قصص القرآن .. فتية آمنوا بربهم

الشعراوي
الشعراوي

يقول الحق:«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى»..نَحْنُ أي: الحق سبحانه وتعالى، فهو الذى يقصُّ ما حدث بالحق، فلو أن القاصَّ غير الله لتُوقّع منه الخطأ أو النسيان، أو ترك شيء من الأحداث لِهَوىً فى نفسه، إنما إنْ جاءك القصص من الله فهو الحق، كما قال فى آية أخرى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص..» إذن: هناك قصَص ليس بالحسن، وهو القَصَص غير الدقيق. فالقصَصُ القرآنى يضمن لك منتهى الدقة فى عرض الأحداث، ويُصوّر لك كل اللقطات، وكلمة قصة أو قَصَص تدلُّ على دقة التتبع.. ثم يقول تبارك وتعالى: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدى..»..هذا هو تفصيل القصة بعد أنْ لخَّصها القرآن فى المذكرة والبرقية السابقة، وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله: لقد ذكر ناسٌ هذه القصة من قبل، لكنها قُصَّتْ بغير الحق، وغُيّر فيها، لكن قَصّنا لها هو القَصَص الحق الذى لا كذبَ فيه.
فحقيقة هؤلاء أنهم فتية آمنوا بالله، وهذه قضيتهم التى ضَحَّوْا من أجلها، فلما آمنوا بالله تولاّهم ونوَّر بصائرهم وربط على قلوبهم، وزادهم إيماناً، وما أشبه هذه المسألة بالمعلِّم الذى يلمح إمارات النجابة والذكاء على أحد تلاميذه، ويراه مُجيباً حريصاً على العلم فيُولِيه اهتمامه ويمنحه المزيد من المعلومات.
ونلاحظ هنا أن هؤلاء المؤمنين الذين ضَحَّوْا بكلِّ شيء وفرُّوا بدينهم ما زالوا فى مرحلة الشباب، وهو مظنّة الانشغال بالدنيا والحِرْص على مُتعها، أما هؤلاء فقد انشغلوا بدينهم منذ صِغَرهم ليكونوا قدْوة ومثَلاً للشباب المؤمن فى كل زمان ومكان، فالفناء فى أهل الكهف: فناء إيمان وفناء عقيدة.
والحق سبحانه يقول: «وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا...». و»وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا» والربط يعنى أن تربط على الشيء وتشدّ عليه لتحفظ ما فيه، كما تربط القِرْبة حتى لا يسيل الماء، وتربط الدابة حتى لا تنفلت، وقد وردتْ مادة(ربط) فى القرآن كثيراً، منها قوله تعالى فى قصة أم موسى: «وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا..» أي: ربط على ما فى قلبها من الإيمان بالله الذى أوحى إليها أن تُلْقِيَ بولدها فى الماء، ولولا أنْ ربط الله على قلبها وثبّتها لانطلقتْ خلف ولدها تصرخ وتنتحب وتُلفِت إليه الأنظار:«كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لولا..».. أي: تكشف عن الخُطّة التى أمرها الله بها لنجاة موسى عليه السلام، وهكذا اطمأن قلب أم موسى، وأصبح فؤادها فارغاً أي: من الانفعالات الضارة، ومعلوم أن القلب هو محلُّ الانفعالات، بدليل ما يحدث فيه من اضطراب وزيادة ضربات وتدفُّق للدم عند الغضب مثلاً.. ولا يُسمَّى القلب فؤاداً إلا إذا توقّد بالمشاعر وتحرك بها، وربط الله على قلب أم موسى أحدث لها ضَبْطاً للشعور يحكم تصرفاتها فتأتى سليمة مُتمشّية مع الخطة المرادة.
«هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» وهنا يخبر أهل الكهف الفتية المؤمنون عن قومهم أنهم اتخذوا من دون الله آلهة متعددة، دون أن يكون لهم دليل أو حُجّة واضحة على صِدْق ما ذهبوا إليه من عبادة هذه الآلهة.