ذل الاحتياج 

نسرين موافي
نسرين موافي

مشاعر كثيرة بداخلنا..تكبر  وتصغر  ، تظهر و تتوارى. و نعيش معها في حركة دائبة..صعوداً و هبوطا، قربا او بعدًا..حتى يختفي أحدهما. 

في البداية..  اختفاء الاحساس يؤلم . ومع الوقت، يتبدل بالألم إحساسُ فَقْد، يكبر ليصبح احتياجاً.

نفتقد الكثير من المشاعر . و افتقادها يؤلم بدرجات مختلفة ، فقد تفتقد شعورًا مثل الطمانينة ، الأمان ، الحب ، السعادة ، الراحة ..و الكثير من المشاعر الاخرى.

يزيد الافتقاد ليتحول إلى احتياج ...يتحول إلى هاجس..الى وحش لا يهدأ..يريد أن يشبع بالسيطرة على كامل الروح … فيصبح الاحتياج هو البوصلة والمحرك الأساسي لمعظم الأفعال........و هنا يكمن الخطر؛؛

فالاحتياج يدفعنا كثيراً لفعل ما يتنافى مع المنطق و العقل، بل في كثيرٍ من الأحوال يتنافى  حتى مع شخصيات البعض منا.

فالذي يحتاج الأمان يكون مدفوعا بهاجس البحث عنه دون عقل أو تروٍ، فلا يرى إلاه، يؤمن نفسه و يغلق عليها كل المنافذ التي قد يأتيه منها الخطر ،حتى يجد نفسه فجأة حبيسا لصنيع يديه و لفكرة الخوف من كسر الحواجز حتى لا يعاوده الجوع للأمان و الاحتياج.

كذلك المحتاج للسند، للحب ،  و للشريك في لحظة معينة ، يسيطر عليه الاحتياج ، فتتلاشى كل المتطلبات الأخرى و لا يري الشريك في حد ذاته ، يكفيه وجود أحدٍ في حياته حتى و إن كان نقيضه أو كان سيسبب له عذابًا او مشقة او حتى   لا يتواءم مع طباعه أو شخصيته. 

لا يهم غير وجوده ..ليسد هذا الباب ، باب سيطرة  الاحتياج على روحه  ، بغض النظر عن الذل الذي يورثه هذا الاحتياج في سبيل ان يهدأ..

المحتاج لا يرو إلا احتياجه..لا  يهم من يلبي هذا الاحتياج..حتى و ان كان سيورده مورد التهلكة او يمعن في إذلاله..المهم ان الشعور  بهذا الجوع قد تم اسكاته .

فلا تترك نفسك لهذا الاجتياح ليجرفك، فتفقد السيطرة على مقدراتك و علاقاتك و تتلاشى كليا في سبيل تحقيقه.

تعلم أن تسيطر على هذا الوحش ، تعلم أن تروض احتياجك بالعطاء..أعطِ الشعور الذي تحتاجه … تحتاج الأمان؟؟ أمن كل من حولك ، كن حاضرًا من أجلهم ، فوجودك أمان لك و لهم.تحتاج الحب؟؟ أعطه بكثرة.

أحب نفسك و اعطها الكثير و لا تتركها فريسة للاحتياج..تحتاج من يستمع؟؟ من يتفهم ؟؟ استمع انت و تفهم، بل و شارك المشاكل و الحل ..ففي مشاركتك فرار من احتياجك و توقف لسيطرته على إدراكك و فكاك من دفعه لك لتشبعه و تريحه .تفتقد السعادة ؟؟  الفرح ؟؟ أو حتى الراحة؟؟ أعطهم لغيرك  بكثرة..ابذل كل الجهد في سبيل ذلك. 

احرص على إدخال السعادة لقلب غيرك حتى و لو بكلمة طيبة.

احرص على فرحة غيرك و لو بدعوة .

فلعل فيها تعويضا عن شعورك..و لعل فرحتك و جزاء عطائك قريب .

اندمج في العطاء تعويضا لشعورك المفقود، ولا تحزن من خذلان غيرك ،  و لا تتوقع أن يتفهم الناس دوافعك.

فكلٌ  يرى الناس بعين طبعه.. و تذكر ، أنت تعطي ما تريد... حتى تُرزق به من العاطي الكريم الوهّاب.