يوميات الأخبار

إعلامى لكل مواطن!

محمد الشماع
محمد الشماع

كانت الصحف فى تلك الفترة هى المصدر الأول للمعلومات والأخبار وكانت فى أوج قوتها وتأثيرها

فى مرحلة السبعينيات كان عدد أعضاء نقابة الصحفيين لا يزيد عن ألفى صحفى، وكان مندوبو الصحف بالوزارات والهيئات والمؤسسات على تعددها وتنوعها لا يزيد عدد المحررين المكلفين بتغطية أنشطة الوزارة وأخبارها عن أربعة أو خمسة محررين على الأكثر.

كانت الصحف القومية الثلاث الأخبار والأهرام والجمهورية ووكالة أنباء الشرق الأوسط.

وقد ينضم إلى هؤلاء بعض الصحفيين دون انتظام لتغطية حدث أو إجراء تحقيق صحفى لحدث عارض يدخل فى نطاق عمل الوزارة.

وكان مندوبو الرباعية الصحفية- الأخبار والأهرام والجمهورية ووكالة أنباء الشرق الأوسط- معروفين تماما لدى مسئولى كل وزارة بدءاً من أفراد الأمن والاستعلامات فى مدخل الوزارة حتى الوزير، وكثيرا ما انعقدت صداقات بين الصحفيين والعاملين فى الوزارات والمؤسسات للثقة المتبادلة بينهم وكذلك بين المسئولين، وكلما توطدت الثقة فإنها تصب فى صالح العمل الصحفى بصورة كبيرة جدا تكون نتيجتها مزيدا من النجاح الذى يحققه الصحفى فى معرفة الأخبار والمعلومات المهمة أيضا وكشف أية أخطاء وطرح أفكار تساهم فى دفع وتطوير العمل وتحسين الخدمات وزيادة الإنتاج فى كافة المجالات والمشاركة فى حل مشاكل المواطنين والعاملين ايضا.

وإذا كان الصحفى يسعى لمعرفة الأخبار والمعلومات الخاصة بالوزارة أو الهيئة فإن بعض المسئولين والقيادات بتلك الوزارات يتخذون من الصحفى مصدراً للمعلومات والأخبار التى تهم المسئول الكبير سواء كانت تلك المعلومات من داخل وزارته أو من خارجها، وكلما كانت المعلومات والأخبار متعددة وكثيرة وصادقة زادت مكانة الصحفى لدى المسئول الذى يحتفظ بها لنفسه وربما تفيده فى نطاق اختصاصه ومسئولياته، أما الصحفى فينشر ما يحصل عليه من أخبار.

ويرجع ظهور هذه الحالة النموذج المثالى لها العلاقة التى كانت تربط بين الرئيس عبدالناصر والكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، حينما اشتكى كبار الكتاب والصحفيين من أن الرئيس يخص الأستاذ هيكل بالمعلومات والأخبار دون غيره فكان يرد على ذلك ضاحكا على العكس تماما فأننى أنا الذى أحصل منه على الأخبار والمعلومات وليس العكس!!

ورغم محاولات البعض تكرار تلك الحالة إلا أن محاولات كثيرة لإعادتها قد فشلت تماما فى أن تحقق أى نسبة نجاح ولو ضئيلة جدا!!

المهم كانت الصحف فى تلك الفترة المصدر الأول للمعلومات والأخبار وكانت الصحافة فى أوج قوتها وتأثيرها وتأثرها، كان ينضم إلى مندوبى الصحف فى الوزارات مندوبو الأخبار فى الإذاعة والتليفزيون لإعداد التقارير وكتابة الأخبار للزيارات الميدانية للمشروعات أو المؤتمرات أو توقيع الاتفاقيات الداخلية والخارجية.

وكان من الطبيعى أن يذهب الصحفى إلى الوزارة المكلف بمتابعة أخبارها بصورة شبه يومية ويلتقى بالعديد من المسئولين وكبار الموظفين ليعرف كل صغيرة وكبيرة وقد يندمج الصحفى الذى يداوم على لقاءاته وزياراته للوزارة وتجده بعد فترة يتحدث بمفرداتهم وتصبح ثقافته متطابقة تماما مع ثقافة العاملين بالوزارة وكأنه واحد منهم.

١٩٧٤ إلغاء الرقابة

وبعد قرار الرئيس السادات بإلغاء الرقابة على الصحف فى العام ١٩٧٤ وبعد قيام المنابر السياسية تم إنشاء الأحزاب فى العام ١٩٧٦ زادت اعداد الصحف الحزبية والمستقلة والخاصة وكان اعتماد إصدار هذه الصحف يقع على عاتق المؤسسات الصحفية القومية وبدأت معظمها أسبوعية ثم أصبحت يومية وكان الاعتماد فى البداية على مندوبى الصحف القومية وبدأت الإصدارات تتوالى حتى تخطت أعدادها العشرات من الصحف الجديدة وتحملت المؤسسات القومية أعباء ضخمة حتى تنجح التجربة الحزبية حيث تمت إعارة الصحفيين للعمل فى الصحف الحزبية مع صرف كل مستحقاتهم المالية كاملة غير منقوصة وتقديم كل المساعدات الفنية وإعداد وطباعة وتوزيع الصحف من خلال المؤسسات الصحفية القومية وتراكم الأعباء المالية على المؤسسات القومية لأداء هذا العمل الوطنى.

ومع كثرة وتعدد الصحف بدأت تستعين بمحررى الصحف القومية وتقدم لهم المقابل المادى فأصبح المحررون يقومون بمراسلة تلك الصحف الجديدة ويعطونها أولوية على الصحف المعنيين بها حتى أن بعض الصحفيين كان يراسل عدة صحف تقترب أعدادها من الخمس صحف فى وقت واحد وكان يكتب الخبر من أصل وأربع صور ويرسلها بالفاكس إلى مقر الجريدة أولا ثم يرسل الموضوع فى النهاية الى الجريدة المعين بها!

درس فى مهنية الصحافة

وكان بعض الصحفيين «يجود» أو يسخن الموضوع من عندياته لكى يعطى له أهمية فينشر فى الصفحة الأولى، لأنه فى فترة منتصف السبعينيات وبداية الثمانينات كانت تجرى محاكمات بعض المسئولين الفاسدين وقضايا توظيف الأموال والتربح واستغلال النفوذ..

فكتب أحد الصحفيين مانشيت «موضوعا» فيه تجاوز كبير على الحقيقة وقام بإرسال الموضوع إلى الصحف التى يراسلها أولا وبعد أن فرغ من ذلك أرسل ما كتبه إلى الجريدة المعين بها وعندما عرض الموضوع على رئيس التحرير طلب أصل الموضوع الذى تأكد من عدم صحته فأجرى اتصالات بالمصادر الموجودة بالموضوع فأكدوا له أن الموضوع ليس بهذه الصورة المخالفة تماما للحقيقة والواقع!

قام رئيس التحرير بكتابة الموضوع من جديد وبعناوين جديدة. وفى صباح  يوم صدور الجريدة القومية كانت هى الوحيدة التى نشرت الحقيقة وباقى الصحف التى يراسلها المحرر كانت جميعها نسخة واحدة وبعيدة كل البعد عن الحقيقة وعناوينها متشابهة ومختلفة عن الحقيقة وانكشف المستور!!

اتفاقات غير مكتوبة!

ومن النوادر أيضا أن بعض المحررين فى كل وزارة يشكلون فيما بينهم ما كنا نطلق عليه «الكوبنية أو جمعية النقل العام» حيث يقوم أحد المحررين بكتابة الموضوع أو الخبر ويقوم باقى المحررين بالكتابة خلفه ويبدو الموضوع وكأنه حصة إملاء.. وكان هناك اتفاق فيما بينهم أن الموجود يسد، بمعنى أنه إذا كان أحد أفراد المجموعة أو اكثر متغيبين، فالموجود من الزملاء ما عليه سوى أن يكتب الموضوع ويرسله على الفاكس إلى صحف زملائه غير الموجودين. بشرط ان يكون باسم الزميل الذى لم يحضر.

وكانت تحدث مفارقات ونوادر خلال تنفيذ هذا الاتفاق غير المكتوب فنجد الخبر الذى يجب أرساله إلى الجريدة «س» قد ذهب الى الجريدة «ص» بالخطأ وفى بعض الاحيان كان من يكتب الخبر يقول جاء ذلك فى تصريح لجريدة «أ» ويتم أرسال الخبر على هذا النحو الى الصحف الأخرى على انه تصريح لصحيفة «أ» وفى أحيان كثيرة كان الخطأ ينشر فى الجريدة التى لم يذهب محررها إلى الحدث ولم يكتبه بنفسه وتكون هنا «المصيبة» الكبري!

وكان بعض الزملاء الذين يعملون فى أكثر من جريدة يكتبون موضوعاتهم أو أخبارهم فيقدمون الموضوع الذى يجب أن ينشر فى صحفهم إلى الجريدة التى يراسلها، ثم يقدم الخبر الذى كان مفروضا إرساله إلى الصحيفة الإضافية إلى صحيفته! وأصبح المحرر يلعب فى ٣ مراكز فى آن واحد حيث يقوم بدور الصحفى الحزبى والمستقل والخاص والقومى فى وقت واحد!! بل مستشار صحفى للمسئول الكبير!!

ومع تعدد الصحف والفضائيات والمواقع أصبحت كل صحيفة ووسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية ترسل لها مندوبا فى كل وزارة أو هيئة أو جهاز حتى أن بعض المؤسسات الصحفية أصبح لها أكثر من عشرة مندوبين فى كل جهة من الجهات المختلفة والمتعددة حتى أصبح عدد مندوبى الصحف ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة والحزبية والمستقلة يفوق أعداد المسئولين فى الوزارات والجهات المختلفة.

ومع الزيادة المتصاعدة ضاقت الأماكن التى كانت تستوعب تلك الأعداد فى إدارات الإعلام والعلاقات العامة من الصحفيين والإعلاميين وتقلصت العلاقة بينهما إلى حدها الادنى، فلا تجد أخباراً ذات قيمة بالنسبة لجمهور القراء أو المتابعين لتلك الرسائل الإعلامية سوى ما يبثه المستشار الإعلامى أو المتحدث الرسمى باسم الوزارة أو الهيئة التابع لها فى الفترة التى يفتح فيها تليفونه المحمول ويتهرب من الإجابة عن أى اسئلة أو استفسارات للرأى العام فى أشد الحاجة إلى معرفة حقيقتها، فتكون النتيجة انتشار الشائعات التى تنتظر فى الغالب الأعم النفى غير المقنع للجمهور بعد انتشارها!

ومع تزايد أعداد الصحفيين والإعلاميين بصورة غير مبررة لحاملى العضوية ولغير حامليها ممن ينتحلون المهنة وأصبحت أعدادهم بلا حصر لدرجة أنه أصبح إعلامى لكل مواطن!

ولم يعد معظم هؤلاء يذهب إلى حيث يوجد المسئولون بالوزارات والهيئات ولا حتى إلى مكاتب العلاقات والإعلام وإنما يكتفون بزيارة أو أكثر ويتم فيها تبادل الإيميل مع المتحدث الرسمى أو المستشار الإعلامى لكى يرسل له!

لقد وصل أعداد كليات ومعاهد وأقسام الإعلام إلى أكثر من ٨٠ كلية ومعهداً يتخرج فى كل منها ١٥٠٠ طالب بإجمالى متوسط ما يقرب من ٢٥ ألف طالب سنويا لا يعمل منهم سوى ١٪ فقط إن وجد لهم مكان!

تلك كانت تراكمات وأحداث من الماضى القريب أثرت فى الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية تركت آثاراً على القواعد المهنية وعلى دورها كأداة تواصل بين مؤسسات الدولة والشعب وعليها كصناعة تتطلب تمويلات ضخمة لتستطيع أن تواكب تكنولوجيا العصر.

رعاية المسلسلات أم المواطنين؟!.

ظاهرة رعاية الجمعيات الخيرية والأهلية للمسلسلات الإذاعية الهابطة التى بدأت منذ عامين على استحياء انتشرت بصورة كبيرة جدا هذا العام خلال شهر رمضان الحالى، ويبدو أن التبرعات كانت أكثر هذا العام، مما دفع أعداداً من الجمعيات الكبيرة برعاية عدد من المسلسلات الهابطة والمسفة وتدعى أنها مسلسلات كوميدية، بل صدعت آذاننا ورفعت الضغط عند الكثيرين وبسبب الرعاية المادية لهذه المسلسلات من أموال التبرعات..

هذه الجمعيات تطاردنا وتلح على المواطنين جميعا بضرورة التبرع ولو بجنيه واحد وكأنهم يتحدون الجميع بقيامهم بتوجيه جزء كبير من هذه التبرعات لهذه المسلسلات والعاملين فيها وليس لرعاية المواطنين الفقراء.
أين دور وزارة التضامن الأجتماعى التى من المفترض انها تشرف وتراقب الميزانيات المالية ومجالات أنفاق ماتجمعه من الملايين من الجنيهات وربما عملات أخرى.