أول سطر

صباح الخير يا سينا

طاهر قابيل
طاهر قابيل

الحرب ليست غاية بل السلام.. فهدفنا الأسمى من ملحمة استرداد الأرض فى أكتوبر 73 تخطت الانتصار العسكرى والسياسى وأصبحت نموذجا لقهر اليأس والإحباط واسترداد الكرامة وأكدت أن مصر قادرة على الحفاظ على مكتسبات السلام وحماية الأرض والسعى للتقدم والازدهار فالبناء والتنمية يتطلب منا الاصطفاف حول الوطن لحماية مقدراته وصون مقدساته.
جمل بديعة تضمنت كلمة الرئيس السيسى فى الذكرى 29 لعودة سيناء الحبيبة لأحضان الوطن بعد 6 سنوات "عجاف" ذاق مرارتها جيلى وغيرهم ممن كانوا أكبر منا سنا خاصة أننا كنا فى هذا الوقت أطفالا ولدنا ونحن نسمع صفارات الخطر التى تعلو مدرستنا.. ونحمل فى أيدينا أوراق الجلاد الأزرق لنخفى الضوء الخافت عن طائرات العدو.. ونهرب خلف حوائط الطوب والأسمنت أمام الدور الأرضى لمنزلنا لتحميها أو نسارع إلى الملاجئ لنختفى بها.. ونستمع إلى التحذيرات من الشراك الخداعية التى يلقيها العدو فى طريقنا لتنفجر بنا وتقتلنا ونبكى على أطفال صرعهم العدو فى عدوان غادر على مدرسة "بحر البقر" التى حرصت على الذهاب إلى المتحف المقام بالمدرسة وأرى مرايل التلاميذ الغارقة فى الدماء البريئة الطاهرة.. ولذلك عندما هبط طيار إسرائيلى بعد تحطم طائرته بالميدان القريب من منزلى أسرعت مع الأطفال والسيدات وهن يحملن "غطيان" الحلل وقطعا من الخشب لنمسك بالأسير ونسلمه للسلطات.
لقد عشنا طفولتنا وسط اقتصاد الحرب والحصول على حاجتنا الأساسية ببطاقة التموين ونقف بالطوابير أمام المجمعات الاستهلاكية لنحصل على كيسين للسكر أو فرختين أو كيلو لحم حتى "الكيروسين" الذى يستخدم فى "وابور" الجاز والمصابيح نمرة 5 و10 كان بالكوبون.. ولذلك كانت أول سفرية لى ولأصدقائى وأنا بإجازة السنة الدرسية الأولى بالمرحلة الثانوية كانت إلى أرض سيناء ومدينة العريش وذلك بعد انتهاء المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلى عام 1979 وكانت رحلة بتفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة محفورة فى عقلى وبقلبى.
كنا ثلاثة من الشباب أردنا أن نلمس رمال سيناء ونرى أرضنا التى اغتصبت منا.. وسافرنا باستخدام القطار.. وهبطنا عند مدينة "القنطرة" غرب وعبرنا قناة السويس بالمعدية إلى البر الشرقى وركبنا الأوتوبيس المتجه إلى العريش ولم نغفل أن نبل أجسادنا بمياه القناة.. وقبلنا دعوة عدد من المجندين للنوم فى معسكرهم قدموا لنا طبقا من البيض لطعام العشاء مازال طعمه فى فمى.. ومازلت أردد قول "العندليب" (الأوله قلنا جيِّنلك وجينالك ولا تهنا ولا نسينا.. والتانية قلنا ولا رملاية فى رمالك وعن القول والله ما سهينا.. صباح الخير يا سينا رسيتى فى مراسينا.. تعالى فى حضننا الدافى ضمينا وبوسينا يا سينا).