جسد.. بــلا روح

سمر
سمر

أنا ضحية الغيرة والجهل والكيد العظيم، أنا فتاة لم ينصفنى تعليمى، ولم يكن حوارى العقلانى سيفاً أحارب به جهل أقرب الناس لى، تمردت عندما نفذ صبرى، وقررت أن أغير حياتى كلها، طلبت الطلاق، فكان العقاب سريعًا، امرأة منبوذة، مشردة فى شوارع القاهرة، متسولة، أم لثلاثة أطفال يسكنون بجوارى فى دار إيواء بعد أن أنكر أبوهم نسبهم.

طوال حياتى، لم اكن جانية بل مجني عليها، تزوجت من ابن خالى، كنت أحبه كثيرًا، فكان ملاكًا فى تصرفاته معى، لكن زوجة خالى أو كما يطلقون عليها «حماتى» حولت حياتنا إلى جحيم، أصبحت فى نظرها العدو الذى يجب أن تتخلص منه بأسرع وقت، والسبب مرور عام دون إنجاب طفل.

كان كلام حماتى يقتلنى يومياً، حتى أننى لم أشاهد معها التليفزيون نهائيًا، مشهد إنجاب واحد أو صورة يظهر فيه طفل أو عيد ميلاد، كانت بمثابة معلقة الردح والشماتة التى تطالنى طوال اليوم.

لم أشتكِ لزوجى من كلام والدته، فكانت ليل نهار تحدثه فى التليفون، وتلح عليه أن يتزوج من أخرى، وتتهمنى أنى عاقر ولن أنجب نهائياً.. لم اتحمل كل هذا الألم سوى عام آخر، بعدها قررت العودة إلى منزل والدى، طلبت الطلاق لكننى لم أجد من أخى الأكبر سوى الإهانة والضرب، والوقوف بصف حماتى، فأدركت وقتها أن مصيرى سيكون معلقًا بإنجاب طفل، لست أنا السبب فيه، فهو بيد الله وليس بيدى.


عدت إلى المنزل..وقررت الصبر، تحملت كل ما ألاقيه من إهانة وشماتة، لكن مع مرور الأيام والشهور، أصبحت أحدث نفسى، يكاد الجنون يتملكنى، خاصة بعد أن حجب نساء القرية أبناءهن عنى خشية من الحسد، وعندما فاض بى الكيل قررت الهروب، خرجت ليلا حاملة حقيبة ملابسى، وتوجهت إلى العاصمة، حيث لا يعرفنى أحد من اهلها.


لم يكن معى مالا،تحولت بعد أسابيع من تواجدى فى القاهرة إلى متسولة ومشردة فى الشوارع، ساءات هيئتى-واغرانى متسولا كان يخضع الناس بقدمه المبتورة، رغم أنها سليمة ولا قطع أو إصابات بها-بالعيش معه، وجدته يكسب مالا كثيرا، لديه خزينة تحوى آلاف الجنيهات، وفر لى مكانا أعلى إحدى العمارات فى إمبابة، وقام بالاعتداء علىّ أكثر من مرة، بعد أن وعدنى بالزواج، حتى حملت وأنجبت طفلى الأول، بعدها طردنى، ورفض الاعتراف بابنه.


حقيقة وقتها، أصبحت لا أبالى بمصيرى، وسلمت جسدى إلى رجل آخر وأنا لا أدرى ماذا أفعل، فقط كنت تائهة، أشعر أننى أنتقم من الجميع، تنتابنى ضحكات كلما سرت فى الشارع، حتى صدقت نفسى وصدق كل من يقابلنى أن الجنون قد تملكنى بالفعل، لذلك أنا نادمة فقط على ما ارتكبته من حرام، لكن لست نادمة على هروبى من المنزل، فقد علم زوجى وأخى بتسولى فى الشوارع ورفضا عودتى إلى البيت، بل إن زوجى أخبر الشرطة أنه طلقنى بعد يوم من هروبى من المنزل.


من ألومه هو شقيقى الذى كان بمثابة الأب والصديق لى، هو يعرف مكانى جيدا، لكنه لم يأت يوما لزيارتى، يتهمنى أننى أسأت للجميع، وأنه لا عودة مرة أخرى إلى العائلة، يحذرنى أن دمى أصبح محللا، وأن الخيانة والعار مصيرهما القتل، يبعث لى برسائل مفادها كفى..لا عودة للماضى، لقد أصبحت ميتة فى نظر عائلتى.. لذلك استسلمت..وأدركت انه ليس أمامى سوى العيش هنا، والدفن فى مقابر الصدقة.