الحد من خطر التنظيمات الإرهابية تزامن مع فتح المجال العام أمام ممارسة العمل السياسى

مصر تحقق المعادلة.. تصون الحريات وتحــــفـظ الأمـن

الأمن لحماية المواطن ومواجهة الإرهاب
الأمن لحماية المواطن ومواجهة الإرهاب

 كتب :أحمد جمال

حـديث الرئيــس عبـــدالفتاح الســـيســى، لصحيفة "دى فيلت" الألمانية، والذى أكد خلاله أن "الأمن لا ينبغى أن يأتى على حساب الحرية حتى فى بلد يعيش ظروفًا صعبة مثل مصر"، فتح الباب أمام طرح سؤال مهم مفاده "كيف وزانت مصر بين إتاحة الحريات العامة وتحقيق الأمن فى ظل الأوضاع الأمنية الصعبة التى واجهتها البلاد فى أعقاب ثورة 30 يونيو والإطاحة بتنظيم الإخوان الإرهابى من السلطة؟

بالطبع فإن الطريق الذى مضت فيه مصر وصولاً إلى مرحلة الاستقرار الحالية لم يكن سهلاً أو مفروشاً بالورود، ومرت البلاد بالعديد من التحديات الصعبة واستطاعت أن تتخطاها بنجاح، ما انعكس إيجاباً على مؤشرات النمو الاقتصادى خلال العامين الماضيين، وهى نتيجة مباشرة لانحصار التهديدات الأمنية ما أتاح فرصا عديدة للاستثمار فى مجالات عدة مصحوبة بعملية تنمية شاملة فى جميع المجالات.

استطاعت مصر أن تحد من خطر التنظيمات الإرهابية وفى الوقت ذاته فتحت المجال العام أمام ممارسة العمل السياسى والتزمت بإجراء جميع الاستحقاقات الانتخابية والتى كان آخرها انتخابات مجلسى النواب والشيوخ اللذين يشهدان أكبر تمثيل للأحزاب المختلفة، وكذلك أتاحت مصر حرية العمل الأهلى وفتحت المجال أمام منظمات المجتمع المدنى للعمل بحرية على الأرض، غير أنها نظمت هذا العمل فى إطاره القانونى السليم الذى يضمن لجميع الأطراف حقوقها وذلك من خلال قانون الجمعيات الأهلية الجديد.

بحسب الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، والتى أصدرت العدد الأول لدورية إنجازات حقوق الإنسان فى مصر خلال الربع الأول من العام 2012، فإن الدولة المصرية كان لها تحركات مجالات مختلفة أبرزها: "تعزيز حقوق المرأة، الحق فى تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية والانضمام إليها، حقوق الطفل، الحق فى الصحة، الحق فى العمل، الحق فى الضمان الاجتماعى،  الحق فى السكن اللائق، ومعاملة السجناء وغيرهم من المحتجزين، وذلك بالإضافة إلى جهود تعزيز بناء القدرات ونشر ثقافة حقوق الإنسان، والمبادرات المصرية فى الإطار متعدد الأطراف فى مجال حقوق الإنسان.

وأوضحت الدورية الأولى التى صدرت مؤخراً، أن مصر تشهد نمواً مطرداً لأعداد الجمعيات الأهلية فى مصر العاملة فى مختلف المجالات الاجتماعية، والثقافية، والتنموية، والأدبية، والعلمية، وغيرها، وأن قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى ولائحته التنفيذية يدشن لشراكة قوية بين الدولة والقطاع الأهلى،  حيث يعكسان التزام الدولة بدعم القطاع الأهلى عبر توفير ضمانات التمتع بالحق فى تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية وتعزيز قدراتها التنظيمية والمالية، بجانب منحه العديد من المزايا والإعفاءات التى تمكنه من الوفاء بأدواره على النحو المرجو.

وشدد على أن هناك تيسيرا لحصول منظمات المجتمع المدنى على المنح وأن وزارة التضامن الاجتماعى وافقت على تلقى الجمعيات والمؤسسات الأهلية منحا من عدة منظمات وجهات مانحة بلغت أكثر من 88 مليونا خلال شهر يناير الماضى،  وهناك 33 جهة قدمت 88 منحة لعدد 42 جمعية ومؤسسة أهلية، وأن قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلى ولائحته التنفيذية حرصا على تسهيل التعاملات المالية للجمعيات الأهلية، حيث وضع القانون نصب عينيه طبيعة عمل الجمعيات غير الهادفة للربح وكذلك حاجتها لتلقى الأموال والتمويل لمباشرة أنشطتها.

وقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن المفهوم المصرى للحريات العامة لا ينطبق فقط على الحريات السياسية ولكن هناك منظومة متكاملة تشمل ما هو سياسى واقتصادى واجتماعى،  وأن مصر استطاعت أن توازن بين هذه الحريات والحفاظ على الأمن بعيداً عن الحرية المطلقة التى لا تخضع للضوابط والقوانين التى تحددها البلاد، ومن هنا تمكنت الدولة من تحقيق نجاحات عدة فى مجالات مختلفة.

لعل ذلك ما أكدت عليه أيضاً دورية الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، التى أشارت إلى أن رؤية مصر 2030 تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة من خلال بناء مجتمع عادل يتميز بالمساواة والتوزيع العادل لفوائد التنمية، ويعالج على نحو فعال الفجوات المجتمعية بكافة أشكالها على النحو الذى يرسخ أسس العدالة الاجتماعية.

وأوضح فهمى أن الحكومة تدعم حصول المواطن على كامل حقوقه لكن فى إطار الضوابط والمعايير، ومن حق أى مواطن أن يمارس حقوقه طالما أنها لا تمس الأمن القومى ولا تشكل تهديداً أمنياً على البلاد، وهو ما يؤكده إتاحة الفرصة للأحزاب والقوى السياسية أن تتنافس بحرية فى الانتخابات وعدم وضع قيود أمام أى حزب سياسى مدنى يعمل بطريقة شرعية من أن ينافس فى أى اقتراع.

من وجهة نظر فهمى فإن هذه الفترة تتسم بمزيد من التفاعل والمشاركة السياسية داخل البرلمان وخارجه، تحديداً عبر تنسيقية شباب الأحزاب والتى أحدثت حراكاً سياسياً وغيرت من الممارسة التقليدية التى بيد حفنة من الأشخاص عبر عدد محدود من الأحزاب وظلت أسيرة لرؤيتها ولم تتطور على مدار السنوات الماضية، وبدا أن هناك نخبة جديدة لديها رؤى حديثة ومتطورة تساير الواقع وهو ما شهدناه فى قضايا عديدة بعد أن أولت اهتماما بالقضايا الجماهيرية.

 

حرية المواطن فى العقيدة والرأى والتعبير عنه واختيار ممثليه

وأوضح اللواء أشرف أمين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن إحداث التوازن بين الأمن والحريات مسألة فى غاية الصعوبة، تحديداً فى البلدان التى تعرضت لثورات وهزات أمنية عنيفة، وفى تلك الحالة يكون هناك تربص بالدولة وأجهزتها المختلفة فى ظروف استثنائية ووضع شديد الحساسية كما أن الوضع الإقليمى المحيط غير مستقر ويشكل تهديداً مباشراً على الأمن القومى المصرى،  تزامناً مع حروب الجيل الرابع والشائعات التى تخوضها قوى معادية وتستهدف التشكيك فى كل ما تقوم به الدولة من إجراءات لتحصين مواطنيها.

وأضاف أن الدولة المصرية حاربت الإرهاب فى سيناء واستطاعت أن تحقق نجاحات مهمة بمفردها من خلال العملية الشاملة (سيناء 2018)، وفى أثناء اشتداد المواجهات تطلب الأمر بعض الإجراءات الاستثنائية لتضييق الخناق على العناصر الإرهابية لكن مع استقرار الأوضاع إلى حد كبير فى شمال سيناء عادت الأمور لطبيعتها.

يذهب اللواء أشرف أمين للتأكيد أن سيادة دولة القانون وعدم التفرقة بين المواطنين أمام سلطة القانون يشكل أحد أهم المكتسبات التى تحققت، ولم يعد هناك حالات تستر على أى فاسد أو مخطئ بمن فيهم ضباط الشرطة، وهناك قرارات إحالة إلى النيابة العامة للتعامل مع أى خطأ قانونى،  وهو أمر تهتم به القيادة السياسية للتأكيد على حماية حقوق جميع المواطنين.

وأكد أن أحد أوجه التغير الذى حدث مؤخراً ما يتعلق بأوضاع السجون المصرية وتكرار الزيارات المفاجئة التى تنظمها منظمات حقوقية عديدة للتأكد من جودة الخدمات المقدمة للمسجونين ومراعاة آدميتهم بالرغم من الاتهامات الباطلة التى توجهها بعض المنظمات المسيسة لحالة أوضاع السجون، لكن هناك دلائل وبراهين تدحض هذه الأكاذيب وتفندها، تحديداً على مستوى مجابهة فيروس كورونا بين السجناء وحققت مصر نجاحا مهماً فى هذا الأمر من خلال الالتزام التام بإجراءات التباعد والنظافة والتطهير المستمر.

وسلطت دورية الأمانة الفنية للجنة العليا لحقوق الإنسان الضوء على الإفراج عن 6426 مسجونا بموجب قرارات عفو رئاسى وقرارات إفراج شرطى، وذلك خلال شهرى يناير وفبراير 2021، وأن وزارة الداخلية أرسلت خلال شهر يناير 2021 عددا من القوافل الطبية لسجون وليمانات المرج وأبو زعبل والقناطر والزقازيق والوادى الجديد وأن هذه القوافل قامت بتوقيع الكشف الطبى على 13848 سجينا وصرفت العلاج اللازم لهم.

وترى النائبة رشا إسحاق، أمين سر لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ، أن مصر نجحت فى تحقيق المعادلة الصعبة بعد أن وصلنا إلى مرحلة الاستقرار الحالية، وأن إتاحة الفرصة للمنظمات الحقوقية والأهلية لأن تؤدى أدوارها وكذلك إفساح المجال أمام ممارسة العمل السياسى بحرية يستحيل أن يحدث من دون أن يكون هناك أوضاع أمنية مستقرة توفر أجواء آمنة للممارسة السياسية على الأرض وتحمى الإرادة الشعبية للمواطنين الذين توافدوا بالملايين على صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم فى المناسبات المختلفة.

وأضافت: "بدون الحرية والديمقراطية لا يتحقق السلام المجتمعى وبدون الأمن تصبح الحرية بلا معنى، فكلاهما مكمل للآخر، وحينما تصل الدولة إلى النضوج السياسى نجد تشابكاً واضحاً فى العلاقة بين الأمن والحرية، بل إن الأخيرة تعزز دور الأمن وتثمن مجهوداته".

وأشارت إلى أن ما ترسخه الدولة المصرية الآن هى الحرية المنضبطة لتجنب الانحلال والجريمة الجنائية ومجابهة خطر الإرهاب، ومن المطلوب أن نصحح مفاهيم الحرية من جانب حتى يعرف كل مواطن حقوقه وواجباته ويجب أن يعى المواطنين أن تقوية الأجهزة الأمنية تحمى الحقوق والحريات.

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا