يجب إعادة اكتشافها روائياً ودرامياً

حكايات المصريين القدماء.. ينابيع أدب

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

كتب/ حسن حافظ

بعرضٍ ساحر خطف الأنظار وبات حديث العالم كله، عادت شمس الحضارة المصرية القديمة، مع حفل نقل المومياوات الملكية من المتحف المصرى إلى متحف الحضارة بالفسطاط، قبل نحو أسبوعين، ليعود الحديث عن التراث المصرى القديم الذى يمكن أن ننهل منه، فهناك الكثير من القصص التى يعج بها تاريخ مصر القديمة ويمكن استعادتها قصصياً وروائياً ودرامياً للتركيز على منتج الحضارة المصرية الأساسي. "آخرساعة" تستعرض أشهر القصص الفرعونية وتقدمها لمَنْ يهمه الأمر من الروائيين وكتاب القصة والشعراء ومبدعى الدراما لإعادة تقديمها فى صورة معاصرة تناسب ذائقة المصرى المعاصر.

اسنوحىب‭ ‬واالفلاح‭ ‬الفصيحب‭ ‬واالملاح‭ ‬الغريقب‭ ‬الأشهر‭.. ‬واسبنىب‭ ‬نموذج‭ ‬للوفاء‭ ‬للآباء‭ ‬

اللص‭ ‬الذكى‭ ‬قصة‭ ‬تسبق‭ ‬على‭ ‬الزبيق‭ ‬وروبن‭ ‬هود‭ ‬وقصص‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬بمئات‭ ‬القرون

نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬استوحى‭ ‬إحدى‭ ‬قصصه‭ ‬من‭ ‬اسنوحىب‭.. ‬والحكيم‭ ‬اهتم‭ ‬بأسطورة‭ ‬اإيزيسب

القصص التى تعود إلى مصر القديمة كثيرة، والقيم التى تحملها عظيمة، فالإنسان المصرى عاش فى قلب الطبيعة وفى علاقة مفتوحة معها، لذا كان يرى أنه يجب أن يحترم كل ما تقدمه الطبيعة له باعتباره جزءا من احترام الطبيعة الأم، التى تجسدت فى صورة الآلهة، كان النيل هو الرمز الأكبر للطبيعة والتجسيد الأعظم لها، فهو سر حياة المصريين والمنظم الأساسى لحياتهم والمايسترو لدورة الحياة بداية من الفيضان ثم انحسار المياه عن الأرض الغنية بالطمى ليبدأ المصرى فى زراعتها، ثم ينتظر تحت الشمس الدافئة حتى يوم يحصد المحاصيل.

فرض النهر إيقاعه على حياة المصرى القديم، فالفترة من يونيو إلى سبتمبر تعرف بفصل "أخت" أى الفيضان، وهى فترة يتفرغ فيها المصرى للراحة والأعمال الإبداعية سواء كانت منشآت ضخمة كالأهرامات أو المعابد، أو يتفرغ لتلاوة القصص التى يستخلص منها الحكمة، وفى فصل "برت" أى بذر الحبوب، وهو فى الفترة من أكتوبر إلى فبراير، يحرث الفلاحون حقولهم وينتهون من زراعة الأرض الخصبة، ثم يأتى فصل "شمو" أى الحصاد، من فبراير إلى مايو، بحسب ما ذكر دون ناردو فى كتابه عن "الأساطير المصرية".

وتبدو أسطورة أوزيريس وإيزيس إحدى أهم الأساطير المصرية التى يمكن تطويعها فى العديد من القصص المصرية الحديثة، وقد سبق أن قدمها توفيق الحكيم فى مسرحية "إيزيس"، وقدم على أحمد باكثير مسرحية "أوزيريس"، وغيرها من الأعمال الأدبية التى تناولت هذه الأسطورة التأسيسية فى الحضارة المصرية، والتى تعكس خلاصة فلسفة المصرى القديم حول العلاقة الجدلية بين الخير والشر والصراع الأبدى بينهما، وكيف أنه رغم انتصار الشر الظاهرى فإن الأمل لا ينقطع ويعود الخير والحق للانتصار فى صورة الابن الموعود حورس الذى يقمع الشر والظلم ويعيد ضوء شمس الحق والعدل على ربوع مصر كلها، أليس فى هذه الأسطورة بعض مشاهد من الأحداث المعاصرة التى عاشتها مصر فى السنوات الأخيرة؟ وتقدم إيزيس فى هذه الأسطورة صورة عظيمة للمرأة المصرية التى تكافح حتى تصل إلى مبتغاها، تجمع أشلاء زوجها القتيل وتعيد توحيده كأنها تؤكد على وحدة الأراضى المصرية، واستحالة تقسيم هذا البلد الأمين.

ويرصد دون ناردو فى كتابه قصة أخرى تتعلق بإيزيس تكرس دورها كأم، فعبر رعاية وحماية ابنها الرضيع حورس تحمى كل الأطفال، إذ أخبرها الإله تحوت أن ست يبحث عنها وعن حورس ليقتلهما، ونصحها بالالتجاء إلى أحراش الدلتا والاختباء داخلها حتى يكبر حورس ويأخذ بثأر أبيه، ولكى تستطيع إيزيس القيام بالمهمة، أرسل معها تحوت سبعة عقارب ضخمة لحمايتها من شر ست ومؤامراته، ونجحت العقارب فى مهمتها فكبر حورس فى أمان وعاد الشاب وانتقم لمقتل والده وجلس على عرش مصر بعدما طرد ست إله الشر والخراب.

من القصص الأسطورية التى تعبر عن رد فعل الطبيعة إذا ما أهملها البشر، أسطورة انتقام الإله رع من المصريين، الذين هجروا عبادته ولم يهتموا برعاية النهر والأرض، فتكرر أن يرسل ابنته حتحور لتقتل المصريين والتى انهمكت فى مطاردة الجميع، حتى اقتربت من فناء البشر، لذا لجأ رع لحيلة مع الكهنة بإعداد كميات كبيرة من الخمر وصنع منها بحيرة ضخمة فى المكان الذى تنام فيه حتحور، التى ما إن استيقظت حتى فرحت بالبحيرة وظنتها من دماء البشر، فشربت حتى الثمالة ونسيت لماذا أرسلها والدها إلى مصر أصلاً.

إذا تركنا الأساطير المتعلقة بالآلهة ونظرنا للأساطير والقصص المرتبطة بالبشر نجد الكثير من النماذج، ربما يكون النموذج الأشهر قصة سنوحي، التى قدمها مايكا وولتارى فى شكل روائى حديث، وهى واحدة من أشهر القصص الفرعونية طوال تاريخ مصر القديمة، وتحكى القصة مجهولة المؤلف قصة تغريبة سنوحى الذى ترك الجيش وهام على وجهه، ثم التحاقه بقبيلة آسيوية حتى أصبح حاكما لها، وبعد سنوات وسنوات يستبد به الشوق لمصر فيعود بعد أن حصل على عفو من الملك، وهى التى استوحى منها نجيب محفوظ قصته القصيرة "عودة سنوحى".

من القصص المصرية التى تنقلنا إلى أجواء على الزبيق وروبن هود، قصة مصرية قديمة حفظها لنا هيرودوت، إذ تحكى القصة الخيالية عن ملك مصرى اسمه رامبسينيتس، الذى كان أغنى شخص فى العالم، بما يمتلكه من كنوز غير محدودة، والذى أمر ببناء غرف لإخفاء كنوزه بلا نوافذ وبباب واحد فقط، لكن المهندس الذى بنى الغرف، كان رجلا ذكيا فعمل على قطع أحد الأحجار الموجودة فى الجدار الخلفى من الخارج إلى جزأين منفصلين، وثبت الجزء الأول فى مكانه ولكنه أبقى الجزء الآخر غير محكم، بحيث يحركه شخص واحد بأقل مجهود. وبعد سنوات وعلى فراش الموت أفضى المهندس بالسر الخطير لابنيه لكى يحصلا على جزء من الكنز، وبدأ الولدان بعد موت والدهما فى تنفيذ وصيته بالفعل نجحا فى سرقة كنز الفرعون الجشع الذى حرم المصريين من خيرات بلدهم، لكن الملك وضع شركا فى إحدى غرف الكنز، فسقط فيه أحد الأخوين، والذى طلب من أخيه أن يفصل رأسه عن جسده لأن الملك لو عرف هويته سيطارد الأخ الطليق وبقية الأسرة، وبالفعل يجد الفرعون جثة بلا رأس، ويبدأ البحث عن اللص الذى يرد بمغامرات تذكرنا بأجواء لص بغداد وألف ليلة وليلة، وتنتهى القصة بخضوع الفرعون أمام ذكاء اللص ويعينه كمستشار الملك ويزوجه من ابنته للاستفادة من ذكائه فى إدارة المملكة ومساعدته فى التخلص من عادته الجشعة.

ومن القصص المهمة فى التراث الفرعونى قصة الفلاح الفصيح، الذى يطالب فى شكاوى مساعدة السلطة المركزية، وقصة الملاح الغريق التى تقوم على تقنية قصة داخل قصة داخل قصة، وهو أسلوب قصصى نجده بكثافة فى بنية ألف ليلة وليلة، وتقوم القصة الأساسية على سفينة فى نهر النيل وعليها مبعوث الملك، الذى يصاب بالكآبة بسبب فشل مهمته فى النوبة، وانشغل بكيف سيبرر هذا الفشل أمام الملك، هنا يظهر مساعده الذى يحكى له عدة قصص متداخلة من أجل تهدئة خاطره.

ولدينا قصة تعود إلى عصر الملك بيبى الثانى آخر ملوك الأسرة السادسة، وذكرها سليم حسن فى موسوعته "مصر القديمة"، وهى قصة تقوم على احترام ذكرى الآباء، فالبطل هو "سبني"، حاكم إلفنتين أى حارس البوابة الجنوبية لمصر، والذى قرر القيام بحملة فى أدغال إفريقية لاستعادة جثة والده "مخو"، بعدما تعرضت له قبائل إفريقية وذبحته، وبعد مغامرات نجح "سبني" فى مهمته واستعاد جثة والده، وكتب قصة وفائه على مقبرته التى لا تزال موجودة إلى الآن بتلال أسوان، وقد سجل "سبني" قصة استعادة جثة والده والانتقام من قاتليه داخل جدران المقبرة.

من جهتها، ترى الروائية سلوى بكر، صاحبة التجربة الرائدة فى استدعاء التاريخ فى رواية "البشموري"، أن أهم شيء فى استدعاء التاريخ المصرى القديم والأدب الفرعوني، وهو وجود رؤية ومنظور فى المقام الأول، وتوافر جوانب معرفية عند المبدع الذى يتصدى لاستدعاء التاريخ المصرى القديم، وأضافت لـ"آخرساعة": "عندنا مثال واضح رواية سنوحى لمايكا وولتاري، والتى قدم فيها متخيل روائى على مرتكز أسطورة وقصة سنوحى التى تعود إلى عصر مصر القديمة، وهنا إذا استدعينا أى قصة أو أسطورة فرعونية يجب أن يكون ذلك برؤية وتحليل للعصر، فاستدعاء الأدب والتاريخ يجب أن يكون فيه جوانب معرفية تاريخية".