رضوى خليل
حسين السيد، من أشهر كتاب الأغنية فى مصر، كتب جميع الأشكال والألوان للأغنية، وغنى له كبار المطربين والمطربات، كون مع الموسيقار محمد عبد الوهاب ثنائيا رائعا، وقدما أعظم الأغنيات التي لازالت تسكن قلوب المصريين، ومنها «أهواك»، «جبار»، «فاتت جنبنا»، «دار يادار»، و«أمورتي الحلوة»، كما قام بتأليف أشهر أغنيات رمضان، مثل «الراجل ده حيجنني» ألحان محمد الموجي، التي غناها فؤاد المهندس وصباح، كما كتب فوازير «ثلاثي أضواء المسرح».. «أخبار النجوم»ألتقت بالدكتورة حامدة السيد،أبنة الشاعر الغنائي الراحل حسين السيد، الملقب بـ «صاحب الألف أغنية»، لنسترجع معها ذكريات كتابة أشهر أغنيات والدها وكواليس كتابة أول فوازير على الشاشة العربية .
< ما ذكريات طفولتك مع شهر رمضان الكريم؟
< كان رمضان يأتي فى الشتاء، وكنا في وقت الدارسة وقتها، حيث كنا ننام مبكرا،واعتاد أبي السهر حتى مطلع الفجر، وكان يحضر لنا «سندوتشات» الجبن والخيار، لأنه كان المسئول عن السحور،وكان ييقظنا من النوم، وبسبب برودة الجوكان يحضر لنا «السندوتشات»حتى غرف النوم، ويتأكد أننا أكلنا جيدا،وأول مرة أعرف فيها أن والدي شاعر كانت فى رمضان، عندما ذهبت إلى المدرسة وسألني الجميع عن حل الفوازير التي كان يقدمها «ثلاثي أضواء المسرح»، وكنت أذهب إلى المنزل لكي اسأل والدي، ولم أنسى لمة العائلة، فرغم أن والدتي كانت أستاذة جامعية، لكنها كانت مهتمة بالمطبخ، ولاأنسى أبدا مهارتهافي طبق «بلح الشام» و«لقمة القاضي».
< ما تفاصيل كتابة فوازير «ثلاثي أضواء المسرح»؟
< كتب والدي تلك الفوازير على مدار 7 سنوات، وكل عام كان يعانون من العمل أثناء رمضان، حيث كانوا يسجلون 6 حلقات فقط قبل الشهر، ثم يستكملون باقي الحلقات بالتصوير قبل الإفطار لتعرض مباشرة عقب آذان المغرب، لدرجة أن والدي كان كثيرا مايلقن الثلاثي - «سمير غانم،الراحلالضيف، الراحل چورچ سيدهم» - كلمات الأغنيات، لكي يساعدهم، لأن وقتها لم يكن هناك مونتاچ، فكان التصوير «وان شوط»، لذا كانت الفوازير تأخذ مجهودا كبيرا من والدي، وكان يصل المنزل وقت الإفطار مباشرة، بعد الانتهاء من تسجيل الفوازير، وبعد الإفطار يشاهدها ويبدأ فى التحضير لتسجيل فزورة اليوم التالي .
< ما رأيه فى الفوازير التي قدمت بعد ذلك؟
< بالتأكيد كان يتابع الفوازير، وكانت لها مكانة خاصة فى قلبه، لأنه ظل سنوات طويلة يكتبها، وكل الأفكار التي قدمت بعد ذلك كانت بناءَ على ما كان يقدمه، لكن فوازير «ثلاثي أضواء المسرح» كان يراها مختلفة تماماشكلا ومضمونا عن الفوازير التي قدمت بعدها، لأنها كانت تقدم بطريقة تمثيلية لـ3 رجال دمهم خفيف، يتخلل الفوازير أغنيات، عكس فوازير نيللي وشريهان التي كانت مليئة بالإستعراضات والأغنيات وكل عوامل الإبهار البصري، لذلك كان معجب جدا بنيللي فى تقديم الفوازير، خاصة أنه تعامل معاها حينما كتب لها أغنيات أفلام «نورا» و«أهلا يا كابتن”.
< ماذا عن أغنية «الراجل ده هيجنني» التي كتبها والدك؟
< الأغنية تمثل بابا فى الأكل، لأنه كان «ذواقة»، وكان يحب وجود أصناف كثيرة على السفرة، مثل الحمام المحشي، المكرونة بالبشاميل، والكبيبة بالنعناع، وقد وضع كل ما يحبه فى هذه الأغنية، وكان يتمشى وهو يدندنها فى البيت، وكل أفكار أغنياته كانت تأتي له من يوميات حياتنا .
< لكن لم تستطيع أي أغنية حديثة تكرار نجاح أغنيات زمان.. لماذا؟
< أغنية «الراجل ده هيجنني» تتمتع بخفة ظل، ولا ننسىأنها للمخرج محمد سالم، أول مبدع يعمل الفيديو كليب، لذلك حينما قدموا أغنية عن شهر رمضان حرصوا أن تكون خفيفة، لكن هادفة،وتحمل رسالة لكل الناس، والرسالة هي عدم الإسراف فى الطعام، وذلك حينما تقول صباح: «يا عالم فهموه رمضان ماعمروش قال كده.. رمضان قال أحمدوه والحمد مش بالشكل ده»، وفي نهاية الأغنية حرصوا أيضا أن تعبر عن بيوت كثيرة فى رمضان، حينما قالت: «يسيب الأكل كله ويمسك طبق الفول.. ولقمة تجر لقمة يشبع ويقوم على طول»، لذا كلمات الأغنية كانت بسيطة ومعبرة عن كل المصريين فيرمضان .
< هل كان له طقوس أثناء الكتابة؟
< كان يسهر وحيدا طوال الليل، لأنه كان يحاول تقديم أفكار غير تقيلدية، وبعض أغنياته كتبت مجردة والبعض الآخر كانت لها قصص.
< ماذا عن مرحلة كتابة أهم أغنيات الأطفال؟
< تبتسم وتقول: أغنية «ماما زمانها جاية» لمحمد فوزي عاش والدي كلماتها لحظة بلحظة مع شقيقي الأكبر حسام، عندما كان يداعبه ويحاول تهدئته من البكاء لحين مجيئ والدتي، وقال له: «ماما زمانها جاية»، وهنا جاءته الفكرة، واتصل بالأستاذ محمد فوزي، لأنه كان قد كتب له قبل ذلك أغنية «ذهب الليل»، وحققت نجاحا كبيرا، فأحب إعادة التجربة معه مرة أخرى، وأعتقد أن نجاح الأغنيتين يرجع لأنهما عن الطفل، وليست مجرد أغنيات للأطفال، بل حواديت تعبر عنهم، بالإضافة إلى أغنيات أخرى قدمها، مثل «حبيبة أمها» التي لحنها فريد الأطرش، و«أكلك منين يا بطة»، و«أمورتي الحلوة» التي لحنها بليغ حمدي، وحزن الأطرش لأنه لم يلحنها .
< كيف كان الشاعر حسين السيد الأب؟
< نحن 3 أبناء «حسام، حاكم، حامدة»،وأبي كان يجمعنا فى غرفة مكتبه، ويسمعنا كل ما يكتبه، وكنا نعيش معه حياة مبهجة كلها قصص، وكان لديه تمثال على مكتبه، وكان كل يوم يألف لنا قصة عن هذا التمثال، ويحكيها لنا، وحكاياته لا تنتهي.
< ما أقرب الأغنيات التي كتبها والدك وكانت قريبة إلى قلبه؟
< الكثير من الأعمال،ولو اختارنا أغنية من كل فنان،سأختار لعبد الحليم حافظ «جبار»، ولمحمد عبد الوهاب «لا مش أنا اللي أبكي»، ولليلى مراد «ماليش أمل»، ولنجاة الصغيرة «آه لو تعرف»، ولفريد الأطرش»أبو ضحكة جنان”.
< ما أهم التفاصيل التي حرص على كتبتها فى أچندته الخاصة؟
< أبي لم يكتب سيرته الذاتية،أو يوميات حتى، لكن ترك أچندة مكتوب فيها بعض المواقف والذكريات،منها أن أغنية «توبة» كانت فكرة كتبها حينما كان عائد من تسجيل أغنية للأستاذ محمد عبد الوهاب ويشكو له من المقاول الذي يأخذ منه كل يوم الكثير من المال ولم ينتهي من إتمام بناء العمارة،فقال له عبد الوهاب: «خلاص هانت يا حسين وعقبال التانية»، فأجاب والدى بتلقائية: «تانية أيه.. توبة توبة»، مما دفع عبد الوهاب للفت انتباهه وقال له: «توبة..تنفع مطلع أغنية فكر فيها دى يا حسين”.
< أخيرا .. ما رسالتك له؟
< في الختام أحب أن أقول له: «أنا طرحت الجزء الأول من كتاب يضم مختارات كثيرة من أعماله، يتحدث عن السيرة الذاتية له ورحلته مع موسيقار الأجيال الفنان محمد عبد الوهاب، وأتمنى أن تكون سعيد بهذا، لأنها كانت أمنيتك، وأنا فخورة إنني حققت لك حلم كنت تتمنى تحقيقه، وأتمنى أيضا أن يكون وصلك شعور بمدى حب وإحترام الناس لك، وأن تتأكد أنك كرمت نفسك بنفسك، وأنه بعدمرور 38 عاما على رحيلك يا والدي لازالت الناس تتذكرك بالخير، وأعمالك حاضره فى كل زمان ومكان».