أمس واليوم وغدا

إلى من يهمـــــه أمر الوطن «2»

عصــام السـباعى
عصــام السـباعى

١ ــ الاعتذار لا يحتاج إلى استكبار!

جزء كبير من النجاح فى أى عمل مرتبط بالالتزام بمعايير المهنة، وقيمها الأخلاقية والسلوكية، ويرتبط جزء كبير من تلك المعايير فى مهنة الإعلام بمعيار الموضوعية، فهو الميزان الحساس الذى يعطى لأى نشاط إعلامى قيمته ومصداقيته لدى القارئ أو المتابع، والرأى العام على وجه الإجمال، وعلى هذه الخلفية وصلنى عتاب، كان بالنسبة لى أقرب إلى قطع الرقاب، بوجود انتهاك فى العدد السابق من مجلة «آخرساعة» لقيمة الموضوعية، وبالتحديد حول تغطيتنا لما بعد الإعلان عن الكشف الأثرى الكبير للمدينة الذهبية المفقودة فى الأقصر، فقد كان المحور الرئيسى للتغطية حول الذين انتقدوا  ذلك الكشف، وقالوا إنه مجرد إعادة اكتشاف لموقع قديم، لكنوز ليس لها آخر تحتضنها أرض مصر وخاصة فى الأقصر وأسوان، ومثل ذلك الجدل العلمى، يعتبر من وسائل الترويج للسياحة المصرية بكل ما تحمله من عظمة وما تخفيه من أسرار، ولكن ماغاب هو الموضوعية، حيث كان من الضرورى أن يتضمن كذلك ردود أصحاب الكشف عليها سواء الدكتور زاهى حواس وفريقه العلمى  أو وزارة الآثار نفسها، وليس فى عدد تالٍ من المجلة.
كان العتاب فى محله، وكذلك كان غضبى من ذلك الانطباع الذى ظهر، والخطأ اللوجستى فى التنفيذ، وهكذا كان حرصى على طرح الموضوع أمام مجلس تحرير المجلة، بضرورة مراعاة الموضوعية، فحماية الممارسات المهنية والأخلاقية، كانت ولازالت شغلى الشاغل، وافتخر أننى كنت عضوا فى أول فريق علمى رأسه أستاذنا الجليل الراحل د.خليل صابات، قام بإعداد أول تقرير للممارسات المهنية والأخلاقية فى الصحافة المصرية، أيام الدكتور صبحى عبد الحكيم رحمه الله عندما كان رئيسا لمجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة، وكنت وقتها فى نهاية عام 1985 معيدا صغيرا لم يمض على تعيينه بضعة أسابيع، وحملوه مسئولية أصعب مهمة، وهى رصد التجاوزات فى صحف المعارضة، وكان فى مقدمة تلك المبادئ التى نرصد أى انتهاك لها، مبدأ الموضوعية، واستمر الأمر لسنوات بعد ذلك تحت إشراف الصديق د. عصام فرج، وتمر الأيام والسنوات وأنا أحافظ على الموضوعية وأخويها الصدق والدقة، وأنصح زملائى بعدم البعد عنها، وفجأة أجد نفسى وقد فعلتها وللمرة الأولى فى حياتى!

ولا يكفى الكلام فى مثل تلك المواقف، ولذلك أسجل اعتذارى، ولأن الاعتذار لا يحتاج إلى استكبار أو تبرير ولو بالمرض، فقد بادرنا إلى استكمال الموضوع، دونما أن ننتظر تصحيحا أو ردا من أحد، وفوق كل ذلك اعتذار عن أى ضرر أدبى قد مس أيقونة علماء الآثار فى مصر الدكتور زاهى حواس، أو أى أثرى عمل فى ذلك الكشف، ونحن نتحمل تلك المسئولية الأخلاقية، لأن ذلك يسمو بنا ويرفع من قدر مهنتنا، ويحافظ على أقدار وقيمة من يستحقون أن نحافظ عليها، بغض النظر عن أى شيء آخر، وكلها قيم لطالما أكد عليها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وكانت المحور الرئيسى لكلمات المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية  للصحافة، ولأجل الوطن والمهنة والمعايير الأخلاقية وجب الاعتذار، وكان الأجمل هو مضمون الاتصال الكريم الذى تلقيته من الدكتور زاهى حواس، ومنتهاه أن قدره قد زاد عندى، والأهم أننا حصلنا منه على معلومات جديدة عن كشفه الأخير .

٢ ــ  ما هو أهم  من الربح والخسارة !

الهيئة الوطنية للصحافة، احتفلت بتوفـــــيق أوضـــــــــاع الإصــــــدارات الصحفــيـة للمؤسسات القومية وذلك تنفيذا لقانون 2018 الذى ألزم كل الإصدارات الصحفية بتوفيق أوضــــــــاعـهــــا بمـوجـــــــب أحكامـــــــه، والتصريحات التى صدرت فيه لا تقل أهمية عن الحدث نفسه، جاء أولها من الكاتب الصحفى الكبير كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذى أكد أن الصحافة القومية خاضت معارك كثيرة وكانت دائما سندًا وظهيرًا للدولة فى أشد التحديات ودافعت عنها واستطاعت أن تواجه الجماعات الإرهابية بالتعاون مع مختلف أجهزة الدولة، ونفس المعنى قاله المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة  الوطنية الذى أكد الدور المهم للمؤسسات الصحفية القومية وإصداراتها، فى دعم الوطن، باعتبارها جزءا أصيلا من الأمن القومى وخط الدفاع الأول عن الدولة المصرية، وكذلك الكاتب الصحفى الكبير  خالد ميرى رئيس تحرير جريدة الأخبار وأحد كبار النقابيين المصريين والعرب، وبالفعل فلا يمكن الحكم على المؤسسات الصحفية والإعلامية القومية بمعيار الربح والخسارة، وقوائم الإيرادات والمصروفات، والحقيقة أن هناك أرباحا كثيرة قد لا تستوعبها تلك القوائم، ودوراً مهماً لا تستطيع أن تحتويه الأرقام، وربما يكون عائده الفعلى والوطنى أضعاف أضعاف المصروفات، وعلى سبيل المثال، مجلات الأطفال التى تصدرها المؤسسات، وتساهم فى تشكيل وتنشئة رجال مصر فى المستقبل وخلق قارئ المستقبل للصحافة الورقية، هل يمكن محاسبتها بمعيار الربح والخسارة؟! وقس على ذلك مئات البرامج الإذاعية والتلفزيونية ؟ مجرد سؤال ربما أعود لمناقشته بالتفصيل  فيما بعد.

٣ ــ دراما فى عشق الوطن

 النجاح الكبير لمسلسل «الاختيار» فى رمضان 2020، كان مقدمة لمرحلة جديدة للدراما المصرية، يتجاوب فيها كل واحد منا مع كل مشهد أو تطور فى  العمل الفنى، لأنه يشعر أنه أحد أبطاله، أنه جزء من حياته، صورة حقيقية طبق الأصل من يومياته، وهكذا كان الأمر مع ثلاثة مسلسلات من نوع خاص  يعيش فيها المشاهد، ولا أقول يشاهدها أو يتابعها، وهى مسلسلات «الاختيار 2» و«هجمة مرتدة» و«القاهرة - كابول»، ولم يكن غريبا أن يكون كل عمل منها من بين المسلسلات الأكثر مشاهدة فى الماراثون الرمضانى، سعيد جدا بتلك الأعمال ..

سعيد جدا بذلك التجاوب والتفاعل وحالة الاندماج معها، ومع ما تثيره من قضايا، وهى حالة تؤكد لنا مجددا أهمية القوى الناعمة الدرامية فى توطيد الجبهة الداخلية المصرية فى حربين ضروسين تخوضهما مصر، الحرب ضد الإرهاب وقوى الشر، وحرب التنمية الشاملة التى تستهدف الإنسان وكل ما يتعلق بتحسين جودة حياة المصريين، واستحقت تلك الأعمال وعن جدارة تلك النسب من المشاهدة، وتلك الحالة الراقية من الفن الدرامى، واسمحوا لى أن أقول وبكل صراحة إنها أعمال مختلفة، لن تجد فيها إلا ما هو أصيل ومقبول ويتناسب مع القيم الأخلاقية وأخلاقيات الأسرة المصرية، لن تجد فيها سبابا، ولن تجد فيها ذلك الحجم الكبير من العنف ضد المرأة..  الأم والأخت والزوجة أو أى سيدة .. لن تجد فيها ضرب الأزواج لزوجاتهم أو حتى ضرب الزوجة لزوجها، لن تجد فيها حكايات شاذة، سواء من تحرش أو اغتصاب وغير ذلك، أو ما يعزز الكراهية بين أفراد الأسرة الواحدة، لن تجد فيها الحجم الكبير لشرب السجائر وتعاطى المخدرات والخمور، وتجميل صورة البلطجة فى عيون الشباب، ويبقى الرجاء أن يتم إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المشاهدين بمتابعتها، وذلك بفتح الباب أمام المشاهدة المفتوحة لها على اليوتيوب وغير ذلك من الوسائل المشابهة، كم أتمنى أن يستمتع وأن يعيش المصريون لحظات الوعى والرقى مع ذلك الفن الرفيع، وأن يدرك الجميع مراعاة الدور المهم للدراما فى خلق الوعى، وتوحيد الصفوف وتهذيب السلوكيات والترويج للقدوة الحسنة الحقيقية التى تجعل الجميع  وبنعومة وتلقائية، يلتف حول علم الوطن.

٤ ــ وداعا شيخنا ونقيبنا وكبيرنا

رحل عن دنيانا الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مكرم محمد أحمد، رحل الأستاذ وشيخ الصحفيين.. رحل رجل المواقف الصعبة.. فارس المعارك المهنية.. رحل النموذج الصادق للكاتب الوطنى المسئول.. فقدنا أحد عمالقة الصحافة المصرية والعربية، وأحد النقابيين الأفذاذ فى تاريخنا النقابي، لم يزايد ولم يتجاوز ولم يتخل عن مسئولياته فى يوم ما، وطبق بأعماله ما كان يؤمن به بشأن مهنته، فقد كان يرى أن الصحافة رسالة تهدف إلى تحقيق خير الإنسان وتقدمه.. أشهد أنى تعلمت منه الكثير، فى البدايات وحتى تلك اللحظة.. كانت آخر مهمة عمل رافقته فيها خلال القمة  العربية  بالكويت عام 2009.. كان شيخنا ونقيبنا وكبيرنا.. وكان يزاول المهنة وكأنه ما زال يبدأ مسيرته المهنية .. رحم الله الأستاذ .