من الأعماق

وتبقى مصر.. الرقم الصعب فى المعادلة

جمال حسين
جمال حسين

«يا جبل ما يهزك ريح».. هل تتذكرون الأفراح والليالى الملاح التى أقامتها جماعة الإخوان الإرهابية وبعض القوى الإقليمية عقب هزيمة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب أمام بايدن فى سباق الرئاسة بالولايات المتحدة، معتقدين أن شهر العسل انتهى بين مصر وأمريكا برحيل ترامب، وأن بايدن سوف يسير على خطى أوباما، وأن العلاقات المصرية الأمريكية سوف تشهد جفاء وفتورًا.

 ولأن مصر الكبيرة تعرف قدرها جيدًا.. ولأن رئيسنا عبدالفتاح السيسى يتعامل بمنطق الزعيم الواثق من نفسه الحائز على حب ودعم شعبه، لم يعر لكلام الصغار وزنًا، واستمر فى قيادة مسيرته المظفرة من أجل البناء والتعمير وتقوية العلاقات مع كل دول العالم على أساس الندية والاحترام المتبادل.

ولأنه لا يصح إلا الصحيح، سرعان ما أكدت الأيام أن مصر كانت ومازالت وستظل حجر الزاوية فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وأنها ستظل الرقم الصعب الذى لا غنى عنه ولا يمكن تجاهله فى حل كل القضايا الإقليمية بالمنطقة، بدليل نجاحها فى إيقاف الحرب بين إسرائيل وفلسطين، وهو ما فشلت فى تحقيقه الدول الكبرى والأمم المتحدة.

وجاءت المبادرة من الرئيس الأمريكي بايدن الذى بادر بالاتصال بالرئيس السيسي فى أول اتصال يتلقاه الرئيس من بايدن منذ وصوله للبيت الأبيض قبل ٥ شهور.. وجَّه بايدن، الشكر للرئيس السيسى، وأعرب عن تقديره وامتنانه له على الجهود المصرية التى بُذلت من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بغزة أرضى جميع الأطراف.

لقد أثلجت صدرى تلك الأفراح والاحتفالات التى انفجرت فى قطاع غزة عقب وقف إطلاق النار، حيث خرج الفلسطينيون -عن بكرة أبيهم- فى مظاهرات ومسيرات احتفالًا، حاملين صور الرئيس السيسى يهتفون باسم مصر الكبيرة السند والدعم.

شعرتُ بالعزة والفخر، واعتبرتُ هذه الهتافات بمثابة رسالة اعتذار عما اقترفه بعض أعضاء حركة حماس الذين ساندوا جماعة الإخوان خلال أحداث ٢٥ يناير.

بالتأكيد، لا يختلف اثنان على أن نجاح مصر فى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وفلسطين بعد معركة الأحد عشر يومًا الدامية، أثبت للعالم أجمع أن القاهرة مازالت العاصمة الأكثر نفوذًا وتأثيرًا، القادرة على حل كل القضايا الشائكة رغم مؤامرات تشويه وتقزيم مدفوعة الأجر، حيكت لإبعاد مصر عن المشهد لصالح آخرين.

لقد تأكد زعماء العالم أن مصر السيسى هى التى تمتلك أوراق اللعبة فى المنطقة، عندما نجحت فى حقن الدماء وفرض اتفاق هدنة غير مشروط حظى بموافقة الحكومة الإسرائيلية وجميع الفصائل الفلسطينية واعتبروه تمهيدًا لاستئناف وإحياء عملية السلام وفقًا لحل الدولتين بعد أن ظن الكثيرون أن القضية الفلسطينية طواها النسيان بعد «المؤامرة الترامبية» بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والتى سارت على دربها دول أخرى.

لا يختلف اثنان على أن وقف إطلاق النار فى غزة جاء ثمرة جهود كبيرة بذلها صقور المخابرات المصرية.. أسود المخابرات عملوا فى صمت أياماً صعبة، وقاموا باتصالات وزيارات مكوكية إلى قطاع غزة وتل أبيب، وواصلوا الليل بالنهار فى عقد لقاءات مع الطرفين وصنعوا معجزات تفوق الوصف، وهم يتحركون بين حناجر مأجورة أو مخدوعة، وحققوا إنجازًا جديدًا يضاف إلى إنجازاتهم، ليكتبوا بحروف من ذهب صفحة جديدة فى كتاب حب الوطن الذى يوثق بطولات رجال المخابرات فى حفظ الأمن القومى فى الداخل والخارج.. إنهم «رجال الظل» الذين لا يبتغون سوى وجه الله، وتقدم هذا الوطن.

لقد كان سريان اتفاق وقف إطلاق النار حدًا فاصلًا بين الحياة والموت، وأنهى حربًا دامية استشهد خلالها ٢٣٤ فلسطينيًا، نتيجة الضربات الإسرائيلية لغزة من بينهم ٦٦ طفلًا و٤٠ سيدة، كما أصيب ١٩٩٢ جراء الهجمات الإسرائيلية، وفى المقابل نجحت المقاومة الفلسطينية فى قتل وإصابة العشرات من الإسرائيليين.

وجاءت مبادرات الرئيس السيسى بعمل جسر برى لأكبر قافلة مساعدات هدية من الشعب المصرى ليمسح أحزان أشقائه الفلسطينيين قبيل بدء أعمال إعادة العمران التى رصد لها نصف مليار دولار.