على جمعة: إسرائيل دولة محتلة تستغل الدين

د.على جمعة
د.على جمعة

القدس.. أولى القبلتين وثالث الحرمين‏،‏ ومسرى الرسول ،‏ هى كلمة تعنى الطهارة والنزاهة والتشريف‏؛‏ فهى المدينة المقدسة على مر العصور‏،‏ أرض النبوات، وصفها الله عز وجل هى وفلسطين فى القرآن الكريم- فى أكثر من موضع- بأنها الأرض المباركة والأرض المقدسة، قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)، وقال: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ)،وقال على لسان سيدنا موسى عليه السلام: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)، وقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).عن فضل مدينة القدس يحدثنا د.على جمعة عضو هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب.


ويوضح أن هذه الأرض هى مهد النبوات ومبعث الرسل، دخلها أنبياء الله، فما من نبى إلا وقد أمّها، بل اجتمعوا كلهم للصلاة فى المسجد الأقصى يؤمهم سيدنا رسول الله . ذلك المسجد الذى هو صنو للمسجد الحرام فى الأولية الزمانية، فعن أبى ذر رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله: أى مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أى؟ قال: ثم المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون. ثم قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، والأرض لك مسجد (البخارى ومسلم).وبناء على هذه المكانة نظر المسلمون إلى بيت المقدس على أنه منزل شريف، وموضع مقدس كريم، فشدوا إليه الرحال، وأحرموا منه للحج والعمرة، وزاروه لذاته بغية الصلاة والثواب، وأحاطوه برعايتهم الدينية الكريمة، لقول النبى : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى».

 


ويشير إلى أن المكانة العليا للقدس لم تقتصر على نفوس المسلمين فقط بل ظل لها أهمية ومكانة لدى الديانات الثلاث؛ هذه المكانة التى يمكن أن يقال عنها: إن الجمال عشرة أجزاء؛ اجتمعت فى القدس تسعة منها، ووزع الباقى على العالم، وإن الألم عشرة أجزاء؛ اختصت القدس بتسعة منها، ووزع الباقى على العالم، هذه المكانة التى جعلت المصنفين يصنفون أكثر من مائة وأربعين ألف كتاب عن القدس ما بين اجتماعى واقتصادى وقانونى وتاريخى وجغرافى... إلخ، كما أسهب الكثير من الكتاب والمؤرخين فى تناول تلك المدينة؛ بل وصل الحد ببعضهم للدرجة التى جعلتهم يسخرون كل تاريخهم الفكرى حول تلك المدينة، وجعلت الكثيرين لا يبخلون بأعمارهم وأموالهم فى خدمة قضيتها.كل هذا حتم علينا وعلى كل ذى بصيرة أن يولى القدس والقضية الفلسطينية من جهده وماله وعلمه ما يوفى بمكانتها؛ فهى تجسد الهوية الإسلامية والعربية التى يجب أن يبذل من أجلها كل ما أوتى من جهد للذود عنها؛ فكل جهد يبذل هو زرع للأمل بداخل النفوس القانطة، ومحاولة تذكير بأن النصر ليس ببعيد طالما توافرت آلياته؛ حتى تعود لنا مدينة السلام التى صارت على أيدى المحتل الغاصب مدينة للحرب ومأوى لتدمير الإنسان والبنيان.

 


ويشدد على أن العدوان الأثيم المتكرر على هذه المدينة المباركة والمحاولات الحثيثة لتغيير هويتها ووجهها العربى والإسلامي، هذا العدوان يجب ألا يشغلنا عن القضية الأساسية ويغبش عليها، هذه القضية التى هى احتلال الأرض. إن الدخول فى نزاع كلامى بين المسلمين بعضهم البعض وتوزيع التهم هنا وهناك إلى حد الخروج عن اللياقة والاتهام بالعمالة إلى آخر القائمة الجاهزة أمر يتعمد العدو إثارته بين المسلمين حتى لا يتحدث أحد عن أصل المشكلة، وهى أن إسرائيل دولة محتلة، وأن أرضنا الإسلامية العربية ما زالت تحت قبضتها، وبواسطة هذه المشكلات التى يتعمد إثارتها يظل التعتيم الإعلامى ويبقى الحال على ما هو عليه.
ويؤكد أنه من الواجب علينا ألا ننشغل فقط بالإعانات ولا البيانات ولا التألم والشجب والاستنكار وننسى أن أصل القضية هو احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية وبناء المستوطنات،واحتلال القدس والتغبيش عليها بكل الوسائل والسهر على الحفر حول وتحت المسجد الأقصى المراد هدمه لأسطورة غير محققة تعتمد على نوع من استغلال الدين.

 


ويطالب العربى والمسلم أن يدرك ما تعانيه تلك المدينة المباركة من أوجاع وآلام يحاول المغتصب أن يشغلنا بها عن رونقها وجمالها وبركتها وقدسيتها، وهذا ما يفرض علينا العلم بأن أقل ما ينبغى على كل عربى تحصيله وفهمه والوقوف عليه أن يتعرف على أهم النقاط التى شكلت تاريخ تلك المدينة العربية التى نعتز بعروبتها وأصالتها حيال هذا المد الاستعمارى متعدد الجنسيات والأديان؛ لعل هذا يمحو الحزن ويحيى آمال النصر والعدالة والرحمة والشجاعة والفتح العظيم.