أوراق شخصية

لعبة الحياة وعبث الأقدار

آمال عثمان
آمال عثمان

أدركتُ منذ البداية أننا أمام لعبة درامية تتجاوز الرؤية البصرية، والتفسيرات السطحية والأحكام جاهزة التعليب، لعبة فنية شديدة الجاذبية والتشويق، تطرح رؤى ناضجة للحياة بكل متناقضاتها وتقلباتها وعبثيتها، وتقدم أفكارا وبناء دراميا غير تقليدى، وتتناول شخصيات مختلفة وجديدة على الدراما المصرية بكل تناقضاتها وتحولاتها وضعفها الإنسانى.
لذا لم يكن غريبا أن تتباين الآراء وتتأرجح حول احداث مسلسل «لعبة نيوتن» وشخصياته، فالمشاهد اعتاد أن يرى الشخصيات فى الأعمال الفنية أبيض أو أسود، خيرا مطلقا أو شرا مطلقا، يتعاطف مع سلوكها وقراراتها ويقبلها بسلاسة ويُسر، أو يتحامل ضدها ويرفضها بنفس القدر من السهولة، لكننا هنا أمام لعبة درامية تقدم مزيجا إنسانيا حقيقيا من الخير والشر، الضعف والقوة، شخصيات تتأرجح بين الأبيض والأسود والرمادى، تقبلها حينا وتلفظها أحيانا، تتحامل عليها تارة، وتغمرها بالتعاطف تارة أخرى، شخصيات ليست سجينة لرؤية أحادية من صناعة مؤلفها، ولكنها متمردة على قضبان سجّانها، لتمنحنا حيزا خاصا للرؤية الذاتية، ومساحة للتأمل والتحليل وإعادة الاكتشاف، ومراجعة أحكامنا وقناعتنا فى ظل التقلبات والتحولات المتلاحقة والمتعددة للأحداث والشخصيات، وما يتكشف لنا ولها عن دواخلها وماضيها وحاضرها!
تنطلق الأحداث من خلال زوجين «هنا » و«حازم» يقرران ولادة ابنهما فى أمريكا للحصول على الجنسية، ولكن الزوج يطالب زوجته بالعودة بعد فشله فى الحصول على التأشيرة لإصراره على عدم قُدرتها على البقاء وحدها، غير أن «الزوجة» فاقدة الثقة فى نفسها سواء بسبب تربيتها ونشأتها، أو تشكيك الزوج فى قدراتها وإمكاناتها والسخرية من أفكارها، وإسقاط فشله وإحباطاته عليها، تعتبر أن استمرارها فرصة لتُثبت لنفسها وللآخرين صورة مغايرة عن نفسها، وتتكبد فى سبيل ذلك ضغوطا ومشاكل ومواجهات وإهانات وتهديدات من زوجها بالطلاق!!   
وتمتد تأثيرات القرار الذى اتخذه الزوجان وتوابعه، وردود أفعاله على حياتهما ومن حولهما، مثلما يحدث حين نحرك الكرة المعدنية الأولى فى اللعبة التى يطلق عليها «مهد نيوتن»، والتى استخدمها المؤلف والمخرج المبدع تامر محسن للتعبير البصرى عن فكرة العمل، ووسط الأحداث المليئة بالتفاصيل والتشويق، يقتحم حياة كل من الزوجين شخصية تتستّر على ضعفها الداخلى بهالة من القوة والغموض، المحامى ورجل الأعمال «مؤنس» المقيم فى أمريكا، الذى يعيش صراعا داخليا بين حبه لامرأة متزوجة والتزامه الدينى وبين واجبه تجاه امرأة لجأت إليه ليساعدها فى غربتها، واستغلاله لضعفها ولمشاكلها مع زوجها، ورجل الصناعة المعتزل «بدر» الهارب بعيدا عن صخب الحياة فى مزرعة مع الشابة «أمينة» التى تصارع الموت، بعد فقدانه لابنته الوحيدة، التى تركت له خطابا تُحمّله فيه مسئولية انتحارها بعد رفضه زواجها من الشاب الذى أحبته!
.. وللحديث بقية
أمال عثمان