تجديد الدعوة| «الأزهر» مصدر فخر لمصر.. والتصوف منهج إصلاح

 د. محمد مهنا
د. محمد مهنا

«الأزهر» مصدر فخر للعالم وقوتنا الناعمة فى الخارج تخرج فى أروقته العلماء والرؤساء والوزراء ونتذكر فى مثل هذه الأيام من شهر رمضان منذ 1081 عاما إقامة أول صلاة جمعة فيه ثم تطوره حتى صار قبلة العلم بفضل شيوخه الأجلاء حتى وقتنا المعاصر بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.

هذا ما يؤكده الدكتور محمد مهنا الأستاذ بجامعة الأزهر ورئيس مجلس أمناء البيت المحمدى كما يتحدث عن التصوف الحق موضحا أنه هو التخلى عن كل دنى، والتحلى بكل سنى؛ رغبة فى القرب والوصول إلى الله -تعالى- فهو محاولة لربط الإنسان بمولاه -سبحانه- فى كل فكر، وقول، وعمل ونية. كما جاء فى القرآن: «قل إن صلاتى ونسكى ومحياي ومماتى لله رب العالمين».

وهو التقوى، وكان شيخنا الإمام الرائد، يقول عنه: «التصوف هو التقوى، والتقوى معاملة الخالق بحسن العبادة، ومعاملة العباد بحسن الخلق». وقد نزل به القرآن الكريم، وجاءت به السنة، ودعت إليه الشريعة. يقول الله تعالى: «قد أفلح من زكاها»، ويقول: «ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون».

فالربانية هى التصوف الذى ندعو إليه، وقد مورس هذا التصوف فى عهد النبوة وعصر الصحابة، فهذه أخلاق النبى -عليه السلام- وأحواله، وأخلاق صحابته هى العين التى يردها الصوفية.

لماذا تحرصون على نشر دعوة التصوف الإسلامى؟

لأن التصوف منهج أصيل للإصلاح، ولأنه رأس مال الأمة الحقيقى المتأصل فيها، وهو سبيل الإصلاح الحقيقى بعدما أخفقت كل محاولات الإصلاح الأخرى؛ لأنه يتجه إلى الإنسان فالعلاج الوحيد لكل ما أصاب الإنسانية من آثار طغيان المادة واستشراء الحيوانية، وما ترتب عليها من الجرائم والإرهاب وغيرها هو فى العناية بأمر الروح؛ إذ إن قضية السعادة الدنيوية للفرد أو المجموع كقضية السعادة الأخروية معلقة على حركة الباطن، وهو ما يقوم عليه التصوف، وبهذه الطريقة نجد أن التصوف علاج لكل الأمراض الموجودة فى المجتمعات.

من وجهة نظرك ماذا يجب علينا خلال أيام فيروس كورونا؟

طريقان لابد من السير فيهما: الأول: طريق اليقين: وهو أن نعتقد أن كل الأمور تسير بقدر الله وأمر المؤمن كله خير إذا تذكر واعتبر وإذا رجعنا إلى كتاب الله سنجد فيه العلاج الشافى للتعامل مع أنواع البلاء: «فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا»، وكذا ما رُوِى عن العباس بن عبد المطلب عمّ النبى -صلى الله عليه وسلم- قوله: «اللهمَّ إنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولم يُكشفْ إلا بتوبةٍ»، (وواجب الوقت) علينا: التقرب إلى الله تعالى، وصدق اللجوء إليه، والافتقار له سبحانه وتعالى، بالذكر والاستغفار وتذكر عظمته وقدرته وتجديد التوبة مع الالتزام بالفرائض والنوافل فى أوقاتها المحددة، والإكثار من الدعاء، وذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، والتضرع إلى الله بقراءة الأذكار والأوراد الواردة فى كتب السنة. والثانى: طريق الأسباب والحكمة: يجب أن نلتزم بتعليمات المختصين وهو ما يستوجب الإلتزام التام بأسباب الوقاية المعلنة من جهة الدولة والمؤسسات المعنية.

هناك من يفرط فى تفسير فيروس كورونا ويربط بينه وقيام الساعة فما رأيكم؟

نعم هناك من أفرط فى ذلك وهذا أمر ليس بجديد فكلما ظهر وباء كثر الحديث عن الساعة وعلاماتها؛ لكن الساعة أمرها إلى الله فقد صدق عز وجل عندما أخبرنا عن ذلك: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي، لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، ثَقُلَتْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً»، ويقول أيضًا جل وعلا: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» أى: لا تقطع بيقين فيما غاب عنك علمه، فالانشغال بالغيب عن واجب الوقت والخوض فى أحكام القدرة مذموم، فالقدرة بحر ذاخرٌ ليس له أول ولا آخر، يرفع ويخفض، يُعِز ويٌذِل، يُعطى ويَمنع، لا يُسألُ عمَّا يَفعلُ وهم يُسألون.

هناك من ينكر على الصوفية قولهم كلمة مدد؟

ينكرها من لا يعلمها؛ فنعمة الإيجاد والإمداد كلتاهما لا تكونان إلا لله، ومن الله عز وجل، وهو سبحانه يقول فى كتابه: «كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك». فهى آية شاملة، ومؤداها فى قوله تعالى «قل كل من عند الله». وقد جعل الحق تعالى للأمور أسبابا يفعل عندها لا بها كما هو المقرر فى العقيدة.

وفى هذا يقول مولانا الإمام الرائد: «طالب المدد: إن كان يطلبه من الحى فمعناه أنه طلب العلم أو الإرشاد أو الدعاء أو التوجيه. أما إن كان يطلب من المتوفى: «فهو يطلب من روحه -التى يعتقد أنها تحيا برزخيا فى مقام القرب منه سبحانه- أن تتوجه شفاعة إلى الله تعالى، فالأرواح تحيا فى عالمها حياة غير مقيدة بحدود الزمان والمكان».