حكايات| أحدها تحت الأرض.. أضرحة نسائية لـ«آل البيت» في القاهرة التاريخية

ضريح السيدة سكينة في القاهرة - أرشيفية
ضريح السيدة سكينة في القاهرة - أرشيفية

على مدار مئات السنين، ظل المصريون يتباركون بزيارة (آل البيت) للدعاء والتقرب إلى الله، وكان للقاهرة التاريخية نصيب الأسد من الأضرحة، فهناك من يحظى بشهرة واسعة للعامة والآخر يحرص على زيارته عدد محدود.

 

ولعل ضريح السيدة سكينة واحد من أشهر تلك الأضرحة؛ حيث عشقها المصريين سيرًا على درب «محبة آل بيت النبي»، فحين عرفوا أن بينهم زهرة من الروضة المحمدية سكنت نفوسهم، فقد فازوا بالقرب من الأنوار، إنها السيدة سكينة أبيها الشهيد السعيد الإمام الحسين، وجدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأمها السيدة الرباب بنت أُمرئ القيس. 

 

ولدت السيدة سكينة في رجب عام 47 هـ، ولقبتها أمها باسمها «سكينة» لهدوئها وسكونها، أما اسمها الحقيقى، فقيل: أميمة أو أمينة أو أمية، كانت «سكينة» بيت النبوة، الزهرة التى تفتحت فى أرض المحروسة.

 

اقرأ أيضًا | أوراق «التاروت».. سر فرعوني تنبأ بظهور النبي محمد

 

كانت قدوة للمرأة المسلمة في الظاهر والباطن، فتيات مكة يقلدنها فى طهارتها وعبادتها، وفي هندامها وأناقتها، عُرفت بجمال الأخلاق والخلقة، متعبدة «مستغرقة» مع الله، عاصرت أباها الحسين، في فترات الجهاد والشدائد، فكانت له نعم العون، محبة للغة ولدراسة آدابها وقواعدها، واهتمت بتعليم المسلمين، فكان لها في ميادين العلم والفقه والأدب شأن كبير.

 

 

تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام، فولدت له طفلة سمتها على اسم أمها «بضعة النبي»، فاطمة الزهراء، لكن مصعب لم يلبث أن قُتل، فتزوجت بعده عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم بن حزام فولدت له عثمان.

 

بعد رحيل الحسين، عاشت «سكينة» إلى أن توفيت سنة 117هـ عن عمر سبعين عامًا، وتضاربت المعلومات حول وفاتها في مصر أم المدينة المنورة، فقد ذكر الإمام عبدالوهاب الشعراني في طبقاته «أنها مدفونة في مصر بالقرافة، قرب السيدة نفيسة»، وكذلك في طبقات الناوي والحلبي.

 

ويعد ضريح السيدة سكينة أول مشاهد الدرة النبوية فى مصر، وأنشأ لها المأمون البطائحي، وزير الآمر بالله الفاطمي، مزارًا وبنى عليه قبة بعد سنة 510 هـ، وأشار له علي مبارك في خططه فقال إنه أقيم فى مصر بحي الخليفة عن شمال الزاهد إلى القرافة الصغرى، وكانت في بدايته زاوية صغيرة، ثم ألحق بالضريح مسجد أقامه الأمير عبدالرحمن كتخدا سنة 1173هـ (1760م)، وعمل على الضريح مقصورة من النحاس سنة 1266هـ، ثم أمر الخديو عباس حلمي الثاني بتجديده سنة 1322هـ، وأصبح له ثلاثة أبواب غير الميضأة، اثنان على الشارع والثالث الباب المقبول فى الجهة القبلية يفتح على درب الأكراد.

 

ضريح فاطمة أم الغلام

 

بجوار مسجد الإمام الحسين بن علي، يقع مقام تحت الأرض، يحمل اسم ضريح «أم الغلام»، ويحمل الشارع الموجود فيه الضريح نفس الاسم، ويوجد الضريح تحت المسجد المعروف بـ«جامع أم الغلام»، وكان المبنى في السابق مدرسة اسمها «مدرسة إينال»، بناها السلطان إينال السيفى ويتبعها سبيل بجوارها.

 

يعرف الكثيرون مقام أم الغلام من مريدي الطرق الصوفية ومحبي آل البيت في مصر، والذين يعتبرون زيارة الضريح أمرا أساسيًا. 

 

بمجرد الدخول إلى الممر الذي يوجد فيه الضريح، تنتشر بوضوح رائحة البخور، وهناك يجد الزائر أمامه سلما وأنوارا خضراء تحت الأرض وعند نزوله يجد أن المقام لسيدتين وبحسب اللافتات الموضوعة الأولى هي فاطمة بنت سيدنا الحسن بن علي، وزوجة علي زين العابدين، وترقد بجانبها السيدة فاطمة «أم الغلام»، زوجة الإمام الحسين الفارسية «شهريناز بنت يزدجرد»، إحدى بنات كسرى ملك الفرس، التي زوجها الإمام على رضى الله عنه، لابنه الحسين في حضور الخليفة عمر بن الخطاب، والتي غيرت اسمها بعد دخولها الإسلام إلى فاطمة وأنجبت الإمام علي بن زين العابدين، الملقب بـ«علي الأصغر».

 

بداخل الضريح العتيق الذي تنزل إليه عبر درجات السلم تجد غرفتين إحداهما وضعت فيها لافتة كبيرة سجلت فيه رحلة قدوم رأس الإمام الحسين، إلى مصر والتي توضح أن الرأس كانت مستقرة فى دمشق ومع قدوم حملات الصليبين إلى الشام قام الأتراك السلاحقة بإخفاء الرأس فى مدينة عسقلان وقام الخلفاء الفاطمين الذين حكموا مصر وقتها بشراء الرأس للحفاظ عليه، مقابل 30 ألف قطعة ذهبية.

 

ورغم أن هذه القصة مستقرة فى وجدان المصريين الذين خصصوا احتفالين فى السنة، الأول لميلاد الحسين والآخر لقدوم الرأس الشريف إلى مصر، إلا أن هناك حالات تشكيك فيها، والبعض يقول إن الرأس لاتزال فى دمشق، فيما يؤكد آخرون أنها فى عسقلان لم تنتقل منها.

 

محراب السيدة نفيسة بالمقطم

 

أحد الأماكن الروحانية بجبل المقطم، وروضة من رياض الجنة بجبل المقطم، على مقربة من مسجد العارف بالله سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري وبجوار سلطان المشرق والمغرب سيدي عبدالله بن أبي جمرة، إنه محراب سيدة من سيدات بيت النبوة وهي السيدة نفيسة بنت الحسن، التي اشتهرت بالعبادة والزهد، وهي صاحبة الجامع المشهور بالقاهرة.

 

 

وكان المحراب تتعبد فيه السيدة نفيسة رضي الله عنها عندما كانت تريد أن تناجي ربها بعيدًا عن أعين الناس فاتخذت من هذا المكان خلوة له.

 

وعلى باب الخلوة مكتوب: «محراب السيدة نفيسة رضي الله عنها.. بسم الله الرحمن الرحيم لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون صدق الله العظيم»، خلوة السيدة نفيسة يتزاحم الكثيرون عليها كي يرفعوا أكف الضراعة إلى المولى عز وجل.