قرية مصرية تقدس الشمس .. الفراعنة الجدد يسكنون القرنة

قرية مصرية تقدس الشمس
قرية مصرية تقدس الشمس

مدينة القرنة (تسمى أيضاً غورنا أوكورنا) هي مجموعة من ثلاث قرى ذات صلة وثيقة وهم القرنة الجديدة والقرنة وشيخ عبد القرنة، تقع على الضفة الغربية لنهر النيل مقابل مدينة الأقصر الجديدة على مقربة من تلال طيبة.

تم تصميم القرنة الجديدة وبنيت في الخمسينيات من قبل المهندس المعماري المصري "حسن فتحي" لإيواء الأشخاص الذين يعيشون في القرنة التي هي الآن غير مأهولة بالسكان.

وفي 12 يناير عام 1955 دخلت مجلة "أخر ساعة" هذه القرية الغريبة التي كانت تزدحم بالأسرار فهي أغرب قرية في مصر يقف فيها كل بيت وحده فوق الجبال المتناثرة، ويعيش أحفاد الفراعنة وسط المعابد ويرفضون البيوت النموذجية الجديدة.

وعند دخول القرية اتضح أن الفراعنة لم يتركوا معابدهم وتماثيلهم فقط ولكن ما زالت في مصر قرية واحدة تركوها وسط معابدهم في وادي الملوك والدير البحري يعيش فيها أحفاد للفراعنة بنفس التقاليد وبنفس الوجوه الفرعونية القمحية والأنوف المرتفعة.

اقرأ أيضا : زمن الأجداد| «البعكوكة» مجلة بدون محررين.. وصل توزيعها 160 ألف نسخة

ومازال أحفادهم يقدسون الشمس وينحتون التماثيل ببراعة وينقشون الصخور بدقة مذهلة، اسم القرية "القرنة" بلغة مصر و"الجرنة" بلغة أحفاد الفراعنة، وتبدأ الحياة فيها مع الشمس عندما تشرق وتنتهي كل حركة منها مع الشمس عندما تختفي، وفي أركان القرية معابد وتماثيل من كل نوع.

ويقف على بابها تمثالا لحراستها من الأرواح الشريرة كما يقولون، وليس فيها جريمة أو خصام أو اعتداء فهي قرية "السلام" في مصر وكل الأيدي هناك كانت معروفة فهي ناحلة تدق على الجرانيت بنفس براعة الفراعنة القدماء، وحتى الأطفال لهم تسلية فهم طوال النهار ينحتون في الصخور ويصنعون تماثيل بديعة.

أما فتيات القرية فيصنعن الطواقي الصوف بألوان جميلة وينسجن الكتان بدقة وبراعة لا يضاهيها أحد على الإطلاق، ولا يعترفون بالألوان التي يصبغون بها الخيوط حتى ينسجونها ولا تضيع الألوان أبدًا وتبقى سنين طويلة حتى تبلى الأقمشة نفسها.

وأهالي "الجرنة" يقدسون الشمس "آمون" كما كان أجدادهم يعبدونها ويبدأون يومهم قبل أن تشرق وعندما تغطي أشعتها وجهي تمثالي "ممنون" وينعكس الظل فوق القرية ينظرون إلى الشرق ويرددون دعاءًا محفوظًا يقول "شمس الشموس صباحك نور".

ثم بعد ذلك يسرع نصفهم إلى الجبال يصنعون التماثيل بقطع من الحديد مثل عهد الفراعنة ويعودون قبل الغروب، ويرجع موكب آخر ومعهم قطع الجرانيت يقومون بصناعتها داخل بيوتهم مع زوجاتهم وأطفالهم.

ويذهب الآخرون إلى شاطيء النيل لانتظار الزوارق القامة من الأقصر وتحمل السياح ويسيرون مع السياح اليوم بطولة ويرجعون قبل الغروب وهؤلاء جميعًا يتكلمون الإنجليزية والفرنسية وبعضهم يعرف الإيطالية والألمانية، ولا أحد يعمل عندما تختفي الشمس خلف الجبال.

وهناك تقليد طريف في القرية العجيبة فعندما تأتي قوافل السياح ويصلون إلى تمثالي "ممنون" عند مدخل القرية تقف السيارة ويستقبلهم فارس القرية "على عبد الرسول" ويقوم وحده بمهمة السفير ويقوم بتقديم الشاي للضيوف وكل يوم يقدم الشاي أكثر من مائتي مرة، ويقيم مآدب طعام ويتزعم أصناف الغذاء الكشك الصعيدي والملوخية.

وعرف عن عبد الرسول حسن معاملته وكرمه وشهامته فهو يعد فارس أحلام السائحات في الصعيد وكان يرحب بهم بكلمات فرنسية وإنجليزية.

وعندما تغيب الشمس يبدو على كل الوجوه شعور حزين ويخفضون رءوسهم ولا يتكلمون وتبدأ دقات طبول طويلة حزينة ويجتمع الرجال والأطفال في حلقات ويبدأون سهرة تشمل دق الطبول والمزمار ويبدأون في التصفيق.

ومن عاداتهم أنهم لا يسمحون للمرأة على الإطلاق بحضور مجتمعات الرجال، وفي الليالي المرحة يرتدي أحد الرجال زي الراقصة المزركش بالألوان ويقوم هو بدور الراقصة.

وفي يوم ذهب إليهم فنان قادم من دنيا الناس في القاهرة واسمه "حسن فتحي" ذهب ليصنع قرية جديدة يعيش فيها أحفاد الفراعنة ويتركوا بيوتهم القديمة وسط المعابد وفوق بقايا الآثار، وقضى شهورًا طويلة وصمم أغرب قرية في العالم.

وعلم حسن أن أهل القرية فنانون ولذلك صمم لهم بيوتًا ذات نقوش وزخارف، وفي دهشة قالوا له أهل القرية هل تريد منا أن نبتعد عن أجدادنا وبيوتنا الأثرية، والقرية القديمة كان يحرسها تمثالا ممنون من يحرس القرية الجديدة؟.. هل نحن مقصرون في نظافة آثار أجدادنا أو حفظها سليمة؟.

وقال حسن فتحي: الحقيقة إنهم يحرصون على كل حجر ويرعون كل أثر ويرفعون رأس مصر بروحهم الكريمة مع السياح، ولكن تحت القرية القديمة بقايا الآثار والتماثيل والأسرار ونريد أن نكشف عنها.

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم