البستان

الشعراء العاشقون

جلال الدين الرومى
جلال الدين الرومى

تقديم‭ ‬ومختارات‭:‬ ‬د‭.‬محمد‭ ‬أبوالفضل‭ ‬بدران- ‏[email protected]

•‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬العشق؟‭ ‬

العشق‭ ‬هو‭ ‬الموت

•والموت‭ ‬هو‭ ‬الحياة

ربما‭ ‬تلخص‭ ‬هذه‭ ‬الجُمل‭ ‬الثلاث‭ ‬موقف‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والعشق‭ ‬والجنون‭ ‬والموت،‭ ‬تأتى‭ ‬المغايرة‭ ‬لأنهم‭ ‬ضد‭ ‬العادة‭ ‬،‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬النفّرى‭: ‬‮«‬العادة‭ ‬حجاب‮«‬‭ ‬لذا‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يأبهون‭ ‬بالعادة‭ ‬،‭ ‬إنهم‭ ‬يشقون‭ ‬طريقهم‭ ‬فى‭ ‬بحار‭ ‬العشق‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬يرتوون‭ ‬منها‭ ‬مهما‭ ‬شربوا‭ ‬ونهلوا‭ ‬وعلُّو‭ ‬وعبُّوا‭.‬

مولانا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى

يعد‭ ‬مولانا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬وصلت‭ ‬أشعارهم‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬اللغات‭ ‬والبلدان‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬الشاعر‭ ‬الذى‭ ‬يسبق‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬مولانا‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬ولد‭ ‬فى‭ ‬‮٣٠‬‭ ‬سبتمبر‭ ‬‮١٢٠٧‬‭ ‬فى‭ ‬بلخ‭ ‬بأفغانستان‭ (‬الآن‭) ‬وتوفى‭ ‬فى‭ ‬‮١٧‬‭ ‬ديسمبر‭ ‬‮١٢٧٣‬‭ ‬بمدينة‭ ‬قونية‭ ‬بـتركيا‭ ‬وقد‭ ‬تزوج‭ ‬وأنجب‭ ‬أبناء؛‭ ‬وقد‭ ‬تعلم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شيخه‭ ‬شمس‭ ‬التبريزى،‭ ‬وكان‭ ‬الرومى‭ ‬أديبا‭ ‬فيلسوفا‭ ‬حنفى‭ ‬المذهب‭ ‬صوفى‭ ‬المشرب‭ ‬وقد‭ ‬أجاد‭ ‬اللغة‭ ‬الفارسية‭ ‬والعربية‭ ‬والرومية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬رحالة‭ ‬فقد‭ ‬زار‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬واشتهر‭ ‬فى‭ ‬أشعاره‭ ‬بالحكمة‭ ‬والحب‭ ‬والعشق‭ ‬والجمال‭ ‬وألف‭ ‬المثنوى‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬الطريقة‭ ‬المولوية‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬مولانا‭ ‬إذ‭ ‬انتشرت‭ ‬أشعاره‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬المستشرقة‭ ‬الألمانية‭ ‬أَنَّمارى‭ ‬شيمل‭ ‬قد‭ ‬أوقفت‭ ‬جُل‭ ‬حياتها‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬وعشق‭ ‬مولانا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬وقد‭ ‬ألفت‭ ‬سفرا‭ ‬كبيرا‭ ‬بعنوان‭ (‬الشمس‭ ‬المنتصرة‭ ‬دراسة‭ ‬آثار‭ ‬الشاعر‭ ‬الإسلامى‭ ‬الكبير‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭) ‬فيما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثمانى‭ ‬مائة‭ ‬صفحة‭ ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بترجمته‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬الدكتور‭ ‬عيسى‭ ‬على‭ ‬العاكوب‭ ‬فى‭ ‬ترجمة‭ ‬دقيقة‭ ‬بليغة‭ ‬انتقيتُ‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬أشعاره‭ ‬التى‭ ‬سأوردها‭ ‬لاحقا‭ ‬؛‭ ‬ومن‭ ‬عشق‭ ‬أنمارى‭ ‬شيمل‭ ‬لجلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬حكت‭ ‬فى‭ ‬مقدمة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬المذكور‭ ‬إنها‭ ‬فى‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ( ‬كان‭ ‬كتاب‭ ‬المثنوى‭ ‬أحد‭ ‬الأشياء‭ ‬القليلة‭ ‬التى‭ ‬أخرجتها‭ ‬من‭ ‬برلين‭ ‬فـى‭ ‬نيسان‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٤٥‬‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬هجرتنا‭ ‬وهى‭ ‬الهجرة‭ ‬التى‭ ‬انتهت‭ ‬أخيرا‭ ‬فى‭ ‬مخيم‭ ‬اعتقال‭ ‬أمريكى‭ ‬فى‭ ‬ماربوغ‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬المثنوى‭ ‬بمثابة‭ ‬البلسم‭ ‬المسكن‭ ‬إبان‭ ‬الأيام‭ ‬الطوال‭ ‬من‭ ‬الانتظار‭ ‬والاستعداد‭ ‬لفصل‭ ‬جديد‭ ‬فى‭ ‬سِفر‭ ‬حياتنا‭ ‬وليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬الأغزال‭ (‬جمع‭ ‬‮«‬غزل«الفارسية‭) ‬والرباعيات‭ ‬التى‭ ‬نظمتُها‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬السنين‭ ‬تحمل‭ ‬النكهة‭ ‬المميزة‭ ‬لشعر‭ ‬الرومى‭ ‬فإن‭ ‬عنوانها‭ ‬عندما‭ ‬نشرت‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٤٨‬‭ ‬Lied der‭ ‬Rohrfloete‭ (‬اى‭ ‬نغمة‭ ‬الناى‭) ‬يومئ‭  ‬إلى‭ ‬الأبيات‭ ‬الاولى‭ ‬من‭ ‬المثنوى‭ ‬‮«‬أغنية‭ ‬الناي‮«‬‭ ‬وتبع‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬سنوات‭ ‬لاحقة‭ ‬دراسات‭ ‬أُخر‭ ‬أصغر‭ ‬مرتبطة‭ ‬باللغة‭ ‬الرمزية‭ ‬وبقضية‭ ‬الدعاء‭ ‬عند‭ ‬مولانا‮«‬

وتمضى‭ ‬شيمل‭  ‬قائلة‭:(‬بعدئذ‭ ‬جاءت‭ ‬زيارتى‭ ‬الأولى‭ ‬قونية‭ ‬فى‭ ‬آيار‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٢٥‬‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الربيعى‭ ‬الأرج‭ ‬أحيا‭ ‬الأدب‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مفاجئ‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسنتين‭ ‬كانت‭ ‬أمى‭ ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬القلة‭ ‬ذات‭ ‬الحظوة‭ (‬إذ‭ ‬كنا‭ ‬الغربيتين‭ ‬الوحيدتين‭!) ‬التى‭ ‬اشتركت‭ ‬فى‭ ‬المهرجان‭ ‬الأول‭ ‬الذى‭ ‬أُعِدّ‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بالذكرى‭ ‬السنوية‭ ‬لوفاة‭ ‬الرومى‭ ‬فى‭ ‬كانون‭ ‬الاول‭ ‬‮١٩٥٤‬م‭: ‬وهناك‭ ‬أدى‭ ‬‮«‬السماع‮«‬‭ ‬والرقص‭ ‬الدورانى‭ ‬للدراويش‭ ‬الذى‭ ‬حُظر‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٢٥‬م‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الطرق‭ ‬الدينية‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬التغير‭ ‬العظيم‭ ‬تجربة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنسى،‭ ‬وهكذا‭ ‬غدت‭ ‬قونية‭ ‬موطنا‭ ‬ثانيا‭ ‬لى‭ ‬وإبان‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬التى‭ ‬أمضيتها‭ ‬فى‭ ‬أنقرة‭ ‬كثيرا‭ ‬فى‭ ‬أنقرة‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أزور‭ ‬المكان‭ ‬مصطحبة‭ ‬أصدقاء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم‭.‬

كما‭ ‬أنها‭ ‬قرأت‭ ‬ترجمات‭ ‬المستشرق‭ ‬الألمانى‭ ‬روكرت‭ ‬من‭ ‬ديوان‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬بالالمانية‭ ‬وأُولعت‭ ‬بتلميذ‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬الروحى‭ ‬الشاعر‭ ‬محمد‭ ‬إقبال‭ (‬ت‭ ‬‮١٩٨٣‬م‭) ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬رومى‭ ‬عصرنا‭ ‬وقد‭ ‬تتبعت‭ ‬شيمل‭ ‬رحلات‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬وزارت‭ ‬المدن‭ ‬التى‭ ‬زارها‭ ‬متلمسة‭ ‬خُطاه‭ ‬وترجمت‭ ‬معظم‭ ‬أشعاره‭ ‬إلى‭ ‬الألمانية

عاشقة‭ ‬الرّومى‭ ‬أنمارى‭ ‬شيمل

لم‭ ‬أر‭ ‬عاشقة‭ ‬عشقت‭ ‬شاعرا‭ ‬مثل‭ ‬المستشرقة‭ ‬أنَّمارى‭ ‬شيمل‭ ‬Annemarie Schimmel‭ ‬التى‭ ‬وُلدت‭ ‬فى‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬1922‭ ‬بمدينة‭ ‬إرفورت‭ ‬الألمانية‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬قرأت‭ ‬فى‭ ‬طفولتها‭ ‬إحدى‭ ‬القصص‭ ‬العربية‭  ‬جعلتها‭ ‬تقرر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حياتها‭ ‬كلها‭ ‬هبة‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬وللتراث‭ ‬الاسلامى‭ ‬كله‭. ‬وقد‭ ‬درست‭ ‬فى‭ ‬الخامسة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وصارت‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬من‭ ‬عشاقها،‭ ‬وفى‭ ‬التاسعة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬فى‭ ‬الدراسات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬برلين‭ ‬وفى‭ ‬1946‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الأستاذية‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬ماربورج‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تعين‭ ‬أستاذة‭  ‬فى‭ ‬الجامعة‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الأساتذة‭ ‬لا‭ ‬يتخيلون‭ ‬أن‭ ‬أستاذة‭  ‬أنثى‭ ‬تحتل‭ ‬منصب‭ ‬الأستاذية،‭ ‬ولذا‭ ‬فقد‭ ‬عُينت‭ ‬أستاذة‭ ‬بجامعة‭ ‬أنقرة‭ ‬بتركيا‭ ‬وأخذت‭ ‬تلقى‭ ‬محاضراتها‭ ‬هناك‭ ‬باللغة‭ ‬التركية‭ ‬التى‭ ‬تجيدها‭ ‬مع‭ ‬إجادتها‭ ‬لعديد‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬كالعربية‭ ‬والفارسية‭ ‬والأردية‭ ‬ومعظم‭ ‬اللغات‭ ‬الهندية‭ ‬والأوروبية‭ ‬وفى‭ ‬1951‭ ‬تحصل‭ ‬أنَّمارى‭ ‬شيمل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬الأديان،‭ ‬وفى‭ ‬1961‭ ‬تُعين‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬بون،‭ ‬وقضت‭ ‬فترة‭ ‬تدريس‭ ‬فى‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬وكامبردج‭ ‬وجامعات‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وباكستان‭ ‬وأفغانستان‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬اعتادت‭ ‬أنّمارى‭ ‬شيمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ضمن‭ ‬الوفد‭ ‬الرسمى‭ ‬عند‭ ‬زيارة‭ ‬رؤساء‭ ‬ألمانيا‭ ‬للدول‭ ‬الإسلامية‭. ‬وعندما‭ ‬فازت‭ ‬فى‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬1995‭ ‬بجائزة‭ ‬السلام‭ ‬السنوية‭ ‬التى‭ ‬تمنح‭ ‬لأحد‭ ‬كبار‭ ‬المفكرين‭ ‬والأدباء‭ ‬الألمان‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬قبيل‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬الدولى‭ ‬فى‭ ‬فرانكفورت‭ ‬حيث‭ ‬يُحتفى‭ ‬بالمكرّم،‭ ‬وقبيل‭ ‬تسليمها‭ ‬الجائزة‭ ‬سُئلت‭ ‬فى‭ ‬حوار‭ ‬تليفزيونى‭ ‬عن‭ ‬رأيها‭ ‬فى‭ ‬سلمان‭ ‬رشدى‭ ‬فتحدثت‭ ‬كناقدة‭ ‬عن‭ ‬أعماله‭ ‬التى‭ ‬وصفتها‭ ‬بالسطحية‭ ‬ومنافقة‭ ‬الغرب‭ ‬وأنه‭  ‬قد‭ ‬جرح‭ ‬مشاعر‭ ‬المسلمين‭ ‬بكتابه‭ ‬‮«‬آيات‭ ‬شيطانية‮»‬،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬روايته‭ ‬آذت‭ ‬مشاعر‭ ‬المسلمين‭ ‬وشعرت‭ ‬هى‭ ‬شخصيا‭ ‬بالإيذاء‭ ‬من‭ ‬كلماته‭ ‬النابية‭ .‬ولم‭ ‬تكد‭ ‬تنهى‭ ‬حوارها‭  ‬التليفزيونى‭ ‬حتى‭ ‬قامت‭ ‬قيامة‭ ‬أنصار‭ ‬سلمان‭ ‬رشدى‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬ضدها؛‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تأبه‭ ‬بذلك،‭ ‬وظلت‭ ‬تردد«فى‭ ‬80‭ ‬كتابا‭ ‬بذلتُ‭ ‬جهدى‭ ‬فى‭ ‬نقل‭ ‬صورة‭ ‬الإسلام‭ ‬للقارىء‭ ‬الأوروبى‭ ‬وأنا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬نشاط‭ ‬سياسى‭ ‬وأننى‭ ‬أمضيت‭ ‬حياتى‭ ‬نحو‭ ‬إيجاد‭ ‬تفاهم‭ ‬غربى‭ ‬للحضارة‭ ‬الشرقية‮»‬،‭ ‬ولقد‭ ‬عبر‭ ‬سلمان‭ ‬رشدى‭ ‬من‭ ‬مخبئه‭ ‬المجهول‭ ‬عن‭ ‬خيبة‭ ‬أمله‭ ‬لفوزها‭ ‬بهذه‭ ‬الجائزة‭ ‬وتصريحها‭ ‬ضده؛‭ ‬وقد‭ ‬عقب‭ ‬البروفيسور‭ ‬اشتيفان‭ ‬فيلد‭ ‬العميد‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬بون‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬‮«‬إن‭ ‬السيدة‭ ‬شيمل‭ ‬تستحق‭ ‬الجائزة‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬بتفهيم‭ ‬الغرب‭ ‬حضارة‭ ‬الاسلام،‭  ‬وبسط‭ ‬التصوف‭ ‬للمتلقى‭ ‬الأوروبى،‭  ‬وأنها‭ ‬تحظى‭ ‬بتقدير‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية،‭ ‬إن‭ ‬لاسمها‭ ‬وقع‭ ‬السحر‭ ‬فى‭ ‬تركيا‭ ‬وباكستان‭ ‬وإيران،‭ ‬لقد‭ ‬أنفقت‭ ‬حياتها‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬الإسلام،‭ ‬حيث‭ ‬سميت‭ ‬أهم‭ ‬شوارع‭ ‬باكستان‭ ‬واستانبول‭ ‬وطهران‭ ‬باسمها‭ ‬وقد‭ ‬زارت‭ ‬مصر‭ ‬واليمن‭ ‬وبغداد‭ ‬والهند‮«‬‭. ‬وقد‭ ‬كرمتها‭ ‬مصر‭ ‬وبعض‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭.‬

إذ‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الألمانية‭ ‬الاتحادية‭ ‬السابق‭ ‬رومان‭ ‬هيرتسوج‭ ‬فى‭ ‬خطابه‭ ‬فى‭ ‬حفل‭ ‬تكريمها‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬لولا‭ ‬أَنَّمارى‭ ‬شيمل‭ ‬لما‭ ‬عرف‭ ‬الألمان‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولما‭ ‬أدركوا‭ ‬أن‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬التى‭ ‬تروج‭ ‬عنه‭ ‬لا‭ ‬تستند‭ ‬الى‭ ‬شىء‭ ‬من‭ ‬تعاليم‭ ‬هذا‭ ‬الدين‮«‬‭ ‬ودعا‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬كتب‭ ‬شيمل‭ ‬جيدا‭ ‬لإدراك‭ ‬تعاطفها‭ ‬الحقيقى‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬الاسلام‭ ‬النبيلة‭ ‬وحضارته‭ ‬العظيمة،‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬ساعية‭ ‬الى‭ ‬التفاهم‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭, ‬وهى‭ ‬الرسالة‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬ينهض‭ ‬بها‭ ‬المثقفون‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬ومضى‭ ‬قائلا‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬فتحت‭ ‬لى‭ ‬قلوب‭ ‬المسلمين‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬زياراتى‭ ‬للبدان‭ ‬الإسلامية‮«‬

وظلت‭ ‬تدرّس‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬بجامعة‭ ‬بون،‭  ‬وتلقى‭ ‬محاضراتها‭ ‬عن‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامى‭ ‬الذى‭ ‬اتخذته‭ ‬منهجا‭ ‬وحياة‭ ‬وعشقا‭ ‬وسلوكا‭.  ‬ويعد‭ ‬مولانا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬أحب‭ ‬الشخصيات‭ ‬الصوفية‭ ‬إلى‭ ‬قلبها‭ ‬وقد‭ ‬ترجمت‭ ‬بعض‭ ‬أشعاره‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬‭ ‬رومى؛‭ ‬أنا‭ ‬الريح‭ ‬وأنت‭ ‬النار‮«‬‭ ‬وقدمت‭ ‬فى‭ ‬كتابها‭ ‬حدائق‭ ‬المعرفة‭ ‬ترجمة‭ ‬لأربعين‭ ‬وليا‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬المتصوفة،‭ ‬بينما‭ ‬يعد‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬أبعاد‭ ‬التصوف‭ ‬الاسلامى‭ ‬قصة‭ ‬التصوف‮«‬‭ ‬الذى‭ ‬قاربت‭ ‬صفحاته‭ ‬من‭ ‬الألف‭ ‬أهم‭ ‬مرجع‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬تاريخ‭ ‬التصوف‭ ‬الإسلامى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬بلدانه‭ ‬مع‭ ‬تعدد‭ ‬لغاته‭ ‬حيث‭ ‬قدمت‭ ‬فيه‭ ‬التراث‭ ‬الصوفى‭ ‬الأدبى‭ ‬فى‭ ‬ترجمة‭ ‬أدبية‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬ونقد‭ ‬أدبى‭ ‬للنصوص‭ ‬وتعريف‭ ‬بأصحابها‭ ‬وبعصورها‭ ‬المختلفة،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬بترجمة‭ ‬أشعار‭ ‬الحلاج‭ .‬ومن‭ ‬كتبها‭ (‬فيه‭ ‬ما‭ ‬فيه‭)‬،‭ ‬و‭(‬شهيد‭ ‬العشق‭ ‬الإلهي‭) ‬و‭(‬إشراقة‭ ‬الشمس‭)‬،‭ ‬و‭(‬رسالة‭ ‬الشرق‭) ‬و‭(‬عالم‭ ‬الإسلام‭)‬،‭ ‬و‭(‬إسلام‭ ‬أوروبا‭) ‬،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬أعمالها‭ ‬كتابها‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬اقتبست‭ ‬عنوانه‭ ‬من‭ ‬الشهادة‭: ‬‮«‬‭... ‬وأن‭ ‬محمداً‭ ‬رسول‭ ‬الله‮«‬‭ ‬وقد‭ ‬ترجمت‭ ‬فى‭ ‬صدر‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬رباعية‭ ‬باللغة‭ ‬الأوردية‭ ‬كتبها‭ ‬شاعر‭ ‬هندوسى،‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭: ‬‮«‬قد‭ ‬أكون‭ ‬كافراً‭ ‬أو‭ ‬مؤمناً‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬شىء‭ ‬علمه‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬وحده،‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أنذر‭ ‬نفسى‭ ‬كعبد‭ ‬مخلص،‭ ‬لسيد‭ ‬المدينة‭ ‬العظيم،‭ ‬محمد‭ ‬رسول‭ ‬الله‮«‬‭ ‬وعندما‭ ‬هوجمت‭ ‬لاحتفائها‭ ‬الزائد‭ ‬بالإسلام‭ ‬ورسوله‭ ‬أجابت‭  ‬‮«‬إننى‭ ‬أحبه‮«‬‭..‬كما‭ ‬أصدرت‭ ‬ديوانين‭ ‬شعريين‭ ‬من‭ ‬أشعارها‭ ‬وهما‭ ‬‮«‬أغنية‭ ‬الناي‮«‬‭ ‬و‮«‬مرآة‭ ‬قمر‭ ‬شرقى‮»‬‭ ‬واتساءل‭ ‬متى‭ ‬نترجم‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الرائدة‭ ‬إلى‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية؟

وقد‭ ‬أوقَفت‭ ‬أموالها‭ ‬منحا‭ ‬دراسية‭ ‬للمستشرقات‭ ‬الأوربيات‭ ‬اللواتى‭ ‬يبحثن‭ ‬فى‭ ‬علوم‭ ‬الإسلام‭ ‬والتصوف‭. ‬وقد‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬جوائز‭ ‬عالمية‭ .‬

فى‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يناير2003‭ ‬توفيت‭ ‬أنمارى‭ ‬شيمل‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهز‭ ‬الثمانين‭ ‬وعندما‭ ‬بلغنى‭ ‬خبر‭ ‬وفاتها‭ ‬تذكرتُ‭ ‬عندما‭ ‬دعتنى‭ ‬لبيتها‭ ‬فى‭ ‬شارع‭ ‬لينيه‭ ‬ببون‭ ‬حينما‭ ‬كنتُ‭ ‬أستاذا‭ ‬زائرا‭ ‬بجامعة‭ ‬بون‭ ‬فوجدته‭ ‬واحة‭ ‬شرقية‭ ‬بكتبه‭ ‬ومخطوطاته‭ ‬ولوحاته‭ ‬وسجاده‭ ‬وأوانيه‭ ‬ورحت‭ ‬أسألها‭ ‬وهى‭ ‬تقدم‭ ‬لى‭ ‬الشاى‭ ‬والتمر‭ : ‬كيف‭ ‬تتحملين‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الإعلامى‭ ‬ضدك؟،‭ ‬ابتسمت‭ ‬عيناها‭ ‬وقالت‭ ‬‮«‬إننى‭ ‬لا‭ ‬أهتم‭ ‬بذلك‭ ‬الهجوم‭  ‬لأنهم‭ ‬يكتبون‭ ‬عن‭ ‬حقد‭ ‬والحاقد‭ ‬لايرى‭ ‬الحقيقة‭  ‬وأنا‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬حب‭ ‬والعاشق‭ ‬يرى‭ ‬الحقيقة‭ ‬والجمال‭ ‬،‭ ‬إننى‭ ‬عاشقة‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامى‭ ‬وسأظل‭ ‬هكذا‭ ‬حتى‭ ‬وفاتى‮»‬‭.‬ما‭ ‬أحوج‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬إلى‭ ‬سماحة‭ ‬أمثال‭ ‬أنمارى‭ ‬شيمل‭.‬

 

الحلاج‭: ‬اقتلونى

‮«‬العارفون‭ ‬يحترقون‭ ‬بالحب‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‮«‬‭ ‬هكذا‭ ‬صاح‭ ‬الشبلى‭ ‬صديق‭ ‬الحلاج‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬شطحاته،‭ ‬وعندما‭ ‬رأى‭ ‬الشبلى‭ ‬رجلا‭ ‬يبكى‭ ‬موت‭ ‬حبيبته‭  ‬عاتبه‭ ‬قائلا‭: ‬يا‭ ‬مسكين،‭ ‬لماذا‭ ‬تحب‭ ‬من‭ ‬يموت؟‭ ‬أى‭ ‬يوجهه‭ ‬إلى‭ ‬حب‭ ‬وجه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬كما‭ ‬صرح‭: ‬

وجهك‭ ‬المأمول‭ ‬حجَّتنا‭ ‬

يوم‭ ‬يأتى‭ ‬الناس‭ ‬بالحجج‭   ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬حال‭ ‬الشبلى‭ ‬صديق‭ ‬الحلاج‭ ‬فكيف‭ ‬كان‭ ‬حال‭ ‬الحلاج؟

مدارج‭ ‬الحلاج‭

ها‭ ‬هو‭ ‬الطفل‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬منصور‭ ‬المولود‭ ‬فى‭ ‬قرية‭ ‬الطور‭(‬244هـ‭- ‬858م‭) ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬مدينة‭ ‬البيضاء‭ ‬بمقاطعة‭ ‬فارس‭ ‬بإيران‭ ‬يلهو‭ ‬فى‭ ‬شوارع‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬التى‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثين‭ ‬كيلومترا‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬شيراز،‭ ‬ولم‭ ‬ترق‭ ‬الحياة‭ ‬للحلاج‭ ‬بهذه‭ ‬القرية‭ ‬إذ‭ ‬سرعان‭ ‬أن‭ ‬قُتل‭ ‬والده‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬الليث‭ ‬الصغار‭ ‬فانتقلت‭ ‬الأسرة‭ ‬إلى‭ ‬واسط‭ ‬ثم‭ ‬تُسْتَر‭ ‬وهناك‭ ‬يلتقى‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬الصوفية‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجرى‭ ‬سهل‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬التّسترى‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬نصحه‭ ‬بالتوجه‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭ ‬ليأخذ‭ ‬عن‭ ‬شيخ‭ ‬الطائفة‭ ‬الجنيد‭ ‬البغدادى‭ (‬ت‭ ‬298هــ‭-‬910م‭) ‬ولكن‭ ‬الأجواء‭ ‬تنقلب‭ ‬بين‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجنيد‭ ‬وتلميذه‭ ‬الحلاج‭ ‬فيفترقان‭ ‬لأن‭ ‬الحلاج‭ ‬كان‭ ‬يزهو‭ ‬بنفسه‭ ‬وبآرائه،‭ ‬‮«‬ويُحكى‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬طرق‭ ‬باب‭ ‬الجنيد،‭ ‬سأل‭ ‬الشيخ‭: ‬من‭ ‬هناك؟‭ ‬فقال‭: ‬أنا‭ ‬الحق‭ ‬‮«‬ولذلك‭ ‬تنبأ‭ ‬له‭ ‬الجنيد‭ ‬بنهاية‭ ‬سيئة؛‭ ‬ويقصد‭ ‬الحلاج‭ ‬مكة‭ ‬حاجا‭ ‬ويصاحبه‭ ‬فى‭ ‬رحلته‭ ‬الثانية‭ ‬للحج‭ ‬أربعمائة‭ ‬مريد‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬المريدين‭ ‬مزعجا‭ ‬للخليفة‭ ‬المقتدر‭ ‬بالله‭ ‬العباسى‭ ‬ولوزرائه‭ ‬وسدنة‭ ‬الحكم‭ ‬فى‭ ‬عصره‭ ‬ويعود‭ ‬للأهواز‭ ‬واعظا‭ ‬ويتنقل‭ ‬بين‭ ‬خراسان‭ ‬وفارس‭ ‬والعراق‭ ‬ويقيم‭ ‬فى‭ ‬بغداد‭ ‬ثم‭ ‬الهند‭ ‬ويوضح‭ ‬الحلاج‭ ‬لأهله‭ ‬سبب‭ ‬رحلته‭ ‬للهند‭ ‬دعوة‭ ‬الوثنيين‭ ‬لعبادة‭ ‬الله‭ ‬الواحد،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لرحلته‭ ‬هذه‭ ‬آثار‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬شعراء‭ ‬الهند‭ ‬ونظرتهم‭ ‬للتصوف‭ ‬وجمال‭ ‬أدبياته‭ ‬ويزداد‭ ‬علما‭ ‬بالتصوف‭ ‬الهندى،‭ ‬ويتجه‭ ‬نحو‭ ‬الصين‭ ‬ويعود‭ ‬أخيرا‭ ‬إلى‭ ‬المقام‭ ‬الأخير‭  ‬ببغداد‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬290هـ‭-‬903م‭ ‬وقد‭ ‬ألَّف‭ ‬الحلاج‭ ‬تسعة‭ ‬وأربعين‭ ‬كتابا‭ ‬والعجيب‭ ‬أنّ‭ ‬له‭ ‬كتابين‭ ‬فى‭ ‬السياسة‭ ‬منهما‭ ‬‮«‬الساسة‭ ‬والخلفاء‭ ‬والأمراء‮«‬‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬من‭ ‬كتبه‭ ‬سوى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الطواسين‮«‬‭ ‬وبعض‭ ‬قصائد‭ ‬منسوبة‭ ‬إليه‭.‬

اضطراب‭ ‬الدول‭ ‬والأفكار‭ ‬

قَوِى‭ ‬شأن‭ ‬القرامطة‭ ‬الجناح‭ ‬العسكرى‭ ‬للحركة‭ ‬الفاطمية‭ ‬الإسماعيلية‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ ‬واضطربت‭ ‬البلاد‭ ‬ويُلقى‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الحلاج‭ ‬سنة‭ (‬301هـ‭-‬913م‭) ‬بتهمة‭ ‬القرمطة‭ ‬وعندما‭ ‬كان‭ ‬الحلاج‭ ‬فى‭ ‬السجن‭ ‬سأله‭ ‬أحد‭ ‬الدراويش‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬ما‭ ‬الحب؟‮«‬‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬ستراه‭ ‬اليوم‭ ‬وستراه‭ ‬غدا‭ ‬وستراه‭ ‬بعد‭ ‬غد‮«‬‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬قتلوه‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬أحرقوه،‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬الثالث‭ ‬نثروا‭ ‬رماده‭ ‬فى‭ ‬الرياح‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭.‬

ومن‭ ‬العجب‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬العلاء‭ ‬المعرى‭ ‬بعد‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬مقتل‭ ‬الحلاج‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يأتون‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬انتظارا‭ ‬لعودته‭!‬

أنّمّارى‭ ‬شيمل‭ ‬والحلاج‭ ‬

فى‭ ‬كتاب‭ ‬المستشرقة‭ ‬الألمانية‭ ‬أنمارى‭ ‬شيمل‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬التصوف‭ (‬ترجمة‭ ‬محمد‭ ‬اسماعيل‭ ‬ورضا‭ ‬حامد‭) ‬وكتابها‭ ‬‮«‬الحلاج‭ ‬شهيد‭ ‬الحب‭ ‬الإلهى‮»‬‭ ‬توقفت‭ ‬حول‭ ‬الأجواء‭ ‬السياسية‭ ‬المضطربة‭ ‬فى‭ ‬عصره‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬الحلاج‭ ‬ضحية‭ ‬البوح‭ ‬بأسرار‭ ‬الحب‭ ‬وأشادت‭ ‬بما‭ ‬كتبه‭ ‬ماسينيون‭ ‬عن‭ ‬الحلاج‭ ‬وكيف‭ ‬قدمه‭ ‬للغرب‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬للعالم‭ ‬وقد‭ ‬كرّس‭ ‬ماسينيون‭ ‬كل‭ ‬حياته‭ ‬فى‭ ‬بحث‭ ‬الحلاج‭ ‬وعالمه‭ ‬الروحى‭ ‬وينشر‭ ‬سيرة‭ ‬الصوفى‭ ‬الشهيد‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬الحلاج‭ ‬بألف‭ ‬عام‭ . ‬

وتنقل‭ ‬أنمارى‭ ‬شيمل‭ ‬الآراء‭ ‬المتناقضة‭ ‬حوله‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يراه‭ ‬محتالا‭ ‬كابن‭ ‬النديم‭ ‬الذى‭ ‬يقول‭ ‬عنه‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الفهرست‭: ‬

‮«‬كان‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬منصور‭ ‬الحلاج‭ ‬رجلاً‭ ‬محتالاً‭ ‬مشعوذًا،‭ ‬يتعاطى‭ ‬مذاهب‭ ‬الصوفية،‭ ‬وينتحل‭ ‬ألفاظهم‭ ‬ويدعى‭ ‬كل‭ ‬علم،‭ ‬وكان‭ ‬صفرا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬وكان‭ ‬يعرف‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الكيمياء،‭ ‬وكان‭ ‬جاهلاً‭ ‬مقداماً‭ ‬متدهورا‭ ‬جسورا‭ ‬على‭ ‬السلاطين‭ ‬مرتكبا‭ ‬للعظائم،‭ ‬يروب‭ ‬أقلاب‭ ‬الدول‭ ...‬‮»‬

وقد‭ ‬تزوج‭ ‬الحلاج‭ ‬من‭ ‬ابنة‭ ‬أحد‭ ‬الصوفيين‭ ‬وهى‭ ‬امرأته‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬أنجب‭ ‬منها‭ ‬ابنهما‭ ‬حمد‭    ‬

كرامات‭ ‬الحلاج‭ ‬

ربما‭ ‬جرّت‭ ‬الكرامات‭ ‬على‭  ‬الحلاج‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشكلات،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬زهوه‭ ‬بنفسه‭ ‬وجرأته‭ ‬فى‭ ‬قول‭ ‬الحق‭ ‬وكثرة‭ ‬أتباعه‭ ‬وشطط‭ ‬آرائه‭ ‬جرّ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الاتهامات‭ ‬الكثير‭ ‬فرُمِى‭ ‬بالكفر‭ ‬والزندقة‭ ‬ويرى‭ ‬أبو‭ ‬طريف‭ ‬الشَّيْبى‭ ‬فى‭ ‬مقدمة‭ ‬ديوان‭ ‬الحلاج‭  ‬إنه‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬مذهب‭ ‬سياسى‭ ‬وروحى‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬فقه‭ ‬معين‭ ‬ورياضات‭ ‬صوفية‭ ‬تتميز‭ ‬كلها‭ ‬بالشدة‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الهدف‭ ‬مستهينا‭ ‬بالعقبات‭ ‬ولو‭ ‬بلغت‭ ‬الموت‭ ‬نفسه‭. ‬

ومن‭ ‬كراماته‭ ‬التى‭ ‬تحكى‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬مكة‭ ‬أحضر‭ ‬حلوى‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭  ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬أنصارا‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والطوائف‭. ‬

محكمة‭ ‬الحلاج‭ ‬

شُكلت‭ ‬محكمة‭ ‬الحلاج‭ ‬من‭ ‬قضاة‭ ‬بعض‭ ‬المذاهب‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مستهينا‭ ‬بهم‭ ‬وأنه‭ ‬آثر‭ ‬الموت‭ ‬ليحكم‭ ‬عليه‭ ‬قاضى‭ ‬القضاة‭ ‬أبو‭ ‬عمر‭ ‬الحمادى‭ ‬وأبو‭ ‬جعفر‭ ‬البهلول‭ ‬وأبو‭ ‬الحسين‭ ‬الأشنانى‭ ‬بالإعدام‭ ‬فيضرب‭ ‬ألف‭ ‬جلدة‭ ‬ثم‭ ‬قطعت‭ ‬أطرافه‭ ‬وفصلت‭ ‬رقبته‭ ‬وأحرقت‭ ‬جثته‭ ‬وألقوا‭ ‬برمادها‭ ‬فى‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬ليتحول‭ ‬الحلاج‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭ ‬لمحاربة‭ ‬الظلم‭ ‬وجرأة‭ ‬الرأى‭ ‬وشهيد‭ ‬الحب‭ ‬الإلهى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يردد‭: ‬

تعوّدت‭ ‬مسّ‭ ‬الضرّ‭ ‬حتى‭ ‬ألفتُهُ

وأسلمنى‭ ‬حُسن‭ ‬العزاء‭ ‬إلى‭ ‬الضرّ

وكان‭ ‬يردد‭ ‬وهم‭ ‬يقتلونه‭: ‬اقتلونى‭ ‬يا‭ ‬ثقاتى‭/‬إن‭ ‬فى‭ ‬قتلى‭ ‬حياتى‭ ‬

وقد‭ ‬شكل‭ ‬القدر‭ ‬حيزا‭ ‬كبيرا‭ ‬فى‭ ‬فكره‭ ‬ويُنسب‭ ‬له‭ ‬قوله‭ :‬

ما‭ ‬حيلة‭ ‬العبد‭ ‬والأقدار‭ ‬جارية‭        ‬عليه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬حَالٍ،‭ ‬أيها‭ ‬الرائى؟

ألقاه‭ ‬فى‭ ‬اليم‭ ‬مكتوفا‭ ‬وقال‭ ‬له‭:    ‬إياك‭ ‬إياك‭ ‬أن‭ ‬تبتل‭ ‬بالماء‭!‬

وقيل‭ ‬إنه‭ ‬ظلّ‭ ‬يرقص‭ ‬بينما‭ ‬يساق‭ ‬للمحكمة‭ ‬وهو‭ ‬مكبّل‭ ‬فى‭ ‬أغلاله‭ ‬وأخذ‭ ‬يترنم‭ ‬برباعياته‭ ‬الشعرية‭. ‬

ولم‭ ‬يتناقض‭ ‬الناس‭ ‬حول‭ ‬شخص‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬حالهم‭ ‬تجاه‭ ‬الحلاج‭ ‬فمنهم‭ ‬من‭ ‬يراه‭ ‬وليا‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬رآه‭ ‬زنديقا‭ .‬

طواسين‭ ‬الحلاج

من‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬كتبها‭ ‬فى‭ ‬سجنه‭ ‬الذى‭ ‬جاوز‭ ‬عامين‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬أبواب‭ ‬كل‭ ‬باب‭ ‬منها‭ ‬يسمى‭ ‬طاسين،‭ ‬وينثر‭ ‬الحلاج‭ ‬فيه‭ ‬آراءه‭ ‬بشىء‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالألفاظ‭ ‬والتلميح‭ ‬دون‭ ‬التصريح‭ ‬فهو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الترانيم‭ ‬فى‭ ‬تعظيم‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الذى‭ ‬يرى‭ ‬‮«‬أن‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬يخلق‭ ‬أحبّ‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬وآله‮»‬‭ .‬

ويقول‭ ‬عن‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وعن‭ ‬شمائله‭:‬

أنوار‭ ‬النبوة‭ ‬من‭ ‬نوره‭ ‬برزت،‭ ‬وأنوارهم‭ ‬من‭ ‬نوره‭ ‬ظهرت‭ ‬،همته‭ ‬سبقت‭ ‬كل‭ ‬الهمم،‭ ‬ووجوده‭ ‬سبق‭ ‬العدم‭ ‬،واسمه‭ ‬سبق‭ ‬القلم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬القلم‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬الأمم،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬الآفاق‭ ‬ووراء‭ ‬الآفاق‭ ‬وخارج‭ ‬نطاق‭ ‬الآفاق‭ ‬أظرف،‭ ‬وأشرف،‭ ‬وأعف،‭ ‬وآرأف،‭ ‬وأخوف،‭ ‬وأعطف‭ ‬مِن‭ ‬صاحب‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬وهو‭ ‬سيد‭ ‬البرية،‭ ‬العلوم‭ ‬كلها‭ ‬قطرة‭ ‬من‭ ‬بحره،‭ ‬والحكمة‭ ‬كلها‭ ‬حقنة‭ ‬من‭ ‬نهره،‭ ‬والأزمان‭ ‬كلها‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬دهره‮»‬

وقد‭ ‬دافع‭ ‬عنه‭ ‬الإمام‭ ‬الغزالى‭ ‬والشيخ‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬الجيلى،‭ ‬وتلقفه‭ ‬الأدباء‭ ‬رمزا‭ ‬للحب‭ ‬والحرية‭ ‬ومنهم‭ ‬صلاح‭ ‬عبدالصبور‭ ‬وأدونيس‭ ‬والبياتى‭ ‬وعزالدين‭ ‬المدنى‭ ‬وغيرهم‭.‬

وقال‭ ‬الإمام‭ ‬عبدالقادر‭ ‬الجيلانى‭: ‬عثر‭ ‬الحلاج‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬زمانه‭ ‬من‭ ‬يأخذ‭ ‬بيده‭.. ‬ولو‭ ‬أدركتُه‭ ‬لأخذت‭ ‬بيده‭.‬

صلاح‭ ‬عبدالصبور‭ : ‬مأساة‭ ‬الحلاج

من‭ ‬أجمل‭ ‬مسرحيات‭ ‬صلاح‭ ‬عبدالصبور‭ ‬تأتى‭ ‬مأساة‭ ‬الحلاج‭ ‬التى‭ ‬أقتطف‭ ‬منها‭:‬

‭-‬لا‭ ‬يا‭ ‬أصحابي

لا‭ ‬تلقوا‭ ‬بالا‭ ‬لي

أستودعكم‭ ‬كلماتى

‭- ‬أحببنا‭ ‬كلماته

أكثر‭ ‬مما‭ ‬أحببناه

فـتركناه‭ ‬يموت‭ ‬لكى‭ ‬تبقى‭ ‬الكلمات‮« ‬

‭ ‬

ابن‭ ‬الفارض

عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬صغيرا‭ ‬كان‭ ‬أبى‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يأخذنى‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الطريقة‭ ‬الخلوتية،‭ ‬وكنا‭ ‬نردد‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والصلاة‭ ‬على‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬والأدعية‭ ‬المتوارثة‭ ‬ثم‭ ‬نردد‭ ‬منظومة‭ ‬الإمام‭ ‬الدردير‭ ‬فى‭ ‬التوسل‭ ‬بأسماء‭ ‬الله‭ ‬الحسنى‭:‬

تباركتَ‭ ‬يا‭ ‬الله‭ ‬ربى‭ ‬لك‭ ‬الثنا

فحمدا‭ ‬لمولانا‭ ‬وشكرا‭ ‬لربنا

بأسمائك‭ ‬الحسنى‭ ‬وأسرارها‭ ‬التى

أقمـت‭ ‬بهـا‭ ‬الأكـوان‭ ‬مــن‭ ‬حـضـرة‭ ‬الفـنـا

فـنـدعـوك‭ ‬يـــا‭ ‬الله‭ ‬يـــا‭ ‬مـبــدع‭ ‬الـــورى

يقـيـنـًا‭ ‬يقـيـنـا‭ ‬الـهــم‭ ‬والـكــرب‭ ‬والـعـنـا

ويـــا‭ ‬رب‭ ‬يـــا‭ ‬رحـمــن‭ ‬هـبـنـا‭ ‬مـعـارفـًا

ولـطـفــًا‭ ‬وإحـسـانــًا‭ ‬ونـــــورًا‭ ‬يـعـمـنــا

وســـر‭ ‬يـــا‭ ‬رحـيــم‭ ‬العالـمـيـن‭ ‬بجمـعـنـا

إلـى‭ ‬حـضـرة‭ ‬الـقـرب‭ ‬المـقـدس‭ ‬واهـدنـا

ويـــا‭ ‬مـالــكً‭ ‬مــلــك‭ ‬جـمـيــع‭ ‬عـوالـمــى‭ ‬

لروحـى‭ ‬وخـلـص‭ ‬مــن‭ ‬ســواك‭ ‬عقولـنـا

وقـدس‭ ‬أيـا‭ ‬قـدوس‭ ‬نفـسـى‭ ‬مــن‭ ‬الـهـوى

وسلـم‭ ‬جميـعـى‭ ‬يــا‭ ‬ســلام‭ ‬مــن‭ ‬الضـنـى

ويــا‭ ‬مـؤمـن‭ ‬هــب‭ ‬لــى‭ ‬أمـانـًا‭ ‬وبـهـجـةً‭ ‬

وجـمّــل‭ ‬جـنـانـى‭ ‬يـــا‭ ‬مهـيـمـن‭ ‬بالـمُـنـى

إلى‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬الفريدة‭ ‬ثم‭ ‬نذكر‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬المنشدين‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬أصواتهم‭ ‬تنساب‭ ‬فى‭ ‬عزف‭ ‬موسيقى‭ ‬استهوى‭ ‬الطفل‭ ‬الذى‭ ‬كنتُهُ‭ ‬،‭ ‬فحفظت‭ ‬معظم‭ ‬الأشعار‭ ‬التى‭ ‬ينشدونها‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنها‭ ‬لابن‭ ‬الفارض‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬أبحث‭ ‬عنه‭.‬

وابن‭ ‬الفارض،‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬حفص‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬مرشد‭ ‬الحموى،‭ ‬ولد بمصر سنة‮ ‬576‭ ‬هـ الموافق‮ ‬1181م،‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الشعراء المتصوفين،‭ ‬وتدور‭ ‬أشعاره‭ ‬فى‭ ‬العشق‭ ‬الإلهى‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬لقب‭ ‬بـ«سلطان‭ ‬العاشقين‮«‬‭. ‬والده‭ ‬من حماة فى سوريا،‭ ‬وهاجر‭ ‬لاحقاً‭ ‬إلى مصر‭ ‬وبها‭ ‬نشأ‭ ‬وتوفى‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬سنة‮ ‬632‭ ‬هـ الموافق‮ ‬1235م‭ ‬‮ ‬ودُفن‭ ‬بجوار جبل‭ ‬المقطم فى‭ ‬مسجده‭ ‬المشهور‭.‬

ويدور‭ ‬ديوان‭ ‬ابن‭ ‬الفارض‭ ‬فى‭ ‬الذوبان‭ ‬عشقا‭ ‬فى‭ ‬ألفاظ‭ ‬فصيحة‭ ‬وجمل‭ ‬بليغة‭ ‬وقد‭ ‬انتقيت‭ ‬بعض‭ ‬قصائده‭ ‬غير‭ ‬المشهورة‭ ‬لكنى‭ ‬أراها‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬شعره‭.‬

 

المختارات‭ ‬الشعرية

 

‭  ‬الحلاج

والله‭ ‬ما‭ ‬طلعت‭ ‬شمس

 

والله‭ ‬ما‭ ‬طلعت‭ ‬شمسٌ‭ ‬ولا‭ ‬غربت‮ ‬

إلا‭ ‬وحبّـك‭ ‬مقـرونٌ‭ ‬بأنفاسـي‮ ‬

ولا‭ ‬خلوتُ‭ ‬إلى‭ ‬قوم‭ ‬أحدّثهــم‮ ‬

إلا‭ ‬وأنت‭ ‬حديثى‭ ‬بين‭ ‬جُلاســي‮ ‬

ولا‭ ‬ذكرتك‭ ‬محزوناً‭ ‬ولا‭ ‬فَرِحا‮ ‬

إلا‭ ‬وأنت‭ ‬بقلبى‭ ‬بين‭ ‬وسواســـي‮ ‬

ولا‭ ‬هممتُ‭ ‬بشرب‭ ‬الماء‭ ‬من‭ ‬عطش‮ ‬

إلا‭ ‬رَأَيْتُ‭ ‬خيالاً‭ ‬منك‭ ‬فى‭ ‬الكـــاس‮ ‬

ولو‭ ‬قدرتُ‭ ‬على‭ ‬الإتيان‭ ‬جئتـُكم‮ ‬

سعياً‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬أو‭ ‬مشياً‭ ‬على‭ ‬الراس‮ ‬

ويا‭ ‬فتى‭ ‬الحيّ‭ ‬إن‭ ‬غّنيت‭ ‬لى‭ ‬طربا

فغّنـنى‭ ‬واسفا‭ ‬من‭ ‬قلبك‭ ‬القاســـي‮ ‬

ما‭ ‬لى‭ ‬وللناس‭ ‬كم‭ ‬يلحوننى‭ ‬سفها

دينى‭ ‬لنفسى‭ ‬ودين‭ ‬الناس‭ ‬للنـــاسِ

 

اقتلونى

 

أَقَتلونى‭ ‬يا‭ ‬ثِقاتي

إِنَّ‭ ‬فى‭ ‬قَتلى‭ ‬حَياتي

وَمَماتى‭ ‬فى‭ ‬حَياتي

وَحَياتى‭ ‬فى‭ ‬مَماتي

أَنا‭ ‬عِندى‭ ‬مَحوُ‭ ‬ذاتي

مَن‭ ‬أَجَلَّ‭ ‬المَكرُماتِ

وَبَقائى‭ ‬فى‭ ‬صِفاتي

مِن‭ ‬قَبيحِ‭ ‬السَيِّئاتِ

سَئِمَت‭ ‬روحى‭ ‬حَياتي

فى‭ ‬الرُسومِ‭ ‬البالِياتِ

فَاِقتُلونى‭ ‬وَاِحرِقوني

بِعِظامى‭ ‬الفانِياتِ

ثُمَّ‭ ‬مُرّوا‭ ‬بِرُفاتي

فى‭ ‬القُبورِ‭ ‬الدارِساتِ

تَجِدوا‭ ‬سِرَّ‭ ‬حَبيبي

فى‭ ‬طَوايا‭ ‬الباقِياتِ

إِنيّ‭ ‬شَيخٌ‭ ‬كَبيرٌ

فى‭ ‬عُلُوِّ‭ ‬الدارجاتِ

ثُمَّ‭ ‬إِنّى‭ ‬صِرتُ‭ ‬طِفلاً

فى‭ ‬حُجورِ‭ ‬المُرضِعاتِ

ساكِناً‭ ‬فى‭ ‬لَحدٍ‭ ‬قَبرٍ

فى‭ ‬أَراضٍ‭ ‬سَبِخاتِ

وَلَدَت‭ ‬أُمّى‭ ‬أَباها

إِنَّ‭ ‬ذا‭ ‬من‭ ‬عَجَباتي

فَبَناتى‭ ‬بَعدَ‭ ‬أَن‭ ‬كُن

نَ‭ ‬بَناتى‭ ‬أَخَواتي

لَيسَ‭ ‬مِن‭ ‬فِعلِ‭ ‬زَمانٍ

لا‭ ‬وَلا‭ ‬فِعلِ‭ ‬الزُناةِ

فَاجمَع‭ ‬الأَجزاء‭ ‬جَمعاً

مِن‭ ‬جُسومٍ‭ ‬نَيِّراتِ

مِن‭ ‬هَواءٍ‭ ‬ثُمَّ‭ ‬نارِ

ثُمَّ‭ ‬مِن‭ ‬ماءٍ‭ ‬فراتِ

فَازرَعِ‭ ‬الكُلَّ‭ ‬بِأَرضٍ

تُربُها‭ ‬تُربُ‭ ‬مَواتِ

وَتَعاهَدها‭ ‬بِسَقيٍ

مِن‭ ‬كُؤوسٍ‭ ‬دائِراتِ

مِن‭ ‬جَوارٍ‭ ‬ساقِياتٍ

وَسَواقٍ‭ ‬جارِياتِ

فَإِذا‭ ‬أَتَمَمتَ‭ ‬سَبعاً

أَنبَتَت‭ ‬كُلَّ‭ ‬نَباتِ

قلوب‭ ‬العارفين‭ ‬لها‭ ‬عيون

 

قلوبُ‭ ‬العاشِقينَ‭ ‬لَها‭ ‬عُيونٌ

تَرى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يَراهُ‭ ‬الناظِرونا

وَأَلسِنَةٌ‭ ‬بِأَسرارٍ‭ ‬تُناجي

تَغيبُ‭ ‬عَنِ‭ ‬الكِرامِ‭ ‬الكاتِبينا

وَأَجنِحَةٌ‭ ‬تَطيرُ‭ ‬بغَيرِ‭ ‬ريشٍ

إِلى‭ ‬مَلَكوتِ‭ ‬رِبِّ‭ ‬العالِمينا

وَتَرتَعُ‭ ‬فى‭ ‬رِياضِ‭ ‬القُدسِ‭ ‬طَوراً

وَتَشرَبُ‭ ‬مِن‭ ‬بِحارِ‭ ‬العارِفينا

فَأَورَثَنا‭ ‬الشَرابُ‭ ‬عُلومَ‭ ‬غَيبٍ

تَشِفُّ‭ ‬عَلى‭ ‬عُلومِ‭ ‬الأَقدَمينا

شَواهِدُها‭ ‬عَلَيها‭ ‬ناطِقاتٌ

تُبَطِّلُ‭ ‬كُلَّ‭ ‬دَعوى‭ ‬المُدَّعينا

عِبادٌ‭ ‬أَخلَصوا‭ ‬فى‭ ‬السِرِّ‭ ‬حَتّى

دَنَوا‭ ‬مِنهُ‭ ‬وَصاروا‭ ‬واصِلينا

 

قُل‭ ‬لِمَن‭ ‬يَبكى‭ ‬عَلَينا‭ ‬حَزَناً

 

قل‭ ‬لمن‭ ‬يبكى‭ ‬علينا‭ ‬حزنا

إِفرَحوا‭ ‬لى‭ ‬قَد‭ ‬بَلَغنا‭ ‬الوَطَنا

إِنَّ‭ ‬مَوتى‭ ‬هُوَ‭ ‬حَياتى‭ ‬إِنَّني

أَنظُرُ‭ ‬اللَهَ‭ ‬جهاراً‭ ‬عَلَنا

مَن‭ ‬بَنى‭ ‬لى‭ ‬دارا‭ ‬فى‭ ‬دُنيا‭ ‬البَقا

لَيسَ‭ ‬يَبنى‭ ‬دارا‭ ‬فى‭ ‬دُنيا‭ ‬الفَنا

إِنَمّا‭ ‬المَوتُ‭ ‬عَلَيكُم‭ ‬راصِدٌ

سَوفَ‭ ‬يَنقُلكُم‭ ‬جَميعاً‭ ‬مِن‭ ‬هُنا

أَنا‭ ‬عُصفورٌ‭ ‬وَهَذا‭ ‬قَفَصي

كانَ‭ ‬سِجنى‭ ‬وَقَميصى‭ ‬كَفَنا

فَاِشكُروا‭ ‬اللَهَ‭ ‬الَّذى‭ ‬خَلَّصَنا

وَبَنى‭ ‬لى‭ ‬فى‭ ‬المَعالى‭ ‬مَسكَنا

فَاِفهَموا‭ ‬قَولى‭ ‬فَفيهِ‭ ‬نَبَأٌ

أَيَّ‭ ‬مَعنى‭ ‬تَحتَ‭ ‬قَولى‭ ‬كَمنا

وَقَميصى‭ ‬قَطّعوهُ‭ ‬قطَعاً

وَدَعوا‭ ‬الكُلَّ‭ ‬دَفين‭ ‬زَمَنا

لا‭ ‬أَرى‭ ‬روحِيَ‭ ‬إلا‭ ‬أَنتُمُ

وَاِعتِقادى‭ ‬أَنَّكُم‭ ‬أَنتُم‭ ‬أَنا

 

أَجرَيتُ‭ ‬فيكَ‭ ‬دُموعى

 

أجريتُ‭ ‬فيك‭ ‬دموعي

وَالدَمعُ‭ ‬مِنكَ‭ ‬إِلَيكَ

وَأَنتَ‭ ‬غايَةُ‭ ‬سُؤلي

وَالعَينُ‭ ‬وَسنى‭ ‬عَلَيكَ

فَإِن‭ ‬فَنى‭ ‬فيكَ‭ ‬بَعضي

حُفِظتُ‭ ‬منكَ‭ ‬لَدَيكَ

 

كادَت‭ ‬سَرائِرُ‭ ‬سَرّي

 

كادَت‭ ‬سَرائِرُ‭ ‬سَرّى‭ ‬أَن‭ ‬تُسَرَّ‭ ‬بِما

أَولَيتَنى‭ ‬مِن‭ ‬جَميلٍ‭ ‬لا‭ ‬أُسَمّيهِ

وَصاحَ‭ ‬بِالسِرِّ‭ ‬سِرٌّ‭ ‬مِنكَ‭ ‬يَرقُبُهُ

كَيفَ‭ ‬السُرورُ‭ ‬بِسِرٍّ‭ ‬دونَ‭ ‬مُبديهِ

فَظَلَّ‭ ‬يَلحَظُنى‭ ‬سِرّى‭ ‬لِأَلحَظَهُ

وَالحَقُّ‭ ‬يَلحَظُنى‭ ‬أَن‭ ‬لا‭ ‬أُخَلّيهِ

وَأَقبَلَ‭ ‬الوَجدُ‭ ‬يَفنى‭ ‬الكُلَّ‭ ‬مِن‭ ‬صِفَتي

وَأَقبَلَ‭ ‬الحَقُّ‭ ‬يُخفينى‭ ‬وَأُبديهِ

 

وقصرتُ‭ ‬عقلى

 

وَقَصَرتُ‭ ‬عَقلى‭ ‬بِالهُوِيَّةَ‭ ‬طالِباً

فَعادَ‭ ‬ضَعيفاً‭ ‬فى‭ ‬المَطالِبِ‭ ‬هاوِيا

وَكُنتُ‭ ‬لِرَبِّ‭ ‬العالَمينَ‭ ‬لِنُصرَةٍ

فَلا‭ ‬تَتَعَجَّل‭ ‬فى‭ ‬التَطَلُّبِ‭ ‬جارِيا

تَحَقَّق‭ ‬بِأَنَّ‭ ‬الحَقَّ‭ ‬بِمُدرَكٍ

فَلا‭ ‬تَدَّعيهِ‭ ‬جَهلاً‭ ‬وَمُرائِيا

وَلَكِنَّهُ‭ ‬يَبدو‭ ‬مِراراً‭ ‬وَيَختَفي

فَيَعرِفُهُ‭ ‬مَن‭ ‬كانَ‭ ‬بِالعِلمِ‭ ‬حالِيا

جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى

‭(‬ترجمة‭ ‬د‭.‬عيسى‭ ‬على‭ ‬العاكوب‭)‬

يقول‭ ‬الرّومىّ‭ ‬فى‭ ‬المثنوىّ‭:‬

•‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬يجعل‭ ‬الوردَ‭ ‬والشجر‭ ‬نارًا

قادرٌ‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬النارَ‭ ‬بَرْدًا‭ ‬وسلاما‭.‬

•‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬يخرج‭ ‬الوردَ‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬الأشواك

قادرٌ‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الشتاءَ‭ ‬ربيعا‭.‬

•‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬به‭ ‬يتحرّر‭ ‬كلُّ‭ ‬سَرْوٍ‭ (‬يظلّ‭ ‬دائمَ‭ ‬الخضرة‭)‬

‭ ‬قادرٌ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الألَم‭ ‬سروراً‭.‬

•‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬به‭ ‬يغدو‭ ‬كلُّ‭ ‬معدومٍ‭ ‬موجودا

ماذا‭ ‬يضيره‭ ‬لو‭ ‬أبقاه‭ ‬دائما؟

ويقول‭ ‬أيضًا‭:‬

•‭ ‬التمس‭ ‬معنى‭ ‬القرآن‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬وحدَه،

ومن‭ ‬شخصٍ‭ ‬أضرم‭ ‬النارَ‭ ‬فى‭ ‬هوَسه‭ ‬وهواه،

•‭ ‬وصار‭ ‬قربانا‭ ‬للقرآن‭ ‬مزدريًا‭ ‬لنفسه،

حتى‭ ‬صار‭ ‬عينُ‭ ‬روحه‭ ‬قرآنا‭.‬

•‭ ‬والزيتُ‭ ‬الذى‭ ‬صار‭ ‬كلّه‭ ‬فداءً‭ ‬للورد

سواءٌ‭ ‬أشممتَ‭ ‬منه‭ ‬الزيتَ‭ ‬أم‭ ‬الورد‭!‬

ويقول‭ ‬فى‭ ‬ديوان‭: ‬شمس‭ ‬تبريز‭:‬

•‭ ‬قُرِع‭ ‬طبْلُ‭ ‬الوفاء،‭ ‬ونُظّف‭ ‬طريقُ‭ ‬السماء،

فرحُك‭ ‬هنا‭ ‬اليوم،‭ ‬فماذا‭ ‬يبقى‭ ‬لغدٍ؟

•‭ ‬جيوشُ‭ ‬النهار‭ ‬هزمت‭ ‬جيش‭ ‬اللّيل،

والسّماءُ‭ ‬والأرضُ‭ ‬مملوءتان‭ ‬باللّمعان‭ ‬والصّفاء

•‭ ‬آهِ،‭ ‬أيّ‭ ‬فرح‭ ‬ينتظر‭ ‬مَنْ‭ ‬نجا‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬العطور‭ ‬والألوان‭ ‬هذا‭!‬

لأنّ‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الألوان‭ ‬والعطور‭ ‬ألوان‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬القلب‭ ‬والرّوح‭. ‬

•‭ ‬آهِ،‭ ‬أيُّ‭ ‬فرح‭ ‬لهذا‭ ‬الرّوح‭ ‬وهذا‭ ‬القلب‭ ‬اللذين‭ ‬نَجَوا‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الماء‭ ‬والطين،

رغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الماء‭ ‬وهذا‭ ‬الطّين‭ ‬مَعْدِنُ‭ ‬الكيمياء‭ (‬الحجر‭ ‬الفلسفيّ‭).‬

‭ ‬ويقول‭ ‬أيضًا‭: ‬

•‭ ‬كلٌ‭ ‬لحظةٍ‭ ‬يصلُ‭ ‬صوتُ‭ ‬العِشْق‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬واليمين؛

نحن‭ ‬ماضون‭ ‬إلى‭ ‬الفلَك،‭ ‬،‭ ‬فمَنْ‭ ‬لديه‭ ‬عزْمُ‭ ‬التنزّه

•‭ ‬كنّا‭ ‬حينًا‭ ‬فى‭ ‬الفلَك،‭ ‬وكنّا‭ ‬أصدقاء‭ ‬للملّك،

فدَعْنا‭ ‬جميعًا‭ ‬نَعُدْ‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬فتلكَ‭ ‬مدينتُنا‭.‬

•‭ ‬نحن‭ ‬أسمى‭ ‬من‭ ‬الفلك‘‭ ‬وأعظم‭ ‬من‭ ‬الملَك،

فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نمضى‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعدهما؟‭ ‬

‭- ‬إنّ‭ ‬منزلنا‭ ‬هو‭ ‬الكبرياءُ

•‭ ‬أين‭ ‬الجوهرُ‭ ‬الخالصُ‭ ‬مِنْ‭ ‬دنيا‭ ‬التراث؟

لِم‭ ‬نزلتَ‭ ‬إلى‭ ‬هنا؟‭- ‬تحمَّلْ‭ [‬ارحَلْ‭] ‬مِنْ‭ ‬هنا،‭ ‬أيّ‭ ‬مكان‭ ‬هذا؟

•‭ ‬الحظّ‭ ‬الحسَنُ‭ ‬حبيبُنا،‭ ‬وتقديم‭ ‬الرّوح‭ ‬مذهبنا،‭ ‬وأمير‭ ‬قافلتنا‭ ‬فخْرُ‭ ‬الدنيا‭ ‬المصطفى‭!‬

•‭ ‬الخَلْق‭ ‬مثُل‭ ‬طير‭ ‬البحر،‭ ‬يولدون‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬الرّوح،

‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬هذا‭ ‬الطائرَ،‭ ‬الآتى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬البحر،‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬إقامته‭ ‬هنا؟

•‭ ‬لا،‭ ‬نحن‭ ‬دُرَرٌ‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬البحر،‭ ‬مقيمون‭ ‬جميعًا‭ ‬فيه،

‭   ‬وإلاّ‭ ‬فِلم‭ ‬يتعاقبُ‭ ‬الموجُ‭ ‬مِنْ‭ ‬بحر‭ ‬القلْب؟

•‭ ‬جاءت‭ ‬موجةُ‭ ‬‮«‬ألستُ‭ ‬بربّكم‮«‬‭ ‬فحطّمت‭ ‬مركب‭ ‬الجسد؛

وعندما‭ ‬يتحطم‭ ‬المركبُ‭ ‬ثانيةً،‭ ‬تكون‭ ‬نوبةُ‭ ‬الوَصْل‭ ‬واللقاء‭.‬

•‭ ‬أمّا‭ ‬فى‭ ‬الرّباعيات‭ ‬فيطالعنا‭ ‬مثلُ‭ ‬قوله‭:‬

فى‭ ‬يمّ‭ ‬الإخلاص،‭ ‬ذُبتُ‭ ‬كالمِلْح،

ليس‭ ‬عندى‭ ‬مزيدُ‭ ‬عقوق‭ ‬وإيمان،‭ ‬ولا‭ ‬يقين‭ ‬ولا‭ ‬شكّ

فى‭ ‬قلبى‭ ‬نجم‭ ‬يسطع،

وفى‭ ‬ذلك‭ ‬النجم‭ ‬توارت‭ ‬السّمواتُ‭ ‬السبّع‭.‬

‭  ‬

هيّا‭ ‬فقد‭ ‬جاء،‭ ‬جاء،‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يغادر‭.‬

هذا‭ ‬الماءُ‭ ‬لم‭ ‬يبعد‭ ‬عن‭ ‬النهر‭.‬

إنّه‭ ‬نافجةُ‭ ‬المسك،‭ ‬ونحن‭ ‬عبيره‭.‬

هل‭ ‬رأيت‭ ‬المِسْك‭ ‬يومًا‭ ‬مفصولاً‭ ‬عن‭ ‬رائحته‭ ‬

آهِ،‭ ‬يا‭ ‬قلبيَ‭ ‬المتيَّم‭! ‬نحو‭ ‬المعشوق‭ ‬طريق‭ ‬يأتى‭ ‬من‭ ‬الرّوح‭.‬

آهِ،‭ ‬أٌيها‭ ‬التّائهُ‭! ‬هناك‭ ‬طريق،‭ ‬خفيّ‭ ‬لكن‭ ‬يمكن‭ ‬رؤيته‭.‬

هل‭ ‬امّحت‭ ‬الجهاتُ‭ ‬السٌتُّ؟‭- ‬لا‭ ‬تحزن‭:‬

فى‭ ‬صميم‭ ‬وجودك،‭ ‬ثمة‭ ‬طريق‭ ‬إلى‭ ‬المعشوق‭.‬

‭  ‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬أترع‭ ‬الحبُّ‭ ‬قلبي،

لم‭ ‬يستطع‭ ‬جارى‭ ‬النومَ‭ ‬بسبب‭ ‬آهاتي

والآن‭ ‬تضاءلت‭ ‬آلامي،‭ ‬ونما‭ ‬حبّي‭:‬

فعندما‭ ‬تشتعل‭ ‬النارُ‭ ‬بقوّة‭ ‬الرّيح،‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬لها‭ ‬دخان

قصيدة‭ ‬لجلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومى‭ ‬ترجمة‭ ‬زهير‭ ‬سالم‭ ‬عن‭ ‬الفارسية‭ ‬بتصرف

 

‭ ‬أنصت‭ ‬إلى‭ ‬الناى‭ ‬يحكى‭ ‬حكايته‭..‬

ومن‭ ‬ألم‭ ‬الفراق‭ ‬يبث‭ ‬شكايته‭:‬

ومذ‭ ‬قطعت‭ ‬من‭ ‬الغاب،‭ ‬والرجال‭ ‬والنساء‭ ‬لأنينى‭ ‬يبكون

أريد‭ ‬صدراً‭ ‬مِزَقاً‭ ‬مِزَقاً‭ ‬برَّحه‭ ‬الفراق

لأبوح‭ ‬له‭ ‬بألم‭ ‬الاشتياق‭..‬

فكل‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬عن‭ ‬أصله

دائماً‭ ‬يحن‭ ‬إلى‭ ‬زمان‭ ‬وصله‭..‬

وهكذا‭ ‬غدوت‭ ‬مطرباً‭ ‬فى‭ ‬المحافل

أشدو‭ ‬للسعداء،‭ ‬وأنوح‭ ‬للبائسين

وكلٌ‭ ‬يظن‭ ‬أننى‭ ‬له‭ ‬رفيق

ولكن‭ ‬أياً‭ ‬منهم‭ (‬السعداء‭ ‬والبائسين‭) ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬فيه‭!!‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬سرى‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬نواحي،‭ ‬ولكن

أين‭ ‬هى‭ ‬الأذن‭ ‬الواعية،‭ ‬والعين‭ ‬المبصرة؟‭!!‬

فالجسم‭ ‬مشتبك‭ ‬بالروح،‭ ‬والروح‭ ‬متغلغلة‭ ‬فى‭ ‬الجسم‭..‬

ولكن‭ ‬أنى‭ ‬لإنسان‭ ‬أن‭ ‬يبصر‭ ‬تلك‭ ‬الروح؟

أنين‭ ‬الناى‭ ‬نار‭ ‬لا‭ ‬هواء‭..‬

فلا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬تضطرب‭ ‬فى‭ ‬قلبه‭ ‬النار‭..‬

نار‭ ‬الناى‭ ‬هى‭ ‬سورة‭ ‬الخمر،‭ ‬وحمى‭ ‬العشق

وهكذا‭ ‬كان‭ ‬الناى‭ ‬صديق‭ ‬من‭ ‬بان

وهكذا‭ ‬مزقت‭ ‬ألحانه‭ ‬الحجب‭ ‬عن‭ ‬أعيننا‭..‬

فمن‭ ‬رأى‭ ‬مثل‭ ‬الناى‭ ‬سماً‭ ‬وترياقاً؟‭!‬

ومن‭ ‬رأى‭ ‬مثل‭ ‬الناى‭ ‬خليلاً‭ ‬مشتاقاً؟‭!‬

إنه‭ ‬يقص‭ ‬علينا‭ ‬حكايات‭ ‬الطريق‭ ‬التى‭ ‬خضبتها‭ ‬الدماء

ويروى‭ ‬لنا‭ ‬أحاديث‭ ‬عشق‭ ‬المجنون

الحكمة‭ ‬التى‭ ‬يرويها،‭ ‬محرمة‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعقلون،

إذ‭ ‬لا‭ ‬يشترى‭ ‬عذب‭ ‬الحديث‭ ‬غير‭ ‬الأذن‭ ‬الواعية‭.‬