حديث الأسبوع

عبدالله البقالي يكتب :متى ينتهى وباء كورونا؟ سؤال موجه إلى الساسة قبل العلماء

عبدالله البقالي
عبدالله البقالي

بقلم :عبدالله البقالي

لا أحد يملك جوابا دقيقا ونهائيا عن سؤال يهم موعد نهاية هذا النفق الذى دخله العالم بأسره منذ سنة ونصف السنة، بسبب الظهور المباغت لفيروس فتاك هز أركان العالم، وخلف لحد اليوم تكاليف باهظة جدا فى الإنسان كما فى الاقتصاد ؟ والخوف كل الخوف أن يكون الجواب عن سؤال نهاية هذه المرحلة القاسية والصعبة من تاريخ البشرية، حيث فعلت الجائحة ما لم تتمكن الحروب الفتاكة من فعلها فى يد الساسة، وليس فى يد العلماء والخبراء والمتخصصين.

معطيات متضاربة تمطر بها وسائل الإعلام الرأى العام فى كل لحظة وحين، وكثير منها متضارب ومتناقض فى بعض الأحيان. معطيات تأكد أن مدة صلاحياتها قصيرة جدا، بما فى ذلك ركام هائل من الحقائق التى روجت فى بدايتها على أنها نهائية وصحيحة، اتضح لا حقا أنها كانت خاصة بلحظة معينة، وربما لم تكن غير مسكن من المسكنات الهادفة إلى تخفيض مستويات ضغط الدم فى أجساد الناس الذين عاشوا، ولازالوا يعيشون، لحظات رعب وهلع حقيقية بسبب الخطورة البالغة التى غلفت لها تلك المعطيات، سواء تعلق الأمر بضرورة استعمال الكمامات، أو بتجنب ملامسة الأجساد الصلبة لأنها ناقلة وحاضنة للفيروس، أو ضرورة غسل الخضر والفواكه جيدا بالمياه مع استعمال نسبة معينة من التعقيم لأنها بدورها ناقلة للفيروس الخبيث، ناهيك عن ركام هائل آخر من المعطيات التى ارتبطت بخصوصية الفيروس ومكوناته وقوته وضراوته وسرعة انتشاره وإفرازه لمتحولات وطفرات جديدة، وغير ذلك كثير مما شغل الناس فى العالم، واحتل مساحة شاسعة جدا من النقاش العام فى جميع الفضاءات ووسائل الإعلام.

إلى اليوم لا نملك جوابا مقنعا ومطمئنا عن سؤال يتعلق بموعد نهاية هذا الكابوس. فرغم التدابير الصارمة التى اتخذت فى مجموع بلدان العالم، وشملت إجراءات الحجر والعزل والتباعد وتوقيف الغالبية الساحقة من الأنشطة الإنسانية، مما كانت له تداعيات وآثار سلبية على العيش الإنسانى بشكل يكاد يكون غير مسبوق، إلا أن كل ذلك لم ينفع، ولازال الفيروس حيا يرزق، بل ويتمتع بقوة خصوبة وإنجاب غريبة فرخت لحد الآن العديد من الأنجال المتحولات والمتغيرات والطفرات والذين أصبح لكل واحد منها جنسية معينة ترتبط بالدولة التى خرج فيها أول مرة إلى الوجود. وإلى اليوم وبعد أكثر من سنة ونصف لاتزال الآراء والمواقف متناقضة فيما يتعلق بالعمر المحتمل لهذا الفيروس. فمنظمة الصحة العالمية، وهى المنظمة الدولية المتخصصة التى وجدت أصلا لضمان شروط علمية لمواجهة الأزمات الصحية الطارئة التى قد تصيب البشرية، اقتصر دورها لحد الآن على النصيحة والإرشاد، وفى أحسن الحالات التهويل وخلق أجواء الرعب، فى حين كان العالم يتوقع منها تعبئة الجهود والإمكانيات المالية والعلمية، وحشد العلماء المتخصصين لجعل عمر هذا الفيروس قصيرا جدا، ويتجنب العالم ما تكبده من خسائر فى الأرواح وفى الاقتصاد إلى الآن. هذه المنظمة التى لاكت كلاما كثيرا خلال المدة التى عمر فيها الفيروس، اعتبرت فى بيانات حديثة لها أن الاعتقاد بإمكانية التغلب على وباء فيروس كورونا بحلول نهاية العام الجارى أمرغيرواقعى ، وقال مدير برنامج الطوارئ فى هذه المنظمة إنه " سيظل من الممكن خفض الحالات فى المستشفيات والوفيات، لكن الوباء لايزال فتاكا " ورأى المسؤول فى هذه المنظمة أنه سيكون من السابق جدا لأوانه، ومن غير الواقعى الاعتقاد أننا سنقضى على هذا الفيروس بحلول نهاية العام.

و بعيدا عن رأى هذه المنظمة فإنه من الصعب القول بوجود إجماع بين العلماء المتخصصين حول موعد نهاية هذا الوباء، فلكل جماعة وفريق من هؤلاء العلماء آراء وتقديرات متباينة ومختلفة، تؤشر على وجود شيء ما يحول دون حدوث هذا الإجماع، لأن الأمر يتعلق بكائن ينتمى إلى عالم الفيروسات، وهو مجال علمى خالص يكاد يكون صحيحا وأكدت تجارب سابقة أنه من الممكن علميا مواجهته والقضاء عليه، كما حدث مع العديد من الفيروسات الفتاكة والأمراض الخطيرة المستعصية. وهكذا نلاحظ أن فريقا من العلماء يتوقع عمرا قصيرا للوباء ويربط ذلك بالقدرة على تلقيح أعلى نسبة من الساكنة. بيد أن فريقا آخر يتنبأ بمرحلة صعبة تنتظر البشرية فى مواجهة هذا الفيروس، بحيث يتوقع ظهور طفرات جديدة أكثر خطورة من فيروس كورونا واسمه العلمى ( سارس كوف 2 )، ويعتبر هذا التوالد أداء طبيعيا لهذا الفيروس، كما ينبه هذا الفريق إلى أن معدلات انتقال الفيروس لها علاقة بحجم وخطورة الطفرات المتحورة.

فريق آخر من العلماء يزيد من منسوب الغموض الذى يتحول إلى قلق ورعب لدى الرأى العام، حينما يؤكد هذا الفريق أنه ليس لديه القدرة الكافية والحاسمة لتقييم مدة حماية اللقاحات من الإصابة من الفيروس أوتحقيق المناعة الطبيعية، بمعنى أن الجهود الكبيرة والضخمة التى يبذلها العالم من أجل ضمان تعميم اللقاحات على أكبر عدد من البشر ليست كافية للحسم من الآن فى مسألة تعرض الملقحين للإصابة بالفيروس، ناهيك عمن يشكك فى قدرة وفعالية اللقاحات المتوفرة على القضاء عن الطفرات المتكررة.

و بالتالي، وفى ضوء كل ذلك فإن الادعاء بموعد محدد ومعين لنهاية هذا الكابوس يبقى مجرد مسكنات للآلام القوية التى تسبب فيها الوباء، قابلة للتسويق الإعلامى، ولا ندرى ما إذا كان الساسة مطالبين فعلا بالانصات إلى العلماء بهدف السيطرة على الوباء، أم أن الإشكال يتجاوز هذا السقف ويصل إلى مستويات تعطى المشروعية للأسئلة الحارقة المرتبطة بأسباب ظهور الوباء، وما إذا كان خرج فى ولادة طبيعية، أم بعملية قيصرية ؟ لإعادة بناء نظام اقتصادى وسياسى واستراتيجى جديد يستند إلى الحقائق والمعطيات التى استجدت فى العالم وبالتوازنات الجديدة وبالمصالح المرتبطة بقوى اقتصادية وصناعية جديدة تصر على القيام بالمراجعات العميقة لنموذج النظام العالمى التقليدى.