العالم بين يديك | بعد موت ديبى.. ما القادم بالنسبة لتشاد والساحل؟

 محمد إدريس
محمد إدريس

 مروى حسن حسين

فى تحول دراماتيكى، توفى الرئيس التشادى إدريس ديبى إيتنو نهاية الأسبوع الماضى متأثرًا بجروح أصيب بها خلال معركة مع المتمردين، وذلك بعد أيام قليلة من أنباء فوز الرئيس المخضرم بولاية سادسة فى آخر النتائج المؤقتة فى 12 أبريل 2021 بنسبة 79.3٪.

تطرح وفاة ديبى المفاجئة، تساؤلات عديدة حول مستقبل تشاد ومعضلة الأمن فى منطقة الساحل الكبير، وتداعيات ذلك كله على الحلفاء الدوليين.

ثمة حالة من الغموض وعدم اليقين حول أحداث تشاد، واحتمالات الصراع على السلطة أو مخاوف الانقلابات المضادة. بعد الإعلان عن وفاته يوم الثلاثاء، نصب الجيش التشادى نجل ديبى، محمد إدريس ديبى «المعروف أيضًا باسم محمد كاكا»، كرئيس لمجلس عسكرى مؤقت لمدة 18 شهرًا، بالرغم من ان الدستور التشادى، الذى تم تعليقه، يقتضى أن يتولى رئيس الجمعية الوطنية المسئولية فى حالة شغور منصب الرئيس أو إعاقته.

ثمة حالة من عدم اليقين إزاء ظروف وفاة ديبى وهل ثمة محاولة انقلاب من داخل الجيش. ويمكن اعتبار قرار الجيش تسليم السلطة لابن ديبى بدلاً من اتباع الأحكام الدستورية السارية يرقى إلى حد الانقلاب العسكرى. وقد رفضت قوى جبهة التغيير والوفاق هذا القرار باعتبار أن تشاد ليست ملكية، وأنه «لا يمكن أن يكون هناك انتقال للسلطة داخل العائلة الواحدة» .

ولعل ذلك يثير مخاوف من العنف فى المرحلة القادمة. فى حين أن نجل ديبى هو المسئول ظاهريًا، إلا أن استمرار حكمه غير مؤكد.

ففى سنه التى لا تتجاوز السابعة والثلاثين، سيتعين على كاكا اجتياز المعارضين الداخليين والخارجيين للاحتفاظ بقبضته على السلطة.

وقد تشعر جماعة الزغاوة العرقية الصغيرة التى ينتمى إليها ديبى، والتى تهيمن على أجهزة الأمن والاستخبارات، بالقلق من صعود الابن.

كانت الزغاوة -القاعدة الرئيسية لدعم ديبى- مصدرًا دائمًا للمعارضة، عندما قام ديبى بترقية أبنائه وبناته وأخيه إلى مناصب عليا، ما أثار غضب الزغاوة الآخرين الذين أرادوا دورهم فى السلطة. هناك أيضًا احتكاك متزايد بين العرب التشاديين والحكومة التشادية، التى أصبحت مستاءة بشكل متزايد من حكم ديبى.

كما أصبح الشعب التشادى، الذى عانى فى عهد ديبى على مدى عقود، أكثر جرأة فى السنوات الأخيرة ويمكن أن يحتشد ضد هذا الاستيلاء غير الدستورى على السلطة عندئذٍ سوف تكون فوضى عارمة تنتقل لدول الجوار الهشة وذلك هو السيناريو الكارثى.

اما بالنسبة للمتمردون الذين يتبعون المقاومة الوطنية لجبهة الوفاق من أجل التغيير فى تشاد، فيمكن أن يستأنفوا عملياتهم، التى جاءت على بعد 150 كيلومترًا من العاصمة فى توغلها الأخير.

والسؤال الرئيسى هنا هو ما إذا كان الجيش سيبقى مُخلِصًا لابن ديبى الجنرال محمد كاكا ويواصل الجهود لصد المتمردين المتقدمين باتجاه العاصمة؟. ربما يستجيب التشاديون الذين سئموا من حكم ديبى طيلة عقود ثلاثة لدعوات التغيير.

من المحتمل أن يواجه المجلس العسكرى التشادى المؤقت صعوبة فى الحفاظ على دوره الحاسم فى عمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية.

حيث تعد تشاد المساهم الرئيسى فى بعثة الأمم المتحدة فى مالى وجزء من قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات، لكن الجيش أرهق وعانى من خسائر كبيرة فى السنوات الأخيرة.

بينما نشر ديبى قبل وفاته كتيبة فى منطقة ليبتاكو- جورما فى الساحل بناءً على طلب من فرنسا، استدعت الحكومة مؤخرًا القوات إلى تشاد للمساعدة فى صد تمرد الجبهة.

ومن المرجح أن يتكثف هذا الاتجاه فى ظل الحكومة المؤقتة الجديدة، كان ديبى، القائد العام السابق للجيش، حليفًا رئيسيًا لفرنسا فى الحرب ضد التطرف الإسلامى فى إفريقيا، حيث استضاف قاعدة عملية برخان للجيش الفرنسى وقدم القوات الحيوية اللازمة لجهود حفظ السلام فى شمال مالى. وعليه فثمة تداعيات مهمة ترتبط بالوجود الدولى فى تشاد ومنطقة الساحل.

من المحتمل أن يدعم رعاة تشاد الأجانب، ولا سيما فرنسا، الحكومة الجديدة-بما يتفق مع دعمها لديبى-لحماية مصالحها الأمنية على افتراض أن العمليات، إذا توقفت مؤقتًا، ستستأنف عندما يعزز كاكا سيطرته.

الواقع الجيوسياسى لتشاد يضفى بعدًا آخر لميراث مرحلة ما بعد ديبى. وعليه ينبغى فهم تطورات الأحداث فى إطار السياق العام، حيث أن تشاد دولة حبيسة محاطة بمناطق مختلفة تمثل بؤرًا ملتهبة للتوتر والصراع، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومنطقة البحيرات التى تضم الكاميرون ونيجيريا والنيجر وليبيا ودارفور بالسودان.

قد يؤدى رحيل الرئيس ديبى إلى تردى الوضع الأمنى خلال الفترة القادمة، نظرًا لوجود مجموعة من التهديدات، بما فى ذلك الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية والتوترات العرقية.

لقد تم إغلاق حدود تشاد مع ليبيا فى عام 2019، لكنها لا تزال مليئة بالثغرات؛ حيث أعطى الصراع الأهلى فى ليبيا الجماعات المتمردة الفرصة لإعادة تجميع صفوفها دون مراقبة ذات معنى، مما يشكل تهديدًا لكل دول الجوار.

كما أن الاشتباكات الطائفية العنيفة مستمرة بين رعاة الماشية من جماعة الزغاوة العرقية والمزارعين من جماعة الوداى فى شرق تشاد، على الرغم من الجهود الحكومية للسيطرة على العنف.

ومن المرجح كذلك أن يحاول الجيش الوطنى احتواء الاضطرابات فى هذه المنطقة، حيث يواجه تهديدات أمنية أخرى، بما فى ذلك تلك التى تشكلها جماعة بوكو حرام، التى تنطلق من نيجيريا وتنشط فى منطقة بحيرة تشاد.

وعلى أية حال، فإنه على الرغم من ذلك الوضع الأمنى السيئ، لا يزال الجيش التشادى من أقوى جيوش المنطقة ومن المرجح أن يظل مواليًا لخليفة الرئيس الراحل إدريس ديبي؛ مما سيدعم الاستقرار السياسى وبقاء النظام.

ولعل الشراكة الاستراتيجية التى يمثلها الجيش التشادى لكل من فرنسا والدول الغربية فى جهود محاربة الارهاب فى منطقة الساحل تؤكد هذا الاتجاه.