تركة ثقيلة ورثها «الرئيس الابن»

اغتيال ديبى يشعل الحرب الأهلية فى تشاد

محمد إدريس ديبى
محمد إدريس ديبى

خالد حمزة

مات مُتأثرًا بجراحه مُدافعًا عن وحدة وسلامة الأراضى التشادية فى ساحة المعركة فى الصفوف الأمامية ضد المُتمردين من جبهة الوفاق من أجل التغيير فى تشاد، لم تكن تلك العبارات نهاية لرجل حكم بلاده لأكثر من 30 عامًا، بل كانت بداية لصراع جديد لن ينتهى فى بلد يغرق فوق بحيرة من النفط، ويعانى شعبه من الفقر المدقع ومن حرب أهلية، أكلت الأخضر واليابس، وتهدد أمن واستقرار 3 دول مجاورة لها على الأقل تتداخل فيها قبائلها مع القبائل التشادية.

وبعد دقائق من الإعلان عن الوفاة تم تشكيل مجلس انتقالى بقيادة ابن الرئيس المتوفى الجنرال محمد إدريس ديبى 37 عاما، الذى كان يشغل قيادة الحرس الرئاسى، وتم تعيينه أيضا رئيسا للجمهورية مع وقف العمل بالدستور وحل البرلمان والحكومة وإغلاق الحدود البرية والجوية فقط، لأن تشاد ليس لها أى حدود بحرية وكل تجارتها الخارجية تمر عبر الكاميرون المجاورة، مع الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية شفافة بعد 18 شهرا من الآن، وحدث ذلك رغم أن الدستور ينص على أنه فى حالة غياب الرئيس بأى حال من الأحوال، فإن السلطة تنتقل لرئيس البرلمان، وهو الأمر الذى لم يحدث، لكن الأحداث المُتلاحقة غطت على ذلك، لأن هناك تساؤلات أكثر أهمية طفت على السطح بعد رحيل الرجل القوى وفتى باريس المُدلل والمفضل عبر عقود إدريس ديبى.

ديبى 68 عاما كتبت له النجاة من عدة محاولات لاغتياله، ولم يتردد فى ارتداء زيه العسكرى والذهاب لجبهة القتال مع قواته أكثر من مرة.

ولكن الرياح أتت هذه المرة بما لم تشتهِ سفن ديبى وأعوانه وبصورة وضعت تشاد فى مهب الريح العاتية، ففى الداخل، تعانى البلاد الغنية بالنفط من احتجاجات واسعة وخاصة وسط القبائل والمناطق المهمشة فى الشمال، مقابل القبائل الغنية فى الجنوب التى يأتى منها الرئيس الذى مكّنهم من السلطة والجيش المناصب الكبرى بالبلاد، وهو الأمر الذى يرشح البلاد حسب صحيفة "الإندبندنت البريطانية" للمزيد من التوتر والاضطرابات القبلية. 

كما أن تدهور الأوضاع الأمنية قد يشجع قبائل ومجموعات مسلحة تم قمعها فى السابق، للانضمام للجماعات المسلحة وأبرزها جبهة الوفاق من أجل التغيير بزعامة محمد مهدى الذى ينتمى لقبيلة القرعان ويتمركز بقواته بالجنوب الليبى وتسيطر قواته تقريبًا على مدن بالشمال، رغم تأكيد السلطات التشادية أن ما قامت به قواته لم يتعد مجرد شن هجمات هنا وهناك وكر وفر، وأن عاصمة الشمال بيسيتى كانت بعيدة تماما عن سيطرته، ولكن مهدى يحاول منذ سنوات طرح نفسه وجبهته كبديل لحليف فرنسا بعد ديبى، وخاصة أنه ينادى بدولة علمانية تشادية على النمط الفرنسى، وأن تلك الدولة ستكفل العدالة لكل التشاديين خاصة المهمشين، كما أعلن أنه لن يعترف بالإجراءات التى تمت بعد رحيل ديبى، وأن قواته جاهزة للزحف نحو القصر الرئاسى والاستيلاء على العاصمة.

وخارجيًا لا يبدو الأمر أقل تعقيدا، ففرنسا تريد الحفاظ على تواجدها القوى فى تشاد وبقاء حليفها القوى، وإن أدت الأمور إلى التخلى عن ديبى الابن والاستعانة بحليف جديد ينزع فتيل الحرب الأهلية بالبلاد، وإن كانت أعلنت فى العلن عن تأييدها للانتقال السلمى بعد مقتل ديبى الأب، أما الدول المتاخمة لتشاد، فتشعر بالكثير من القلق خاصة ليبيا التى تعانى بالفعل من تواجد قوات مهدى المتمردة فى الجنوب، والسودان الذى يعانى من قوات متمردة تشادية فى إقليم دارفور الملتهب بالفعل، إضافة لدول مثل النيجر التى شهدت انتخابات رئاسية مشكوكا فيها، وتخشى من تكرار السيناريو التشادى فيها خاصة مع تداخل القبائل فيها مع القبائل التشادية، والكاميرون التى كانت تعوِّل كثيرا على القوات التشادية فى التصدى لهجمات جماعة بوكو حرام أو دواعش أفريقيا، ولذلك، سارعت ليبيا والسودان والنيجر لإصدار بيان مشترك دعوا فيه للأمن والاستقرار والسلام فى تشاد والحوار الشامل بين كل الأطراف المتصارعة هناك بمشاركة الاتحاد الأفريقى، مع مطالبة مجلس السلم والأمن الأفريقى باتخاذ خطوات لتخفيف التوتر، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب والجريمة المنظمة وتأمين الحدود ووقف نزيف الدم فى تشاد، وضرورة تفعيل اتفاق تعزيز التعاون فى أمن ومراقبة الحدود بين ليبيا وتشاد والنيجر والسودان، الذى تم توقيعه منذ 3 سنوات.