البنتاجون يخشى تلك الأسلحة القاتلة غير القابلة للكشف

الصين واجهت الهند بسلاح «الميكروويف»

نيودلهى وبكين.. نزاع حدودى فى منطقة «لاداخ»
نيودلهى وبكين.. نزاع حدودى فى منطقة «لاداخ»

دينا توفيق

عندما بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون يمرضون وتظهر عليهم أعراض وعلامات سريرية غريبة فى هافانا، كوبا عام 2016، كان العلماء فى حيرة من أمرهم ولا جواب لديهم.. أعقبها هجمات غامضة مماثلة ضد ممثلى الحكومة الأمريكية ومسئولين استخباراتيين فى الصين وروسيا وعدة دول أخرى حول العالم، حتى وقف البنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالى مكبل الأيدى لا يعرفون ماذا يحدث.. حتى أدركوا أن السبب ربما كان سلاحا حراريا أو ما عُرف بـ"سلاح الميكروويف" وتعرض المسئولون الأمريكيون لإشعاع مميت، مؤكدين بذلك معلومات نشرتها وسائل إعلام عن ظهور ما سمى "متلازمة هافانا" مجددًا.

وفى أغسطس الماضي، استطاع الجيش الهندى الوصول إلى وادى جالوان بمنطقة لاداخ، الواقعة فى الهيمالايا والمتاخمة لهضبة التبت، ونشر قواته وسيطر عليها حتى كشف المواقع العسكرية الصينية، حينها كان الجنود الصينيون غير قادرين على شن هجوم مضاد فى منطقة يبلغ ارتفاعها 5500 متر، بسبب الاتفاقية التى وقعت عام 1996 بين بكين ونيودلهي، التى تمنع استخدام الرصاص والمتفجرات. لكن الصين استعادتها سريعًا دون خرق للاتفاقية أو إراقة دماء، فى منطقة النزاع الحدودى المستمر؛ حيث تعرض الجنود الهنود إلى اضطرابات صحية غير متوقعة، وشعروا بضعف شديد، وارتفاع حرارة جسدهم، يقفون بالكاد على قدميهم، حتى فروا من المكان، تاركين المنطقة مفتوحة أمام الجنود الصينيين. ولا أحد يعرف السبب وراء ما حدث وظل لغزًا محيرًا للجميع حتى كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية عن استخدام الصين سلاح الميكروويف. ومع ذلك، نفى الجيش الهندى هذه التقارير، فى تغريدة له عبر حسابه الرسمى على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، واصفًا إياها بـ"الأخبار الكاذبة".

واستندت الصحيفة البريطانية إلى مزاعم أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "رينمين" فى بكين "جين كانرونج"، حيث زعم أنه بعد خمس عشرة دقيقة من هجوم الميكروويف، الذى تسبب فى ارتفاع درجة حرارة الجسم، ثم إصابته بالألم والتهيج؛ فأُجبرت القوات الهندية على التراجع و"حُلت المشكلة بهدوء"، مما سمح للجنود الصينيين باستعادة المنطقة دون إطلاق رصاصة واحدة وانتهاك الاتفاقية التى تحكم قواعد الاشتباك فى المواجهة على ارتفاعات عالية بين القوتين الآسيويتين. وكان الجانبان قد دخلا فى نزاع حدودى فى منطقة لاداخ منذ أبريل، لكنهما لم يستطيعا خرق اتفاقية عدم إطلاق الرصاص الحى فى محاولة لتجنب تكرار الحرب الدموية الصينية الهندية عام 1962. ومع ذلك، قاتلت القوات من كلا الجانبين قتالا عنيفا باستخدام الحجارة والهراوات والعصى ذات المسامير. ولكن يبدو الآن أن الصين تستخدم أسلحة أكثر تطورًا، وسط فشل مستمر فى التوصل إلى تسوية بشأن المنطقة المتنازع عليها "على الرغم من سلسلة المحادثات رفيعة المستوى"، وفقًا لما ذكرته صحيفة "ذا صن" البريطانية.

ويوضح الصحفى الأمريكى "ديفيد هامبلينج" بمجلة "فوربس" والمتخصص فى تكنولوجيا الفضاء والدفاع، قائلًا إن وجود أسلحة الطاقة الموجهة أمر معروف، لكن الجديد فى الأمر هو الكشف لأول مرة عنها بشكل علني، وعن استخدامها فى عمل عسكري. كان ميلادها الحقيقى عام 2001 عندما تم تطويرها من قبل إدارة الأسلحة المشتركة غير الفاتكة «JNLWD» التابعة للبنتاجون، التى تعرف باسم نظام "الإنكار النشط"، والمصمم لإنكار المنطقة والأمن المحيطى والسيطرة على الحشود. كما يُطلق عليها أيضًا سلاح شعاع الحرارة لأنها تعمل عن طريق تسخين سطح الأهداف، مثل جلد الكائنات البشرية المستهدفة. وينتج الجهاز الكبير المركب أعلى السيارة شعاعًا من الموجات الكهرومغناطيسية الدقيقة عالية التردد من هوائى مثل طبق القمر الصناعي، تشبه أفران الميكروويف، تسبب إحساسًا حارقًا مؤلمًا عن طريق تسخين السطح الخارجى للجلد إلى عمق حوالى 1/64 بوصة، حيث يكون الألم شديدًا، لا يستطيع أحد تحمله، كما تعمل الموجات الدقيقة الموجهة عالية الطاقة على إتلاف المعدات، وخاصة الأجهزة الإلكترونية، دون قتل الأفراد المتواجدين فى محيط التردد، ولا تتسبب فى ضرر دائم لهم. وعلى الرغم من المخاوف التى أثيرت حول ما إذا كان يمكن لهذه الأسلحة أن تلحق الضرر بالعين أو لها تأثير مسرطن على المدى الطويل. ويربط تقرير الأكاديميات الوطنية أجهزة الميكروويف عالية الطاقة والتأثير على الأشخاص من خلال تأثير "فراي"، التى سُمى على اسم العالم الأمريكى "آلان إتش فراي"، الذى اكتشف منذ فترة طويلة أن موجات الميكروويف يمكنها خداع الدماغ لإدراك ما يبدو أنها أصوات عادية؛ وقد تؤثر فى سماع الأشخاص للأصوات، وهو أحد الأعراض التى أبلغ عنها الموظفون الأمريكيون المصابون. وتشمل الأعراض الأخرى التى أبلغ عنها مرضى متلازمة هافانا الصداع والغثيان وفقدان السمع والدوار والمشاكل الإدراكية.

ونشرت الولايات المتحدة نسخة مبكرة من سلاح الميكروويف المثبت على العربات فى أفغانستان عام 2010، ولكن تم سحبه، دون أن يستخدم فى القتال، وفقًا لما ذكره هامبلينج بسبب المخاوف من الدعاية السيئة وجرائم الحرب. وفى الآونة الأخيرة، طلبت السلطات المحلية السماح باستخدام السلاح على الحدود المكسيكية وتفريق احتجاجات حركة "حياة السود مُهمة" فى واشنطن وقد تم رفض كلا الطلبين. ولم تستخدم الولايات المتحدة هذه التقنية مطلقًا، لكن البنتاجون يواصل تطوير نسخة أكثر إحكامًا والتسويق لنسخة مختصرة من هذه التكنولوجيا بواسطة شركة "ريثيون" الأمريكية. ووفقًا لمجلة "ذى كونفرزيشن" الأسترالية، مثالان جيدان لمثل هذه الأسلحة هما مشروع الصواريخ المضاد للإلكترونيات عالية الطاقة بالميكروويف المتقدم (CHAMP)  لشركة بوينج، والمستجيب التشغيلى التكتيكى عالى الطاقة (THOR) ، الذى تم تطويره مؤخرًا لتدمير الطائرات بدون طيار. وظهرت هذه الأنواع من أجهزة الموجات الدقيقة ذات الطاقة الموجهة على الساحة فى أواخر الستينيات فى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. واليوم، يستمر إجراء الأبحاث على أسلحة الميكروويف عالية الطاقة فى الولايات المتحدة وروسيا، لكنها انتشرت فى الصين. 

والآن يريد الجيش الأمريكى التوصل إلى جهاز استشعار ينذر الجنود عندما يتعرضون لهجوم بأسلحة الميكروويف، لأنهم قد لا يدركون تعرضهم لهجوم بواسطة شعاع غير مرئى للعين، لكنه مؤلم للدماغ. لذا تبحث وكالة الصحة الدفاعية الأمريكية (DHA) عن جهاز استشعار يمكن ارتداؤه للكشف عن أسلحة التردد ذات الموجات الدقيقة. يتم بالفعل تطوير أسلحة التردد اللاسلكى (RF)  من قبل العديد من الدول. وطورت الولايات المتحدة أسلحة ميكروويف لإسقاط الطائرات بدون طيار، أو كأجهزة غير فتاكة للتحكم فى الحشود. وتفيد تقارير بأن الصين ربما استخدمت تلك الموجات الدقيقة ضد القوات الهندية العام الماضي.

وليس هناك شك الآن فى امتلاك الصين هذه التكنولوجيا. حيث عرضت فى عام 2014، شركة صينية نسختها الخاصة، وهو نظام آخر مثبت على مركبة مثل WB-1 Anti-Riot System، ذو الموجة الميليمترية المشعة غير المميتة لاستخدامه كسلاح مضاد للشغب، حيث يصدر السلاح موجات مايكروويف ميليمترية تقوم بتسخين جزيئات الماء تحت الجلد مما يسبب ألمًا شديدًا، ولكن لم يكن هناك ما يشير إلى أن هذا السلاح قد دخل حيز الإنتاج. واقترح محللون عسكريون صينيون مؤخرًا أن الأسلحة الكهرومغناطيسية غير الفتاكة يمكن أن تكون وسيلة لممارسة الضغط فى مناطق الصراع مثل بحر الصين الجنوبى دون التصعيد إلى حرب إطلاق نار. وستشمل تلك الأسلحة العديد من أجهزة التشويش والأسلحة التى تعطل أو تتلف الإلكترونيات، بالإضافة إلى تقنيات مثل الإنكار النشط؛ ومن الواضح أن مثل هذه التكنولوجيا ستكون قابلة للتطبيق فى النزاع الحدودى مع الهند.

ومع ذلك، نفى الجيش الهندى بشكل قاطع وقوع حادثة الميكروويف، يبقى أن هناك مشكلة أخرى وهى أن التأثيرات التى يصفها أستاذ العلاقات الدولية الصينى كانرونج، لا تتوافق مع التأثيرات المعروفة للإنكار النشط التى تم تحديدها من خلال عدة آلاف من الاختبارات. وتشير جميع الاختبارات الأمريكية إلى أن الإنكار النشط يسبب تسخينًا قصير المدى ولا شيء آخر، يجعلهم لم يتمكنوا من الوقوف ولكن دون أعراض أخرى مثل التقيؤ الذى ذكره كانرونج.

ومع ذلك، وفقًا لمجلة "فوربس" الأمريكية من الممكن أن يكون لدى بكين سلاح ميكروويف يعتمد على مبدأ فيزيائى مختلف، ربما شيء مثل جهاز التحكم الكهرومغناطيسى للأفراد (EPIC)  الذى أجرى البنتاجون أبحاثا عليه فى أوائل القرن الحادى والعشرين؛ حيث يستخدم موجات الميكروويف لتهتز الشعيرات الحسية الدقيقة فى الأذن الداخلية، مما يؤدى إلى اضطراب التوازن والتسبب فى الدوار والارتباك. ويبدو أن بحث EPIC قد تم إلغاؤه فى مرحلة مبكرة، وهذه التكنولوجيا أقل تقدمًا بكثير من الإنكار النشط. ويُشتبه مع استخدام أسلحة مماثلة خلال هجوم على دبلوماسيين أمريكيين فى مدينة "جوانزو"، جنوب الصين عام 2018، وخلال الهجمات المزعومة ضد السفارتين الأمريكية والكندية فى العاصمة الكوبية هافانا التى يعود تاريخها إلى عام 2016.. وقد يظهر المزيد من التفاصيل عن الحادث، على الرغم من أنه إذا كان جيش التحرير الشعبى الصينى يمتلك مثل هذا السلاح، فقد يرغب فى إبقائه طى الكتمان. لذا فإن حرب المنطقة الرمادية، التى يظل فيها الصراع أقل بقليل من مستوى حرب النيران، هى سمة من سمات القرن الحادى والعشرين؛ وقد يعتقد الصينيون الآن أن لديهم السلاح المناسب للفوز بها.