يوميات الأخبار

محدش بيتعلم ببلاش

 د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى

ادعوا كتير فالدعاء يغير القدر.. الدعاء هو دوا القلوب..

بعد مرورى بتجربتَيْ فقد لأغلى وأعز شخصين فى حياتى أبويا وأمى - رحمة الله عليهما - اللى انتقلوا إلى الرفيق الأعلى وأخدوا روحى معاهم، اسمحولى أشارككم بدروس علمتهالى الدنيا، بعضها قاسى للغاية مقدرتش أتجاوزه بسهولة ولسه بعافر عشان اتجاوزه والبعض الآخر قسوته صنعت منى انسانة أقوى وأنضج وواعية أكتر والأهم من ده انى اتعلمت أحس بالناس أكتر..
أهم درس اتعلمته ان ملكش غير ربنا سبحانه وتعالى، طبعاً ده من الثوابت وكلنا مؤمنين بكده بس وقت الابتلاءات بتزداد يقين ان لا ملجأ لنا الا الله عز وجل..

صح لينا أهلنا وحبايبنا وأصحابنا ربنا يبارك فيهم بس فى لحظات معينة فى الفقد بتلاقى نفسك فيها واقف بطولك...

وحيد حتى لو حواليك ناس كتير، حتى أقرب الناس ليك مش قادر توصلّهم احساسك.. مش عارف تقولهم انت مالك بالظبط، لدرجة ان ساعات البُكا نفسه بيبقى عزيز ومش قادر تطوله عشان ترتاح بيه..

فبتقرر انك تتعايش لإن الدنيا لازم تمشى ودى سُنّة الحياة لكن الوجع اللى فى قلبك هيفضل سر بينك وبين ربنا لإنه سبحانه وتعالى الوحيد القادر انه يلهمك الصبر ويريح قلبك ولإنك لما هتدّق على أبواب البشر لازم هتتعرض فى كذا مرة لخذلان يخليك تراجع نفسك وتتيقن أكتر ان ملناش غير اللى خلقنا...

وساعات الخذلان بيكون لطشة قلم تفوّقك وتعرّفك مين اللى انت فارقله ومين انت بره حساباته فبتعيد ترتيب ناس فى حياتك وبتخرّج ناس تانية وجودهم زى عدمه...

الخذلان مش كله عيوب زى ما ناس كتير فاكرة؛ بالعكس أهم ميزة فيه انك بتعرف فيه الناس على حقيقتها وبتفلتر من خلاله علاقات كتير ملهاش داعى تستمر..

 اتعلمت ان كل واحد عنده قاموس خاص بيه لمشاعره هو وبس، لإن كل شخص رد فعله بيختلف عن التاني، حتى لو كنتوا تؤام فا هتتفاجئوا ان ردود أفعالكم مختلفة عن بعض حتى فى نفس الموقف..

و من حق كل واحد يحترم مشاعر التانى حتى لو بالنسباله الطرف التانى مزّودها...

يعنى فى شخصيات أول ما تعرف خبر صادم رجليها مبتقدرش تشيلها ومش بتعرف تسيطر على دموعها وفى شخص تانى بيكون منهار من جواه بس واقف زى الأسد وصالب طوله ومتماسك ودموعه متحجّرة فى عنيه ومش بتنزل..

كل واحد ليه طريقته فى التعبير عن مشاعره وليه طريقته فى تجاوز المواقف الصعبة.. ومينفعش نستخف بأى طريقة يقرر شخص يستخدمها عشان يعدّى فترة صعبة فى حياته..
اتعلمت انى محكمش على أى شخص من المظهر الخارجى أو من تصرف شوفته من منظورى انا..

لإن غالباً نظرة أى شخص بره الموضوع بتكون سطحية لأقصى درجة...

فى ناس لما بيكونوا فى عز المصيبة بتعرف تكون هادية ومتماسكة وممكن تلاقى كمان بسمة خفيفة على وشهم وبيكون كل الهدوء ده لُطف من ربنا سبحانه وتعالى فا بيتحكم عليهم ظاهرياً انهم مش فارقلهم حاجة ومُغيبين..

مع ان محدش بيكون عارف ايه اللى متدارى جوه القلوب...

و لا حد بيكون عارف حال الشخص ده ايه لما بيقفل على نفسه باب أوضته ويكون لوحده...
محدش عارف كام مرة الشخص ده سجادته اتغرّقت من كُتر البُكا وهو بيصلى وبيشكى حاله لربنا عشان مهما اتكلم مع البشر محدش هيفهم ايه اللى جواه بالظبط...

اتعلمت انى مجيش على نفسى ولا أكتم مشاعرى عشان خاطر أمثّل انى كويسة لحسن حد يقول انى بقيت نكدية أو قعدتى كئيبة...

طبيعى لما شخص يكون فى عز الابتلاءات هيكون بنى آدم حزين ومكسور وروحه تايهة منه.. وطبيعى ان الناس تقدّر حاجة زى كده وتتقبله فى وضعه الحالى من غير ما تضغط عليه أو تجبره انه ميكونش على طبيعته عشان يرتاح من زّنهم وهجومهم...

فى مجتمعنا فى نغمة اسمها (انت بتتدلع) بتتقال مهما كان حجم المصاب لما اللى حوالينا بيقرروا مع نفسهم ان كفاية زعل لحد هنا.. بيشيلوا الشخص صاحب المصاب من حساباتهم وبيقرروا وهما بره الموضوع أساساً ان كفاية حزن لحد كده، مع ان هما نفسهم لما بيتعرضوا لمشكلة بسيطة بيقوّموا الدنيا ومبيقعدوهاش!

اتعلمت ان فى ناس كده كده مش هعجبهم، حتى لو طاوعتهم وعملتلهم اللى يريحهم وهيستنولى أى غلطة عشان يقلبوا عليا، ففهمت انى آخدها من قصيرها وأريح نفسى طالما مش بأذى حد، عشان لو جيت عليها طبيعى ان أى حد تانى هييجى عليها وساعتها ملومش غير نفسي...

الغريبة ان فى ناس مش بتسكت ولا بتخليها فى حالها، يعنى لو حد عنده ابتلاء قوى وما استسلمش للحزن وقام واشتغل وقاوم وتعايش يلوموا عليه انه مش حزين على اللى راحوا وانه بلا مشاعر وان معندوش دم...

ونفس الناس دى لو لقت شخص متقوقع على نفسه وحزين وداخل على اكتئاب يلوموه انه مش صابر على الابتلاءات ويجرحوه بكلامهم مع انهم لو اتحطوا فى مكانه ممكن جداً مكانوش يستحملوا رُبع اللى الشخص اللى بينتقدوه استحمله..

عشان كده نصيحة لوجه الله اوعوا تمثلوا أو تداروا مشاعركم عشان ترضوا ناس كده كده مش هتعجبهم تصرفاتكم أياً كانت...

لإن كل حاجة لازم تعدّى بمراحل وطبيعى ان الحزن يعدّى بمراحل فخدوا وقتكم...

عرفت ان ساعة الجد هتلاقى قلة قليلة بس هى اللى جنبك بجد، متفرحش بلّمة الناس حوليك فى كومنتات على الفيس بوك أو فى أيام مصابك الأولى...

الناس الجدعة هى اللى بتفضل جنبك بعد المولد ما بينفضّ.. بعد ما اللّمة الكدابة تتفركش، بعد ما الحياة تلهى الناس...

هتلاقى كام شخص - ويبقى حظك حلو لو لقيتهم - بيسأل عليك، بيوّدك، حاسس بيك حتى لو ممرش بظروفك بس دايماً بيقولك انه جنبك وقبل ما تحتاجه هتلاقيه...

اتعلمت ان العيش والملح دى جملة اتقالت فى كذبة ابريل... مبقاش المقياس خالص دلوقتى عِشرة السنين أو مين دخل بيتك واكلتوا سوا... الكلام ده بقى نادراً ما يحدث الا لو حظك حلو والحاجة داعيالك...

انا فى كل وفاة وشدة اتصدمت فى ناس عزيزة على قلبى ولما كتبت كده اكتشفت من ردود الناس ان ده حصلهم هما كمان وان دى ظاهرة غريبة انتشرت ما بيننا...

اللى اتربيت عليه ان لو الناس مقاطعة بعض بنييجى عند الوفاة ووقت العزا وكل الخلافات دى بيتنسى والناس بتقف جنب بعضها، وكتفها فى كتف بعض لكن استعجبت أوى لما حصل العكس!

تفسيرى الوحيد للظاهرة دى ان سبحان مُقلب القلوب... وان ربنا فى عز أزمتك بيحطك فى مواقف عشان تتيقن ان ملكش غيره عشان لا ملجأ من الله الا اليه...

بقولها تانى اوعوا تكتموا مشاعركم، الأحزان المتخزّنة لما بتتراكم بتخلّى صاحبها ينهار وينفجر على أهون الأسباب..

ظُن بالناس خير بس بلاش العشم ياخدك بزيادة..

اعمل بأصلك انت وبتربيتك انت من غير ما تتأثر أوى بردود فعل الناس معاك لو اتحطيت بعدها فى نفس الموقف عشان متتصدمش، انا عارفة ان كل انسان لما بيعامل حد كويس بينتظر منه معاملة بالمثل بس خلاصة المواقف اللى بتحصل دلوقتى انك تعمل الخير وتتعامل بالأصول والخير اللى عملته هيلف ويرجعلك؛ ممكن جداً مع أشخاص تانية وفى مواقف تانية بس ثق ان الخير لا يبلى ومفيش خير بيتعمل وبيترمى البحر...

كله كاس وداير وكل ساقٍ سيسقى بما سقى...

اجبروا بالخواطر... دى عبادة من أهم العبادات وكتير بيغفل عنها..

الكلمة الطيبة صدقة وبقت صعبة فى الزمن ده على ناس كتير، ابدأ بنفسك وخليك انت النموذج الحلو اللى نفسك تقابله فى أشخاص تاني..

لما تلاقى حد مهموم وحزين احتويه.. طبطب عليه... ما تستهونش بألمه... اوعى تستخف بمشاعره وتحسسه انه بيتدّلع..

و اتمنى ان أى شخص مش قادر يدعم شخص تانى يلتزم الصمت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبحان الله أساس العلاقات كلها فى الدين بس فى ناس ساعات بتتباهى بالكلام الجارح والردود القاسية وانها كتمت فلان لما اتكلم أو خلته ميعرفش ينطق...

كلمتين لكل شخص مهموم لأى سبب ما... ولكل شخص مُبتلى: ربنا قادر يزيح همك ويريح قلبك.. ادعى ربنا من قلبك وبكل اللى جواك وتيقن بالاجابة..

انت مش لوحدك، ربنا كبير..

كلنا بلا استثناء تعرضنا لخذلان فى مواقف لا تحتمل الخذلان بس فهمنا الحكمة بعدين، ان ملناش غير ربنا وحده واننا نُحسن الظن بالناس بس منتعشمش بزيادة عشان منزعلش، اتعلمنا ان كلنا محطات فى حياة بعض، واللى كنت معاه انهارده ممكن جداً يفارقك وتفارقه بكرة لأسباب كتير...

احترم مشاعرك واحترم أحاسيسك ومتجيش على نفسك ابداً ومتكتمش أحزانك عشان تقدر تعدّى محنتك وتتجاوزها، انكار الألم مش بيعالجه بالعكس ده بيأخر الشفا منه وبيزود فترة الوجع والمعاناة...

تقبل انك بعد كل ابتلاء بتتحول لشخص تاني، وده الطبيعي، والا مكنش هيبقى فيه حكمة من الابتلاءات دي، ممكن تكون شخص حزين أكتر أو حساس أكتر بس هتكون أقرب لربنا سبحانه وتعالى وأنضج ومش أى موقف سئ من الناس بعد كده هيأثر فيك زى الأول، على رأى المثل (ياما دقت على الراس طبول)..

ادعوا كتير فالدعاء يغير القدر..

الدعاء هو دوا القلوب..

وادعوا لحبايبكم اللى حاسينهم متغيرين أو مش قادرين يخرجوا من محنتهم ان ربنا يربط على قلبهم وتهادوا الدعاء والحب بالغيب... وكل الحلو هيتردلكم ان شاء الله..