يوميات الأخبار

سعيد الخولي يكتب: وحوى يا وحوى.. وقمر الزمان

سعيد الخولى
سعيد الخولى

استقبله أهل القاهرة بالمشاعل والفوانيس فبهرته هذه الاحتفالية وأوصى بأن تتكرر مع مقدم رمضان من كل عام

يبدأ الترحيب بالشهر الفضيل كما تعود المصريون بأغنيتهم التاريخية "وحوى يا وحوى"، وهى أغنية تاريخية لأنها لم ترتبط فقط بشهر رمضان عند المصريين، بل تعود إلى القدماء، حيث إن "وحوى يا وحوى" لغة فرعونية بمعنى "أهلا ومرحبا" كما يقول خبراء المصريات القديمة، وإياحا هى أم أحمس التى كونت جيشا عظيما وحاربت الهكسوس وانتصرت عليهم وحين عودتها احتفل بها المصريون واستقبلوها بالترحيب وحوى يا وحوى إياحا، وفى تأصيل آخر أن أصل هذه العبارة يرجع إلى نهاية الأسرة السابعة عشرة عندما انتفض الشعب المصرى لطرد الهكسوس، وكانت الملكة "إياح حتب" قد قتل زوجها "سقنن رع" أثناء الحرب مع الهكسوس ثم قتل ابنها "كاموس" أيضا، فأقسمت الملكة أن تنتقم من الهكسوس وقدمت ابنها القائد "أحمس" لقيادة الجيش، وكذلك قدمت ابنتها الملكة "نفرتارى" التى كانت زوجة لأحمس وقادت كتيبة من كتائب الجيش، واستطاعوا أن ينتصروا عليهم، ويطردوهم ويعيدوا مصر للمصريين. وعند عودتهم منتصرين، خرج الشعب يحيى الملكة "إياح حتب" اعترافا بفضلها ودورها العظيم فى تحرير مصر، واستقبلوها بالورود والزينة، وكانوا يقولون: "واح واح إياح" أى "عيش تعيش إياح"، ويعنى اسم "إياح" وُلِد القمر أو الهلال.

وكان المصريون يرددون هذه العبارة عند ميلاد الهلال كل شهر، وبعد انتشار اللغة العربية فى مصر، تحورت هذه العبارة وأصبحت "وحوى يا وحوى إياحا"، وارتبطت بقدوم شهر رمضان والفانوس الصفيح.

ويقال أيضا إن عبارة "وحوى يا وحوى إياحا" أصلها يرجع إلى اللغة القبطية، وتعنى كلمة "وحوى" اقتربوا، وتعنى كلمة "إياحا∪ الهلال أى أن معنى العبارة هو "اقتربوا لرؤية الهلال".

فكلمة إياح معناها "قمر" وحتب معناها "الزمان" ،وبالتالى فالسيدة اسمها "قمر الزمان"، أما كلمة "وحوي" الفرعونية فمعناها مرحبًا أو أهلًا. وهكذا أصبحت وحوى إياحة، أو أهلًا يا قمر، تعويذة المصريين وشعارهم لاستقبال كل قمر يحبونه وعلى رأسه قمر رمضان.

 

هاتوا الفوانيس

 

وشتان ما بين فانوس اقتنيته منذ أكثر من خمسين عاما وقرأت عنه وبين فانوس احترت فى اختياره لأحفادى ما بين طفل وطفلة كل عالمهم مختلف تماما عن عالمى. مع ظهوره الأول فى عصر الفاطميين تعددت روايات الفانوس وحكاياته.. أما أصل كلمة فانوس فيعود إلى اللغة الإغريقية التى تعنى إحدى وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس فى بعض اللغات اسم «فيناس»، ويذكر الفيروز آبادى فى القاموس المحيط أن أصل معنى كلمة فانوس هو "النمّام" لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام.

ولكن كتاب "الأنامل الذهبية" للفنان الدكتور عز الدين نجيب، يذكر أن أغلب المؤرخين ذهبوا إلى أن بداية العادة ارتبطت بفترة حكم الفاطميين لمصر التى استمرت لقرنين من الزمان بداية من القرن الرابع الهجرى، ومن هذه الآراء أن استخدام الفوانيس كان بأمر من الخليفة المعز لدين الله بأن يعلق صاحب كل بيت وكل دكان فانوسا أمام ملكه لإضاءة الشارع طوال شهر رمضان.

فيما تذهب آراء أخرى، إلى أن الاحتياج لاستخدام الفوانيس نشأ لارتباط الشهر بتبادل الزيارات بين العائلات فكان يسمح للسيدات بالخروج فى لياليه للقيام بهذه الزيارات بين العائلات والعودة حتى ساعة متأخرة من الليل، وكان لابد للسيدات من إضاءة تنير لهن الطريق عند الذهاب والعودة، فكان الأطفال يرافقونهن بالفوانيس إلى مكان الزيارة بدلا من المشاعل التى تتعرض للإطفاء فى مواجهة الريح، ثم يبدأون بعد ذلك لعبهم على أضوائها فى الشوارع والساحات، حين يحين وقت العودة مع أهلهم إلى المنازل.

بينما تذهب آراء ثالثة إلى أن بداية استخدام الفوانيس كانت مع قدوم الخليفة المعز لدين الله الفاطمى لأول مرة إلى القاهرة ليلا فى الخامس من رمضان عام 358هـ، حيث استقبله أهل القاهرة بالمشاعل والفوانيس فبهرته هذه الاحتفالية وأوصى بأن تتكرر مع مقدم رمضان من كل عام، وأن تقام فى لياليه حلقات الذكر والاحتفالات الشعبية التى كان الفاطميون يشجعونها، وهكذا أصبح الفانوس رمزا ثابتا لدخول رمضان كل عام منذ ذلك الحين.

لكن بعض المراجع تذهب إلى أن أول استعمال دائم للفوانيس فى شهر رمضان كان فى أيام الوزير بهاء الدين قراقوش، الخادم والقائم بأعمال قصر السلطان فى عهد صلاح الدين الأيوبى، حيث أمر الناس أن يعلقوا الفوانيس على بيوتهم كل ليلة ابتهاجا بالشهر الكريم.

لكن الدكتور عز الدين نجيب يعود ليؤكد أن وجود الفانوس كنوع فنى كان فى الحقيقة سابقا لعهد الفاطميين فى مصر، إذ إنه كان عنصرا ملازما للعمارة الإسلامية، مثل مسجد أحمد بن طولون وقصور الأمويين بالقاهرة بأشكال مختلفة ما بين القنديل الزجاجى المنقوش بالآيات القرآنية، والفانوس النحاس المحفور أو المفرع بالوحدات الزخرفية، كما كان يستخدم فى الإضاءة المنزلية بأشكال مبسطة.