ابن تيمية.. الحائر بين شيخ الإسلام وإمام الإرهابيين

الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة
الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة

فتاوى ماردين والتترس.. جهاد ضد التتار المحتلين: أم دعوة لسفك دماء البشر
دار الافتاء: غياب توثيق فتاوى ابن تيمية أدى إلى تحريفها وسفك دماء الأبرياء

    
منذ عدة عقود ظل ابن تيمية، الفقيه الحنبلي، محل جدال فكري وفقهي بين فريقين، يقفان على طرفي نقيض، الفريق الأول يرى أن ابن تيمية هو “الأب الروحي” لجماعات الإرهاب المعاصرة، أما الفريق الثاني فينظر إليه باعتباره “شيخ الإسلام”، وأحد أهم علماء أهل السنة والجماعة على مدار التاريخ.


هو تقى الدين أبوالعباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام النميرى الحرانى "661 هـ - 728هـ/1263م - 1328م" المشهور باسم ابن تيمية، أحد أبرز العلماء المسلمين خلال النصف الثانى من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجرى، كانت مدينة حران التي ولد فيها قريبة من تمركز التتار في فارس، بعد انسحابهم من الشام؛ لهذا ظلّت تشهد كلّ فترة هجوماً عسكرياً تترياً عليها، فارتحل والده، عام 1270، إلى دمشق، بحثاً عن الأمان، وكانت آنذاك تحت حكم نائب السلطان الظاهر بيبرس.

اقرأ أيضا| إمام مسجد بالغربية: نصر الرسول بإتباع سنته وليس المقاطعة


كثير من المسلمين لا يعلم أن هذا الرجل له فتاوى غاية فى الأهمية اعتمد عليها أهل الفقه فى مسائل الطلاق والزواج والوصية وقد أكد الشيخ محمد أبوزهرة شيخ الأزهر. أن القوانين المصرية في الزواج والوصية والوقف وهي في القانون رقم (25لسنة 1929 م) مأخوذة من آراء ابن تيمية، مقتبسة من اختياراته، وشروط الواقفين والوصايا اقتبست أحكامها في قانوني الوقف والوصية من أقواله، وآراؤه لم تعمل في مصر وحدها، بل في الدول العربية والإسلامية، خاصة فتاويه في الثلاث تطليقات في المجلس الواحد، واعتبارها طلقة واحدة وليست ثلاث، أي البينونة الكبرى. 


ربط البعض بين فتاويه والتحريض على الإرهاب، بعد أن أصبح مرجعية كبرى بالنسبة لعموم المتطرفين، وتتلمذ على كتبه وأفكاره سيد قطب وأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وأبومصعب الزرقاوى، 


وكانت فتاوى ماردين والتترس هما لب الأزمة والخلاف وبسببهما يتعرض ابن تيمية اليوم إلى اتهامات بإباحة القتل وسفك الدماء وخلق أسس شرعية للإرهاب والاقتتال.. أما “فتوى ماردين”، وهي بلدة جنوب شرق تركيا، التي اعتمد عليها تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث شجع ابن تيمية في هذه الفتوى على محاربة المدينة وأهلها، وقسم البلاد إلى «دار إسلام» و«دار كفر»، وأعطى بذلك للمتطرفين فتوى تبيح لهم شن الحرب على أي مدينة وفرض أحكام الشريعة الإسلامية بفهمهم المتطرف ولابن تيمية أيضا فتوى أخرى خطيرة تدعى «التترس»، وتنص على أن ما يسمى «المجاهد» الذي ينوى استهداف «الكفار»، إذا وجد في طريقه مسلمين، فإنه يجوز له قتلهم من أجل الوصول إلى هدفه، تطبيقا لمقولة “إن الأبرياء يُبعثون على نياتهم” المشار إليها، وقد استند تنظيم “القاعدة” إلى هذه الفتوى وغيرها من فتاوى ابن تيمية، في تبرير قتل العراقيين بأعداد هائلة من خلال تفجير السيّارات المفخخة والعبوات الناسفة.


الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر يرى أن فتاوى ابن تيمية كانت مبرراً وسنداً قوى ارتكن إليه أصحاب الفكر المتطرف وكانت بداية تعرف الإرهابيين على ابن تيمية، كان استنادا إلى مجموعة من الفتاوى التى صدرت للجهاد ضد التتار وأهل ماردين-، ما يمكن التأريخ له بعام 1958 مع تأسيس أول مجموعة جهادية مصرية على يد نبيل البرعى، حيث وجد على سور الأزبكية كتيباً صغيراً يضم فتاوى جهادية لابن تيمية منها هذه الفتاوى، ولكن الإرهابيون حولوا الفتاوى ضد التتار وأهل ماردين إلى فتاوى لقتل المسلمين، ليلصقوا بالرجل ما لم يفعله.


دار الإفتاء أوضحت بعض الأمور التى يتغافل عنها الجماعات الإرهابية وكذلك من يريدون وصم ابن تيمية بالتأصيل للعنف فقالت، أنه وقع اختلال فى الفهم من بعض المتشددين حيث تعلقوا بفتوى ابن تيمية لأهل ماردين، دون الرجوع إلى أهل العلم والاختصاص، ليبينوا فحوى هذه الفتوى ومعناها والسياق الذى قيلت فيه، والذى أدى إلى هذا الاختلال هو عدم الوقوف على ظروف واحداث فتاويه وكذلك عدم استخدام المنهج العلمى فى كيفية توثيق النصوص وفهمها لدى علماء المسلمين.


وانتقى هؤلاء الأحَداث وغير المتخصصين فتوى ابن تيمية بشكل مُحرف، فحرفوا كلمة: «ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام» بكلمة «ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام»، وبذلك برروا أعمال القتل والعنف والتخريب وترويع الآمنين من المسلمين وغير المسلمين.


وأشارت الدار إلى أن غياب التوثيق فى فتوى ابن تيمية أدى إلى تحريفها بشكل أهدر كثيرًا من دماء المسلمين وغيرهم، بل وأضر بمقاصد الشريعة وأهدافها، وتسبب فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ووصمهما بالتطرف والعنف والإرهاب وبخاصة وإن ترجمة الفتوى إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية قد اعتمدت النص المُصَحَّف.


وتابعت الدار، أنه لا يجوز أن تكون فتوى ماردين لابن تيمية سندًا لاستباحة دماء الناس وأموالهم، واستباحة دم شخص معين أو ماله وانتزاع وظيفة المفتى والقاضى التى يوكل إليها إصدار الفتاوى والاحكام على الناس، وتقوم السلطات المختصة بتنفيذ ذلك الحكم، ولا يترك الحال لآحاد الناس أو لجماعة من الجماعات وإلا اختل الميزان.