امبــراطـوريـة الـزيـف

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

بقلم: إيهاب فتحى

..قبل أسبوع علق السياسى ونائب رئيس حزب " فوكس "الإسبانى فرانسيسكو خوسيه فى موقع التواصل الاجتماعى تويتر على خبر يقول أن رجلا متحول جنسيًا أعلن أنه أب بعد ولادة طفل له .. السياسى الإسبانى خوسيه أبدى دهشته من الخبر وكتب معلقًا " لا يمكن للرجل أن يحمل أو ينجب لأن الرجل ليس له رحم أو مبايض ".

بعد دقائق من تعليق خوسيه حظر موقع تويتر تعليقات خوسيه فرانسيسكو وجاء فى تقرير تويتر حول الحظر أن تعليق خوسيه انتهك سياسة الموقع بشأن خطاب الكراهية وهى السياسات التى تعزز العنف ضد الآخر كما يرى تويتر.
أرسل الموقع رسالة تحذير إلى خوسيه فرانسيسكو بأن الأخطاء المتكررة منه ستؤدى إلى تعليق دائم لحسابه ولم يكتف الموقع بالتحذير بل وجه أمرًا إلى السياسى الإسبانى بأن يدخل إلى موقع تويتر ويصلح خطأه الذى ارتكبه أو بمعنى آخر على خوسيه أن يعتذر ويعترف بأن الرجال يحملون وينجبون كما ترى سياسات تويتر.
حول خوسيه وأنصاره موضوع الحظر إلى معركة سياسية ونقلها إلى الصحافة المكتوبة والإلكترونية، فأعلن أنه لن يستسلم لفرض تويتر وجهة نظر ملتوية وخاطئة من ناحية الأنثروبولجى أو علم الأحياء وأنه هو وأنصاره سيستمرون فى قول الحقيقة عن الطبيعة البشرية ولايمكن اعتبار الحقائق البيلوجية أنها كلام يحض على الكراهية لأنها علم أحياء وليست تعصبًا بل ن تويتر يطبق علم الأحياء الفاشى.
ساند أنصار خوسيه والحزب الإسبانى وجهة النظر البيلوجية الطبيعية وفعلوا هاشتاج "الرجل لايمكن أن يحمل " لكن تمت مطاردة الهاشتاج لأنه هو الآخر يحض على الكراهية!!
هل يعتبر موقع تويتر حالة خاصة فى امبراطورية المعلومات والسوشيال ميديا؟ عندما ننتقل إلى روسيا سنجد أن امبراطورية شركات المعلومات وصلت إلى درجات عليا من الديكتاتورية وفرض الزيف على الحقيقة الواضحة حتى لو كانت هذه الحقيقة تاريخية معروفة لا تقبل الشك، لكن عند أباطرة المعلومات كل شيء قابل للتبديل وفق رؤيتهم الملتوية.
تقدمت الهيئة الفيدرالية الروسية للرقابة على الاتصالات والتقنيات الإعلامية بشكوى إلى شركة جوجل لأنها تضع قيودًا وتمنع نشر تطبيق أنشأته الدولة الروسية باسم " شارع الأبطال ".
يخلد التطبيق أسماء وبطولات المواطنين والجنود الروس الذين ضحوا بأرواحهم فى الحرب العالمية الثانية من أجل هزيمة الفاشية النازية والدفاع عن بلادهم وفعلت روسيا التطبيق بشكل أكبر مع حلول الذكرى ال 76 بالانتصار على النازية فى الحرب العالمية الثانية.
مافعلته شركة جوجل أنها ألغت تاريخ تضحيات روسيا أو الاتحاد السوفيتى السابق فى الحرب العالمية الثانية من على شبكة المعلومات واعتبرت أن الانتصار الذى تحقق على النازية انتصارًا غربيًا بحت وتحديدًا أمريكى رغم أن الحقائق التاريخية التى لا تقبل الشك وقالها المؤرخون الغربيون وسبقوا الروس إليها تقول أن روسيا أو الاتحاد السوفيتى وقتها فقدوا مايزيد عن 20 مليون من الضحايا لأجل هزيمة النازية وهو الرقم الذى يفوق كافة أعداد الضحايا من الدول التى شاركت فى الحرب العالمية ضد النازية الألمانية.
اعتبرت الهيئة الفيدرالية الروسية أن جميع الممارسات التى تهدف إلى إخفاء وتشويه ذكرى الإسهام الحاسم للجنود السوفيت فى دحر الفاشية وعملهم البطولى أثناء الحرب العالمية غير مقبولة وتنتهك مبادئ حرية نشر المعلومات والوصول بلا عوائق إليها مطالبة بشرح أسباب هذا الإخفاء والتشويه ورفع القيود عن التطبيق الروسى " شارع الأبطال".
لم تهتم امبراطورية المعلومات والسوشيال ميديا وعلى رأسها الشركة الأكبر جوجل بالاعتراضات الروسية واستمرت فى تشويه الحقائق الواضحة لأن امبراطورية المعلومات الأمريكية فى الأساس لا يوجد من ينافسها أو يردعها فبمنتهى البساطة تستطيع هذه الامبراطورية المهولة تبديل الحقائق البيلوجية جاعلة الرجال يحملون و ينجبون أو تخفى حقيقة تاريخية عن تضحيات 20 مليون روسى من على شبكة معلوماتها.
فى عرف هذه الامبراطورية الجار أولى بالأذى فالمكسيك جارة الولايات المتحدة الأمريكية حيث مقر كافة شركات الامبراطورية المعلوماتية خرج الرئيس المكسيكى مانويل لوبيز يصرخ لأن الامبراطورية المعلوماتية ومن ورائها الولايات المتحدة تقدم الدعم المالى والدعائى لمنظمة مكسيكية ممن تطلق على نفسها حقوقية.
بالتأكيد هناك حالة عشق بين امبراطورية المعلومات ومن يديرونها وهذه المنظمات وأحبائهم من النشطاء أو أن حالة العشق تلك تمتد إلى كل من يريد صناعة الفوضى وتحطيم مفهوم الدولة الوطنية.
تقدمت المكسيك بمذكرة رسمية إلى السفارة الأمريكية بوصفها الجهة السياسية الظاهرة فى هذه الحرب ، أعلن الرئيس المكسيكى لوبيز تفاصيل المذكرة التى تم تسليمها إلى سفارة واشنطن فى مكسيكو سيتى فى مؤتمر صحفى طالبًا بوقف الدعم الذى يقدم إلى هذه المنظمة وغيرها لأنه يعتبر تدخلا فى شئون المكسيك الداخلية ويتعارض مع مبادئ الاحترام المتبادل. وكان سبب غضب المكسيك ورئيسها أن هذه المنظمة وغيرها تعرقل عن طريق التحريض والوسائل الدعائية الأخرى مشروعات التنمية التى تقيمها الدولة، فعطلت مشروع المطار فى العاصمة وشبكة مواصلات قائمة على خطوط السكك الحديدية.
تشكك هذه المنظمة وغيرها فى كل مشروعات الدولة الوطنية التنموية وتحرض دعائيًا عليها مدعومة من الامبراطورية ومن ورائها مع العلم أن الولايات المتحدة والامبراطورية المعلوماتية يصنفا المكسيك بأنها دولة بشكل أو بآخر دولة ديمقراطية وفق مفهومهم.
تزيل الحالة والروسية والمكسيكية أى لبس أو شك حول تعمد امبراطورية المعلومات أو الزيف ومن ورائها والمستخدمين ممن يسمون بالمنظمات والنشطاء تدمير كل ما يؤدى إلى تثبيت وترسيخ مفهوم الدولة الوطنية ولا يمكن اتهام الروس والمكسيكيين بأنهم مصابين بهوس نظرية المؤامرة الذى يجعلهم يوجهون الاتهامات والشكاوى ضد امبراطورية الزيف ومن ورائها، لأن أى عاقل بمجرد أن يبدأ حتى فى مناقشة هذا التخريب المنظم الذى يمارسه مطلقو الشائعات وصانعى الدعاية السوداء ضد ثوابت الدولة الوطنية يخرج عليك هؤلاء المرجفون بصفاقة تدعمهم امبراطورية الشر متهمين الأصحاء الوطنيين بأنهم خاضعين لهوس نظرية المؤامرة، وأن التخريب المنظم الذى يحدث من قبل امبراطورية صناعة الكذب وأتباعها من المرجفين ماهو إلا الحرية فى أكمل صورها.
أما بالنسبة للحالة الإسبانية فهى تثبت أمرًا آخر أكثر خطورة وهو أن امبراطورية الزيف لا تريد فقط تقويض الثوابت الوطنية للدول على المستوى التاريخى والتنموى كما فى روسيا والمكسيك بل تسعى بقوة إلى تخريب منظومة القيم الإنسانية الطبيعية وتشويه الفطرة البشرية لصالح إقامة مجتمع بشرى شاذ غير طبيعى فى علاقاته.
لعل أوضح مثال مطابق لهذه الحالات الممتدة من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية ونواجهه يوميًا بل فى كل دقيقة حملات التشكيك والتشويه من امبراطورية الزيف والمرجفين التابعين لها سواء كانوا الفاشيست الإخوان أو ناشطى الفوضى والتى تستهدف كل المشروعات التنموية التى تقيمها الدولة الوطنية المصرية.
 هذه الحملات الشريرة المنظمة بدقة ووفق خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لاتقتصر فى أغراضها الخبيثة فقط على تقويض العملية التنموية والاقتصادية التى تشيدها الدولة من العدم وتنقل بها شرائح مجتمعية عانت طويلا من الحاجة والعوز إلى مستويات من الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى يتيح لهم الحياة بكرامة وإنسانية.
 تتجه هذه الحملات والقائمون عليها من المرجفين بشرها وبشرهم وخداعها وخداعهم إلى تخريب منظومة القيم الراسخة للأمة المصرية على كافة المستويات التاريخى والإنسانى والحضارى لنصبح أمة بلا ذاكرة أو بلا قيم تحفظ لهذا المجتمع ثوابته فيحدث داخله خلل يصعب إصلاحه، فهذه الحملات تريد التشكيك فى الانتصارات وتحولها إلى هزائم و تحول ماهو طبيعى إلى شاذ والشاذ إلى طبيعى وتجمل الأعداء ليصبحوا أصدقاء وتكرهنا فى الأصدقاء لنراهم أعداء ويكون الغرض النهائى هو التخريب والتدمير.
لكن لماذا تسعى امبراطورية الزيف ومن ورائها ومن تستخدمهم إلى كل هذا الخراب؟ الحقيقة أن الخراب الذى ينشرونه فى العالم يعود على خزائنهم بمليارات الدولارات فالفوضى التى يطلقون عواصفها تحرك البورصات ولعبة المضاربات فى كل شيء، واختفاء مفهوم الدولة الوطنية الحامية للمجتمع يجعل المجتمعات فريسة سهلة تقع تحت سيطرتهم ويوجهونها إلى بضاعتهم الوهمية التى تدر عليهم مذيداً من المليارات ويصير المواطن كارهًا ومحاربًا لفكرة التنمية والبناء والعالم الحقيقى الذى يجب أن يعيش فيه ويغيره للأفضل مع الدولة فيذهب معهم إلى عالمهم الافتراضى الوهمى المخادع بلا عودة بعد أن فقد ذاكرته وقيمه وإنسانيته.