التمر واللبن عماد المائدة الليبية في رمضان

التمر واللبن
التمر واللبن

تفاؤل بالشهر الكريم مع التطورات الأخيرة
    
أحمد بهجت

ليبيا  دولة عربية تقع في شمال أفريقيا يحدها البحر المتوسط من الشمال، ومصر شرقا والسودان إلى الجنوب الشرقي وتشاد والنيجر في الجنوب، والجزائر، وتونس إلى الغرب.


ليبيا دولة جارة لمصر، ويربطها الكثير من الأواصر والعلاقات بالقاهرة، خاصة الامتداد الجغرافي والسكاني للمنطقة الغربية من مصر، عانت منذ 2011 أحداث صعبة وقاسية، ورغم ذلك حرص أهلها رغم الألم على إحياء شعائر شهر رمضان الكريم.

اقرأ أيضا| «شكري» و«المنقوش» يبحثان مستجدات الأوضاع في ليبيا


حيث تحرص العائلات الليبية استعداداً لشهر رمضان بإجراء صيانة تقليدية للمنازل وشراء أدوات طعام جديدة، إضافة إلى المواد التموينية بمختلف الأصناف الغذائية اللازمة لتغطية أيام الشهر الفضيل مع الإشارة إلى أنه في النصف الأخير من شهر شعبان والعشر الأوائل من شهر رمضان تزدحم الشوارع بالمتسوقين في كل اتجاه، تماماً كما يحصل في فترة عيد الفطر حينما تصطف السيارات ويترجل من فيها لشراء مستلزمات كثيرة.


وتزداد في شهر رمضان علاقة الليبيين بالمساجد بشكل ملحوظ فتزدهر بجموع المصلين و يصطحب الآباء أبناءهم الصغار وزوجاتهم لأداء الصلوات، ويكثر قراء القرآن في الأوقات المختلفة، وكما ينشط الليبيون بمختلف فئاتهم لحضور الدروس التي يلقيها الأئمة والوعاظ في المساجد يوميا بعد صلاة العصر وصلاة الترويح. كما تحيي الزوايا والطرق الصوفية بمختلف المناطق الليبية احتفالات بليلة فتح مكة وغزوة بدر الكبرى وليلة القدر والعشر الأواخر من شهر رمضان الكريم بالمجالس القرآنية والأدعية النورانية. وفي الشهر الفضيل تكثر أعمال الخير وموائد الرحمن في المساجد والساحات حيث يقوم المحسنون من أبناء البلد والجمعيات الخيرية المختلفة بإعداد الموائد الرمضانية المخصصة للفقراء والمساكين والعمال و النازحين نتيجة الحرب في مناطقهم.


ومن العادات الراسخة لدى الشعب الليبي في شهر رمضان، الاجتماع العائلي صغاراً وكباراً، والحرص على تقديم مختلف الأكلات الشعبية منذ اليوم الأول، فالعائلات خلال الشهر الكريم، تحرص على تبادل الزيارات والعزائم طيلة أيام الشهر المبارك، ومن جانب آخر تقام أمسيات رمضانية تضفي على الواقع مزيداً من المتعة الدينية .


وعن الأجواء الروحية فهي تتلخص في أن المجتمع الليبي يقبل بكثافة ملحوظة على تأدية الصلوات الخمس في المساجد وترى الأطفال يتنافسون على الصيام والصلاة، وهو ما يقابل بتشجيع من الأهالي الذين يقدمون لهم الهدايا والنقود وما سواه.


وتعرف ليبيا، اتساعا جغرافيا وتنوعا حضاريا كبيرين، ينعكسان بوضوح على التقاليد والعادات، خاصة فيما يتعلق بالمأكل والملبس. فنجد أن أطباق الليبيين وملابسهم تختلف بحسب مدنهم، مما يضفي على رمضان أجواء مميزة، بتنوع طرق احتفاء الليبيين بالشهر الفضيل.


الوجبة الرمضانية تبدأ بالتمر واللبن أو الحليب الذي يخلطه البعض بعصير اللوز، والعصائر الطبيعية ثم تتناول الأسرة الشوربة الليبية التقليدية التي يدخل في مكوناتها لسان العصفور، أو أنواع أخرى من الشوربات مثل «الحساء» و«الدشيشة». وبعد ذلك تبدأ الوجبة الرئيسية، وهي في العادة عبارة عن أرز أو شعيرية بالخلطة بقطع صغيرة من لحم الخروف مع اللوز والزبيب، وطواجين بأنواع مختلفة، ترافقها أنواع عديدة من المحاشي والبطاطا مع الكفتة وبوريك بحشوات مختلفة، وورق السلق المحشي ويطلق عليه «براك»، و«الكيما» وغيرها من الأكلات الليبية المميزة، كالمصران الذي يعلن حضوره بقوة في الأعراس والمناسبات السعيدة ولا تخلو منه مائدة رمضانية ليبية وخاصة ليلة القدر، وهو عبارة عن «مصران» الخروف محشواً.

ويفضل الليبيون أنواعاً من المشروبات خلال رمضان مثل «السحلب» و«الروزاتا»، وهي خليط من الحليب وعصير اللوز، و«قمر الدين» و«الخشاف». وتنتشر في ليبيا محلات الحلويات الرمضانية بصورة لافتة للنظر، وتعد الزلابية والقطايف من أهم الأصناف التي يقبل عليها الصائمون، إضافة لحلوى أخرى تسمى بـ«الدبلة»، وهي تصنع من خيوط عجين رقيق وتجمع على شكل وردة ثم تقلى في زيت ساخن ثم تسقى بالعسل وترش بالسمسم «الجلجلان». وهناك أيضاً «البسيسة» و«الزميتة»، وهما عبارة عن قمح مقشور ومحمص يضاف له كسبر يابس، وكمون حلو، وكمون عريض ويخلط مع السكر الناعم وزيت الزيتون وقليل من الماء، أما الروينة فهو أهم مشروب ليبي وتشبه مكوناته مكونات الزميتة، بحيث يشتمل على قمح محمص ومطحون، وقصب، وكمون حلو، وكمون عريض، وحلبة، وتخلط هذه المكونات بالماء، ويعتبر حضوره ضرورياً جداً على مائدة رمضان في ليبيا. ويؤمن الليبيون بأن هذا المشروب يحارب العطش، لذلك يتم تناوله خلال السحور. وفي العادة يفضل الليبيون بعد الإفطار تناول حلوى مثل الكعك، الغريبة، القرينات، والمعسلة، والبسبوسة، و«العبمبر» مع الشاي.


وألقت الأحداث والتطورات خلال الأعوام الماضية، بالإضافة لجائحة كورونا، بظلالها على المدن الليبية التي عانت من ارتفاع غير مسبوق لأسعار الوقود وغاز الطهي، فضلاً عن أوضاع صعبة، إضافة إلى زيادة في أسعار المواد الغذائية بشكل ملحوظ، ونقص السيولة في المصارف.


مع ذلك، فإن لعيد الفطر استعداد خاص،حيث تبدأ المظاهر في العاصمة طرابلس، منذ ساعات الفجر الأولى، حيث تجهز النساء قاعة استقبال الضيوف بعد تعطيرها بالبخور، في حين يرتدي الرجال «الزبون»، وهو زي تقليدي يتكون من ثلاث قطع (بنطلون وقميص وفرملة مطرزة بخيوط الحرير)، قبل الخروج إلى ساحة الشهداء لأداء صلاة العيد. مشهد سيغيب هذا العام لظروف مكافحة الوباء. وفي الغالب، فإن أول وجبة يتناولها أهل طرابلس في العيد هي السمك، نظرا لارتباط مهنة الصيد تاريخيا بسكان المدينة العتيقة، وباعتبار أنه يجلب الحظ الجيد لأصحابه.


والقهوة العربية حاضرة في مشاهد الاحتفال كذلك، جنبا إلى جنب مع معمول التمر والكعك المالح والغريبة، وكلها من الأصناف التي تعد في المنازل، خلال الأيام التي تسبق حلول العيد. ورجت العادة فى طرابلس على الاجتماع في بيوت الأجداد، لتناول طعام الغداء، الذي يكون ضمن أطباقه الرئيسية لحم الخروف.
ومع التطورات الإيجابية الأخيرة فى هذه الدولة الجريحة،يبتهل الليبيون إلى الله أن ينعم عليهم بالأمن والاستقرار.