الا ان الانقلاب اثار غضبًا دوليًا سريعًا، نظرا لكونه ثانى انقلاب بقيادة الجيش فى أقل من عشرة أشهر، وقد أدان قادة الاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقى والولايات المتحدة «اختطاف» القادة المدنيين، وحذروا من عقوبات محتملة ضد المسئولين.
كما حذرت منظمات المجتمع المدنى من أن الحكومة الانتقالية يجب أن تكون قادرة على التصرف بشكل مستقل عن الجيش، قبل انتخابات عام 2022.
ومع ذلك فهناك مخاوف من تفاقم عدم الاستقرار فى البلاد، حيث تسيطر الجماعات الإسلامية العنيفة المرتبطة بالقاعدة وتنظيم داعش الارهابى على مساحات شاسعة من الصحراء الشمالية، كما أدى الفساد السياسى وعدم الاستقرار إلى تأجيج انعدام الأمن فى البلد الفقير لما يقرب من عقد من الزمان.
وعلى الرغم من التاريخ الطويل من الاضطرابات السياسية والأمنية الذى تشهده تلك الدولة الواقعة فى منطقة الساحل الأفريقى، فإن تفاعل الأطراف الإقليمية والدولية بشكل متسارع مع أحداثها، عكس مدى ما تتمتع به من أهمية استراتيجية على الصعيدين السياسى والاقتصادى.
وتعيش مالى -التى كانت تعتبر إحدى أغنى دول القارة بالمعادن النفيسة خاصة الذهب- صراعاً مسلحاً بين الشمال والجنوب منذ 2012، عجزت كل المحاولات عن إنهائه، والذى اندلع مع تمرد مجموعات عدة ضد الحكومة للحصول على حكم ذاتى لشمال البلاد الذى يعتبر منطقة قبائل «أزواد»، حيث تمكنت الحركة الوطنية لتحرير «أزواد» من السيطرة على أراض واسعة، لتتطور الأوضاع وتتم الإطاحة بالرئيس أمادو تومانى تورى، فى انقلاب عسكرى من أجل حل الأزمة، ليتم بعدها اجتياح أكبر مدن شمال مالى «كيدال وجاو وتمبكتو» من قبل المتمردين فى أبريل 2012، وتعلن الحركة بعدها استقلال منطقة «أزواد» عن مالى. بعدها خسرت الحركة الوطنية لتحرير أزواد مناطق «محررة» واسعة فى شمال البلاد، لصالح تنظيمات متطرفة تضاعف عددها واختلفت جنسيات عناصرها وأفرادها، وأصبحت قوة فاعلة فى منطقة الساحل وليس شمال مالى فقط،. ومع تدخل القوات الأجنبية وخصوصاً الفرنسية فى المنطقة عام 2013، تصاعد النشاط الإرهابى بالمنطقة بشكل لافت.
وكان من بين أبرز النتائج المترتبة على الانفلات الأمنى والفساد المستشرى والاستبداد الذى خلفته الأنظمة المتلاحقة هناك اتساع وانتشار الجماعات المتطرفة، مما ضاعف من بواعث القلق لدى الدول الغربية، التى رأت فيها تهديداً مباشراً لمصالحها فى المنطقة، وكذلك أنظمة حلفائها.
< سميحة شتا