تولى الحُكم وعمره 10 سنوات.. سلطان لمدة 70 يومًا

 عبد العزيز خرج من» قصر الحريم» سلطانا.. وعاد إليه معزولا!
عبد العزيز خرج من» قصر الحريم» سلطانا.. وعاد إليه معزولا!

طفل لا يتجاوز عمره العشرة أعوام. بدأ يومه باللعب فى قصر الحريم، لكن مع اقتراب الليل شعر عبد العزيز بتحركات غير طبيعية فى المكان.

جاءته أمه قنقباى وفى عينيها بريق سعادة مشوبة بالقلق، رُزقت بطفلها عبد العزيز من السلطان الظاهر برقوق، الذى مات قبل ست سنوات ونصف، وتوّلى ابنه الأكبر فرج حُكم البلاد. لكن مشكلات الأخير بدأتْ تتزايد مع مماليك والده. إنها الأحداث نفسها تتكرّر باستمرار، خلال الساعات الأخيرة تابعتْ قنقباى شائعات تتردد فى القصر عن الإطاحة بفرج، وتوقعت السيناريو المُحتمل. انتبهتْ على صوت يأتى من الخارج طالبا سرعة إخراج عبد العزيز..

كان الوقت متأخرا، اقترب موعد صلاة العشاء. خرج الطفل ليجد فى انتظاره شخصا اسمه سعد الدين ابن غراب. طلب منه أن يخلع ملابس الأطفال ويرتدى عباءة وعمامة، ثم اصطحبه إلى اجتماع حضره الخليفة وقضاة المذاهب الأربعة، وعلى الفور تم إعلان عبد العزيز سلطانا جديدا، وتحوّل اسمه إلى المنصور عز الدين أبو العز عبد العزيز بن الظاهر برقوق. صعدوا به إلى قصر الحكم مع أذان العشاء.

وعلى غير العادة لم يتم تزيين القاهرة مثلما يحدث مع استقبال كل سلطان جديد، وانتشر المنادون فى أنحاء المدينة، وطمأنوا الناس بانتهاء خلافات الفترة السابقة، وطلبوا منهم الدعاء للحاكم الجديد، وعلى غير العادة أيضا لم ترتفع أصوات المواطنين بالدعاء، واعتبر المؤرخ ابن إياس ذلك من النوادر.

قبل ساعات اشتدت خلافات السلطان المخلوع فرج مع مماليك أبيه، وعلى مدار الأسابيع الأخيرة كاد يهرب أكثر من مرة، لأنه استشعر أن حياته مُهددة بخطر حقيقي.

نجح معارضوه فى استقطاب مسئول كبير فى القصر هو كاتب السر سعد الدين بن غراب، كى يساعدهم عبر الحرب النفسية فى الضغط عليه.

وفى هذا اليوم تحديدا بدأ ابن غراب ممارسة الدور المطلوب منه، وبث الخوف فى نفس فرج بن برقوق، وأكد له أن الغلبة لمعارضيه. وبالفعل خرج السلطان من باب خلفى للقلعة ومعه أمير آخر، وركبا فرسين أعدهما ابن غراب، وجعل مملوكه بكتمر يصطحب الهاربيْن. عند وصولهم للنيل استقل الجميع مركبا وقضوا بقية النهار فيه، ومع مجىء الليل اتجهوا إلى منطقة بركة الفيل، عبر الخليج المائى الذى كان ممتدا مكان شارع بورسعيد الحالي.

إلى أين يتوجه السلطان الهارب؟ العجيب أنه كان فى طريقه لبيت ابن غُراب نفسه!! قادهم المملوك بكتمر إلى بيت سيده، غير أنه لم يكن موجودا به فى ذلك التوقيت، وهو أمر طبيعي، ففى الوقت نفسه كانت تمضى مراسم تنصيب السلطان الطفل، ولا يُمكن أن يغيب ابن غراب عن مشهد كهذا، خاصة أنه واحد من صانعيه!

وبعد أكثر من شهرين كان ابن غراب جزءا من خطة للإطاحة بالسلطان، لهذا نال جانبا أساسيا من الكعكة، وأصبح المسئول عن إدارة الدولة فى عهد السلطان الجديد، الذى ظل تحت رعاية أمه، لا علاقة له بالسُلطة إلا ذكر اسمه فى الخطبة، والتوقيع على قرارات يتخذها الآخرون وغالبا لا يفهم الطفل محتواها.

فى أجواء كهذه يشتعل الصراع بين الأمراء المنتفعين والمُستبعدين من جنة الحُكم. وفجأة وقع انقلاب آخر، وعاد السلطان الهارب للحُكم، ليأمر بعزل أخيه فى قصر الحريم، بعد سبعين يوما فقط قضاها فى السلطنة.

أين اختبأ السلطان الهارب خلال هذه الفترة؟ وما العقوبة التى أوقعها على المتآمر ابن غراب؟ الإجابة تتضمن مفاجأة نكشفها فى الحلقة القادمة.