كومباوند البسطاء.. «عيشة كريمة» لسكان العشوائيات

«عيشة كريمة» لسكان العشوائيات
«عيشة كريمة» لسكان العشوائيات

«الأخبار المسائى» ترصد تفاصيل «العيشة» الجديدة بحى الأسمرات.. من العشش  لأرقى  الأحياء
أحمد: حقق حلمة بقيادة الدراجة ودخوله مركز الشباب مجاناً
أم محمد:«عيالنا هتعيش فى مستوى أفضل»

مدير صندوق العشوائيات: «هدفنا مش عمرانى» بل تطوير الحياة وتغيير سلوك الأجيال الجديدة 

صديق: تكلفة المرحلة الأولى 850 مليون جنيه والثانية 600 والثالثة لـمليار جنيه لإجمالى 18ألف
و200 وحدة سكنية

كتبت : هاجر زين العابدين 


بعد انتقال ساكني معظم سكان المساكن العشوائية والعشش لحي الأسمرات 1,2,3، الذي وفرتة الدولة لاستبدال حياة العشش والشقق والحواري غير الآدمية إلى شقق راقية وشوارع وحدائق ومراكز شباب ووحدات صحية ومدارس وحضانات ومصانع للعمل. هنا  بدأت الحياة تزهو من جديد للبسطاء من ساكني العشش بعدما كان الفقر والإهمال وغياب الخدمات عنوان مناطق سكنهم.. ليحيو من جديد  حياة بطعم  آخر ممزوجة بالإنسانية والعيشة الآدمية والنظام.


فالمتصور سابقا أن الأغلبية ستحتفظ بسلوكياتها التي تحمل في طياتها الهرج  والعشوائية وأحياناً بلطجة من البعض  عند الانتقال من العشش لكومباوند البسطاء (الأسمرات)، ولكن مع  تجولنا داخل الحي، لم نري سوي انضباط شديد من ساكني الحي الأول، فرأينا كيف يحتفظ أحد الشباب بعلبة (كانز فارغة) ليلقي بها في أقرب سلة للقمامة، دون أن يلقها علي الأرض، هنا  الجميع يتسم بتغير محمود في السلوك، فاختفي مشهد السيدات اللاتي يجلسن أمام منازلهم ليتسامرون مع  المارة ، وكذلك وجود الباعة في أماكن منظمة ويحرصون علي اتباع النظافة، وكذلك اختفاء المشاحنات من قبل البلطجية بشهادة الأهالي.
«الأخبار المسائي» ترصد في جولة ميدانية كيف انعكست خطة الدولة لتطوير العشوائيات على نمط الحياة و سكانها.


تغير نمط الحياة 
يقود دراجته المزركشة بألوان مبهجة، يضيئ إطارها المطاطي عند السير، تعلو جبهته الصغيرة سعادة لا تضاهيها شيئا وكأنه بلغ أسمي طموحة بقيادة دراجة أسفل منزله ليلهوا مع أصدقائه وجيرانه”. 
منذ عشر سنوات لم يستطع أحمد علي البالغ من العمر أربعة عشر عاماً قيادة دراجته في سكنه القديم (حي الدويقة) وذلك لتعرج الطرق وعدم تمهيدها للسير حتي لم تكن صالحة للترجل، يقول علي “ كان حلمي إني ألعب بـ (العجلة )تحت منزلي، وكان صعب جدا في منطقتي القديمة، لأن الأرض كانت بها حفر كثيرة وتعاريج، تتسبب في  سقوطي  وتعثري، لكن بعد ما انتقلنا لحي الأسمرات، وأنا أذهب  للمدرسة بالدراجة، وبلعب بيها بعد  مذاكرتي، وحالياً  أشارك في مسابقات قيادة الدراجة وبفوز بمراكز “ .

 


 يصف “أحمد” الاختلاف الذي طرأ علي حياتة بأنه  أفضل أيامه في الأسمرات، فلم يكن يصدق أن يتحقق حلمه بالاشتراك في أحد الأندية الرياضية مجاناً، فهي احدي الخدمات التي يقدمها الحي للشباب والأطفال بالاشتراك في مراكز الشباب مجانا وتشجيع المواهب التي تستحق ذلك،  بل والمشاركة في بطولات محلية ومنافسة مراكز شباب أخرى على مستوى المحافظة.  “كنا بنلعب في الشارع ونتشاجر مع  بعضنا أنا وأولاد الجيران بنفس الشارع بالدويقة “والآن  أصبح يخيم علي حياتي الهدوء والنظام وممارسة الرياضة.. هكذا كشف أحمد التغيير بين حياة الدويقة والأسمرات..  بل أصبح هناك نمط رياضي يخيم علي حياته الجديدة ليذهب أيام عطلة الدراسة لمركز الشباب ليتابع أنشطة رياضية مختلفة كاللعب بكرة القدم وقيادة الدراجة. 


سكن يحقق الآدمية
“من كام سنة كنت أخجل  أن يزورني أحد  أصحابي في الجامعة بالبيت “هكذا تصف آيات محمد (21 عاما)  التي تدرس بالفرقة الثالثة بكلية التجارة بجامعة القاهرة، مدي حبها لسكنها الجديد  الذي يشعرها بالآدمية وأبسط حقوقها في أن تسكن في سكن يتوفر فيه أبسط أشكال الحياة الآدمية، فهي من ساكني عشش  المقطم  سابقا وكانت تجلس في شقة صغيرة للغاية مكونة من غرفتين وحمام فقط، وأغلب من يحيط بها يسكنون “العشش “، لذا كانت تشعر بالخجل وتتهرب من زميلاتها في الدراسة كلما أخبروها برغبتهن الزيارة في منزلها لتتحجج لهن  بأي ظرف. 


“ الصرف الصحي متهالك ودايماً كان طافح برك من مياه الصرف في الشارع وبنحط طوب عالي عشان نعرف نعدي ومنتغرقش ، ومرة وأنا بعدي اتزحلقت ورجلي اتكسرت ، وصحابي في الجامعة كانو عايزين يزوروني واتهربت منهم  بذهابي للدكتور “.. هكذا وصفت آيات وضعها في سكنها القديم .
تصف حياتها القديمة في حي المقطم بأنها أشبه بالمعتقل، لم تكن تشعر بأي معايير للحياة ، تمتعض كلما اقتربت من سكنها وأقبلت علي منزلها بين الحواري والأزقة، أما الآن فهي تحب سكنها في حي الأسمارات ودعت أصدقائها لمنزلها الجديد، كما أنها أصبحت تستطيع السير أسفل منزلها مع صديقاتها ليتجولوا قليلاً في الهواء الطلق دون الخوف من أي مضايقات، فأصبح هناك انضباط أمني في شوارع الأسمارات، لم يعد هناك مشاحنات كما كانت تشهدها من قبل البلطجية  معبرة “مكناش عايشين قبل كدا “.  


كمبوند البسطاء
“تصطحب صغارها وهي تحمل حقائبهم التي احتفظت ببهجة الطفولة  في أحد  أرصفة الأسمرات التقينا بها وبسؤالها عن التغيير الذي طرأ علي حياتها قالت “. 
“لو كنا اشتغلنا ليلاً ونهاراً أنا وزوجي مكناش هنقدر نوفر شقة زي دي في مكان نضيف هيساعد إن عيالنا تعيش في مستوي أفضل بكتير “تعبر أم محمد عن سعادتها بوجودها في حي الأسمارات، فهي من ساكني منشية ناصر وجاءت للأسمرات منذ 4سنوات، وكانت تسكن شقة صغيرة مكونة من غرفة واحدة للنوم وصالة وحمام ، وتدفع إيجار 350 جنيه. 
لم تصدق عند استلامها لشقتها الجديدة فكانت مجهزة من جميع التجهيزات (أجهزة كهربية ، وأثاث ، وفرش)  وبجانب هذا تدفع إيجار 300 جنيه شهرياً  بل وتسكن في شقة أوسع بكثير عن قبل، ولكنها لم تعتاد بعد علي عداد الكهرباء الجديد الذي يعمل بالكارت الذكي، ولكنها مع الوقت تعتاد كيف ترشد استهلاكها للكهرباء وكذلك للمياه. 


تروي الثلاثينية مدي صعوبة الحياة في حيها القديم ، فقد أُصيبت والدتها بوعكة صحية وعند طلبها لاسعاف لم تستطع الدخول من الحارة، نظراً لضيق الشوارع التي تشبه  “الزقاق “ ، أما الآن فتتسم الشوارع باتساع كبير وطريق ممهد للسير سواء للسيارات أو للترجل، فضلاً عن وجود وحدات صحية وتقدم خدمة صحية جيدة. 
فضلاً عن توفير حضانات لصغار  تقدم خدمة تعليمية ممتازة، فكان طفلها الأكبر ملتحقاً بحضانة صغيرة وهي بمثابة شقة سكنية في الدور الأرضي تخلو من التهوية وأشبه “بالبدروم “، ودائماً كانت تتردد بصغيرها للطبيب لكثرة إعيائه، معبرة “المكان كان ضيق ومافيش تهوية، لو طفل عنده برد بيعدي كل الأطفال”. 


 تغير فى السلوك ملحوظ 
 “كنا بنقعد قدام البيت مع  بعض “ هكذا تعبر روحية إبراهيم عن طبيعة حياتها في حي الدويقة بمنطقة “الواحايد“فظلت خمسة عشر عاماً من ساكني الدويقة لم يكن لديها مايشغلها سوي الحديث عن الجيران والمارة، ولكن منذ قدومها لحي الأسمرات وانشغالها بالعمل في أحد المصانع الخاصة بصناعة الملابس الجاهزة، أصبحت تنشغل بحياتها الخاصة معبرة “بقي كل واحد في حالة  ومبقاش  فيه خناقات  زي الأول، وبقينا نحس بالأمان”،  واستطاعت أن تجهز ابنتها الكبري التي سيقيم عُرسها خلال الأشهر القادمة. 


عيشة كريمة 
يقول أحمد محمد (اسم مستعار)  أن الانتقال لحي الأسمرات بمثابة نقلة لحياة أفضل وعيشة كريمة، لكنه يعمل علي جمع “شكاير البلاستك الفارغة والورق المقوي “ ليسترزق منه قوت يومه، وبعدما كان يسكن في أحد العشش بالمقطم،  دون  تحمل أي أعباء مالية تثقل كاهله،  أما الآن فيجد نفسه مُلزم بدفع إيجار شهري وكهرباء ومياه،  متابعاً أنه يحصل علي كرتونة طعام شهرياً  من بنك الطعام مما يجعله قادراً علي توفير نفقات الطعام،   ليسدد بها ايجاره الشهري. 


خطة للحياة الآدمية 
ومن جانبه يشير خالد” صديق مدير تطوير صندوق العشوائيات “أن مشروع حى الأسمرات عبارة عن ثلاث مراحل وتم إنشاء كل مرحلة منفصلة عن بعضها البعض  ، وبلغت تكلفة المرحلة الأولى 850 مليون جنيه والمرحلة الثانية 600 مليون جنيه فيما بلغت تكلفة المرحلة الثالثة مليار جنيه  ليكفى بتغطية 18ألف و200 وحدة سكنية.


تم تسكين الجزء الأول والثانى بأكمله أما الجزء الثالث من الأسمرات فتم تسكين حوالى 5000 فرد  وهو مايتم في الوقت الحالي  من إزالة العشوائيات في بطن البقر، وخلال شهرين قادمين ستكون الأسمرات بأكملها تم تسكينها.
هناك أربعة مدارس داخل حى الأسمررات بالإضافة لمدرستين آخرين خارج الحى  وكل حي يحتوي علي خمسة وحدات صحية ومثلهم حضانات للأطفال. 


كما تم افتتاح ملاعب وأندية في كل حي فضلاً عن وجود نادي كبير بالمنطقة الخدمية ، أسهمت كل سبل الترفيه في الحي علي انخفاض معدل الجريمة وتحسن في المستوي المعيشي للأطفال واكتشاف مواهبهم،   بل واكتساحهم الأندية العريقة وفوزهم بميداليات من نادي الزهور والنادي الأهلي. 
معبراً “هدفنا مش عمراني بس، بل تطوير الحياة “ لتغيير سلوك الأجيال الواعدة وخلق جيل راقي مشرف يتمتع بحياة آدمية. 
كما تم توفير فرص عمل لـ2800 سيدة واستثمار جهودهم في الإنتاج بمختلف المهن كالعمل في مصانع السجاد والسبح والساعات والملابس الجاهزة.